شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شاعـر الفيحـاء
في ذكرى جورج صيدح، عام 1979
خَلَّفْتَ أسرابَ الطُّيور حَيارَى
وَتَرَكْتَ أكْباد الأحِبَّة نارا
وغََمَرْتَ آفاقَ العُروبةِ بالأسى
يا وَيْحَها كَمْ غيّبتْ أقماراً
تَبْنِي وتَنْسِل للخَراب وللرَّدَى
لِمَ لا يَعيشُ عظيمُها الأدْهارا؟
ما بَشَّ قَلْبي مَرَّةً إلاّ بَكَى
مِنْ وَقْـعِ أحـداثِ الزِّمـان مِـراراً
يا صَيْدَح الشِّعْر الذي رَقَصَـتْ علـى
نَغماتِهِ الدنيا… فُدِيتَ هَزارا
عَجَباً أَتَثْوي في التُّـرابِ، وكُنـتَ لا
تَرْضَى أقـلّ مِـنَ النُجـومِ جـوارا؟
ويَهيض جانحَكَ القَضاءُ، وكنْـتَ فـي
ساحِ المَعالي جَحْفَلاً جَرَّارا
تَرْمي وتُرْمى لا تَني لَكَ هِمّةٌ
وتصولُ في غمراتها إعْصارا
ما هَدّك الداءُ العَياءُ، وإنَّما
خَطْبُ الدِّيـارِ علـى فُـؤادك جـارا
أيموتُ مَـنْ وَهَـبَ القضيـةَ رُوحـه
وبَنَى لها في قَلْبِهِ الأسوارا
حمّلت نفسَك فَـوْقَ طاقَتِهـا، فهَـلْ
أيْقَظْتَ جَفْناً أوْ أقَلْتَ عِثاراً؟
كم صَيْحةٍ للثّأرِ لَوْ أطْلَقْتَها
في القَفْرِ لانْتَفَضَ الجََمادُ وثارا
طافَتْ على الأسْماع، لكنْ لا صَـدىً
مَنْ ذا يُلَبِّي شاعراً ثَرْثارا؟
يا شاعـري أشْكـو إليـك كبارَنـا
فلَقَد غَـدَوا بَعْـدَ البلـوغِ صِغـارا
يَتَزاحَمون على المعاصي خِفْيةً
ويُحَرِّضون على الصلاة جِهاراً
ماذا إذا انتُهكتْ كرامةُ شَعْبهم
أوْ لم تَزَلْ لذّاتُهم أبكارَا؟
ذَهَبَتْ فلسطينٌ فلم تَغْضَبْ لها
عَبْسٌ، ولا هزّ البلَاء نِزارا
لكأنّها لم تُقْتَطَع مِنْ لَحْمِنا
أترى ألِفْنَا فاسْتَسغْنا العارا؟
أضْحَتْ تُثير الضِّحْكَ مُؤْتَمراتُنا
يا قَوْمُ لا يَلِدُ الرَّمادُ شَرارا
شادَ الجدودُ لنا بناءً شامِخاً
وأتى عليه خُمولُنا فانْهارا
* * *
يا شاعرِي، قُلْ للذيـن جَنـَوا علـى
آمالنا: لا، لَنْ نعيش أُسَارى
عارٌ بقاءُ الغِلِّ في أعناقنا
الحُرُّ لا يَستعبد الأحرار
إنَّ القيودَ عديدةٌ، وأشدّها
قيدٌ تخمّنُه العيونُ سِوارا
وسِيادةُ البَلَدِ العزيزِ خُرافةٌ
إنْ لم يَكُنْ سَيْفُ الحِمى بَتَّارا
كَمْ تَدّعون بأنكُم مِنْ أمةٍ
طَلَعَتَ على حِـلَكِ الدُّجَـى أنْـوارا
لَوْ صـحّ زَعْمُكُـمُ لكـانَ عَتادكـم
للسِّلْم يبني ما تَرَون دَمارا
الأرض – والتاريخُ يَشْهـدُ – أرضُنـا
فعَلامَ تَغْدُو للدَّخيل عَقارا؟
وعَلامَ يَسْلُبُنا القويّ طَعامَنا
وشرابَنا… ونُلَفِّقُ الأعْذار؟
لا بُدّ مِنْ يَوْمٍ أغرّ مُحَجّلٍ
نَشْفي الغَليـل بـه ونَـرْوي الثـارا
الوَحْدةُ الكُبْرى تَلوحُ وشيكةً
فَلْنَفْتَحَنَّ لها الجوانِحَ دارا
هذا النسيمُ لسَـوفَ يُصْبـحُ عاصِفـاً
ولَسَوْف يَغْدو هَمْسُه تَهْدارا
إنََّ العُروبةَ قد صَحَـتْ مِـْن نَوْمهـا
لا كَهْفَ (1) بعد اليَـوْم، لا استعمـارا
تَمْضي العُصـور وتَنْطَـوي أحداثُهـا
ويَظَلُُّ في الدنيا اسمها سَيارا
سَعَتِ الشآم إلى العِراق مشوقةً
فاهْتَشَّ إسْلامٌ وبَشّ نَصارَى
مَنْ كانَ في رَيْبٍ فليسَ يُفيدُه
أن يَشْرئبَّ ويَشْحَذَ الأبْصارا
داوَى المسيحُ عَمَى العيـون، ولم يَجِـدْ
طِباً لِغاوٍ في الحقائق مارَى
* * *
يا عَبْقَريّ الشِّعْر يَجْمَع بَيْنَنَا
عَهْدٌ زَكا سَبَباً وطابَ نجارا
عَهْدٌ بنـاهُ الحَـرْف، لَمْ تَعْصِفْ بـه
غِيَرُ النَّـوى، بَـلْ زِدْنـه استِقْـرارا
شَطََّ المََزارُ بنا ولكنْ لم نَزَلْ
نَرْعَى لرابطةِ البَيان ذِمارا (2)
إني لتخْنُقني الكَآبةُ كلَّما
طافَ اسمُها بين الرِّفاق ودَارا
أوَ ذاكرٌ في ظِلِّها سَهَراتِنا
نَتَطارح الأشعارَ والأخْبارا؟
تَخْتال أنْت على العَشـيرة (أخْطَـلًا)
عَفّ اللِّسان وأزْدَهي "بَشَّارا"
لا مَزْحَ يُنْسينا الوَقار، وربَّما
لَبِسَ المُزاح إلى النَّدِيّ وَقارا
أدْنَتْ لِعُشَّاقِ الجمالِ قُطوفَها
وحَلَتْ لإِخْوان الصَّفاء مَزارا
نَرْتادُها واللَّيْلُ في أَقْماطِه
طِفْلٌ تَرَدَّدَ في الظلام وحَارا
حتى إذا طَلَعَ الصَّبـاحُ علـى الرُّبَـا
خَتَمَ الحديثَ وفَرَّق السّمّارا
وتخالَطَتْ خُطُواتُنا، فكأنَّنا
مِنْ خَمْر شِعْـرك نستميـلُ سُكـارى
إنِّي لأحْني للفضيلةِ هامَتي
وأغُضُّ طَرْفي للنَّدَى إكبارا
لولاكَ يا ابـنَ الشـامِ لم يُعْـرَف لنـا
أدَبٌ، ولَمْ يَعْرِفْ له أنْصارا
أنْتَ الذي استَنْبشْتَه وجَلَوْتَه
كَنْزاً تَخاطَفَ نورُه الأنظارا
جَمَعَ الأنَاقَة والفَصاحة مِثْلَما
يَلِدُ الربيعُ حَمامةً وكَنارا
أنْصَفتَه، لكنْ بغَيْر تَعَصُّبٍ
خَسِئ التعصُّـبُ فاستحـال شِجـارا
سَجّلْتَ ألف فضيلةٍ لبُنَاتِهِ
ورَفَعْتَه للتائهين مَنارا
صَاوَلْتَ فيه الحاقِدين، تألّبوا
لقِتاله، وَتَهيّأوا أظْفاراً
جاؤوا بآلاتِ الدَّمار، وجِئْتَهم
بالحقِّ، فانْقَلَب الهُجُوم فِرارا
نَضَّرْتَ بالإِيمان كل مَفَازةٍ
وقدحْتَ مِـنْ لَيْل الشُّكـوك نَهـارا
يا صاحبي شَـرِبَ الزمـانُ مَدامِعـي
فاعْذُرْ إذا لم يَنْهمِرْنَ غِزارا
حامَتْ على قَلْبي الُخطوبُ فلمْ تَـدَعْ
فيه لبارقةِ الرَّجاء مَدارا
لولا نَـدَى غَلْـواءَ لالْتَهَـمَ اللَّظَـى
عُشِّي، وأحْرَقَ زَهْريَ النُّوّارا
نَشَرتْ علىّ جَنَاحَها، فأظلّني
وَكَسَتْ طريقي نَضْرةً ونُضارا
مِنْ وحي عَيْنَيْهـا أصـوغُ قصائـدي
وأزُفُّهُنّ إلى الخُلودِ عَذَارى
غَلْواءُ حُلّي في جَناحي عُقْدَةً
أطَأ الثُّرَيا قَشْعَماً جَبارا
ماذا أقولُ وقد تَبَلْبَلَ خاطِري
وعَصَى البيانُ أميره الخَطّارا
عِشرونَ مِنْ خَيْر الصِّحاب مضَوا، فمـا
جَدْوَى البَقاء وقَـدْ وَهيـتُ جِـدارا
كانوا كَواكبَ فـي سمائـي وانْطَفَـوا
أتكونُ أيامُ الضِّياء قِصارا؟
جَمَعَ الدمُ العربيّ بين قُلوبنا
ومَحَا الحدودَ وقرّبَ الأمصارا
لم يَبْقَ مِنْ أصواتهم إلاّ الصَّدَى
كالرَّبْعِ يَتْركُهُ الرَّدَى آثارا
عابوا علىَّ كآبتي، وَلَو إنَّهم
سَبَروا جَوايَ لأطْرَقوا اسْتِغْفارا
في مُهْجَتي نارٌ وفي عَيْني قَذَىً
بُلّوا غَليلي أو أموت أُوارا
* * *
يا شاعراً نَبَذَ السخَافَةَ مَذْهَباً
واستَقْبَحَ الثَّوْبَ الزَّرِيّ إطارا
يَغْزو السمـاءَ علـى جَنـاح خَيالـه
ويَصولُ بَيْنَ نُجومِها هَدَّارا
ما كُنـتَ خَصْمـاً للجديـدِ، وإنّمـا
خَاصَمْتَ مِثْلـي الزَّيْـف والتَّهْـذارا
وكَرِهْتَ أن تَعْفو لِبِدْعة مَعْشَرٍ
رَكَبُوا الرَّطانة للخلودِ قِطارا
أعياهُمُ الأُفُقُ البعيدُ، فآثَروا
لخُمولِهم، أنْ يَسْكُنوا الأوْجارا
أَكْبَرتُ فيك صَراحةً في الحقِّ لا
تُؤْذي صِغاراً أوْ تهاب كِبارا
قُلْ للذيـنَ علـى الجَمـال تآمـروا
يَبْقَى الجمالُ، وتَذْهبون غُبارا
حارَبْتُم الشِّعْـرَ الأصيـلَ فحـاذِروا
عُقْبَى الغُرور… لَقَـدْ يكـون بَـوارا
لا تَحْسَبوا التَّزْمير يُحْيي رِمّةً
صَدَقَ المسيحُ فلَمْ يَكُنْ زَمّارا
هَذِي المجلاَّت التي تُعْنَى بكم
حيناً، لَتَهْزَأُ منكمُ استمرارا
تَهْوي رؤوسُكمُ على أسْلاتها
غَدْراً، وتَنْهمرُ الدماءُ جُبارا
لَمْ تَرْعَكم إلاّ لتَفْضَحَ عَيَّكم
وتزيدَكم في غيِّكم إصْرارا
فَتَحسّبوا للكاذبين، فطالما
كان الثَّناء لطالبيه شنارا
* * *
مَنْ يُنْبئ الفَيْحاء أنَّ هَزارها
هَجَرَ الغُصونَ المائساتِ وطارا
يا لَهْفَةَ الفَيْحاء تَفْقِدُ دَوْحةً
زَهْراءَ طابَتْ مَنْبتاً وجوارا
لَم تَلْوِها ريحٌ، ولم تَخْفِضْ لها
رأساً بأدْراج السَّحابِ تَوَارى
شَمَخَتْ ولكن لا غُـرورَ… وطالمـا
زادَ الشُّموخُ ذَوِي الصَّغار صَغارا
تأوِي إليهـا الطَّـيْرُ تَطْلَـب مَفْزَعـاً
فَتردُّ عَنْ حُرُماتِها الأخطارا
وَتَمُدُّ للراجي مَراحِم ظِلِّها
وتُغيث مَـنْ غَضَـبِ الطبيعـةِ جـارا
يا لهْفَة الفَيْحاء كم غَنَّى لها
وبَكَى لِفُرْقَتِها دَماً مِدْرارا
حَدَبَتْ عليه، وأطْلَقَتْه لِلْعُلا
فَمَضَى يُصارع باسْمِها التَّيارا
يَشْدو فتَصْطَفِقُ الخميلةُ نَشْوةً
وَيهُزّ أعطافَ النَّسيم فَخارا
لَمْ يَغْتَرِبْ عَنْ أَهْلِهِ طَمَعاً، وَلَمْ
يَتْركْ مَرَاتِعَ أُنْسِه مُخْتارا
لكنْ لكـي يُرضـي نـِدَاءَ طُموحِـه
ويَرودَ آفاقاً ويَجْنيَ غارا
حَمَلَ العُروبةَ في حنايا صَدْرهِ
حِرْزاً يَقيه العادياتِ وسَارا
فإذا اسمُه شَمْسٌ تمـوجُ علـى الرُّبَـا
تِبْراً… وتَغْمُر أبْحُراً وقِفارا
تَرْنو إليه النَّيّرات رواغباً
لَوْ كُنّ في طُرُقاتِه أزْهارا
يا شاعرَ الفَيْحاء هذي دَمْعتي
هَلاّ اختَرَعْتَ لعيّها الأعذارا؟
أنا بَيْن سِرْبي بُلْبُلٌ، لكنَّني
آليْتُ ألتزمُ السكوتَ شِعارا
لكأنَّ صَوْتـي مـاتَ بَْـين جَوانحـي
وكأنما غَدَتِ القلوبُ حجارا
إنَّ الذي رَفَدَ البيانَ برُوحِه
هَيْهَاتَ في حَرَم العَطاء يُجارَى
أقْسَمتُ لَنْ يَجْزيـك حَقَّـك شاعـرٌ
وَلَوَانَّهُ نَظَم السُّهَى أشعاراً
عَقَلَ المُصابُ يَدي وشـلَّ فَصاحـتي
فَلْيَبْكِ قلبي… إنَّ دَمْعيَ غارا
 
طباعة

تعليق

 القراءات :400  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 521 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج