تجاهَلْتِ وَجْدي، وازْدَرَيْـتِ مَدامِعـي |
فيا وَيْح آمالي لِمَنْ أتظلَّمُ |
على قَدَميْك الحُلْوتيْن سَفَحَتْها |
فيا دَمْعُ سامِحْ شاعراً يتألّمُ |
ويا دَمْع إنْ لَمْ ابْتَذِلْك بحبَّها |
وأرْخِصْك – مهْما أرخصْتني – لتَنْـدَمُ |
وإن لم تُثِرْ فيها بَقيّة رَحْمةٍ |
فأنتَ بلاءٌ في جفوني أعْظَمُ |
ويا كبرياءَ الشَّعْرِ لولا عُيونها |
لما كان عِنْدي منـك أغلَـى وأكْـرَمُ |
وما الشَّعْرُ في شَرْعي غُموضاً وهُجْنـةً |
ولكنَّهُ رُوحٌ وثوبٌ مُهَنْدمُ |
وعاطِفةٌ رَيَّا تَفيض عُذوبةً |
وَقلْبٌ علـى كـلَِّ الجِـراح مُقَسَّـمُ |
سَرَى حُبُّها في كلَّ مَغْرِزِ إبرةٍ |
بِجِسْمي، فجِسْمـي جَمْـرةٌ تتَضـرّمُ |
رَضيتُ إذا نامَـتْ عيُونـي، بطَيْفهـا |
فيا لَيْتَني أقْضي حَياتيَ أحْلُمُ |
* * * |
ويا حُلْوتي في مَغْرِبِ الشَّمْسِ مَنْ رأى |
غُراباً على بَيْتٍ خَرابٍ يُرَنَّمُ؟ |
تُناغمه وَرْقاءُ، أمّا هَديلُها |
فشِعْرٌ، وأما شكْلها فمُنَمْنَم |
مَضَى العُمْر يا غَلواء إلاّ بِقِيَّةً |
فهَلاَّ ارْعَوَيْنا؟ لا فإني متَيَّم |
مَضَى العُمْر، لكن لم تَـزَلْ فيّ صَبْـوةٌ |
وما زِلْتُ مِثْلَ الأمـسِ أبـني وأهْـدِم |
وما زال قلبي يستجيب لنظرةٍ |
وما زال يُجـزي بالعُبـوس، ويَبْسُـم |
تكتّمتُ في وَجْدي مَخافةَ هاذرٍ |
وأصْعَبُ شيءٍ في الهُيام التَّكَتُّمُ |
ولا تَكتُبي قولي عليَّ خطيئةً |
فمِثْليَ في شَرْعِ الهَوَى لا يُجرَّمُ |
أحبُّكِ دُونَ الناس طراً، وإنني |
سَعيدٌ قريـرُ العَيْـن أشقَـى وأنْعَـمُ |
ويا ليتَ لـي عشريـنَ قَلْبـاً أذيبهـا |
بحُبِّكِ، لا أشْكو ولا أتجهّمُ |
حَرَمْتِ عيوني النَّـومَ، لكـنّ راحـتي |
وراحي أنْ أهْوَى الـتي ليـس تَرْحـمُ |
عَدِمْتُ لساني… إنـني غَيْـرُ صـادقٍ |
ولكنّ مَنْ يَهْوى يزلّ ويأثمُ |
ويَشْكـو بلا داعٍ ويبْكـي بلا أسَـىً |
ويَهْرِفُ أحياناً بما ليس يعلَم |
* * * |
لَيفْصِلُني عَـنْ حيَّهـا ألـفُ فَرْسـخ |
وجيشٌ من الأرصـاد لَجْـبٌ عَرَمْـرَمُ |
وَتَزْجُرُ أقدامي إليها شَرائعٌ |
يسيلُ على شَفَراتهـا الدَّمْـع والـدمُ |
فَدَيْتُ اسمَها بالروحِ مِـنْ كـل قالـةٍ |
وأعْلَمُ أنَّي وهي لا نَتَقَسّمُ |
وأقْسِمُ أنّي ذُقْتُ فـي الحُلْـم ثغْرهـا |
فما الشَّهْدُ، ما الصَّهْباء؟ صابٌ وعَلْقـم |
أسمّيه أو أوْمي إليه فتَنْتَشي |
شِفاهي بِرَيّاها ويخْجل برْعُمُ |
إذا حدّثتْ عَيّ الفَصيحُ مَهابةً |
وَأفصَحَ مِـنْ فَـرْط التَّعَجُّـبِ أبْكَـمُ |
وأُقْسِمُ أنَّي قَبْلَ ألفٍ عَرَفْتُها |
وأني مُذْ تلْك الدقيقة مُغْرمُ |
نَعمْتُ بذاك الحبَّ يَوماً وَلَيْلةً |
وَتَقْنع روحي بالقَليل وَتَنْعَمُ |
ولمّا افْتَرَقنا زوّدتْني ببَسْمةٍ |
فَبَشّتْ لي الدّنيا وطابتْ جَهَنَّمُ |
وأقسمُ أنِّي بَعْدَ ألفٍ لقيتها |
فما فاتَني لحْظٌ ولا فاتني فمُ |
رَنَتْ فهَفا قَلْبي إليها صَبابَةً |
وحامَ يُصلّي حَوْلها ويُسَلَّم |
وقُلْتُ وقالَتْ… وافتَرَقْنا، وفـي غـدٍ |
سَيَجْمعنا حُبٌّ أعفُّ وأعْظَم |
* * * |
ويا حُلْوةَ العَيْنَيْن لا تتبرَّمي |
فكَمْ ضَيَّعَ الإيمانَ مَنْ يتبرَّمُ |
إذا كان جُرْماً أن يُتَيَّم شاعرٌ |
ألا فاشهدوا يا ناسُ أني مُجرمُ |
وإنْ كان حبَّيها عليّ مُحَرَّماً |
فهل طَيْفُهـا الغالـي علـيَّ مُحَـرَّمُ؟ |
وإن لم تَكُنْ مِنْ مَنْبتٍ وقبيلةٍ |
فما في الهَوَى عَبْـسٌ وبكْـرٌ وجُرهُـمُ |
تَنَزَّه حبَّي عن مُجونٍ وريبةٍ |
فمِثْل الـذي أُبديـه مـا أنـا أكْتُـم |
لسوفَ – وإن شَطَّتْ بنا الدار – نَلْتقي |
إذا أنا لم أحَلُم، فقلبي يَحْلُمُ |