شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفَى به ))
ثم تكلم المحتفى به الأستاذ حسين عرب مبتدئاً حديثه بالبسملة، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم:
- شكراً أيها السادة بما تفضَّل به الأستاذ حسين نجار من الثناء الذي أتضاءل أمامه، وشكراً لصديقي الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه، والواقع أنه صاحب فضل متوارث عن أبيه.
- لقد عملت مع الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود في جريدة "أم القرى"، وكنت في مطلع الشباب، وكان مديراً للجريدة، وكنت محرراً لها نيابة عن الأستاذ فؤاد شاكر الذي كان في إجازته في مصر، فلمست من محمد سعيد عبد المقصود التوجيه والرعاية وحسن الاستقبال، ولا يزال هذا الفضل متوارثاً من محمد سعيد عبد المقصود في عبد المقصود محمد سعيد.
- ولا يستغرب الفضل عن معدنه، فأنا أشكره وأشكر لكم أيها السادة الذين تجشَّمتم المشاق، وإنه يسرني أن أتشرَّف بلقائكم في هذه الليلة المباركة، وأكرر شكري للأستاذ عبد المقصود على اعتنائه بتكريم الأدباء وجمعهم في ليالي آنسة مؤنسة قد تكون مشاكل الحياة صرفتهم عن هذه المقابلات كثيراً، ولكن لمسات الأستاذ عبد المقصود قرَّبت ما كان بعيداً.
- تجربتي في الحياة ليست تجربة فريدة ولا وحيدة، فأنا واحد من الذين خدموا في السلك الحكومي وابتلوا بحسناته وويلاته، وأحمد الله أن خرجت منها معافىً لا عليَّ ولا لي، وليس في حياتي الوظيفية ما يستثير إعجابكم أو استحسانكم، ولهذا فإني أريد أن أعفيكم من مثل هذا الحديث الذي قد لا يفيدكم كثيراً.
- إننا اجتمعنا الليلة لأسمعكم بعضاً من شعري، أما الثناء الذي أُفيض عليَّ وعلى شعري فإني أقابله بالشكر الجزيل وأرجو أن أنجح أمامكم في هذا الاختبار الصعب، فأنا أمام جمع من كبار الأدباء والشعراء والنقّاد والصحفيين، وهو موقف لا أحسد عليه، ولكني أستعين بالله ولا أقول عليكم بل لكم، فلو سمحتم لي أن أقرأ شيئاً من الشعر.
يطالب الأستاذ حسين نجار المحتفى به قائلاً:
- حبذا أن يتحدث معاليكم عن سيرتكم الأولى مع الشعر.
فيجيب المحتفى به بقوله:
- الواقع أن الشاعر يولد شاعراً، وقد تساعد البيئة والدراسة في صقل الشاعر ولكنها لن تخلقه إذا لم يكن صاحب استعداد فطري في هذا المجال.
- لقد ولدت ونشأت في مكة في شعب عامر، وشعب عامر محلة معروفة في مكة كان يسكنها منذ نشأتي وإلى الآن عدد كبير من أبناء البادية إلى جانب السكان الحضريين، وكانوا يتجاذبون الشعر النبطي ليلاً في دورهم أو في دارنا أو في دار جيراننا وحفظت شيئاً من الشعر النبطي الوجداني والاجتماعي، منذ صغري لإِعجابي به، وكان ذلك قبل أن أتعلم القراءة والكتابة.
- من هنا كانت الانطلاقة، فقد كنت مغرماً بهذا الشعر ولا زلت أحفظ بعضه، لأنه صادف هوى في نفسي وتذوُّقاً خاصاً بسبب مباشرة قائليه ومنشديه، وأمثل لذلك ببعض أبيات من قصيدة لدموي الوقداني:
أيامنا والليالي كم نعاتبها
شابت وشبنا وعفنا بعض الأحوال
توعد مواعيد والعاقل يكذبها
واللي عرف حــدها مــن همـها سالي
وإن قابلت يوم ما تصفى مشاربها
تقفي وتقبل ومــا دامت علــى حـال
في كل يوم تورينا عجايبها
واليوم الأول أحسن من التالي
- في هذا الجو، نشأت وكان في ذلك الوقت بعض إخواننا من اليمنيين ينشدون القصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي قصة يوسف وزليخة. وكنت أجمع القرش والقرشين التي أحصل عليها من والدي لشراء حاجاتي، فأجلس على الباب وأستمتع بمديحهم، ذلك كله لأسمع الشعر وأطرب له، وقد أكون لا أفهمه، ربما كان هذا في سن السادسة أو السابعة لكنها البلوى التي ابتليت بها، وهي بلوى ونعمة في نفس الوقت.
- وإذا سمحتم لي أن لا أفيض في شيء أتحدَّث فيه عن نفسي، فأبدأ بقراءة ما تيسَّر من الشعر إذا سمحتم. سأقرأ كيفما اتَّفق مما أحضرته معي، وفي يدي الآن قصيدة "ملحمة مكة"، وهي تتكوَّن من خمسمائة بيت أرجو أن لا تنزعجوا، فأنا لا أريد أن أقرأها جميعها عليكم، ولكني قد أقرأ بعض أبياتها لا سيما الخاص بالانقلابات التي يعاني منها العالم.
يعلِّق الأستاذ محمد حسين زيدان قائلاً:
(سبقك بها عكاشة)، يعني: عبد الله بلخير لم تأتِ بشيءٍ جديد.
فيجيب معالي الشيخ حسين عرب بقوله:
- على كل حال الشيخ عبد الله بلخير صاحب السبق في كل شيء.
ثم يبدأ بعد ذلك في إنشاد مقاطع من الملحمة الشعرية قائلاً:
كان في الليل لدينا عسكر
وصحونا ففقدنا العسكرا
تركوا الجبهة تنعي حظها
واستباحوا الحكم نهباً وقرى
كل يوم قائد منتصرٌ
يتحدّى القائد المندحرا
انقلابات إذا أحصيتها
ربما تحصي الحصى والمدرا
غلب الظاهر منها ما اختفى
واختفى أكثر مما ظهر
دمَّرت أرضاً وغالت وطناً
غالياً وافتضحت ما استترا
* * *
القيادات هواها أن ترى
أن كل الصيد في جوف الفرا
والهتافات صراخٌ مرعب
ضجر السمع بها واستنكرا
والخيانات حديث يفترى
والعمالات كلام يمترى
والزعامات عليهم وحدهم
أصبحت حقّاً لهم محتكرا
فرقتنا شيعاً مجنونة
ذهل العقل بها وانتحرا
جرَّعتنا السُّم من ويلاتها (1)
ولقينا من أذاها الضررا
عفلقتنا عصبة وانحدرت
عصبة حمراء تدعو قيصرا
فقضى ليلين فينا آمراً
ومضى (2) الحكم به مؤتمرا
وكأن الناس في منطقهم
ليس إلاَّ () (3) غنماً أو بقرا
فإذا بالجيش أمسى شذراً
وإذا بالشعب أمسى مذرا
* * *
أيها الساعون للمجد بنا
لن يكون المجد إفكاً يفترى
حرروا أنفسكم من إثمها
واتركوا البغيَ وجافوا المنكرا
قـد رجونـا النصـر مـن ثوراتكم
فإذا نحن رجعنا القهقرى
قسمتنا قسمة ضيزى بها
بلغ الأعداء منا الوطرا
ما رأينا من فقير يغتني
منكمو إلاَّ الغنيَّ افتقرا
كم تميَّزنا من الغيظ لمن
سكنوا بعد الصروح الحُفَرا
فتنة تضحك أربابَ النهى
بمخازيها وتُبكي البشرا
أظن أن هذا يكفي وهو يمثل مقطعاً طويلاً من قصيدة طويلة، عن مأساة لا نزال نعانيها.
 
وهذه قصيدة أخرى عنوانها "موكب النور"، قيلت في تحية العيد:
موكب النور أم هلال العيد
يتجلّى لنا بفجر (4) جديد
نتملاه في جمال الصبايا
مستهلاً وفي ابتسام الوليد
في هوى الأمهات يغزلن للأطفال ديباجة الحفاظ التليد
في دعاء الشيوخ يسمو إلى الأفق تنزَّت به جراح الكبود
في نشيد الفداء تصغي السماوات إليه فتحتفي بالنشيد
في ضياء الشباب يمشي إلى الميدان مستبسلاً لفك القيود
في سلاح الجنود يقتلع الطغيان من أرضه سلاح الجنود
في هزيم الرعود يلقى على الأعداء ناراً من بارقات الرعود
في سنا القاذفات يلمع في الأفق شواظاً على العدو اللدود
في الصواريخ في القنابل تنقض شهاباً على حصون اليهود
أوِّبي يا جبال في روعة الذكرى جلالاً وكبِّري (5) للعيد
واذكري كيف أشرق النور من غارٍ بعيد في الأفق غير بعيد
وأطلّي على ضحى (6) الكعبة الغراء إطلالة الرفيق الودود
وانظري للوفود من كل فج
قد تلاقت كريمة بالوفود
نَهَلَتْ من روافد الحرم الآمن من منهل الندى والجود
وأفاضت به إلى الشرق والغرب نميراً معطراً بالورود (7)
كبري يا جبال طيبة للعيد وهزّي الجبال بالترديد
واذكري مطلع النبي بناديك طريداً أعظِم به من طريد
طلع البدر من خلال الثنيات فكانت مطالعاً للسعود
بوَّأته منازل الأوس والخزرج منها مباءة التمجيد
وفدته الأنصار بالمال والروح وجادت بطارف وتليد
واستنار الضحى وقد جاء نصر الله والفتح للطريد الشريد
لقي (8) الشرك حتفه يوم بدر
فاسألوا بدر عن مصير الجحود
* * *
يا ربوع الهدى وأرض النبوَّات سلاماً من الفؤاد العميد
هاجنا العيد فادَّكرنا البطولات بواديك في قديم العهود
وأطافت بنا الهواجس شتى
يتوالى قديمها بالجديد
ما لنا لا نرى رجالاً عهدناهم مصابيح في ظلام الوجود
أين في العالمين مثل أبي بكر أو ابن الخطاب وابن الوليد؟
أين صهر النبي عثمان ذو النورين ريحانة الوفاء الفريد؟
وعليٌّ ومن كمثل علي؟
أسد الله في صراع الأسود
ونجوم من الصحابة والأنصار والآل وعصبة التأييد
أين أندادهم؟ ومن للدراري
في سماواتها العُلَى بنديد؟
* * *
يا رُبى البيد في الجزيرة ماذا
رَوّع الأسد في الربى والبيد؟
فلقد كان صوتها يخلع الصنديد حتى يعود كالرعديد
الطواغيت طأطأت حين مستهم عصاها وادخلوا في (9) الشرود
والطغاة البغاة أعياهم الحق غلاباً فأذعنوا للوعيد
فقضى الله فيهمُ ما قضاه
فالتمس هل ترى لهم من معيد؟
* * *
أيها العيد ما وراءك مما
نرتجي من مآمل وجدود؟
آدنا الدهر بالشقاء وآذنتنا بلأوائها دواعي الجمود؟
داؤنا من دوائنا مستفيض
ممعن (10) في لحومنا والجلود
من بلاء الجمود قد أعضل الطب شفاءاً ولوثة التجديد
من جحيمين بين عهدٍ قديم
صار إفكاً وإفك عهدٍ جديد
ثم جاءوا ويا لِهولِ الذي جاءوا به من فضائح التلمود
زوَّروها على النَّبيين والزور مطيح بكل باغٍ مَريد
* * *
أيها العيد والحوادث شتى
نصطلي من لهيبها الممدود
قد بلونا الزمان في العسر واليسر وعدنا منه ببأس الحديد
كم وردنا الحروب نزجي الضحايا
ودفعنا البنود خلف البنود
لا تنال الخطوب من عزمنا الصلد منالاً سوى عرام الصمود
إنما العيد أن يعود إلى الحق المضلّون بالهوى والوعود
إنما العيد أن يسود السلام الأرض أو يختفي ضرام الحقود
إنما العيد أن تعود فلسطين إلى أهلها الأباة الصيد
إنما العيد أن ترفرف في الشرق وفي الغرب راية التوحيد
 
ثم اكتفى بما أنشد، لكن السامعين ألحّوا عليه في أن يوالي إلقاء المزيد من شعره، فيخرج من كراسته قصيدة ويقول:
- وهذه قصيدة عنوانها:" الحب الضائع":
الهوى سحره على ناظريك
والرحيق الشهي في شفتيك
والأماني أشعة تشرق الفرحة
منها وتنضوي في يديك
يا حياتي وما أعز حياتي
إن تمثلتها دليلاً عليك
سوف ألقي بها فداءاً على الحب ويبقي الذِّماء رمزاً إليك
احمرار الأسى بجنبي يحكيه احمرار الحياء في وجنتيك
والجمال الذي استقام على فرعك ثم انتهى إلى قدميك
جنة تحسب النفوس أمانيها لديها فتستهيم لديك
 
ثم يتابع إنشاده بقصيدة أخرى دون أن يذكر عنواناً لها فيقول:
يا لعينيك فيهما وقدة الحب وسحر الدجى وومض الأماني
هتفت بي أقبل فأقبلت والنشوة شوق يثور في وجداني
قالت النفس قد ظفرت وقال القلب هذي مغامز الشيطان
وتحيَّرت بين قلبي ونفسي
لحظة بعدها عصيت جناني
فتجرَّعت من أساك كؤوساً
أفعمت خاطري وأبلت كياني
وتأوَّهت حين أصبحت مسلوب الأماني مسترسل الأحزان
آهة مزَّقت فؤادي وأخرى
غادرتني في غابر الأزمان
* * *
ثم أصبحت حيث أمسيت لا يشدو فؤادي وليس يخفق حسي
الصباح المنير كالحلك الراعب في خاطري ويومي كأمسي
أيها الخافق ائتد فلقد خنتك يا ناصحي وطاوعت نفسي
يا لجهل النفوس تحسب في الآل شراباً فترتمي للتَّحسِّي
إنما لذَّ في الهوى عبث النفس
على فطنة الفؤاد المحسي
ولقد يجتني المحب من الحب
مُنَاهُ بعد الجوى والتأسي
مثلما تبسم الحياة مع البؤس
وتزهو الآمال ساعة يأس
وسئل المحتفى به عن تاريخ القصيدة التي ألقاها أخيراً، فقال:
- ربما كتبتها قبل خمس وعشرين سنة.
 
ثم يلقي على سامعيه قصيدة عنوانها "ظبية الرُّدَف"، قائلاً:
تلفتي يا ظبية الردف
مختالة بقدك الأهيف
عيناك نجلاوان ما أبصرتْ
غير فتى في حبها مدنف
لا تختفي عن ناظري إنني
أعيذ هذا الحسن أن يختفي
فشعرك الفاحم ديباجة
من الجمال الظاهر المختفي
ووجهك اللماح لاحت به الأضواء بين الجيد والمعطف
وثغرك الوضاح إيماءة
للراشف الهائم بالمرشف
وقدك الميّاس ماست به
أشواق قلب بالهوى مرجف
والنحر والصدر ويا ليتني
بينهما كالشال والمطرف
وأنت بين الغيد هفهافة
ينظرن حوليك بطرفٍ خفي
إذا احتفى الحسن بعشاقه
فكيف بالمشتاق لا يحتفي
فخفِّفي من كبرياء الهوى
والحسن في عليائه خففي
إن الهوى نارٌ ولا تنطفي
بغير فضل الوصل، لا تنطفي
وأنت نور والفراش التقى
عليه كالمسترفد المزلف
لا تحرقيه إنه هائم بالنور
كي يأنس أو يشتفي
يا ظبية الردف هلا تفي
بالوعد للمشتاق أو لا تفي
طافت به نجواه جيَّاشة
بحسه الملتهب المرهف
أسرف في الآمال مسترسلاً
ولم يكن من قبل بالمسرف
لا يكتفي بالوعد بعد الهوى
فكيف مـن بعـد الـجوى يكتفي
وكم وفى في حبه مخلصاً
فإنه في الحب صبٌّ وفي
لا تجتفيه وامنحيه الرضا
والود والنجوى ولا تجنفي
قد شفه الوجد فأودى به
على غرام بالردى مشرف
فاسعفيه يا منى قلبه
بوعدك المستعذب المسعف
ونوليه عطفك المرتجى
له فما أحراك أن تعطفي
فإنه صبٌّ عفيف الهوى
ضافي الجوى يا ظبية الردف
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1145  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 126
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .