أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
ألا فَلْتَشْهَدِ الدُّنيا! |
غَسَلْتُ القَلْب مِنْ حَمأ |
ومِنْ شَهواتِه الدُّنيا |
أُحِبُّ الناسَ، لا حِقْدٌ |
يُساوِرُني على أحدِ |
جميعُ الخَلْق إخْواني |
وكلُّ مَحَلةٍ بَلَدي |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
أجُرٌّ سَلاسِلَ الماضي |
إذا اسْتَشْفَيْتُ مِنْ مَرَضٍ |
تَضاعفَ رَقْمُ أمْراضي |
كَبَا جاري فلَمْ أضْحَكْ |
وَلمْ أشْمَتْ بآفتِهِ |
أَلَيْسَتْ دَرْبه دَرْبي |
ألا أجْري لغايَتِه؟ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
أُمجِّدُ حُرْمَةَ الفِكْرِ |
إلى النيرانِ ديواني |
إذا لَمْ يُرْضِكُم شِعْري |
أردُّ العُنْفَ بالحُسْنى |
ولا أقْسو على قاسِ |
إذا لَمْ تَزْكُ صَهْبائي |
فَليْسَ العَيْبُ في الكاسِ ِ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
أعافُ القَيْدَ والنِّيرا |
أسمِّي إخْوَتي شَعْباً |
كَرِيماً... لا جمَاهيرا |
نَبَشْتُ تُرابَ تاريخي |
فراعَتْني خفاياهُ |
أَيَسْتَهْدي به غَيْري |
وأعْمَى عَنْ مَزَاياهُ؟ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
أخافُ الحَرْبَ والقَتْلا |
كنوزُ الأرضُ لا تَسْوي |
دُموعَ شَريدةٍ ثَكْلَى |
دَعُوني مِنْ شِعاراتٍ |
تَغُرُّ الناسَ بَرَّاقهْ |
كَفَرْتُ بكلِّ بوّاقٍ |
يُرَدِّدها، وبَوَّاقَهْ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعِيٌّ |
فماذا يُرْتَجَى منِّي؟ |
أُسيءُ الظَنَّ في نَفْسي |
وأُحْسِنُ بالوَرَى ظَنِّي |
فَرَشْتُ لكلِّ مَنْبوذٍ |
طَريدٍ بالنَّدَى دَرْبي |
إذا ضاقَتْ به الدنيا |
فما أحلاهُ في قَلْبي! |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
هَلُمُّوا فاضْرِبوا عُنُقي |
أمدُّ يَدي لغَرْبي |
ولا أرْتابُ مِنْ شَرْقي |
تعالَى الله ما أغْنَى |
وما أغْلَى هَداياهُ |
أسوقُ إليه آمالي |
فيَغْمُرني بنَعْماه |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
عَتيقٌ وابنُ رَجْعيِّ |
أباهي مَنْ يُباهيني |
بأنِّي غَيْرُ حِزْبيِّ |
خَبَا نَجْمي فلَمْ أجْزَعْ |
وبُحَّ – وَلمْ أثَرْ – صَوْتي |
يخافُ الموتَ مَنْ تُطْوى |
أمانيهِ مَع المَوْتِ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
أسالِمُ مَنْ يُعاديني |
إذا لَمْ يُجْدِني أدَبي |
فليسَ بنافعِي سَعْيي |
لَجَمْتُ عن الخَنَى قَلَمي |
وقُلْتُ لشَهْوتي صُومي |
لَكَم في الناس مِنْ هَرِمٍ |
ولكن غَيْرُ مَفْطومِ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ َرجْعيٌّ |
جَعَلْتُ الحقَّ نِبْراسي |
إذا ما الناسُ آذَوْني |
فَزعْتُ لخالقِ الناس |
سوايَ يثورُ مِنْ غَضَبٍ |
وَيَطْمَعُ حينَ لا أُغْرى |
مصيرُ البَغْي مَكْتوبٌ |
ولكنْ قَلَّ مَنْ يَقْرا |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
وإنْ أغْضَبْتُ "لينينا" |
سَلُوا تَجِدوا على شَكْلي |
ملاييناً مَلاَيينا |
سَمِعْتُ المَدْحَ مِنْ هاجٍ |
وذُقْتُ الهَجْوَ مِنْ مادحْ |
تَساوَى كادحٌ يَبْني |
وبانٍ لَيْسَ بالكادحْ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعِيٌّ |
وَسوْفَ أظلُّ رَجْعِيّاً |
يَميني لَسْتُ أقْطَعُها |
لِكَيْ أرْضي يَساريّاً |
زَرَعْتُ القَفْر إيماناً |
فأعْشَبَ وازْدَهَى القَفْرُ |
ولمَّا اعتلَّ إيماني |
ذَوَى في جنَّتي الزَهْرُ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
أحبُّ الفنَّ للفنِّ |
أنا في الإنِس جِنيٌّ |
وإنْسيٌّ مع الجِنِّ |
أقولُ الشِعْر تَفْريجاً |
لما في النَفْس مِنْ ألَمِ |
كبَتْ قَدَمي فلَمْ أحْزَن |
وأحْزَنُ إنْ كَبَا قَلَمي |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
فماذا تَنْفَعُ الشَكْوى |
حَذارِ حَذارِ مِنْ نَفَسي |
فقَد تَغْشاكمُ العَدْوَى |
رأيْتُ المالَ سَفْسَطَةً |
فَلمْ أزْحَفْ إلى المالِ |
تَزولُ بهارِجُ الدنيا |
فحَسْبي راحةُ البالِ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
أمُجُّ دَعارةَ الفِكْرِ |
لكَمْ شِعْرٍ بلا مَعْنىً |
وكَمْ مَعْنىً بلا شِعْرِ |
دُعاةُ الهُجْنَةِ احْتَرقوا |
وماتُوا دَوْرَةً دَوْرهْ |
بَدَتْ للناسِ عَوْرَتُهم |
فَسَمَّوا عُرْيَهُم ثَوْرَهْ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
حَمَلْتُ دَمي على كَفِّي |
عُيوبي لا أموِّهُها |
ولا أرتاع مِنْ ضَعْفِي |
لماذا أستحي مِنْها |
وأمْلأ جُعْبتي همّا؟ |
أشدُّ عَمىً مِنَ الأعْمى |
بَصيرٌ قَلْبُه أعْمَى |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
فما ذَنْبي فما ذَنْبي؟ |
أُريدُ الناسَ أحْراراً |
كَطيْر البَرِّ كالمُزْنِ |
فلا عَيْنٌ على فَرَحٍ |
ولا رَصَدٌ على حَزَنِ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌ |
ألا تَرْثُون للرَّجْعي |
سَجَعْتُ لكم فلم يَنْفَذْ |
إلى أسْماعِكُم سَجْعي |
لكَم حاوَلْتُ أن أبكي |
فلم تَبْتَلَّ أجْفاني |
إذا لم يَنْفَطِرْ قَلْبي |
فجَفْني – إن بَكَى – زانِ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
ومِنْ نَبْعِ الهَوَى عَلَّ |
سقاني الخَمْرَ دَجّالٌ |
فحالت في فمي خَلاّ |
لساني لَمْ أحَرِّكْه |
بفاحِشةٍ ولا زُورِ |
دَجَا لَيْلي فلَمْ أعْبأ |
لأني سِرْتُ في النُّورِ |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
هَجينُ الأصْلِ والفَصْلِ |
بَرَيْتُ رِقابَ أعدائي |
بسيفٍ غَيْر ذي نَصْل |
إذا حَشَدوا وسائلهم |
حَشَدْتُ لهم مُعِدَّاتي |
يَفُلُّ سُيوفَهم صَفْحي |
وأقْهَرُهُم بِبَسْماتي |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعيٌّ |
إذا عاهَدْتُ لم أخُنِ |
نَمَتْ وطنيَّتي وزَكَتْ |
لَدُنْ هاجَرْتُ عَنْ وطَني |
يَهُزُّ الحسنُ أعطافي |
ولا أسْتَهْجِنُ القُبْحا |
وَجَدْتُ سَعادتي لمَّا |
عَدَدْتُ خَسارتي رِبْحا |
* * * |
أنا يا قَوْمُ رَجْعِيٌّ |
على عَيْنَيكَ يا تاجرُ |
ضَميري الآمرُ النَّاهي |
وَعَقْلي الدافِعُ الزَّاجرُ |
ويا غَلْواءُ إنَّ اسْمي |
مَحَا لألاءَه الغَيُّ |