شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة السيد أحمد عبيد ))
ثم ألقى المحتفى به كلمة مختصرة، رد فيها على مقدِّم الأمسية والمحتفي معترفاً لهما بالجميل، شاكراً لهما ثناءهما عليه، وشاكراً للحضور تجشمهم مشقة الحضور لتهنئته وتكريمه، فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الهادي الأمين.. إخواني: أحييكم وأشكر الله، ثم أشكر جمعكم، فخوراً بكم، معتزاً بانتمائي للكلمة التي جمعتكم، وإنه لنبل منكم أن تجتمعوا، وجليل من صاحب الدعوة والدار، أن يَجْمَعَ الْكِتَابَ والْقَلَمَ بكم، شكراً لكم أن تهتموا بزميل لم يعد لقلمه وجود، ووفاء منكم أن تتذكروا انتماءاً قد سار به الزمن، ولئن بقيت الذكرى فهي مستمدة من ذكراكم، ولئن دام الانتماء فهو لمكارم أخلاقكم، فشكراً لكم وللصديق الغالي الأستاذ عبد المقصود.
- يا أبناء وطني، يجتمع رواد الفكر عادة على مائدة الكلمة، ويتحدثون دائماً حديث من يسجل للتاريخ، يخدمون بالكلمة وطناً إليه ينتمون، ويكرمون بالتاريخ شعباً إليه ينتسبون، فمضيتم تواصلون نضال القلم، وثبتم تقتحمون معارك الرأي، والآراء إذا اجتمعت راية تنتصب، ونداء يرتفع، تجمع القمة والقاعدة متضامنتين، وتوحد الحياة والمصير متلازمين، بارك الله جهودكم في خدمة جلالة الملك والوطن، وبارككم على طريق الخير والرشاد... والله يوفقكم.
ثم يواصل حديثه متسائلاً:
- لا أدري كيف أبدأ؟. أتسألون فأجيب؟ أم أتحدث على البداهة؟
يرد على ذلك الشيخ عبد الله قائلاً:
- كلاهما جائز. وكلاهما يؤدي إلى ما نحن في سبيله من ذكريات للتسجيل.
وهنا يعلِّق الشيخ أحمد المبارك، فيقول:
- أولاً تتحدث بما لديك ونحن نستمع ثم نحاول البحث فيما تطرقه من مواضيع.
فيبدأ المحتفى به في سرد ذكرياته، قائلاً:
- أبدأ فأقول كما تفضل الأخ حسين نجار إن دراستي العلمية كانت على زمنها في محيط (الكُتَّاب)، ثم المدرسة الابتدائية في المدينة المنورة. وقد سبقني إليها أستاذنا الكبير محمد حسين زيدان والسَّادة علي عامر، وعارف براده، وعلي مدرس، وعلي سعيد، ومحمد سالم الحجيلي، وصالح طه، وياسين طه. ولقد كان طليعة المتخرجين الأستاذ محمد حسين زيدان. الذي ظل بها بعد تخرجه منها يعمل (أستاذاً).
- ولقد كان العالم الجليل الشيخ عبد القادر الشلبي - يرحمه الله - أستاذاً لنا جميعاً مع أساتذتنا الأجلاء السيد ماجد عشقي، والسيد محمد صقر، وآخرين من أفاضل المعلمين المخلصين - رحمهم الله -. ولقد تتلمذ على الشيخ عبد القادر الشلبي، في المدرسة وفي الحرم ثم في بيته، أغلب شباب المدينة المنورة وفي طليعتهم الأستاذ محمد حسين زيدان والسيد أحمد العربي والسيد علي حافظ والسيد عثمان حافظ وغيرهم.
- كانت حلقات المسجد النبوي مدرسة الإِنسان المسلم، وثقافة الآدمي المؤمن، هي الإِشعاع الذي أضاء حياة طلابها، وهي النور الذي عمَّر قلوب روادها. فبارك الله جيلها فجعله طليعة نهض بدوره الرائد في أولى خطوات الدولة، وقيام وحدة الوطن الكريم.
- بعد تخرُّجي من المدرسة الابتدائية وذلك في مطلع العهد السعودي التحقت بالمدرسة اللاسلكية في جدة، وبدأت عملي موظفاً في لاسلكي الطائف ثم الرياض، فالأحساء، وكان أمير الأحساء حينئذ عام 1350هـ الأمير عبد الله بن جلوي - رحمه الله - وهو من الرجال الذين ساهموا واشتركوا مع الملك عبد العزيز منذ النداء الأول الذي ارتفع في الرياض مؤذناً بعهد جديد من التاريخ الحديث... ومما يذكر أن (حربته) التي حارب بها في أول يوم من أيام معركة الرياض لا زالت في محلها على باب (المصمك) ذكرى لمعركة الخطوة الأولى في بناء هذا الكيان.
