يا رفاقاً قد آذنوا بالرواحِ؛ |
صاحبٌ، بعد صاحبٍ، بعد صاحِ |
ورفيقٌ مراقبٌ ليس يدري |
هل لليل انتظاره من صباحِ؟ |
هل علمتم بأنَّه سئم الثُّكْلَ، وملَّ النواح إثر النواح! |
"زيد"
(1)
من قبل قد قضى النحب حرّاً |
وشهيداً في ثورة الإِصلاحِ. |
وأخوه "المطاع"
(2)
والسيد "الكبسي"
(3)
، وكم من حُلاحلٍ جحجاحِ! |
قفّ شعري وكدت أصعق لمَّا |
قيل لي: قد قضى الأديب "الشماحي" |
لا خبالاً، ولا ضلالاً، ولكن |
أيقظ النعي غافيات الجراحِ، |
فتذكَّرت من مضى من صحابي |
رفقاء الأتراح والأفراحِ؛ |
في زوايا السجون أو في كراسي الحكم، أو في شِعاب درب الكفاحِ. |
وهمُو كالنُّجوم لليمن الخضراءِ ما إنْ لِنورِها من ماحي! |
* * * |
يا رفاقي؛ هلاَّ علمتم بأني |
ما سئمت انتظار حتفٍ متحِ؟! |
فمدام الحياة قد راق لي منها اغتباقي، ولذَّ منها اصطباحي. |
وإذا سكْرُ العيش طاب فحمقٌ |
وضلال بأن تكون الصاحي، |
ما مللت الحياة والعيش كالريشةِ تحتاش في مهبِّ الرياحِ |
بل مللت الرجاء والخوف ما بين غدٍ غامض وأمسِ وقاحِ! |
ذكريات اندِحَارِهِ تتمنَّى |
لغدٍ أن يكون يوم فلاحِ |
* * * |
و"الشماحي" قد كان خدن معانٍ |
للمعالي، وكان كبش نطاحِ |
ولَخَمسٌ من السِّنين قضيناها سَجِينَيْن؛ كَنْزُ ودٍ صُراحِ |
قد حُشِرنا في سجن "نافع" من بعد عذاب التعزير و"الدَّرداحِ" |
بين "صنعا" وبين "حجَّة" في قافلةٍ زادُها دمُ الأتراحِ؛ |
* * * |
كان لي ذلك الصديق بشوشَ الوجه أوقات الغم والإِنشراحِ |
كان ملء الأسماع بالمنطق الفخم وبالشعر والمجون المباحِ، |
كان ملء العيون بالمظهر الخلاَّب والوجه الباسم المِمْراح، |
كان سلس القياد للحق والعدل، وصعب المراس عند التلاحي |
خلق كالنسيم ضمخه الورد وأروي شذاه نفحُ الأقاحِ، |
وإذا كدَّر الجحود شذاه |
ثار سخطاً كالعاصف المجتاحِ، |
* * * |
لهف "صنعا" عليه قد كان فيها |
عالَماً من بشاشةٍ وسماحِ |
فقدت فيه فذ قولٍ وفعلٍ؛ |
فَهْي تبكي بمدمع سحَّاحِ. |
أيّ "صنعا" تُرجى لشعرٍ ونثرٍ |
وسماع، ونجدة، ومزاحِ! |
وحوارٍ لعالمٍ وأديبٍ، |
وفقيهٍ، وملحدٍ، وإباحي؟؟ |
أي "صنعا" باتَتْ؟ وكيف نوادي الأنس فيها بعد "الأديب الشماحي"؟ |