شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ب- المقالة التراثية
وأما مقالاته عن التراث ورجاله فكثيرة جداً، وربما نشر في كل مكان جريدة محلية أو مجلة مجموعة من تلك المقالات بحيث غطى بها مساحات واسعة من الساحة الأدبية أو بالأحرى ساحة عشاق الأدب والتراث، ويغلب على مقالاته دقة المتابعة والبحث والتنقيب للوصول للحقيقة التي ينشدها، ومن ثم يقدمها لقرائه ومحبيه، ناضجة لا يلقى متلقيها عنتاً ولا مشقة، وسنختار من الكم الهائل من تلك المقالات التي شملت مواضيع بالغة الأهمية مما يتعلق بصيانة الكتب المخطوطة وإخراجها بعد مراجعتها وتحقيقها تحقيقاً علمياً دقيقاً، والحرص على التنبيه على المؤلفين بإبراز العلماء الذين لم يزل بعضهم في عالم النسيان لم يستطع أحد إكتشافهم ومن المقالات المختارة هذه المقالة الموسومة بـ "كتاب عبث الوليد".
هذه المقالة نشرت في العدد 101 من المجلة العربية الصادر في جمادى الأخرة 1406هـ التي جاء فيها: "في هذه المجلة، وفي عدد رجب عام 1400هـ نشر مقال عن كتاب (عبث الوليد) الذي نشرته (الشركة العربية للتوزيع في بيروت سنة 1979)، من تحقيق (ناديا علي الدولة).
حقاً لقد مرَّ على نشر هذا التعريف ما يزيد على خمس سنوات .. لكنني لم أطلع عليـه إلا الآن .. أو لعلي اطَّلعت عليه في حينه، ثم أنسيتُ أمرَه لسبب من الأسباب..
و (عبث الوليد) أحد مصنفات فيلسوف العربية الكبير أبي العلاء المعري، وهو أحد كتبه النقدية، فقد وضع ثلاثة كتب في نقد مشاهير الشعراء وهم: المتنبي، وأبو تمام: حبيب، والبحتري: الوليد.. وأسمى كتبه أسماء شاعرية.. فكتابه عن أحمد المتنبي سماه (معجز أحمد)، وفي هذه التسمية دلالة على إعجابه الكبير بالمتنبي..
أما كتاب المعري عن أبي تمام فقد سماه (ذكرى حبيب)، وفيه تورية باسم أبي تمام. وهو أيضاً يدل على إعجابه به.
أما كتابه في نقد البحتري، فسماه (عبث الوليد) إشارة إلى أبي عبادة الوليد بن عبيد الله البحتري، وتدل التسمية على أن المعري كان شديد الوطأة على البحتري.. على الرغم من تلك المقولة التي تروى عنه: "المتنبي وأبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر البحتري".
أعود إلى المقال الذي نشرته "المجلة العربية". تعريفاً بكتاب (عبث الوليد) الذي حققته ناديا على الدولة.. فقد قرأت فيه أن الناس ظلوا يجهلون أمر هذا الكتاب إلى أن عثر على نسخة منه أحد الناشرين بدمشق، فطبعها سنة 1936م.
وأود أن اقف عند هذه المقولة.. التي تنص على أن أحد الناشرين بدمشق، عثر على نسخة منه فطبعها سنة 1936. أما أن الكتاب طبع بدمشق سنة 1936 م فهذا حق. ولكن ناشره لم يكن من دمشق، ولم يعثر على الكتاب بدمشق. ولما كنت طرفاً في نشر هذا الكتاب في طبعته الثالثة التي ظهرت عام 1405هـ - 1985م.. فقد أحببت أن أجلو الحقيقة للقراء.
حقيقة الطبعة الأولى ذكرها الناشر الحقيقي الأستاذ السيد أسعد طرابزوني، أمد الله في عمره، في كلمة الناشر التي وردت في مستهل تلك الطبعة.. وقد رواها لي أيضاً شخصياً في لقائي معه سنة 1405هـ حيث ذكر أنه عثر على مخطوطة الكتاب في خزانة (المكتبة المحمودية) بالمدينة المنورة – والسيد أسعد ابن المدينة وبها نشأ – ففرح بها، وعقد العزم على نشر الكتاب فاستنسخه، وكان ناسخه هو الشيخ (عبد المعطي)، وقام بمراجعة النسخ الشيخ محمود شويل أحد علماء الحرمين، رحمه الله، ثم استشار العلامة الشيخ (محمد الطيب الأنصاري) فيمن يعهد إليه بشرح غامضه والتعليق عليه، وتفسير مشكلة "أي التحقيق"، فأشار عليه بأقدر تلاميذه وهو الأستاذ (محمد عبد الله المدني)، وانتهز فرصة زيارة علمين كبيرين من أعلام الأدب للمدينة المنورة، هما أمير البيان شكيب أرسلان، والدكتور محمد حسين هيكل، فكتب كل منهما مقدمة للكتاب، وحلاَّه بصورة الملك عبد العزيز – رحمه الله – الذي أهدي إليه الكتاب.
أما ملتزم الطبع فهي مطبعة الترقي بدمشق لصاحبها الأديب (صالح الجيلاني)، وأسند الإشراف على تصحيح الكتاب إلى الأستاذ محمود الحمصي، الذي كان يشغل بعض الوظائف العلمية في الحجاز ثم عاد إلى دمشق.
وهكذا نعلم أنه لم يعثر على الكتاب بدمشق، وإنما عثر عليه بالمدينة المنورة، وأن ناشره من أهل المدينة المنورة نفسها..
هذا عن تصحيح المعلومة الواردة في المقال..
بقي حديث يتصل بتحقيق الكتاب، بين محققه الأول الأستاذ محمد عبد اللّه المدني، وبين محققته في طبعته البيروتية 1979م التي لم أطلع عليها.. تقول السيدة ناديا الدولة ـ كما جاء في مقال المجلة ـ عن الطبعة الأولى، إنها لم تحظ بتحقيق علمي دقيق، ولم ينبه ـ غالباً ـ على ما في الأصل من تصحيف وتحريف أو سقط أو اضطراب، بل لقد أضيفت إليها مواضع كثيرة وقع فيها الناشر لصعوبة القراءة في النسخة المنقول عنها، ولم يعن بضبط النص حتى في المواضع التي لا تفهم الإ بالضبط، ولم ينهض إلى تتبع مسائل الكتاب ومشكلاته في مظانها، ومعارضة ما يقوله أبو العلاء بما قاله السلف من اتفاق أو اختلاف...
هذا بعض نقد السيدة المحققة للكتاب في طبعته الأولى، وهو نقد مهذب بلا شك.. ولكن إذا عُلم أن إخراج الكتاب في طبعته الأولى تلك إنما تم قبل خمسين عاماً، أي في الوقت الذي كان فيه علم التحقيق في البلاد العربية علماً ناشئاً، بدأت بواكيره في مصر، على أيدي رجال قلائل لعلهم تأثروا في ذلك بالمنهج الاستشراقي.. فإذا تصدى الأستاذ محمد عبد الله المدني لهذه المهمة الثقيلة التي كُلِّف بها تكليفاً، وبذل فيها غاية جهده.. فقد اضطلع بعمل جيد يشكر عليه، ويجب أن ينوه بذكره وفضله.
أكتب هذا، وأنا لا أعرف هذا الرجل، ولا أعرف شيئاً عنه، ولكن أحس أنه قد صادف مشاقّاً في تصحيح الكتاب، والتعليق عليه، على ضعف الوسائل والإمكانات التي كانت متاحة آنذاك في بلد صغير كالمدينة المنورة. ومن حقه أن ينوه بعمله ويشكر عليه، وألا يغمط جهده.
من تحقيقاته على سبيل المثال، أن أبا العلاء أورد بيت الشاعر:
من سبـأ الحاضريـن مـأرب إذ
يبنون من دون سيلهـا العرمـا
ولم ينسبه، فنسبه المحقق للنابغة الجَعدي، وضبَطَ الكلمات، وكذلك أورد قول الشاعر، والنص بعده مباشرة: وقال الآخر:
ظلت تطاردها الوِلدان من سبـأ
كأنهـم تحت دفيهـا الدحاريـج
فصحح المحقق وقال إن البيت للنابغة أيضاً.. أي أنه ليس لآخر كما ذكر أبو العلاء المعري، ثم فسر ألفاظ البيت.. أليس هذا الجهد الكبير جديراً بالتقدير..؟.
بقراءة هذه الفقرات المختارة من المقالة التي نشرها عبد العزيز الرفاعي – رحمه الله – في المجلة العربية بالعدد "101" الصادر في غرة جمادى الآخرة نستطيع أن نضع أصابعنا على المواطن التي يحاول عبد العزيز أن يسلط عليها الضوء ليبين للقارىء أن المعلومات التي يشير إليها هي معلومات إما أن تكون جديدة وجديرة بالاهتمام أو أن تكون خاطئة ويجب أن ينبه القارىء إلى ذلك حتى لا يترسب ذلك الخطأ في ذاكرته وينقله إلى غيره، لذلك يحرص على إزالة مثل هذا اللبس فيقوم بتصحيح الخطأ بأسلوب هادىء مهذب لا يجد فيه صاحبه أي تجاوز يخرج به عن دائرة الأدب والسلوك والأخلاق.
فعندما وجد أن المحققة "ناديا علي الدولة" قد أخطأت حيث زعمت أن ناشر كتاب "عبث الوليد" الأول هو "الشركة العربية للتوزيع" في بيروت. فقد بادر بطريقة فيها عبق الحكمة يضوع، وسماحة العلم تشرق، وجمال الأدب يتألق فقال في مقاله "وأود أن أقف عند المقولة التي تنص على أن (أحد الناشريـن و (بدمشق عثر على نسخة منه فطبعها سنة 1936م) أما أن الكتاب طبع في دمشق سنة 1936م فهذا حق. ولكن ناشره لم يكن من دمشق، ولم يعثر على الكتاب بدمشق)".
ثم أورد في الفقرة التي تلت ذلك قوله: "حقيقة الطبعة الأولى ذكرها الناشر الحقيقي الأستاذ أسعد طرابزوني، أمد اللّه في عمره، حيث ذكر أنه عثر على مخطوطة الكتاب في خزانة (المكتبة المحمودية) بالمدينة المنورة، وعقد العزم على نشر الكتاب فاستنسخه، وكان ناسخه الشيخ "عبد المعطي". أما ملتزم الطبع فهي مطبعة الترقي بدمشق لصاحبها الأديب " صالح الجيلاني"".
وهكذا نجد الرفاعي – رحمه الله – يحرص على إعطاء القارئ المعلومة الكاملة التي لا تحتاج بعد قراءتها إلى سؤال أو استفسار، وهذه ميزة لا تتحقق إلا عند قلة من المحققين والباحثين، وخصوصاً فيما يتعلق بالتراث ورجاله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :738  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 41 من 94
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.