شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور جميل مغربي ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وسائر الأنبياء والمرسلين..
أيها الأخوة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
سأتحدث إليكم حديثاً حميمياً، لأني سأتحدث عن ذاتي وأتحدث عن صديق قضيت معه عمراً كاملاً، ولذلك سندلف جميعاً عبر بوابة الصداقة، وعلاقتي بالدكتور عاصم تنطوي على مفارقة عجيبة ففي الوقت الذي يتعين علينا فيه أن نكون أصدقاء لم نكن كذلك، كنا نسير كخطين متوازيين يعرف كل منا الآخر دون أن تربطنا صداقة، بل مجرد زملاء في قسم في كلية الشريعة في جامعة أم القرى أو جامعة الملك عبد العزيز آنذاك، وقد يعجب البعض أنني لم ألتقي بعاصم إلا مرة واحدة ثم تفرقت بنا السبل، عُينتُ معيداً بالجامعة.. ثم محاضراً وانتقلت إلى جدة، أخي عاصم عُين معيداً فيما بعد في كلية التربية، وسافر إلى بريطانيا.. سبقني إلى هنالك، تقدم بطلب الانتقال إلى جامعة الملك عبد العزيز، ومن المفارقات العجيبة كان يُسمح لي كمحاضر أن أحضر جلسات مجلس القسم، فأثنيت على أخي عاصم خيراً وفق ما أعرفه عنه من حُسن خلقٍ ومن دأبٍ ومن مطالعات وما يكتبه في الصحف والمجلات، وقُيّضَ له أن ينتقل إلى القسم، ثم شاءت إرادة الله عز وجل أن أذهب إلى بريطانيا لأجد عاصم أمامي، ثم تطورت الأمور أكثر من ذلك فإذا بالمشرف الذي يُشرف على عاصم هو نفس المشرف الذي يُشرف على رسالتي، وهو البروفيسور "بوزورت"، وكان رئيس تحرير دائرة المعارف الإسلامية، حتى كنا فيما بعد اكتشفت بعض المسائل كأني وعاصم نتناوب الأدوار دون أن يشعر أحدنا بالآخر، غادر عاصم إلى المملكة.. حصل على الدكتوراه، وجدتُ في بريدي بعض الأوراق من البروفيسور "بوزورت" وربما أكشف هذا السر لأول مرة، كان يستعين ببعض المسائل وجدتُ أنها ليست من صلب الموضوع والبحث الذي أتناوله، واكتشفت أنه كان يترجم أعمالاً في تاريخ الطبري وكان يستعين بي، فاتضح لي أنه كان يستعين بعاصم قبلي، وحينما غادر عاصم أُنيطت بي المهمة، هذا جانب، طبعاً عشنا حياةً أكاد أكون صادقاً مع نفسي لأقول بأنها كانت حياة تمثل أجمل أيام العمر في البحث عن المعرفة في ذلك المناخ ببرده الجميل وبأمطاره التي يزدريها الغربيون ولكنها كانت محببة إلى نفسي، لكن كنت أشعر فيها بكل صدق وأمانة بروعة تلك الأجواء وروعة مناخ العِلمِ أيضاً والبحث، فكنا نجتمع سوياً، كنت أجتمع وزميلي عاصم والدكتور فواز الفواز، كنت أقدم من (بام هول) كان عاصم يسكن في منطقة (ديزفري) فكنا نسهر سوياً ثم نعود في المساء، ثم أعود إلى منزلي هكذا كان دأبنا، كان لنا اجتماع أسبوعي وهذه سُنَّة حميدة كان يحرص عليها البروفيسور بوزورت وكان يستدعي أساتذة من جامعات أخرى، وكانت ندوة في غاية المتعة فَتَّحت أذهاننا على آفاق في بعض الجوانب التي قد يتوهم المرء بأنها بمنأى عن التخصص الدقيق الذي ذهب ليدرسه، من ذلك مثلاً: اللغة المالطية، تبين لنا أنها لغة بلهجة شمال أفريقيا، وماضون فيها إلى الكسر، وكانت تدور بيننا نقاشات بما تنطلي عليه أحياناً من بعض الزملاء، أذكر أن عاصم كان يتندر على بعض زملائه إلا أنه كان يصر لماذا يلجأون إلى الكسر؟ وكأنه يود أن يقيم لغة القوم على أسس وقواعد لغتنا، وهنالك جوانب عديدة لكن من أجمل الأمور التي قُيّض لنا أن نحظى بها في تلك الأيام، أن تعرفت على رجل من خيرة الناس ولأخي عاصم فضل كبير في ذلك، هو الأستاذ خالد سعود الزيد - رحمه الله - رئيس رابطة أدباء الكويت، كان رجلاً دمثاً وخلوقاً وعالماً وفاضلاً، ومتواضعاً في ذات الوقت، دعاه أخي عاصم ثم دعوته وكانت لنا أمسيات نلتقي فيها وبقية الزملاء الدكتور محمد الجبر، والدكتور فواز الفواز، الدكتور سليم وجملة من الأصدقاء فكنا نجتمع على العلم وعلى المعرفة.
أخي عاصم أيضاً كانت له كما كان يقول المتنبي:
فتىً يشتهي طول البلاد ووقته
تضيق به أوقاته والمقاصدُ
 
وبحكم حبه لي وحبي له كان أيضاً يقصرني على بعض المسائل معه فهو كان رئيس تحرير مجلة "الطالب"، وكنت أنا من هيئة التحرير، فكان عاصم دقيقاً في كثير من المسائل، وهذه التجربة عشتها معه أيضاً حينما كان رئيساً لتحرير مجلة "الحج" وكنت في الهيئة الإشرافية، فهو لا يود أن يسمح لمقال من المقالات أن يمر ولا يود لتيار من التيارات أن يسيء إلى تيار آخر، كان عاصم يؤمن بالتهذيب في التعامل، ويؤمن بالحوار ويؤمن بفكرة احترام المختلف، وهذه مزايا ومناقب أننا الآن نبحث العودة إليها، ونتلمس سبل التمسك بها، ولكننا نصحنا بضرورة التمسك بها، وكتب أخي عاصم وكتب كثيرون وها نحن نعود ونرجع ثانية للبحث عن الخطوة الأولى في الطريق الطويل، فكان أخي عاصم يرسل لي بعض المقالات لكي أتولى قراءتها إلى جانب ما كان يقرؤه هو من مقالات، وكانت أياما جميلة أيضاً حينما نذهب إلى لندن، لطباعة هذه المجلة وكانت تخرج في ثوب جميل رغم أن الإمكانات لم تكن لتسمح بإخراج مجلة في تلك الصورة، أرجو أن لا أكون قد أطلت لأنني أود أن أتحدث عن أشياء حميمة، أشياء قريبة إلى النفس، أنا الآن أتحدث عن عاصم ولكنني تحدثت عن نفسي، وهذا هو سر التلازم في علاقتي بأخي عاصم، نحن شيء واحد حتى لو افترقت بنا السبل ونأى عني ونأيت عنه، وبَعُد عني وبعدتُ عنه.
ومن الشخصيات العلمية أيضاً التي تعرفت عليها عن طريق أخي عاصم وهي مفارقة لطيفة أيضاً بروفيسور (ديفيد) هذا الرجل بالمناسبة كان يُعنى بشيء غريب، يُعنى بالأكلات العربية القديمة، الطعام العربي القديم، وله كتاب في "المأكولات العربية في العصر العباسي" التي للأسف الشديد ربما نحن لا نعرف عنها شيئاً فقط نحن نسمع الآن عن "الفالوذج" ونسمع عن الكثير من المأكولات ولكن الرجل عُنيَ بها، وهذا الرجل كانت لي معه علاقة قوية جداً، وتعجبون إذا قلت لكم أنني لم أره إلى الآن، فعلاقتي معه بالتلفون لأنه كان يسكن بعيداً وكنت أعيش في مانشستر، هذا جانب من الجوانب.
ولا أود أن أطيل وأود أن أختصر هذه المسائل لأنني أعلم أنني أملك من ناصية الكلام ما يسمح لي أن أخوض في مضماره عن أخي عاصم حتى ينبلج ضوء الصباح، ولكن لن أستأثر بذلك وأود أن أشير إلى جوانب هامة، التكوين الديني لدى أخي عاصم، التكوين الديني فقد ارتوى من المعين الأول الذي يتوق كل إنسان إلى أن ينهل منه وهو حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانغرس في مدرسة العلوم الشرعية، ثم تأصل هذا بحب بيت الله وبلد الله ومشائخ مكة، حينما عاش بين ظهرانينا واحداً منا وأخاً كريماً يحبنا ونحبه، ويجلنا ونجله، لا أود أن أستفيض في هذا الجانب فأنتم تعلمونه أكثر مني.
الجانب الثقافي: أو إذا شئتم أقدم الجانب السياسي، لأن أخي عاصم أيضاً جرني إلى مسألة أخرى حينما عشنا في بريطانيا، كان يُعنى بمتابعة الندوات السنوية للأحزاب، كان هناك حزب المحافظين وحزب العمال وكانت هنالك مجموعة من الأحزاب، مثل الحزب الديمقراطي الاشتراكي، فكنا نتابع الدورات السنوية لهذه الأحزاب والحقيقة استفدنا منها لغوياً وثقافياً وسياسياً، وتابعنا الكثير من الشخصيات، ولعاصم ولع غريب بهذه المسائل كلما سافرت لبريطانيا أجد أجمل ما يمكن أن أقدمه لعاصم الكتب التي يطلبها، والحرج مرفوع بيننا فهو أحياناً يتصل هاتفياً بي يا جميل عرفت أنك ذهبت إلى بريطانيا. أرجو أن تحضر لي مذكرات ديفيد لو سمحت، ومذكرات (توني) فهو حريص على هذه الجوانب، وهذه جعلت عاصم حمدان يفهم التركيبة السياسية للمجتمع البريطاني، وأيضاً أدرك الصلة بين التوجهات السياسية في المجتمع البريطاني والتركيبة السياسية في المجتمع الصهيوني العنصري وكان من ثمرتها أيضاً كتابه "الغزو الصهيوني"، الذي طبعته رابطة العالم الإسلامي.
هذه مسائل ربما لمستوها أنتم أيضاً في كتاباته في زاويته الأسبوعية، أود أن أقف على الجانب الثقافي والأدبي لدى أخي عاصم، تنقسم الحقيقة دراسات أخي عاصم إلى جزأين: الجانب الدراسي أو الأدبي: والحقيقة ربما ألفت النظر إلى مسألة هامة وهي: أن الدكتور عاصم حاول أن يضيء منطقة معتمة في تاريخنا الأدبي، وهي المنطقة التي تعيش بين نهاية العصر المملوكي والفاطمي حتى بداية عصر النهضة والعصر الحديث، فأبرز الكثير من شخصيات تلك الحقبة، ولعل كتابه "تاريخ المدينة المنورة يبن الأدب والتاريخ" دليل على ذلك، وله الكثير من الأبحاث في هذا الجانب التي أعرفها شخصياً.
هناك جانب إبداعي، وهذا يستدعي التوقف مع أن الدكتور غازي أشار إلى هذا الجانب فيما يتصل بحارة الأغوات وأشجان الشامية، ولا أخفيكم أنني أسررت لأخي عاصم بمسألة ما، بحكم التلازم الروحي بيننا؛ لأن عاصم يملك الأدوات الفنية، يملك الخصائص الأسلوبية المميزة، فرجوته أن يحاول التركيز في هذا الجانب؛ لإبراز عمل إبداعي سردي، فعاصم يستطيع أن يقدم نموذجاً ربما يرقى عن نموذج محفوظ في الأدب الواقعي؛ لأن هناك مآخذ على نجيب محفوظ فيما يتصل بالتوجهات الواقعية كما تعلمون، لكن عاصم تأسس بخلفية دينية، فهو حينما يتناول هذه الشخصيات كما ذكر معالي الدكتور غازي، تناول شخصيات على بساطتها لكنها تتسامى في روحانيتها، وتتسامى في أخلاقياتها، تتسامى في قيمها، هذه الجوانب لا أود أن أطيل فيها، أود أن أنتقل إلى الجانب الإنساني أيضاً في علاقة أخي عاصم بالناس والحياة، فيما لمسته أن أخي عاصم كان براً بكبار الأدباء، وكانت لنا صلات خفية ربما بكثير من الأدباء الكبار كنا نزورهم في الصمت وهم في عزلة، وكنا أيضاً وهذه النقطة تحمد لأخي الكريم الأستاذ الكبير محمد صلاح الدين حينما التقينا بالأستاذ المرحوم أحمد جمال، والسيد محسن باروم، فكانت لنا لقاءات وجملة من الأدباء والكُتَّاب، وربما من الطرائف التي أذكرها في هذا المجال أن الأستاذ أحمد جمال - رحمه الله - دعانا إلى العشاء في زمرة محدودة، فكان يداعب أخي عاصم فقال: عاصم جزاه الله خيراً ذكرني في حارة الأغوات، فهذا يكشف أنه حتى هذه الشخصية التي عُرِف عنها الفكر الديني كانت شخصية تتسم باللطف والسماحة.
أيضاً الجانب الآخر الذي أود أن أعرج عليه الجانب الإنساني الذي أشار إليه الأخوان الكرام، والحقيقة أنا أعرفه شخصياً وهو حرص عاصم على ألا يضن بشفاعته ولا يضن بجاهه في تقديمه لمن يكونون في عوز إلى المؤازرة أو الدعم أو ما إلى ذلك، هذه جوانب إنسانية، لكن هناك نقطة أود أن أشير لها بشكل سريع، وهو أن عاصم مثل أي إنسان، قد يختلف مع أي إنسان لكن أحمد له أنه كان إذا اختلف مع إنسان وعرف أن هذا الشخص قد أتته نائبة أو كان مريضاً كان لا يتردد إطلاقاً وربما أوصانا بأن ندعو له بظهر الغيب، هذه مزية أحفظها لأخي عاصم، إضافة إلى أن عاصم كان يقربني لأنه كان قريباً من أولئك البسطاء أولئك الناس الذين تعلمت أنا وعاصم منهم الكثير من الأدعية، لأن هؤلاء أفواههم قريبة إلى السماء.
لا أود أن أطيل أكثر ولكن لا بد أن أعرج بواجب الشكر والثناء لسعادة الشيخ والوجيه عبد المقصود خوجه، لأنه دأب على الاحتفاء بالفكر والمفكرين والثقافة والمثقفين والأدب والأدباء والعلم والعلماء، زاده الله بسطة في ما يتوق إليه وما يطمح إليه من مآرب، وحباه الله الجهد والقوة على تحقيق ذلك، أشكر لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الشيخ عبد المقصود خوجه: شَرُفت الاثنينية هذه بشرفين كبيرين، المربي الكبير مدير جامعة الملك عبد العزيز السابق معالي الأستاذ الدكتور السيد غازي بن السيد عبيد مدني ابن عائلة العلم والفضل المعروفة أباً عن جد، كما شَرُفت بالشريف السيد عبد الله بن محمد بن حسن فدعق الداعية الإسلامي الصادق الدعوة إن شاء الله الطيب الكلمة، فأهلاً بهما وسهلاً، كما لأول مرة يشرفنا القنصل العام الروسي السيد أمير باشا زينالوف فلنحييه ونرحب به باسمكم جميعاًً.
 
عريف الحفل: أنقل الميكروفون الآن إلى سعادة الدكتور عبد الله المعطاني أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
 
الشيخ عبد المقصود خوجه: وددت أن أجعل هذه المنصة الرئيسية أكثر اتساعاً لأجد لكل منكم مكاناً فيها، وإذا لم تسعكم فإن قلبي وصدري يتسعان لكم، وليس على الطاولة الرئيسية ولكل منكم مقام في نفسي، فأرجو أن تعذروني فالقضية ليست قضية أولويات، وإنما هذا ما أملك فلا تحاسبوني على ما لا أملك.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :653  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.