شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراج المنير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأستاذات والأساتذة الأفاضل..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يطيب لي أن أرحب باسمكم جميعاً بضيفنا الكبير معالي الأستاذ الدكتور عبد الحليم سويدان، الأكاديمي وعضو مجمع اللغة العربية بدمشق.. والذي أسعدنا بقدومه متجشماً مشقة السفر من دمشق الفيحاء ليمتعنا بهذا اللقاء.. وأحيي من البعد معالي أخي الكريم الدكتور مصطفى البارودي، الذي كان همزة وصل بين اثنينيتكم ومعالي ضيفنا الكريم، وهو المتفضل دوماً بإعطائنا من الإضاءات ما يسعدنا باستضافة ذوي الفضل مـن مختلف التخصصات، وقـد شرفت الاثنينية بتكريم معاليـه بتاريـخ 16/6/1414هـ الموافق 29/11/1993م، وبحمد الله لم ننقطع عن تبادل الرسائل حتى تاريخه، مما يجعلني كلما أستلم رسالة من معاليه أُمعن تفكيراً في أدب الرسائل الذي انقرض لولا هذه الإضاءات من أهل الفضل.. ومن أفضال معاليه أن تأتي هذه الأمسية وفق ترتيبه، لا حرمنا المولى منه ومتّعه بالصحة والعافية.
إن معالي ضيفنا الكبير رجل علم ومختبر، وهذا يدعوني لمداخلة جانبية فحواها أن الاثنينية ليست منحازة إلى جانب الشعر والأدب على حساب الإبداعات الأخرى كما يتهمها البعض، وهي تهمة لا تخلو من وجهة نظر، لكنني أؤكد لكم بمنتهى الشفافية أن علماءنا الأفاضل في داخل مختبراتهم ومراكز بحوثهم يبتعدون بعض الشيء عن دائرة التفاعل مع المجتمع الذي لا يعلم كثيراً عن أعمالهم الجليلة، والعتب مشترك بيننا وبين وسائل الإعلام، فواجبنا أن نسعى إلى بعضهم لنلقي الضوء على ما يقومون به، ونقدم إليهم كلمة الشكر التي يستحقونها ونوثق مسيرتهم الخيرة، كما إنه من واجب وسائل الإعلام كافةً التواصل معهم حتى نقف على جهودهم، ونلتقي على الأقل في منتصف الطريق لنسعد باستضافتهم، متطلعاً إلى تجاوز هذه الفجوة في المستقبل إن شاء الله.
لقد تتبعتم من خلال السيرة الذاتية لضيفنا الكبير الطريق الذي اختطه لنفسه وهذا يجعلني أعرّج على موضوع مخرجات التعليم في البلاد العربية، فقد كان الناس إلى عهد قريب يميلون إلى الدراسات النظرية التي تؤهل أبناءهم لشغل وظائف حكومية ذات دخل مضمون واستقرار في بيئة العمل، وساعد على ذلك الفراغ الكبير الذي أحدثه رحيل المستعمر، وللأسف استمرت هذه الظاهرة إلى ما بعد سنوات الاستقلال واعتماد كثير من الدول على أبنائها لإدارة شؤونها، ولكن عزوف الشباب عن دخول معترك العمل التطبيقي ابتعد بالذائقة العامة عن المختبرات والورش والحقول والزراعة بأنواعها النباتي والحيواني والمشترك، ولم يتصد المسؤولون لهذا الخلل بطريقة جادة؛ لأن سهولة جلب الخبير أو حتى العامل الأجنبي ساعد على زيادة الهوة بين كثير من المواطنين العرب والأعمال الفنية والمهنية، ومع بدايات ذلك الشرخ تلاحظون أن معالي أستاذنا الكبير قد اتجه إلى دراسة الطب البيطري في فرنسا، بالإضافة إلى نيله شهادات عليا في علم الحيوان والنبات والكيمياء الحيوية وعلم وظائف الأعضاء العام، والطبيعة العامة.
ولي أن أتساءل: لماذا اختار هذا التوجه عن إرادة وتصميم في بلد لا يمتلك الكثير من الثروة الحيوانية؟ حيث تشكل الزراعة حالياً نسبة 27٪ من إجمالي الناتج القومي، بينما ثروته الحيوانية لا تتعدى 7.7٪ من إجمالي ثروة الوطن العربي في مجال الأغنام والتي تقدر بـ 166 مليون رأس، أما بقية الثروة فهي لا تشكل رقماً يُذكر مقارنة بالدول العربية الرئيسية في الإنتاج، فإذا أخذنا هذه الإحصائية مقرونة بنسب النمو السكاني في القطر السوري الشقيق والتي تقدر بنسبة 2.4 سنوياً، على امتداد رقعة من الأرض القابلة للري بنسبة 26٪ من مساحة البلاد التي تبلغ 185.180 كيلومتراً مربعاً، ندرك بما لا يدع مجالاً للشك أن معالي ضيفنا الكريم كان على درجة غير طبيعية من بُعْد النظر واتساع الأفق الذي حدا به سنة 1936م إلى التوجه لدراسة الطب البيطري في جامعة عالمية للإسهام في النهضة الزراعية بشقها الحيواني الذي يعني الكثير بالنسبة لحياة الشعوب، لا سيما وأنه ينظر إلى طبيعة بلد شبه جاف، ويقع على هضبة صحراوية، ويعتمد في إيراداته المائية على وادي الفرات والسدود التي تتغذى من مياه الأمطار غير المنتظمة خلال فصل الشتاء الذي يمتد من ديسمبر إلى فبراير، وليس غريباً أن يشق معالي ضيفنا الكريم طريقه ليشغل حقيبة وزارة الزراعة عام 1963م ضارباً بذلك أروع مثل لما يكون عليه التخطيط الواعي لمستقبل الفرد المتسق مع خدمة الوطن والمواطنين.
ولا يفوتني أن أغتنم هذه الفرصة لأنطلق من تجربة خاصة إلى واقع عام فأنبه أبناءنا الطلاب والطالبات وهم يتطلعون إلى غد واعد أن يُعدَّ كل منهم لنفسه خطة بسيطة تعتمد على ميوله والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها ومدى استفادته واستفادة المجتمع من الدراسة التي سوف تستقطع شطراً من عمره، وبموجب هذه الخطة المتواضعة يستطيع أن يتجنب الكثير من المفاجآت التي قد تنتظره في المستقبل، ومنها مجابهة البطالة أو إعادة التأهيل على أحسن الاحتمالات لمواكبة المتغيرات في سوق العمل.
إن المتتبع لمسيرة ضيفنا الكبير لا يملك إلا أن يشيد بكثير من التقدير والاحترام لتوظيفه ما اكتسبه من علم ومعرفة وخبرة لإفادة مجتمعه وتوسع دائرة النفع العام لتشمل دولاً أخرى في حاجة ماسة إلى سابغ علمه وجميل فضله، ولمثل هذا فليتنافس الشباب لدخول معترك الحياة وفق خطة تهدي وإزميل ينحت في صخر المشقة والعناء، حتى تنفلق عن ينبوع الخير والعطاء والنماء، إنها معادلة معلومة الطرفين ولا بد دون الشهد من إبر النحل..
وأذكر بالفضل والثناء ما غرسه معالي ضيفنا الكريم بتأسيسه قسم الحيوان بكلية العلوم بجامعة دمشق، وتأليفه المصنفات المتخصصة في بابها لتشكل قاعدة انطلاق نحو مزيد من الدراسات والبحوث التي هي أساس تقدم كل أمة، فبدون أحزمة مراكز البحوث والمختبرات التي تقام على مشارف المدن وتحت مظلة الجامعات لا يمكن أن نصل إلى معشار ما سبقنا به الآخرون، ولو أنفقنا ملء ما في الأرض ذهباً في كل مصرف من مصارف الاستهلاك والرفاهية الزائفة، هذا هو ميدان التحدي الحقيقي، وبين أيدينا تراث باذخ في الأوليات التي أصبحنا نتغنى بها، فأين نحن من ابن النفيس (أول من اكتشف الدورة الدموية)، وابن سينا (المعلم الأول والطبيب الفيلسوف)، وابن خلدون (مؤسس علم الاجتماع)، وابن الهيثم (أول من ألّف في البصريات وشرَّحَ العين وأشار للكاميرا) وعباس بن فرناس (أول من حاول الطيران)، وأبي بكر الرازي (أول من أدخل المواد الكيميائية في الصيدلة وتحدث عن الأصل النفسي للروماتيزم)، والإدريسي (أول من أنشأ خريطة كروية للعالم، وصَنَّفَ النباتات في سبع لغات)، وجابر ابن حيان (أول من استحضر حمض الكبريتيك واكتشف الصودا)، والقائمة تطول.. فهذا محمد البيروني (أول من وضع معادلة الوزن النوعي ومحيط الأرض وخطوط الطول والعرض)، ومحمد ابن موسى الخوارزمي (أول من أدخل رقم "الصفر" في الحساب)، وخَلَفَ الزهراوي الطبيب الأندلسي (الذي ألَّفَ التصريف لمن عجز عن التأليف، الذي كان يدرس في جامعات فرنسا وإيطاليا حتى القرن الخامس عشر الميلادي، وابتكر الأدوات الجراحية الحديثة).
والغريب أن بعض من ينبغ من علمائنا حالياً لا يجد الدعم والرعاية والاحتضان إلا بين جامعات ومؤسسات هي للغرب، تكريساً لواقع قميء وبيروقراطية متفسخة ونظرة قاصرة ومعوقات تنبت في كل زاوية، نأمل أن نتخلص منها جميعاً بأسرع وقت ممكن، حتى نفسح المجال لنهضة علمية حقيقية.
معذرةً أيها الأحبة إذا أطلت.. ولكن الموضوع يمس عصب الأمة، وهو موضوع الساعة بلا منازع، راجياً أن يجد حقه من البحث واستمرار إلقاء الضوء عليه، والزملاء الأساتذة الإعلاميون الأفاضل خير من يوقد شمعة في هذه المتاهة حتى نخرج من شرنقة الجهل إلى آفاق العلم، والنور، والتقدم، والازدهار.. وهو السبيل الوحيد لرقي أمتنا.
وأذكر بالفضل جهود معالي ضيفنا الكريم في مجمع اللغة العربية بدمشق، الذي يعمل مع مجامع اللغة العربية الأخرى لحفظ لغتنا الجميلة وإضافة ما يستجد إلى قاموسها الحي المتجدد.. متمنياً لهؤلاء العلماء الأجلاء التوفيق والسداد وهم يقفون في ثغر من ثغور الجهاد، وعلى أمل أن نرى جهودهم الكبيرة تنعكس إيجاباً وبصورة مباشرة على تعاملنا اليومي مع لغتنا الجميلة في كل مناحي الحياة.
أرحب مرة أخرى بعالِمنا وضيفنا الجليل، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يمتعه بالصحة والعافية والعطاء الوفير، متمنياً لكم أمسية طيبة، وعلى أمل أن نلتقي الأسبوع القادم لتكريم سماحة العلامة الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني، مفتي الجمهورية اللبنانية، وهو من تعلمون علماً وفضلاً وثقافةً.. فأهلاً وسهلاً بسماحته، وبجمعكم الكريم..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
عريف الحفل: السادة والسيدات نبدأ الآن -كي نستمع سوياً إلى كلمات أصحاب المعالي والسعادة المتحدثين في حضرة ضيفنا الكريم -نبدأ بمعالي الأستاذ الدكتور رضا عبيد مدير جامعة الملك عبد العزيز الأسبق وعضو مجلس الشورى سابقاً فليتفضل.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :775  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 92 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.