شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ عبد المؤمن عبد اللَّه القين )) (1)
يطلّ على المشاهد فجر كل يوم -تقريباً- الدكتور زغلول النجار في برنامجه الأرض في القرآن، فيقف عند آية أو آيات من القرآن الكريم التي ورد فيها ذكر الأرض.. يشرحها ويفسّرها ثم يأتي إلى ما توصل إليه العلماء في العصر الحديث مؤكداً ما ورد في القرآن المجيد منذ 1426 سنة. فمثال ذلك، قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً (الإسراء: 78)، وقوله تعالى: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمسَ والقمرَ والنجومَ مسخراتٍ بأمره ألا له الخلقُ والأمر تبارك الله ربُّ العالمين (الأعراف: 54).
ففي الآية الأولى من سورة الإسراء يعني الدلوك أي الزوال، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "أن الشمس تستأذن ربها كل يوم عند مغيبها لتسجد تحت العرش فيؤذن لها، ويوشكُ أن لا يؤذن لها ويقال لها: ارجعي من حيث أتيت، فتطلع من مغربها".
لقد شرح الدكتور زغلول النجار في إحدى حلقات برنامجه القيّم كيف أن الآية الثانية وفيها قوله تعالى يغشي الليل النهار (الأعراف: 54) أن الليل والنهار كان كل منهما أربع ساعات، ومعنى (حثيثاً) أي بسرعة هائلة كان يتعاقب الليل والنهار، ثم أخذت الأرض تتباطأ في دورانها حتى صار كل من الليل والنهار اثنتي عشرة ساعة فصارت الأرض صالحة للعيش فخلق الله الخلق عليها، ثم لاحظ العلماء تباطؤ الأرض كل مائة عام، وستتباطأ إلى أن تقف، وهذا ما أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سجودها تحت العرش كل يوم.
وإعداد الأرض للحياة، يشير إليه القرآن بقوله تعالى: أأنتم أشدّ خلقاً أم السّماء بناها. رفع سمكها فسوّاها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعاً لكم ولأنعامكم (النازعات: 27-33).
فدحو الأرض: "تمهيدها وبسط قشرتها بحيث تصبح صالحة للسير عليها، وتكوين تربة صالحة للإنبات، وإرساء الجبال هو نتيجة لاستقرار الأرض وسطحها" والوصول إلى درجة حرارة معتدلة تسمح للحياة فوق الأرض.. "والله أخرج من الأرض ماءها سواء ما يتفجر من الينابيع، أما ينزل من السماء فهو أصلاً من مائها الذي تبخّر ثم نزل في صورة مطر، وآخر من الأرض مرعاها وهو النبات الذي يأكله الناس والأنعام وتعيش عليه الأحياء مباشرة وبالواسطة وكل أولئك كان بعد بناء السماء، وبعد إغطاش الليل وإخراج الضحى، والنظريات الفلكية الحديثة -كما يقول د. عبد العليم عبد الرحمن خضر في كتابه "هندسة النظام الكوني في القرآن الكريم"- تقرُب من مدلول هذا النص القرآني حين تفترض أنه قد مضى على الأرض مئات الملايين من السنين، وهي تدور دورانها ويتعاقب عليها الليل والنهار قبل "دحوّها" وقبل قابليتها للزرع، وقبل استقرار قشرتها على ما هي عليه من مرتفعات ومستويات.. والقرآن يعلن أن هذا كله كان متاعاً لكم ولأنعامكم (النازعات: 33).
هذه هي الأرض بمواردها الطبيعية المستجدة (الماء/الحيوان/النبات).. وقد تدهورت النظم الطبيعية لكوكب الأرض -على حد قول أحد العلماء- فظهرت قضايا الجفاف والمجاعة والأمطار الحمضية وإزالة الغابات وانقراض أنواع من الحيوان أو وشوك انقراضه كحيوان الباندا.
وبالنسبة للإعلام ووسائله -وأنا أحد العاملين فيه- حاول أن يجسّد المشكلة البيئية بالصورة والكلمة فتمّت تغطية مؤتمر المناخ العالمي الأول والذي تلاه من ظهور البرنامج العالمي للمناخ عام 1979م، فلم تكن تلك التغطية ذات أثر دائم على الحكومات أو الرأي العام المحلي والعالمي، إذ لم تكن أحداث البيئة قد اكتملت صورتها في الإعلام ولم تكتمل صورة الإعلام فيها بعد، على مستوى الدراسات والأبحاث.
فالإعلام الدولي ينظر إلى البيئة إذا كانت موضوعاً يدخل لعبة المساومة اليومية Bargaining Game ليكون عند مستوى الأحداث العديدة المتنافسة أم لا.. تلك اللعبة الموجّهة إلى الأنماط (النماذج البنائية من خلال الصحافة التي تقيّم المواضيع المحددة في الإعلام الدولي)، وبالنسبة للبيئة أصبحت محددة ضمن أربعة محاور:
1- المحدد التقني (العلمي).
2- المحدد السياسي.
3- المحدد البيئي.
4- المحدد الاجتماعي.
ويضاف إلى هذه المحددات بالنسبة للمملكة العربية السعودية المحدد الديني ضمن المحدّد الاجتماعي، الذي ينظر إلى خدمة البيئة نظرة ترقى فوق المصالح الشخصية ويترجم تعامله مع البيئة إلى قضية أخلاقية كبرى هي الإحسان الذي يقف سداً منيعاً ضد الإفساد في الأرض، وهو الذي يعني في القرآن التلوث، قال تعالى: ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها (الأعراف: 56) وقال سبحانه: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم (محمد: 22) فارتبط في هذه الآية مفهوم الإفساد -أي التلوث- بمفهوم قطيعة الرّحم وهو مفهوم اجتماعي إسلامي.
لقد شكلت توجهات الإعلام الدولي -في رأيي- عدة دراسات وأبحاث مثل حدود النمو Limits to Growth لدونيلا هـ. ميدوس وآخرين الذي نشر عام 1974م ممثلاً نظرة تشاؤمية لما سيكون عليه العالم عام 2000م، كذلك كتاب الإرشادات القاتلة/ الاتجاهات تشكل مستقبلناVital signs, the trends Are shaping our future لليستر براون وزميله الذي صدر في لندن عام 1992م، حيث صنف عدداً من الاتجاهات الإنسانية في المستقبل مثل: اتجاهات الغذاء، الموارد الزراعية، الطاقة، الغلاف الجوي، المعالم البيئية، الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
ومن أهم ما أبرزته الصحافة بالنسبة لمجال البيئة، اختيار مجلة تايم الأمريكية كوكب الأرض في عددها الصادر في 2/يناير/1989م كوكب عام 1988م وذلك لما شهده العالم من تغلّب الطبيعة على الإنسان، نظراً لأنه كان عامل كوارث طبيعية فقد اجتاحت الفيضانات العنيفة بنغلاديش، وانتشرت المجاعة في موزمبيق وأثيوبيا وعمّ الجفاف غرب وأواسط الولايات المتحدة الأمريكية مصحوباً بموجة حرارية لافحة لمدة (7) أسابيع، وشبت حرائق حديقة يلوستون الوطنية وهبّ إعصار مدمر في البحر الكاريبي وضرب الزلزال جمهورية آرمينيا. ناهيك عن أحد الجوانب المستجدة للتغير المناخي وهو "فجوة طبقة الأوزون" في الوقت الذي كان فيه حادث انفجار مفاعل تشيرنوبل عالقاً بالأذهان.
وساور القلق العلماء، ولم يُعرْهم السياسيون والمخططون اهتماماً إلا في عام 1988م.. وبدأ صراع جديد.. فالعلماء يحذرون، والمخططون ينادون باستمرار التنمية، والسياسيون أصحاب القرار اتخذوا الموضوع البيئي في أجندتهم ورقة رابحة للفوز بالانتخابات الرئيسية، كما في عهد الرئيس بيل كلينتون وظهر كتاب نائبه آل غور في تلك الفترة عن البيئة بعنوان -على ما أعتقد- (تصحيح المسار)..
إن التقييم الإعلامي للموارد الطبيعية المتجددة (الماء/الحيوان/النبات) يمكن النظر إليه من خلال الاتصال بين هذه الموارد والإنسان نفسه، فمثال الاتصال الراقي في عالم النحل –مثلاً- يقوم على العلاقات الخمس: التنافس، الافتراس، التطوع، تبادل المنفعة، المعايشة. ومثال الاتصال الراقي لهذه العلاقات يتمثل في النحل، الذي يسير بسرعة 60-70 ميل/ ساعة، ولمسافة 60-70م/ساعة، وتختار "الشغالات" الأزهار الجيّدة وتأتي بتقرير إخباري عنها، وترصد معالم الطريق لئلا تضل خليتها. أما كلامها فتعبر عنه بالرقص الدائري والحلزوني.
ونستفيد من قصة الهدهد مع نبي الله سليمان عليه السلام قيماً إخبارية، أهمها التيقّن من صدق الخبر أو كذبه. وبذلك نستطيع أن نقف على علاقة الإنسان بالبيئة في الإسلام، فهي علاقة إحسان ترتبط بالإيمان بالله، ولا يتوقع المسلم أن يكون له مطلب دنيوي كبير من خدمة البيئة، قال تعالى: ولا تمنن تستكثر (المدثر: 6).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
عريف الحفل: أيها السادة والسيدات فارس اثنينية هذا الأسبوع سعادة الدكتور زغلول راغب النجار يتحدث إليكم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :620  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 169 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج