شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ محمد علي دولة ))
بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم وأبارك على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آل بيته وصحابته أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أيها الأخوة الحضور، وأسعد الله ليلتكم أجمعين وبعد:
فإن الأخ المكرَّم الأستاذ أحمد العلاونة لا يملك حياة عريضة ولكنه يملك عصامية مجيدة، وأنعِم به من وسام رفيع يضعه على رأسه، وأنعِم به من صفة يجب أن يقتدى بها ويُسار على دربها، إن الأستاذ العلاونة لم يتخرج من الجامعات ولم يرد وظائف ولم يكلف بمسؤوليات، ويتقلب في المناصب، إنه فتى نال شهادة الثانوية، ثم دخل السلك العسكري، وبقي في هذا السلك خمسة عشر عاماً، ثم تقاعد، لم يخرج من المملكة الأردنية إلا منذ سنتين، وكان يعيش بعيداً عن عاصمة هذا البلد، لكن هذا الفتى العصامي استطاع بجهده الخاص أن يقرأ الكثير من الكتب وأن يطلع على أمهات المصادر العربية، وأن يدخل عالم كتاب عظيم شامخ من أعظم ما أُخرج للناس في هذا الزمان، هو كتاب "الأعلام" لخير الدين الزركلي، لقد سَبَر غور هذا الكتاب العظيم وغاص في لججه وعرف كنوزه وأسراره واطلع على عوراته وعيوبه وهي قليلة.
ومن جهة ثانية استطاع هذا الفتى العصامي أن يتصل بكبار باحثي هذا العصر ومؤلفيه وكُتّابه الجادين في شتى الأقطار، وذلك عن طريق المراسلات، ثم دخل عالَم التأليف من أدق أبوابه وأصعبها، أقصد الكتابة عن الرجال، معرِّفاً بهم وبإيجاز، وعلى سَنَن أستاذه الزركلي، لقد اختار الطريق الصعب في مجال التأليف، وهو طريق يحتاج إلى سعة الاطلاع، والصلة الدائمة بالعلماء والمفكرين والأدباء، وإلى الرحلة والانتقال، وهي المتابعة الدؤوب للمنشورات والإصدارات وإلى معرفة خزائن الكتب وفهارسها ومحتوياتها، وقد أخرج للناس ثلاثة كتب في هذا المجال هي: الذيل الأول والثاني للأعلام اللذان ترجم فيهما للأعلام الذين كانت وفاتهم بعد عام 1976، العام الذي توفي فيه الزركلي، وأخرج للناس كتابه (نظرات في كتاب الأعلام)، ونحن على موعد قريب معه ليخرج لنا الجزء الثالث من "الذيل عن الأعلام"، وكتابه المرتقب: (الإعلام بمن ليس في الأعلام).
إن هذه الإصدارات الضخمة لهي الدليل الواضح على عصامية هذا الفتى التي نُشيد بها، وندعو فتيان المسلمين أن يقتدوا بها ويسيروا على دربها.
أيها السادة الكرام:
إن التعريف بأعلام الناس ليس أمراً سهلاً، فالأنظار تختلف جداً فيمن هو العَلَم الذي يشار إليه بالبنان، والأنظار تختلف جداً في النظر إلى الزعماء والقادة وعلى تقويمهم، وما لهم وما عليهم، والأنظار تختلف حول المؤلفين الذين أجادوا في الكتابة وقدَّموا الجديد النافع لأمتهم، والأنظار تختلف في المصلحين المسددين الذين يسيرون في دروب الإصلاح، ويدعون قومهم لرسالة الإصلاح التي يحملونها، ومن هنا فليس من السهل أن تقدم ترجمة دقيقة صائبة نزيهة للأعلام، ومن هنا تبدو صعوبة هذا العمل.
لقد ترجم الزركلي لأكثر من خمسة عشر ألف رجل وامرأة، واستطاع أن يجمع في قاموسه الكبير خيرة رجالات هذه الأمة عبر القرون، ولقد فاته رجال كبار لم يترجم لهم، وساق تراجم لرجال صغار لا يستحقون أن يدخلوا في قاموسه الشامخ، لكن فتانا الباحث الذي جاء يتمم عمل الزركلي ويترجم لمن توفي بعده، كان من سوء حظه أن الرجال قليلون في زمانه، فهذه الأمة المعطاءة، التي حفل تاريخها بألوف الرجال الكبار في مختلف المجالات، عقمت أن تنجب في هذا الزمان رجالاً كباراً كما أنجبت من قبل، خذوا (مصر) مثلاً وهي كُبرى الأقطار العربية، بلد الأزهر الشريف، لقد كانت تعج بكبار الرجال في النصف الأول من القرن العشرين، لقد نبغ فيها مصطفى كامل، وسعد زغلول، والنحاس باشا، وطه حسين، والعقاد، ومحمد حسين هيكل، وأحمد أمين، وسيد قطب، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وحسن البنا، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وغيرهم.. وغيرهم من كبار الرجال، لكنها ومنذ منتصف القرن الماضي.. القرن العشرين شح فيها نبوغ الرجال الكبار الذين يشار إليهم بالبنان، وقُلْ مثل ذلك في سائر أقطار العروبة والإسلام.
أيها السادة الأكارم:
إنَّ باحثنا الشاب قد تعب في صياغة تراجم أعلامه، وكان لا يدع مرجعاً إلا ويرجع إليه، إنه يستقصي الأخبار، ويقرأ كتب المؤلفين، ويطلع على سائر الآراء التي قيلت فيهم، ثم يكتب عن رجاله بنزاهة ورويَّة ونقد إن احتاج الأمر إلى ذلك.
والنقد أمر هام في عالم الكتابة والتأليف، لا سيما النقد البعيد عن الهوى، الذي يدفع إليه العلم الصحيح والنظر السديد والنصح للأمة، لقد نقد باحثنا شيخه الزركلي حينما ساق في قاموسه العظيم (الأعلام) قصة الخديعة التي كانت في التحكيم زمان علي ومعاوية رضي الله عنهما، لقد ورد في التاريخ أن عمرو بن العاص الداهية ممثل معاوية خدع أبا موسى الأشعري ممثل علي رضي الله عنه فخلع أبو موسى صاحبه من الحكم في حين أثبت عمرو صاحبه معاوية في الحكم، والحق أنه لم تكن هنالك خديعة، ولم يكن أبو موسى مغفلاً كما أفادت قصة التحكيم، فالرجل كان ذكياً فطناً، وقد ولاّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وجميعهم عرفوا له مكانته ولم يروا فيه غفلة، ولم يكن عمرو بن العاص مخادعاً، ولم يقامر بمستقبل المسلمين من أجل مصالح شخصية، بل كان صحابياً صالحاً، ومن يرجع إلى تاريخ الطبري ويقرأ الحوار الذي دار بين الرجلين لا يسلِّم أبداً بقصة الخديعة، بل ينفيها ولا يثبتها، ولقد نقد باحثنا الجاد أستاذه الزركلي حينما وصف الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري بأنه كان ثورياً اشتراكياً، لم يصبر عليه الخليفة عثمان بن عفان بل نفاه إلى الربذة، والحق أن عثمان لم ينف أبا ذر إلى الربذة، بل سار إليها مختاراً، وأن أبا ذر رضي الله عنه كان صحابياً حنيفاً مسلماً، ولم يكن ثورياً اشتراكياً.
لقد دخل باحثنا مجال التأليف في الرجال في مجال آخر، لقد انتدبته دار القلم بدمشق ليساهم في سلسلة (علماء ومفكرون معاصرون:- لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم) التي صدر منها حتى الآن خمسة وعشرون كتاباً، فلبى الدعوة وصدرت له في هذه السلسلة دراسات قيمة عن الأعلام السادة: حمد الجاسر، إبراهيم السامرائي، محمود الطناحي، الزركلي، ناصر الدين الأسد، والأمل كبير أن يتابع الكتابة في هذه السلسلة فيخرج للناس كتباً نافعة في التعريف بأعلام مؤلفين معاصرين.
إن باحثنا الكريم أراد أن يكون مؤرخاً للرجال العظام، لأنه أدرك أن التاريخ الإنساني من صنع الرجال الكبار فهم قادة الأمم، وهم ملهموها وهم باعثو نهضتها ومقيلو عثراتها، وهم الذين يقودون مسيرتها ويصنعون نصرها، لقد قال شيخنا محمد الغزال -طيب الله ثراه- : إن الأمم العظيمة ليست إلا صناعة لنفر من الرجال موهوبين، وأثر الرجل العبقري فيمن حوله كأثر المطر في الأرض الموات، وأثر الشعاع في المكان المتألق، وأذكر أني سمعت رجلاً من كبار أساتذتي ينوّه بهذا المعنى ويقول: (أنا أؤمن بالواحد) وهي تورية لطيفة، يشير -طيب الله ثراه، وبلل بالرحمة ذكراه- إلى أن الفرد الكبير يخلق العجائب في النفوس، ويستطيع أن يجمع المتفرق، ويعلِّم الجهول، ويقرِّب البعيد، ويلمس بجهده الساحر ما حوله، فإذا هو يسوقه صوب ما يريد.
ثم يقول: إن الشيوعية الكذوب تماري في هذه الحقيقة، وتزعم أن الأفراد مهما عظموا لا وزن لهم، وأن الفضل كله للجماهير، (انتهى كلام الغزالي -رحمه الله-).
أيها السادة الكرام:
في الختام أختصر كما أمرني الفاضل الأستاذ عبد المقصود، تحية لفتانا الباحث الجاد الأستاذ أحمد العلاونة وتحية أخرى لوجيهنا المفضال الشيخ عبد المقصود خوجه على تكريمه لرجالات هذه الأمة، ذلك التكريم المتواصل منذ سنوات، والذي نرجو أن يمتد طويلاً، وتحية لكم أيها الأخوة الكرام في هذه الليلة الممتعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأرجو ألا تؤاخذوني في هذا الإلقاء الضعيف فأنا إنسان يسكنني المرض منذ مدة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
الشيخ عبد المقصود خوجه: شكراً لأستاذنا ولكن أحب أن أوضح الوقت مؤطر والكلمات كثيرة وأحياناً نخرج عن الموضوع، فأرجو أن تكون الكلمة في إطار ما يلقي الضوء على ضيفنا وفي ذلك متسع من خمس إلى سبع دقائق، لقد أخذت كلمة الأستاذ محمد علي دولة أكثر من 12 دقيقة، وسبب ذلك خروجها عن النص فأرجو أن نتقيد بذلك، وشكراً لكم جميعاً.
 
عريف الحفل: إذاً نحيل الميكروفون الآن إلى سعادة الأستاذ إبراهيم عبد المجيد، باحث تراث بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض.. فليتفضل.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :822  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 156 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج