شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة فارس الاثنينية سعادة الأستاذ أحمد إبراهيم العلاونة ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمداً يكون ذُخْراً لصاحبه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال رب اشرح لي صدري. ويسر لي أمري. واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي (طه, الآية: 25-28).
في البداية أزجي الشكر الجزيل إلى سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه، صاحب الاثنينية التي هي أرسخ الندوات السعودية قدماً وأطولها عهداً، وأكثرها حجيجاً وأعلاها صوتاً، وكانت من أهم مصادري في كتابي "ذيل الأعلام" بجزأيه الثاني والثالث والتذييل والاستدراك على "معجم المؤلفين"، وأشكر المتحدثين الذين أسبغوا علي من الثناء حلة زاهرة لا تليق إلا بفضلهم، وطوقوها بألوان زاهية أخذوها من كريم نبلهم، لعلي أبلغ في مقبل الأيام بعض ما شاموا فيّ من كفاية وما توسموا من اجتهاد، أيها الأخوة هذا موقف هابه كل من وقف قبلي، وقد رجعت إلى كلمات كثير ممن احتفي بهم في الاثنينية، فمنهم من صرح ووضح ومنهم من لمح ولوح، غير أنهم جميعاً في الشعور بالهيبة سواء، وأعرف أن صغر سني وحظوظ المتواضعة تجعلني مجهولاً من كثيرين، فاعذروني إن اجتهدت في التعريف بنفسي:
ولدت في الطيبة من محافظة إربد في الأردن وقد تعلمت فيها، وكنت أرى في نفسي صدوداً وإعراضاً عن المناهج المقررة، فكنت أقرأ في المرحلة الابتدائية المجلات والكتب العسكرية التي كان يحضرها والدي معه وكان يعمل في القوات المسلحة، ثم اتجهت في أواسط المرحلة الإعدادية إلى الدراسات الإسلامية والفكرية، ولما بدأت مرحلة الدراسة الثانوية انصرفت إلى الدراسات النحوية واللغوية بتوجيه وتشجيع أستاذي إبراهيم بدران -رحمه الله-، ثم وجدت في نفسي إقبالاً وولعاً بالأعلام وكتب التراجم، حتى أني صنعت لنفسي فهارس للأعلام الواردة في ذكريات الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-، قبل أن أصنع لها فهارس شاملة وتطبع.
وكان كتاب "الأعلام" لخير الدين زركلي أنيسي وجليسي ورفيقي، وراودتني فكرة إتمامه، فعملت عشر سنوات حتى ظهر المجلد الأول منه ثم ظهر الثاني والثالث قريب الطبع إن شاء الله، وكنت قد كتبت تعليقات على كتاب "الأعلام" ففرغتها في كتاب سميته "نظرات في كتاب الأعلام" واستدركت على الزركلي تراجم هي ضمن شرطه، في كتاب "الإعلام بمن ليس في الأعلام" وآمل أن تروه العام القادم إن شاء الله وأهم من ذكر فيه الأنبياء عليهم السلام الذين لم يذكرهم الزركلي، وسلاطين الدولة العثمانية، وقد واجهت في كتابة التراجم صعاباً كثيرة، لا يدركها إلا من عمل بهذا الفن الدقيق الخطير، ففن كتابة التراجم فن قائم بذاته، والناس فيه مذاهب، وهو علم ظاهره اليسر، والإغراء بالدخول منه وباطنه محفوف بالمزالق والمكاره، ولا غرو في ذلك، لأن موضوع الأعلام عندنا بحر لجي، ومن الصعوبات التي واجهتها في تراجم المعاصرين أن كتب تراجمهم ليس فيها التثبت الذي ترونه في كثير من كتب تراجم القدماء، وأنا حين أنقل من المراجع المطبوعة أحاول مع ذلك التثبت في ما أنقله، وأساتذتي وأصدقائي من فضلاء العلماء في الأقطار العربية والأجنبية يذكرون كيف كنت أعرض عليهم التراجم وكيف كانوا يجاوبونني بتصحيحها على نحو يقنعني، فكم من أكاذيب ضُربت عليها، وكم من مبالغات نفيتها، ومن أحقاد نبذتها وسيظل ذلك ديدني حتى آخر أيامي المكتوبة وأنفاسي المحسوبة بإذن الله، فأنا أؤمن بأن الاستشارة والتثبُّت هما شيمة العلماء، ومثل هذا العمل الكبير الدقيق والذي يحتاج إلى خطوط المترجمين وصورهم لا يتم بجهد صاحبه وحده، فلا بد لكل مشتغل فيه من يد تُسدي إليه ورأيٍّ يستفيده ونصح يهتدي به، ومن هؤلاء بعض من كرَّمهم الشيخ عبد المقصود في الاثنينية كالشيخ زهير الشاويش، والأستاذ وديع فلسطين، والدكتور عباس الجراري، والدكتور يوسف عز الدين العراقي، والشيخ محمد الصباغ، والأستاذ راضي صدّوق، والدكتور ناصر الدين الأسد، والدكتور فهد السماري، وكنت وما زلت أدعو إلى نقد ما أكتب لإيماني بأن كبوة العلم أشد وأقسى من نبوة السيف وبأن النقد يتمم النقص، ويقيم العوج ويصلح المنآد، ولإيماني بأن الخطأ طريق الصواب، فتجارب الإنسان في الحياة تتعرض لهزات أليمة يستقيم بعدها السير في الطريق الصحيح، ومما له صلة بتكويني إلى جانب مكتبتي وإلى آلاف الخطوط والصور، وإلى جانب مكتبات الجامعات والمؤسسات العلمية في الأردن هو اتصالي بالعلماء اجتماعاً ومراسلة، والمراسلة نصف المشاهدة، فربحتُ من معرفتي بهم فوائد جمة، ولم أذكرهم اتقاءً للإطالة، ورحم الله القائل: "من خالط العلماء وقِّرْ، ومن خالط الأنذال حُقِّر".
وفي النفس مما أدخره رسائل كريمة من علماء كرام تظللني بوارف من كلمها الطيب الذي يكون على فؤادي المتعب روحاً وريحاناً، ثم بدأت بالأسفار التي أضافت إلى تجاربي تجاريب، وإلى علمي وأدبي ما نماهما وقواهما، وأنا في كل ذلك لم أسْعَ إلى جاه ولم أركض خلف شهرة، هذا وعملي في القوات المسلحة لم يكن حائلاً دون تحصيلي العلمي، ألم يكن كثير من العلماء القدماء من ذوي أصحاب الصنائع، فمنهم الإسكافي والبزّار والبزاز والزيات والسمان والقصاب والقطان؟ وأشهر من عُرِفَ بذلك الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- وكان بزازاً، وحبيب الزيات القارئ الذي كان يبيع الزيت، وقد وجدتُ من الناشرين الثقات الذين نشروا كتبي كل دعم ومؤازرة، وهم الأستاذ نادر حتاحت صاحب "دار المنارة" بجدة، والأستاذ محمد علي دولة صاحب دار القلم بدمشق، والأستاذ زهير الشاويش صاحب "المكتب الإسلامي" ببيروت، وهم من الناشرين القلائل الذين أعادوا الثقة التي فقدها المؤلف باحترامهم للكتاب مادة وصفاً وورقاً وإخراجاً وتجليداً، وباحترامهم وتقديرهم للمؤلف على كل صعيد.
وأعود إلى الكلام عن كتابي "الإعلام بمن ليس في الأعلام" وبعض كتب تراجم القدماء، لما وجدته من تشويه لرجالات الإسلام، إذ أُبرِزَ سلفنا الأول أقزاماً ملتاثين، أو سباعاً تتهاوش على أعراض الدنيا ومآربها الخسيسة، وأنّى يبقى رجل موضع ثقة بهذا المنطق الصبياني، أوليس عجيباً أن القوم من غير المسلمين إن رأوا من عظماءهم خيراً أذاعوه، وإن رأوا شراً دفنوه، لقد أُلِّفت عشرات الكتب عن نابليون تنوه بأمجاده وتتواصى بالسكوت عن استبداده وفساده، وغدره وشذوذه وخسته، أما نحن فمبدعونا في تضخيم الآفات إن وجدت، واختلاقها إن لم يكن لها وجود، فكم من رواية لُفِّقت في التاريخ فكان عليها أحكام ما زلنا نعاني من آثارها السيئة، إننا وحدنا الذين نعرض تاريخنا بالصورة الشوهاء الممزقة ونطيل الوقوف عند مقتل عثمان -رضي الله عنه- والجمل و "صفين" ومهزلة التحكيم وكربلاء وظلم الحجاج وسفكه الدماء وضرب الكعبة بالمنجنيق وهارون الرشيد ولياليه وما إلى ذلك، مع ما في كل ذلك من أكاذيب وافتراءات. أما قرن الاستعمار الذي ديست فيه ديار المسلمين بأحذية العدو الثقيلة فهو بدء النهضة وعصر التنوير، يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: "إن الجهود المجنونة التي تستبيح قادتنا وكبراءنا في ميدان العلم والأدب والفلسفة لها غاية يجب فضحها والتحذير من مغبتها، إنها تريد القضاء على تاريخ أمة، وعندما تكون أمتنا بلا تاريخ فلن تكون أمة، ما قيمة أمة ليس لها رجال، وما قيمة دين لم يصنع رجالاً على تراخي العصور"، وبعد.. فقد سُئل الإمام الشافعي -رحمه الله- عن مسألة فقال: "إني لأجد بيانها في قلبي ولكن ليس ينطلق به لساني، وما أدري أأحسنت الإبانة عما يعتلج في نفسي أم أسأت؟" فإن تكن الأولى فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وإن تكن الأخرى فإني أعتذر إليكم وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه.
وأجدد الشكر لعميد الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه وللأخوة المتكلمين، وأشكر لكم حضوركم واستماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :615  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 164 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.