ألوذ بالصَّبر من حزني ومـن تعـبي |
وأستجير به من وحشـة الكـربِ |
ما زلت أخبط في قفر الحياة، ولـم |
أظفر بمطَّلبٍ، أقضي به أربي |
مـوزَّع الهـمّ مفـؤوداً أعلِّل مـا |
أبقى لي الدهر بالأحـلام والكـذبِ |
قد علَّمتـني الليالـي كـلَّ نائبـةٍ |
حتى غدوتُ "عميد" البؤس والنَّوبِ؟ |
* * * |
واليوم أُفْجَعُ في أهلي – وقد فجعوا |
كما فجعتُ – ببنت السادة النجبِ |
بنت "البتول" التي ما إن عرفت لهـا |
قرينةً من نسـاء العجـم والعـرب |
لو أن في الخلق من لم يأت مَنْقَصَـةً |
كانت هي المثل الأعلـى بلا ريـبِ |
* * * |
كانت تقول بأن الخلـد موطنهـا، |
ودينها خير مـورثٍ ومكْتَسـبِ
(1)
|
كانت ملاذاً لمن جلَّـت مصيبتُـه، |
ومستجاراً لذي خـوفٍ ومرتعِـبِ |
في القصر والكوخ، في البلوى تمارسها |
مثل النعيم، بلا عُجْـبٍ ولا رَهَـبِ |
الله نورٌ لها في كلِّ داجيةٍ، |
واللهُ حارسها من وحشـةِ الغلَـبِ |
أكرم بها في رحاب الخلـد راضيـة |
مرضيَّةً دونمـا خـوفٍ ولا تعـبِ |
* * * |
"تسعون عاماً" مع الأحداث قد عبرتْ |
أهوالُها، سحبٌ تطغى على سحُبِ، |
"تسعون عاماً" من الآلام قد زحفت |
أحزانها؛ لهـبٌ داجٍ علـى لهـبِ، |
"تسعون عاماً" وما تنجاب معركـةٌ |
إلاَّ ومعركةٌ أخـرى علـى كثَـبِ |
وروحها بيقين الحقِّ مدَّرعٌ.. |
وقلبها للرَّزايـا غـير مضطـربِ. |
حياتها؛ صحفٌ تترى مطهَّرةٌ |
تتلى بها سـورُ الإِخـلاص والأدبِ |
"تسعون عاماً" وذكـر الله في فمهـا |
تنفي به وحشـة الآلام والوَصَـبِ |
كانت لأحبابها كنزاً ومُدَّخراً |
أغلا من الجاه والأمـوال والنشـبِ |
* * * |
لولا اتِّقائي لما يرتاؤه نفَرٌ |
لم يعرفوا الفرق بين الجد واللَّعـبِ؛ |
ترجمتُ تاريخها شعراً يرتلُه |
من يحسب الشعر –أحياناً- من القُرَبِ |
وضرَّج القلـب أنغامـي بأدمعـهِ، |
وأحرق الحزن شعري في لظى حَرَبي، |
قد كـان تاريخهـا تاريـخ أمتِهـا |
مع "الشراكس" و"الأتراك" و"العربِ"؛ |
* * * |
أمثولة المجد مـن علـم وتضحيـةٍ، |
ومن جهادٍ، ومن شعر، ومن حسبِ |
لكن من عبثوا بالمجد، وانصرفـوا.. |
سَيُتركون ليوم الحشـر في الطلـَبِ |
ما في "تقاليدنـا" هـزؤٌ ولا لعـبٌ |
وكلُّ تاريخنـا للسيـفِ والكتـبِ |
* * * |
كيف السبيل إلى درب الخلاص وقد |
أضحت ذخائرنـا نهبـاً لمُنْتهِـبِ؟ |
أستغفر الله رغم الأنف قد هـدرت |
"شقاشقٌ" دونما قصدٍ ولا أربِ |
لكنَّه الحـق عِـرض الله إن عبثـت |
به يـدٌ هلكـت في شـر منقلـبِ |
طوفانه لم يجامـل "نـوح" في ولـدٍ |
وتبَّ حين بغى الطاغي "أبو لهـبِ"؟ |
* * * |
يا من قضت نحبها؛ والـدار نائيـةٌ |
فأحرزت أجـر مظلـوم ومغتـربِ |
الله أولاكِ ما أولى أحبَّتَه.. |
من الكرامة، والإيمان والأدبِ |
فعشتِ عازفـةً عـن كـل مُغريـةٍ |
تعنين بالخير والإِحسـان والقُـربِ |
إلى النعيم، إلى الفـردوس فانتقلـي |
يا أخت خير أخ؛ يا بنت خـير أبِ. |