- كان الملك عبد العزيز يحاول أن يدفع المسيرة ويستكمل مقومات الدولة، ومن أهمها: (المواصلات) ولكنه كان أحياناً يضطر أن يتوقف قليلاً ليذلل من تلك النفوس التي كانت تُحَرِّم استعمال الهاتف، وتعتبر اللاسلكي من أعمال الشيطان وأذكر على سبيل المثال: أن الناس في الأحساء تجمهروا ينظرون إلى (اللاسلكي) نظرتهم إلى كائن عجيب، وكأنه هبط عليهم من كوكب آخر من السماء... وعندما ارتفع صوتٌ من موظفي اللاسلكي يقول: (اذكروا الله وصلُّوا على النبي) ارتفعتْ أصواتٌ من الجمهور، تقول:
- (هذا الكافر يعرف الله، ويعرف النبي).
- وقصة أخرى بعد الأحساء في القنفدة. فقد انتقلت إليها (مديراً للاسلكي) أيام حرب (الأدريسي) في جيزان... أرسل الملك عبد العزيز (مدداً) للمحاربين هناك. وحينما وصل جيش المدد إلى القنفدة كانت الحرب قد انتهت في جيزان، فأمر الملك عبد العزيز أمير القنفدة (مسعود المبروك) أن يخبر الجيش وكان مؤلفاً من رجال البادية بالعودة. غير أن هؤلاء استولوا على بعض النعم التي تعود ملكيتها لسكان بادية القنفدة. فاعترضتهم قوة من الإِمارة وأحضرتهم جميعاً إلى القنفدة، في انتظار أمر الملك عبد العزيز بشأنهم... وفي فترة الانتظار جاءني رجل منهم. وقال لي ما يأتي:
يا ابن عبيد؟
قلت له: نعم.
قال: اسمع.
قلت: سمعت.
قال: هل علمت ما فعل بنا هذا العبد؟
قلت له: من هو؟
قال: مسعود أمير القنفدة. يقول: عنده برقية من ابن سعود... هو كذاب. ما عنده برقية. ولا يعلم ابن سعود عنا شيئاً.
قلت له: هو أمير من قبل ابن سعود. وأنتم جيش ابن سعود وليس لي دخل بينكم.
قال: يا رجل اسمع... سأحضر أنا وربعي وأباعرنا نصف الليل حتى تضعنا في اللاسلكي وتنقلنا إلى نجد.
فهمت عندئذ ما كان يقصد.
فقلت له: إن نجداً واسعة فحدد.
قال: حطنا بين الدوادمي والمويه ولا عليك منا.
قلت له: هذه مسؤولية وأخاف منها. فما ثمن قيامي بها؟
قال: نعطيك الربع من قسم شيخنا. ولا تكن طماعاً... ويعتبر هذا أغرب حديث في القرن العشرين سمعته إبان علاقتي باللاسلكي.
- والقصد من هذه الحكاية وسابقتها - كما قلت - الوقوف على تحجر العقول في الماضي، وكيف كان فهمها مغلقاً. في وقت كان فيه الملك عبد العزيز يقود سفينة الوطن ويدفع مسيرة المواطنين بحكمة الرائد، وقوة القائد، حتى يجتاز إنجازه التاريخي هذه العقبات.
- هذه المعاصرة للأحداث تعطينا نوعاً أصيلاً من التفكير وعمقاً صحيحاً في الفهم... بين ما كان، وكيف وبأي صورة كان؟ وبين ما هو الآن كائن وواقع وصحيح.
- وفي مسيرتي مع الحياة في رحلتها. انتقلت من اللاسلكي إلى مالية أبها مديراً للزكاة، ثم مفتشاً للماليات الملحقة بها ثم مفتشاً لماليات وجمارك أبها وجيزان ورجعت إلى القنفدة مديراً لماليتها. ثم مديراً لمالية الظفير. وبعد ذلك نقلت إلى وزارة المالية بمكة المكرمة مفتشاً في ديوان التفتيش، ثم رئيساً لديوان الموظفين العام خلفاً للسيد علي عامر، ثم مفتشاً عاماً لماليات وجمارك الحدود الشمالية الشرقية، ثم وكيلاً تجارياً في الكويت، ثم أميناً عاماً لجمارك المنطقة الشرقية. واختتمت عملي الحكومي (مديراً عاماً للزراعة والمياه). وحينما تحولت المديريات إلى وزارات كان الأمير سلطان بن عبد العزيز أول وزير للزراعة والمياه، وبعد أن ساهمت مع سموه في تأسيسها كوزارة، طلبت إحالتي على التقاعد لأبدأ في الحياة مشواراً جديداً مع الكلمة والقلم والرأي.
- أسست مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر بجدة مع نخبة من المواطنين. وأصدرت منها مجلة "الرياض" المصورة التي لم تعش طويلاً، وأصدرت في القاهرة مجلة "صرخة العرب"، ثم انتهى دوري في الصحافة كمؤسس وناشر. وابتدأ دوري فيها (كاتباً) افتتحته (برأي من الشعب) في جريدة الندوة، و(صراع المبادئ) في جريدة "البلاد"... حاولت بكلمتي اليومية (رأي من الشعب) أن أقوم بدور (الرأي الآخر) وأن أعبر به عن المواطن وهو يستمع إلى (الرأي) وعن مشاعره وهو يتطلع إلى (الرأي الآخر) شأن كل البشر في حياتهم. وطبيعة كل الناس في تطلعاتهم (فالرأي والرأي الآخر) هو الإِنسان والشورى وهو وحدة الحياة والمصير. ولقد تعرضت لمتاعب كما يتعرض كل صاحب (الرأي الآخر)، ولكن مع الفارق بين ما نعانيه من متاعب في وطننا مشفوعة بالرحمة، وبين ما يشقى به غيرنا في أوطان كثيرة أخرى يذوقون فيها أشد أنواع العذاب. فالملك فيصل - يرحمه الله - رغم ضيقه بالرأي الآخر أحياناً، كان يستبعد القوة وهي رهن إشارة لديه وينأى عن العنف، وهو رهن إيماءة منه. كان يحاول أن يواجه الرأي الآخر برأي آخر منه، بصدر رحب، موَجِّهاً ومحاوراً وصبوراً. وما نقاشه معي في منزل الأخ كمال أدهم أمام مائة وخمسين مدعواً إلاَّ موقف له (إيماءة) يسجلها التاريخ.
- حينما كنت في موقف الممنوع عن الكتابة بعد محاكمة حاكمني فيها اللواء سليمان الجارد مدير الأمن العام، واللواء سعيد الكردي مدير الاستخبارات العام، وإبراهيم الشورى مدير الإِعلام العام... أحسست أنني أعيش في فراغ وأن هذا الفراغ سيبتلعني، وأنني مهدد في نفسي بالموت حياً وأنا أمشي على قدمين.
- قررت الانتقال إلى الرياض، واسترضاء الملك فيصل ومواصلة الحديث معه، ومهدت لذلك بالأمير فيصل بن سعد الذي تربطني به معرفة قديمة.
- وفي لقائي مع الملك فيصل في الرياض، كان الحديث صريحاً وواضحاً. عن الرأي والرأي الآخر وما تمثِّله (الشورى) بلقاء الرأيين في مصلحة عامة يحرص ولاة الأمر والمواطنون عليها، وختام الحديث بيننا في ذلك اللقاء كان على النحو التالي:
- مبرري في الكلمة أنني مخلص، أقف على أرض بيضاء وإنَّك لتعلم ذلك ولكن من يعمل يخطئ ويصيب، فهل أنا مذنب فأستغفر الرب؟ أو مخطئ فأبوء بالذنب؟ فقال الملك فيصل - رحمه الله - بالحرف الواحد: لا، أنت لم تخطئ، ولو أخطأت قَوَّمْنَاك... ولكن عندك غلط في التوقيت. فكل أمر يَتَقَدَّمُ وقتَه يضر، وكل أمرٍ يَتَأخَّر عن وقته لا ينفع، وبذلك في رأيي عَبَّر الملك فيصل - رحمه الله - عن الرأي والرأي الآخر: إنهما مسألة وقت يأتي. وقرار زمنٍ قادمٍ إن شاء الله.
عند انتهاء المحتفى به من كلمته تقدم السيد هاشم زواوي بالسؤال التالي:
- سمعنا أنك ألَّفت كتاباً عن الملك فيصل باللغة الإِنكليزية، فهل هذا صحيح؟
يجيب السيد أحمد عبيد قائلاً:
- هذا ليس بالصحيح، ولو أني أردت الكتابة عن الملك فيصل - يرحمه الله - فلماذا باللغة الإِنكليزية؟ ففي اللغة العربية لغة القرآن متسعٌ لذلك. على أني لم أصل في اللغة الإِنكليزية إلى الحد الذي أؤلِّف كتباً بها، وحسبي منها أن أكون قادراً على التعبير بها عن نفسي في غير حاجة إلى مترجم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1407  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 57 من 126
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج