نَعَتوكَ بالشيخِ الكَئيبِ،وأخطأوا بَلْ أجْرَموا |
ش شتّان في نَظَرِ اللبيبِ كآبةٌ وتَجَهُّمُ |
أنتَ الأجَلُّ مِـنَ الفُصـولِ وأنتَ عِنْـدي الأكـرمُ |
هذا العُبوسُ هُوَ الوقارُ بعَيْنِه، فَتَعَلَّموا |
هذي العَواصِفُ والرُّعُودُ تَذَمُّرٌ وتَبرُّمُ |
مَنْ عاش للمَزْحِ الثَّقيلِ فبالحماقَةِ يُوصَمُ |
إنَّ اللجاجَةَ والسَّماحةَ في اعتقادي تَوْأمُ |
* * * |
يا ابن الخريفِ - وأنتَ أغنىَ مِـنْ أبيـكَ وأخْصَـبُ |
يدُكَ السَّّيةُ علَّمتْني ما أقولُ وأكتُبُ |
إني لأرْضَى إنْ رِضيتَ وإنْ غَضبْتَ لأَغْضَبُ |
لولاكَ مـا ازْدَهَـتِ المُـروجُ ولا تَضاحـكَ سَبْسَبُ |
روَّيَتها بالدَّمْعِ حينَ سَحابُ غَيْركَ خُلَّبُ |
مِنْكَ الحياةُ، ومِنْكَ يَقْتاتُ الرَّبيعُ وَيَشْربُ |
إنْ يَحْتَرمْ ولدٌ أباهُ فأنْتَ للدنيا أبُ |
* * * |
لله ثلجُكَ! إنَّه يَجْلُو أسَى الروحِ الحزينْ |
لكأنَّهُ نورُ الرَّجاءِ وآيةُ الحُسْنِ المُبينْ |
رُقَعٌ تُرَفْرِفُ كالحَمائم بالحَمائم تَستعينْ |
هذا هُـو الكَنْـزُ الثمـينُ لِطالِـبِ الكنْـز الثَّمـينْ |
وشَّحْتَ بالألَقِ الرُّبَا، وغَمَرتَها بالياسَمينْ |
سَلْها ألَمْ تشْـربْ دِمـاءَكَ حـينَ أعْوَزَهـا المُعـينْ؟ |
سَلْها أَلَمْ تَذْكُرْ دُموعَك بالصَّبابةِ والحنينْ؟ |
* * * |
ذَكَّرْ سُكارى الخَمْرِ أنَّ الخَمْرِ إثمٌ مُنْكَرُ |
تَجْني على الحاسـي، ويَحْمِـلُ وِزْرَهـا مَـنْ يعصـرُ |
إلاّ التي تاهَ الجَمالُ بها وغنّى المِنْبرُ |
تِلْكَ التي غَذّتْ دواليها الزَّكيَّة عَبْقَرُ |
تِلْكََ التي بشباكها وَقَعَ "الضريرُ" وعَنْتَرُ |
تِلْكَ التي مَهْما تعاطاها الفَتَى لا يَسْكَرُ |
وإذا انتَشَى منها فَنَشْوَتُه صَنيعٌ يُشْكَرُ |
* * * |
بلّغْ "قَياصِرَةَ" الحَداثة أنهمْ قَدْ أفْلَسوا |
إنَّ الأعالي للنُّسورِ، فلا يَطأْها خُنْفُسُ |
الشَّعْرُ مَا خلَـبَ العُقـولَ ومـا اصْطَفَتْـهُ الأنْفُـسُ |
لا ذلك القَوْلُ الذي يَعْيا به المُتََلمَّسُ |
لَبِسَ الطَّلاسِمَ فهْو شَعْوَذَةٌ ورِجْسٌ أرْجَسُ |
ثُرتُمْ علـى الأوزانِ، فهْـيَ كمـا زَعَمْتـمْ مَحْبِـسُ |
قُلْنا ولكنّ التي تَهْوَى الرذائلَ مُومسُ |
* * * |
مِنْ أيْنَ تأتي يا شِتاءُ بغَيْثِكَ الثَّرَّ الغَزيرْ |
تَرْوي بـه عَطَـشَ الثَّـرَى، وَتَـرُدُّ غائلـةَ الهجـيرْ |
لا فَرْقَ في الأقدار عِنْدَك، لا كبيرَ ولا صَغيرْ |
وتُعيدُ للأطْفالِ أخبارَ الأميرةِ والفَقيرْ |
زُفّتْ إليه فهاجَ ثائرةَ الأمير بنِ الأميرْ |
كَيْفَ استطاع الجنُّ تَغْليبَ الحَصـير علـى الحَريـرْ؟ |
سُبَحان مَنْ جَعَل القليلَ النَـزْرَ أكثـرَ مِـنْ كثـيرْ.. |
* * * |
في سالِف الأزمـانِ كانـت جَدَّتـي تحكـي لَنـا – |
عَشِقَ الأميرُ أميرةً هَيْفاءَ دانيَةَ الجَنَى |
لكنَّها اقْتَرَنَتْ برَاع بَيْتُه في المُنْحَنَى |
راعٍ يُحِبُّ الشِّعْرَ، يَنْظِمُهُ زكيًّا ليِّنا |
عافَتْ لأجْلِ عُيونه عِزَّ الإمارةِ والغِنَى |
فبَكَى الأميرُ رَجاءَهُ الكابي ولازَمَهُ الضَّنَى |
لكنَّه في الدَّيْر قَدْ وَجَدَ السَّعادةَ والهَنا… |
* * * |
وتساءَلَ الجـيرانُ كيـف تضاءلـتْ بـدرُ البـدورْ؟ |
كَيْفَ ارتَضَتْ بالكوخ مَنْ كانت تَضيقُ بها القُصـورْ؟ |
قالَتْ عَشِقْتُ – ولا نَدامةَ – صاحِبَ الكوخِ الطَّهورْ |
لَمْ نَجْتَمـعْ لَـوْ لَـمْ يَخُـطَّ طريقنـا قَـدَرٌ يَـدورْ |
في ظلِّهِ أجِدُ النَّداوةَ والحَفَاوةَ والحُبورْ |
الحمدُ لله الذي امْتَلأتْ بِرَحْمتِهِ الدُّهورْ |
لا حُبَّ إلا حُبّهُ عندي إلى يومِ النُّشورْ |
* * * |
وأكُرُّ أسْألُ جَدّتي أنْ تَسْتمرَّ لغير غايَهْ |
فتعودُ تَسْرُدُها ولكنْ بَعْدَ تَعْديل الحكايَة |
تَضَعُ البِداية في النِّهاية، والنِّهايةَ في البداية |
وتُؤكِّدُ الغَرَضَ الخَفيَّ بغَمْزةٍ فيها الكِفايةْ |
وتُضيفُ أنّ العِشْقَ أولهُ وآخرُه غَوايَهْ |
ونُصيخُ بَيْنَ الـبَرْقِ والرَّعْـدِ الشديـدِ لكـلِّ آيـهْ |
حتى يُخَدّرنا الرُّقادُ ونَحْنُ نَحْلَمُ بالرِّوايَةْ |
* * * |
إنِّـي لَيُضحِكُـني الـذي في وُصْفِ بَـرْدَكِ يُسْـرِفُ |
أيَظُنُّ أنَّ جَهَنّما أحْنَى عليه وألطَفُ؟ |
يتأفّفُ الضُّعَفاءُ مِنْكَ، فَدَعْهُمُ يتأفَّفوا |
لم يَعْرِفوا ما في جُيوبكَ مِنْ نَدَىً، لم يَعْرفوا |
مَنْ خَافَ آلاءَ الشتاءِ فأيُّ فَصْل يألَفُ؟ |
ما أنْصَفوا لمّا رَمَوْك بِذَمّهمْ، ما أنْصَفوا |
فلْيَسْتَقوا مِـنْ فَضْـلِ كَفِّـكَ يـا شِتـاءُ وَيغْرِفـوا |
* * * |
كَمْ كُنْتَ تَجْمعُنا – وسَوْفَ تَظَـلُّ – حَـوْلَ المَوْقِـدِ |
أوْ حَوْل مائدةِ العَشاءِ وشايِها المُسْتَوْرَدِ |
نتبادَلُ السَّمَرَ المُهَذَّبَ والدُّعابةَ والدَدِ |
نَرْنُو إليكَ بِمُقْلَةِ المُتَودّدِ المُتَعَبّدِ |
نَتَرقَّبُ الخَيْرَ السَّخيَّ مِنَ السَّماء ونَجْتَدي |
فعَلامَ يَكْفُرُ جاحدٌ باسْمِ الكريم المُنْجِدِ؟ |
وعَلامَ يَخْشَى أنْ يَمُدَّ إليكَ أطْراف اليَدِ؟ |
* * * |
كَمْ رُحْتَ تَبْكـي لِلضَّعيـفِ وراحَ غَيْـرُكَ يَضْحـكُ |
وجَعَلْتَهُ يَبْني العَلالي في هَواكَ ويَسْمُكُ |
أدْرَكْتَه بالدِّفءِ يُنعِشُ، لا بِقَيْظٍ يُنْهَكُ |
هذا هُو الكرَمُ الذي في شَوْطِهِ لا يُدرَكُ |
هذا هُوَ الجُودُ الذي بذُيُوله نَتَبرّكُ |
كالوَرْدِ يَبْذُلُ عِطْرَهُ ما حَرَكوه وفرّكوا |
حَسَناتُ "بَرْمَكَ" قد ذَهَـبنَ وأنـتَ دَوْمـاً "بَرْمَـكُ" |
* * * |
عقَّ الجَميعُ ندَى يَدَيْك وأنكروا إلاّ أنا |
حتَّى الطيُورُ تَفَرَّقَتْ شَذَراً وَضنَّتْ بالغِنا |
هَذي الحَدائِقُ والحُقـولُ بفَضْـلِكَ امتـلأتْ جَـنَى |
عابوا عَليْكَ بَيـاضَ ثَوْبِـكَ فاصْفَحـنَّ عـن الخـَنَى |
لا تَعْجَبَنَّ فقلَّ مَنْ شكرَ الكريمَ المُحْسِنا |
بَعْضُ السِّبابِ إذا تَدارَسَهُ الحكيمُ هُوَ الثَّنَا |
مَنْ كان مَوْفورَ الكرَامةِ لا يخافُ الأَلْسُنَا |
* * * |
غَلْواءُ أدركنا الغُروبُ ونَحْنُ نَدْرجُ للوَراءْ |
لا تَجْزَعي، لا تَجْزَعي فاللَّيلُ يَعْقُبُهُ ضِياءْ |
إنّا هَبَطْنا سَبْعَ دَوْراتٍ إلى دار الفَناءْ |
وَلَسَوْفَ نَطْـرُقُ في غَـدٍ أو بَعْـدَه بـابَ السَّمـاءْ |
فتفاءلي وتعَلَّمي، منِّي البَشاشة والرَّجاءْ |
وثِقي بقَوْل اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءْ |
أحْلَى الفُصـولِ بمَذْهَـبي، وأحَبُّهـا فَصْـلُ الشِّتـاءْ! |