تُعاتِبني غَلْواءُ أنَّي سَلَوْتُها |
فاحْلِفُ أنَّي ما سَلَـوْتُ ولَـنْ أسلُـو |
وأيْن لِمثْلي أنْ يُشاغلَ قَلْبَه |
وقَدْ مَـلأَتْ دُنْيـاه أعْيُنُهـا النُّجْـلُ؟ |
تَعلّقْتُها والشَّيْبُ رقَّطَ مَفْرَقي |
فَعادَتْ صَباباتي وعاوَدني الجَهْلُ |
تَناءى حِماها وهْيَ مِنَّي قَريبةٌ |
وهَلْ يَنْتأي مَنْ بَيْتُه القَلْـبُ والعَقْـلُ؟ |
وحامَتْ على خَطْوي العُيونُ، وخَطْوها |
فإن سارَقَتْني نَظرةً فَلنا الوَيْلُ |
تَباينَ أهلونا اعْتِقاداً ومَشْرباً |
فما ذَنْبُ قَلْبَينا إذا اخْتَلَـفَ الأهْـل؟ |
تَراني – فدتْها النَّفْسُ – نَسْراً مُحَلَّقـاً |
وفي مَلَكوتِ الحُبَّ يُعـذَرُ مَـنْ يَغْلـو |
بَذَلْتُ لها رُوحـي وما مَلَكـتْ يَـدي |
ويَحْلُو لِعَيْنَيْها – ولا مِنَّـة – البَـذْلُ |
أذاكِرُها شِعْري فتَهْتزُّ نَشْوَةً |
وتَحْسَبُهُ حُلْـواً وإنْ هُـوْ لَـمْ يَحْـلُ |
ولولا هَوَى غَلْواءَ لَـمْ تَعْـلُ شُهْرتـي |
ولا قِيلَ إنَّي الشَّاعـرُ المُلْهَـمُ الفَحْـلُ |
لَكَمْ قَطَعَتْ دَرْبي إلَيْها مَليحةٌ |
فلَمْ يُغْرِني منها جَمالٌ ولا دَلُّ |
فمِنْها المعاني المُتْرفاتُ ولَيْسَ لي |
سِـوَى الشَّكْـلِ… إنّ الشَّعرَ أيْسَـرُهُ الشَكْـلُ |
إذا ما زَكتْ بِنْتُ الكُـروم لِشـارب |
فلِلْخَمْر، لا للكأسِ والعاصرِ، الفَضْـلُ |
وإنْ أنْعَشَتْ حَقْلـي دُمـوعُ سحَابـةٍ |
فشُكْري تَجْنيـهِ السحابـةُ لا الحَقْـلُ |
ذَرَتْنا ريـاحُ البَيْـن شَرْقـاً ومَغْرِبـاً |
فهَلْ يَصِلُ الحَبْلَ الـذي بَيْنَنَـا حَبْـلُ؟ |
تقولُ لَو أنّ "الحيَّ" ألَّفَ بَيْنَنَا |
لما هَمّني واشٍ، ولا غَمّني عَذْلُ |
ولكِنْ لَعَـلَّ الدَّهْـر يَجْمعنـا غَـداً |
فبالصَّبْر والإيمـان يَنْكَسِـرُ الغِـلّ… |
فأخْفِضُ أبْصاري وفي الصَّـدْر غُصّـةٌ |
أداوِرُها كي لا يُساورها غُلُّ |
وأعجَبُ للإنسان هَلْ هُوَ آيةٌ |
يُعرَّفه أصْل ويَغْمُره فَصْلُ؟ |
وأقْلُب مَوْضوعَ الحديثِ لأنَّني |
أخافُ يسوءُ القَوْلُ إنْ أحْسَـنَ الفِعْـلُ |
هل الدَّينُ إلاّ أنْ تُواسيَ باكياً |
وتَهْدي إلى دَرْب المَحَبـةِ مَـنْ ضَلُّـوا |
وَتغْمِضَ عَمَّنْ لا يَوَدُّك مُقْلَةً |
وتَحْزَنَ للجـاهِ الذي عَضَّـه الـذُّلُ؟ |
* * * |
ودارَتْ بنا الدنيا ففرّقَ بَيْنَنَا |
زَمانٌ شراباه المُدامةُ والخَلُّ |
ولمّا التَقَيْنا بَعْدَ ألفٍ وَجدْتُها |
كما الفُلُّ، بَلْ أحْلَى، فلا يَشْمَخِ الفُـلُّ |
مَـدَدْتُ لهـا كَفِّـي فأدْنَتْ قُطوفَهـا |
فيا حَقْلُ ما أزْكَى مجانيـكَ يا حَقْـلُ! |
تحوّلْتُ شَحْـروراً وحَاَلَـتْ حَمامَـةً |
أغنّي فيسبي عَقْلَهـا شَـدْوي الجَـذْلُ |
وَعُدْنا إلى العُشَّ الذي كان قَـدْ خَـلا |
فرَحّبَ مُصْفَرٌّ، وهَلَّلَ مُخْضَلُّ |
وعِشْنا على الأحلام والشَّعْرَ والهَـوَى |
فـؤادِي مأواهـا، وجَفْـنِي لها ظِـلُّ |
وَمَهْما تَباعَدنا سَتَبْقى قَريبةً |
ومَهْما افْتَرَقْنا سَوْفَ يَجْتَمعُ الشمـلُ! |