شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ الدكتور محمود زيني ))
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي علم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم، أحمده جلَّ جلاله وأصلي وأسلم على خاتم أنبيائه ورسله، سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الذي كان مبعثه في هذا الشهر العظيم للعالمين بشيراً ونذيراً، اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وارْضَ اللهم عن صحابته أجمعين.
 
مؤسس الاثنينية المباركة ورائدها الكريم أخي الأستاذ الأديب عبد المقصود خوجه، وأخوتي وأحبتي في الله جميعاً، أحييكم بتحية أهل الجنة فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
 
أحمد الله جلت قدرته على ما أمتن به عليّ بهذا الفضل العظيم والفضل كله له، وأحمده أن قيض لي هذا الرجل الكبير الشيخ عبد المقصود فدعاني وأراد تكريمي في الاثنينية العالمية الخالدة التي اعتلت عرش الثقافة العربية والإسلامية في وطننا الكبير، وأصبحت معلماً حضارياً وتاج المنتديات والصالونات الأدبية والثقافية تذكر بخير فيشكر مؤسسها، ودعوني أشكر كذلك جميع أحبتي الذين غمروني بهذا الثناء العطر وعلى رأسهم معالي الدكتور محمد عبده يماني، وأشكر كل من قدّم كلمة طيبة أشكر الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، وأشكر الدكتور حسن الوراكلي، وأشكر جميع الأخوة الشعراء الذين أسهموا في إحياء هذه الليلة المباركة، وأغدقوا عليّ من فضائلهم، وطوقوا عنقي بهذا التكريم إنني شرفت هذه الليلة أن أكون مكرماً بين نخبة وكوكبة متميزة من الرجال العاملين الذين شَرُفوا بتكريم هذا الرائد، وأغبطه أن سَخَّرَ نفسه وماله وداره وعلمه وأدبه في سبيل حبّ الله وحبّ سيد الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في تكريم العلم والعلماء والأدباء والمفكرين والمثقفين، فبارك الله له في نفسه وماله وأهله وولده وعلمه وخلقه.
 
وأود أن أعبر لكم عما يغمرني الليلة من سعادة وحبور فأنا أرسم لكم صورة متواضعة لشخص المحب لكم أقف عند محطات هي وقفات في حياتي الإنسانية تدرجت فيها من حَسنٍ إلى أحسن وتاقت نفسي أن أكون من مصاف الصالحين والأبرار الذين أسأل المولى جلَّ جلاله أن يجعلنا جميعاً منهم أجمعين.
 
وكانت البداية أو النشأة في البلد الأمين، لهذا المكي، في مهبط الوحي ومبعث خاتم النبيين سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، مكة المكرمة أيها الأخوة ليست عاصمة للثقافة الإسلامية فحسب، بل هي البيت العتيق الذي وضعه الله للناس مباركاً وهدىً للعالمين فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً (آل عمران: 96 ـ 97).
ولدت في باب العمرة ونشأت وترعرعت قريباً منه في حارة (الشبيكة)، في بيت علم وفضل ونور يزينه ما كان يتلو والدي فيه السيد حسن عبد الرحمن زيني -رحمه الله- من قرآن كريم ينير القلوب بهدي رب العالمين.
وامتن الله عليَّ بأم حنون عليها رحمة الله، ربتني فأحسنت تربيتي مع أخوات ثلاث اختار الله منهن (جميلة وخديجة) في سن الطفولة، عليهما رحمة الله وأطال الله في عمر أخي وحبيبي المهندس السيد جميل زيني، الذي يعزّ عليَّ الليلة ألا يكون معنا لسفره ومرضه، أعاده الله بالسلامة والعافية، وحفظه وجميع المسلمين أجمعين.
تعهدني والدي -رحمه الله- بالتربية والتعليم بنفسه وكان من الحفَّاظ المكيين ونديداً للشيخ عبد الله خياط في المدرسة الراقية العثمانية، وكانت الحياة في مكة بسيطة تتفق وبساطة القوم في المجتمع المكي، هم أخوة متحابون متآلفون، لم يروا تعقيد الحياة، آمنون في الحرم الآمن، ويتخطف الناس من حولهم بسبب الحربين العالميتين، كان الناس يعيشون في مكة الكفاف ويكدحون ويعملون، ولكن كان في هذا البلد الأمين المدارس وفي الشبيكة وحدها مدرسة الفلاح والفيصلية والصولتية ومدرسة الشيخ أمين ماحي، فأخذ بيدي والدي إلى الصولتية ورأيت مؤسسها والمربي فيها الأستاذ عبد الله خوجه الذي شرفت مع من أكرمهم سعادة الأستاذ الأديب عبد المقصود خوجه، كرّم الشيخ عبد الله خوجه هنا في هذه الدار العامرة، وتعلمت من أستاذي النظام والكشافة والرياضة ولبعد الصولتية أخذني والدي إلى مدرسة أهلية لتحفيظ القرآن، ولما اشتد الحال على أبي لضيق وقته بعد أن أدى عمله وأسسني على المعارف الأولى وعلمني القرآن، أخذ بيدي إلى المدرسة الفيصلية وإلى مديرها الشيخ مصطفى يغمور ومراقبها الأستاذ أحمد بلخيور فاختبرت في الإدارة ثم أُجُزت إلى السنة الثانية الابتدائية، فإذا بي أعيش مع صحب خيار منهم شفيق يغمور -رحمه الله- وعبد الهادي مياجان (الذي صرت من أرحامه) -رحمه الله-وكان ممن لازمني ولازمته ليلاً ونهاراً، أخي صالح عبد الله كامل -حفظه الله ومتعه بالصحة- الذي كان يسبقنا في الحلول الرياضية والهندسية.
عشت مع أساتذة علماء أجلاء امتلأت قلوبهم بالرحمة والعلم والحب، (وهذا ما يفتقده اليوم أبناؤنا) وكان من أساتذتي: الأستاذ أحمد سالم وشيخ القراء الذي كنت أرى كأنه قرآن يجري بيننا السيد زيني دحلان -رحمه الله- ومعلم الفقه الأستاذ محمد سعيد بوقر الذي شرفت أن يكون معلمي في الابتدائية والثانوية في المعهد العلمي السعودي.
بدأت في المعهد مرحلة جديدة في حياتي بجوار الحرم عند باب علي رضي الله عنه، كنا نتجاور في مدرسة تحضير البعثات وكلية الشريعة ثم أكرمنا الملك عبد العزيز -رحمه الله- بقصور أبنائه في الزاهر لتكون مقرات دائمة لتلك المدارس، -رحمه الله وأجزل له المثوبة- وكنا في تلك المدارس نتمتع بحياة مليئة بروح التنافس والألفة والمحبة، والمسجد الحرام مدرستنا جميعاً نأوي إليه كل عصر ونلتقي على الخير بأحبة في باب السلام في دكة الشاولي وأمامنا حلقات العلماء المكيين الذين امتلأ بهم الحرم الشريف منهم السيد: علوي مالكي -رحمه الله- والسيد أمين كتبي، والشيخ محمد نور سيف، والأستاذ عبد الفتاح راوه، والسيد حسن مشاط، والشيخ عبد الله دردوم معلم النحو، والشيخ الحضرمي في باب الباسطية وشيخ علماء الجاوه، وأبي تراب الظاهري الذي كان يحاضر في باب العمرة، وأجلس إلى جواره لألتقط منه معارف عن العربية في النحو وفي اللغة وفي البلاغة، وأذكر منهم عمي السيد حسين زيني مدرس القرآن بمدرسة الفلاح، والليلة يحضر معي أبناؤه السيد محمد علي زيني، والسيد عبد الله زيني، فحفظهم الله ورحم عمي ووالدي وجميع المسلمين أجمعين.
كان الصحب من الزملاء أعداد لا تحصى لا زالت المحبة بيننا نوثقها في كل حين منذ ذلك التاريخ في لقاءات زملاء الصِّبا وثلوثية أبي الشيماء، وزملاء الرحمانية كان أولئك أحبة يتطلعون إلى غد مشرق وكان لهم ما تمنّوا -بحمد الله- منهم إخواني محمد سعيد طيب.. وعبد الله جفري.. وسعود وفيصل عرابي سجيني.. (رئيس المحاكم آنذاك في مكة) وعصام قدس.. ورشاد شاولي.. والشاعر الموهوب محمد إسماعيل جوهرجي، الذي أكرمني الله بعد عودتي من البعثة في مصر كان من الأوائل من أبنائي مع أخوته في قسم اللغة العربية بكلية التربية بمكة ومنهم صالح جمال بدوي وعبد الله الزيد، وكان أولئك الصحب هم اليوم أرباب القلم والعلماء والأطباء والمهندسون والمحامون والمفكرون والصحفيون، كانت تجمعنا المسامرات الأدبية في تلك المدارس المنارات العلمية وكنا نلتقي على الخير مرة في تحضير البعثات وأخرى في الفلاح وفيها هذا الخطيب المفوّه الموهوب معالي الدكتور محمد عبده يماني الذي كان يثلج صدورنا بكلماته الرائعة وبخطبه الأدبية الثقافية الرائعة، نال بحق وزارة الإعلام فيما مر من الزمان بعد ذلك.
كان المسجد الحرام أيها الأخوة جامعة مفتوحة تهوي إليه الأفئدة إلى جانب المصلين والطائفين، تهوي إليها فلذات القلوب في المجتمع المكي ينهلون من معين القرآن يقضون أوقاتهم في التحصيل العلمي يقضون عصرهم ومغربهم وعشاءهم وفي أيام الاختبارات إلى فجرهم يتذاكرون العلم، ولهم في آخر الليل بسبب سهر الليالي لطلب العلا صولات وجولات مع الأخوة الأغوات في الحصاوي والرواقات.
وتعرفت في حصوة باب السلام على أحبة علماء من طلاب كلية الشريعة والمعلمين استمر حبهم لي وتعلقت بهم منهم حبيبان من أبناء علماء الحرم المكي أخي الأستاذ بكر بابصيل الذي حضر معنا في هذه الليلة، وأخي عبد الرزاق محمد حمزة، أما أساتذتي في المعهد الذي خصص لنا فيه الملك عبد العزيز جنيهاً سعودياً نُقَبِّلُه كل شهر حمداً لله ودعاء للملك الكبير عبد العزيز -رحمه الله- وما يقدمه للعلم ولطلاب العلم، والأساتذة كثيرون كانوا علماء أفاضل منهم الأستاذ محمد حلمي، وعبد الملك ملا، (المؤذن اليوم في المسجد الحرام) وسعيد بوقري، وعمر الأحول، وعبد الله بوقس، الذي أخذنا من لسانه الأدب وتنسمنا عبير الأدب من كلماته وكذلك الشيخ الشعراوي الذي كان يمتعنا بشعره -رحمه الله-.
كانت مكة تعج بالنشاط اللاصفي للمربين، على رأسهم ولا بد أن أذكر هنا أستاذي محمد فدا، الذي كان مديراً في النهار لتحضير البعثات وفي الليل مديراً لمؤسسة الثقافة الشعبية، علمنا الطباعة على الآلة بالعربية والإنجليزية، وفي حارة الفلق كنا نأخذ مستويات متقدمة في الإنجليزية أفادتنا بفضل الله في جامعة القاهرة، وفي البعثة بعد ذلك في أوروبا، على دراسة الأدب الإنجليزي والنقد، وفي سوق المعلاة في المدرسة الرحمانية ومديرها الفطاني تعلمنا أساليب التجارة بالإنجليزية وتثقفنا، فرحم الله الفدا وكل من أعان على ذلك. كانت الهوايات نوعاً من النشاط المطلوب إلى جانب المسامرات الأدبية كانت هناك الأندية الكشفية وأخذت منها نصيباً وكنت رئيس فرقة (الثعالب) ومن أعضائها أخي الأستاذ محمد نور فارسي الذي يحضر بيننا وغيره كثير، ولكننا على الرغم من هذه الفرقة التي أخذت اسم الثعالب لم تستطع أن تحصل على الكبش الذي ضاع منها في أمسية ليلية في أرض عرفات استحوذ عليه الذئاب ولم نصل إليه إلا قبل الفجر ولم ننجح في ذلك.
لا أنسى مكتبة الثقافة في باب السلام بجوار الحرم المكي، وما لها من فضل على أبناء المكيين، فقد عبر بهم مؤسسها -رحمه الله- الشيخ صالح جمال وأبقى الله في أعمار أولاده الذين نشطوا ومنهم الأستاذ فائز جمال الذي يحضر معنا هذه الليلة نشطوا في إمداد المكيين وجلب الثقافة من أرض الكنانة وبلاد الشام، كان الأستاذ صالح جمال يبذل كل غالٍ وثمين في سبيل توفير المادة الثقافية والأدبية والعلمية لأبناء مكة بجوار باب السلام، كان يمدنا بالأوعية الثقافية العربية والإسلامية رعى الله تلك الأيام ورحم رجالاتها ورحمنا الله معهم أجمعين.
أما حلقات الدرس في حصاوي وأروقة المسجد الحرام فكانت مصدر إلهام لنا وتثقيف للشبيبة، فكم كنا نقلد أولئك العلماء وبخاصة السيد علوي مالكي الذي تعلمت منه الشيء الكثير، حتى تولدت في نفسي طاقات الخطابة والإلقاء وحب إلقاء الدرس وإذا حصيلة ذلك والحمد لله إمامة وخطابة ومأذونية في جامع الشيخ صالح الأسود بالعزيزية بمكة قرابة ربع قرن من الزمان والحمد لله.
وأختم عن البلد الأمين والاشعاعات الثقافية في أيامنا تلك ما كنا نعيشه من تآلف وتجانس ومحبة بين الشيوخ والشباب، إذ كان في مكة عمالقة الأدب والفكر والثقافة من أمثال جارنا الكريم السيد ياسين طه الذي أسس مع الملك عبد العزيز ومع محمد حسين زيدان ومحمد عمر توفيق أولئك كانوا الرواد، كانوا الأيدي أو اليد اليمنى والطولى للملك عبد العزيز في تأسيس هذه المملكة، كنت أقبل على صالونه في بيته يرتاده أساتذة من أمثال الأستاذ محمد حسين زيدان، ومحمد عمر توفيق ومحمد براده وغيرهم، وكنت أجد في نفسي الجرأة على مجالستهم مع والدي أطالع ما قرؤوه من الروايات وما كتبوه من أعمدة عن حصاد الأيام وما قرؤوه من المسرحيات والكتب الأدبية أشنف أذنيَّ بما كانوا يتحاورون فيه ويناقشون وكان الأستاذ الأديب الجار الحبيب السيد ياسين طه -حفظه الله وشافاه- يشجعني ويقربني من أولئك -فجزاه الله خير الجزاء-.
وشاءت إرادة الله أن تبدأ صفحة أخرى في حياتي بعد ذهابي إلى مصر مع إخواني الأساتذة الدكتور حسن باجودة.. والأستاذ يوسف كنتاب.. ومحمد سعيد خالدي.. وحمود البدر.. وأسامة السباعي، والتقينا على خير في كلية الآداب جامعة القاهرة.
وأدركت في قسم اللغة العربية بها أحبة كانوا معنا في المعهد العلمي السعودي وسبقونا في البعثة إلى القاهرة منهم: الدكتور منصور الحازمي، والدكتور أحمد الضبيب، والدكتور عبد العزيز الفدّا، والدكتور أحمد خالد البدلي، وهناك بدأت مرحلة ذات تأثير قوي في مسيرتي فإذا بنا نُدَّرَسُ الفلسفة والآداب العالمية والتاريخ العربي والإسلامي، والمدارس النقدية وعلوم اللغة وفقهها ونحوها وصرفها وعروضها ومن حسن حظنا أننا حظينا بعلماء من خير ما أنتجت مصر في ذلك الزمان، كانوا قمماً في الفكر والعلم والأدب من أمثال الأستاذ الدكتور شوقي ضيف (رئيس مجمع الخالدين اليوم)، والدكتور حسين نصار والدكتور عبد العزيز الأهواني (أستاذ الأدب الأندلسي المتميز) وجمال حمدان الجغرافي الشهير، الذي كانت له مواقف ونال جائزة الدولة، وكذلك الدكتور عبد الحميد يونس، والدكتور شكري عياد، ومع هؤلاء كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين يمتعنا بأمسياته الأدبية في كلية الآداب مساء كل أربعاء في شتاء قارس يحضره لفيف من كبار النقاد والمثقفين والمبدعين في مصر.
وشهدتُ في أروقة كلية الآداب وخاصة في المدرج (78) مناقشات لرسائل الدكتوراه والماجستير لعدد كثير من الأكاديميين والأدباء والعلماء ومن أولئك الأستاذة
الدكتورة بنت الشاطئ حضرت مناقشة الهيئة لها في رسالة الدكتوراه، أنا وأخي الدكتور حسن باجوده، الذي لازمني من الابتدائية حتى هذا اليوم لأكثر من خمسين عاماً، كنا نشهد صالون العقاد في كل جمعة ونشهد محاوراته، ونرى مناقشاته لفلاسفة وعلماء ومستشرقين وهنود، وكان العقاد بحق من العمالقة الذين أنتجتهم مصر، وقبل صلاة الجمعة وأسجل هذا كان يقفل صالونه ويدعونا إلى الصلاة لنذهب إلى بيت من بيوت الله، كانت القاهرة في أيامنا تعج بالثقافة والمثقفين وبالأندية ورابطة الأدب الحديث والصالونات ومنها صالون المكي الناقد الكبير الأستاذ عبد الله عبد الجبار الذي شهدنا ليلات فيه، خُصصت لحلقات الدرس وكان يدرس طلاب الدراسات العليا في معهد الدراسات بجامعة الدول العربية، وكان من حصيلة ذلك كتابه الشهير (التيارات الأدبية) المعروف لديكم.
وكان من فضل الله علينا أن أصبنا قدراً من العلوم والآداب والبحث والمناظرة، والفلسفة وأساليب التحقيق والدرس على أيدي كبار الأساتذة الجامعيين ومدرسي اللغات في قسم اللغات الشرقية، وحاولنا دراسة العبرية لما لها من علاقة معنا في النحو المقارن، ولكنني أنا وأخي الدكتور حسن عزفنا عنها وآثرنا دراسة الفارسية وأدبها على شيخ وقور الشيخ الدكتور إبراهيم الشواربي، بدلاً من تلك الشابة مدرسة العبرية، وأقبلنا على الشاهنامة للفردوسي ملحمة الفرس، وعلى الكلستان لسعدي شيرازي، وحفظنا من نصوصها ونفعتنا دراستها لما لها من علاقة في الأدب العربي من حيث التأثر والتأثير، وكانت سبباً في حل مشكلة لي في بريطانيا، سأذكر ذلك فيما بعد، ويكفي أن الفارسية حروفها عربية ولا تزال بحروفها العربية، أما العبرية فحروفها غريبة ومدرستها الشابة غريبة الطور علينا.
وفي كلية الآداب كانت الهيئة التدريسية تناقشنا في بحوث التخرج وتحاورنا بهيئة ترأسها رئيسة القسم الأستاذة الدكتورة سهير القلماوي، ويحضرها الأستاذ الدكتور شوقي ضيف والدكتور عبد الحميد يونس ويوسف خليف والدكتور عبد المحسن طه بدر -رحمهم الله جميعاً- وهذا الأخير صاحب الرواية العربية من طه لاشين إلى نجيب محفوظ، وأذكر مثالاً واحداً من تلك البحوث التي عركونا في مناقشتها وكأنها رسالة للماجستير أو الدكتوراه نوقشت في بحث نقدي عن مدرسة "الديوان" ألفته عن العقاد والمازني وعبد الرحمن شكري وعن مدرسة "الغربال" لميخائيل نعيمة وهي تمثل المدارس النقدية الحديثة في ذلك الوقت، وبها نلت -ولله الحمد- درجة الامتياز ولا زلت أحتفظ بذلك التقدير الذي كتبه بخط يده أمين الهيئة الدكتور عبد المحسن طه بدر.
كانت قاهرة المعز عامرة بالمكتبات والمجلات وأفدنا منها في تكوين مكتبة لا تزال عامرة عندي وعند أخي في مكة لأكثر من ثلاثة آلاف كتاب، نتلهف على اقتباسها من مكتبة الخانجي الذي كان يمنحنا 40٪ من الحسم، وهو ما كوَّن لدينا حصيلة ثقافية أخذت أشارك بما كتبت وأرسلت من الكنانة إلى مكة المكرمة بحوثاً نشرت في المجلة الشهرية "الندوة" الذي كان أصدرها الشيخ صالح جمال -رحمه الله- وأتمنى أن تعود تلك المجلة الشهرية لأنها كانت مع شقيقتها "المنهل" كانتا مصدر إشعاع لما أتى بعدها من مجلات ثقافية مثل "اليمامة" و "اقرأ" وملحق الأربعاء في المدينة وغيرها من المجلات، وكان أول بحث نشرته في "الندوة الشهرية" بعنوان : (الملاحم العربية) وآخر عن (عروبة الأندلسيين).
ثم كان التخرج من مصر والحصول على درجة الليسانس في الآداب غرة عام 1382هـ، وهنا بدأت رحلة جديدة في حياتي أسميها مرحلة التطبيق فعيّنت أول معيد في كلية التربية بمكة المكرمة وكانت أول نواة مع شقيقتها كلية الشريعة نواة لجامعة أم القرى بكلياتها وفروعها في مكة والطائف والباحة، نشرت عملي في تأسيس هذه الجامعة مع أخي الدكتور عبد الله النافع، وأخي في قسم التعليم العالي بوزارة المعارف بالرياض ما شجعني وشجع أخواني كذلك معالي الشيخ حسن آل الشيخ الذي كان وزيراً للمعارف، كان يتمنى أن تتأسس في مكة جامعة وبذر بذورها وتبنى ذلك الأستاذ عبد الوهاب عبد الواسع وكيل الوزارة آنذاك، وأراد أن يكون لمكة جامعة على غرار جامعة الملك سعود بالرياض، وأخذ المشروع المربي الكبير السيد محسن باروم، والسيد عبد الرحمن طيبة -رحمه الله-، والأمين الأستاذ عبد الرزاق محمد حمزة أخذوا يخططون بجد وحماس فشاركت معهم إلى جانب التدريس لعلوم اللغة وآدابها وانضم إلينا أخي المعيد آنذاك الدكتور حسن باجودة، وأخي الأستاذ حسن إيلام، وكنا نبذل قصارى جهدنا في وضع المناهج الأولية لما تحتاجه جامعتنا يعضددنا الدكتور خالد قرملي عميد الكلية آنذاك، -رحمه الله- ويدعمنا الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع، والأستاذ السيد محسن باروم، والأخ عبد الرزاق حمزة، وكنا نلتقي في حوارٍ عصر كل يوم مع الشيخ متولي الشعراوي مدرس البلاغة، نضع مناهج هذه الكلية كلية اللغة العربية إلى جانب كلية الشريعة الذي كان الشيخ أحمد علي -رحمه الله- يتولى ذلك في فندق مصر، ولا نغادره إلا إذا كان هناك أذان للعشاء في المسجد الحرام، بدأنا الكلية بقسمي اللغة العربية والعلوم الاجتماعية وكانت البداية على "حنابل" ثم بالمفاهمة مع عميد كلية الشريعة الشيخ أحمد علي الكاظمي جوّز لنا أن نأخذ من نجح من السنة الأولى في كليته ليكونوا طلبة السنة الثانية في قسم اللغة العربية لنعدّهم لمواصلة الدراسة الجامعية في الخارج وكان منهم صالح بدوي وعبد الله الزيد، والدكتور محمد السليمان السديس، والأخ الموهوب محمد إسماعيل جوهرجي، ثم أصبحوا بفضل الله أعلاماً يشار إليهم بالبنان في هذه المملكة المليئة بالرجال العاملين.
ولسبب ما كان من علامات فاترة بين المملكة ومصر بشأن اليمن قرر الملك فيصل (آنذاك نائب الملك سعود) أن ييّسر على المبتعثين السعوديين الذين حيل بينهم وبين ما يشتهون من مواصلة دراساتهم العليا وبعثتهم في مصر فوجّه -رحمه الله- بأمره الكريم بتوجيه بعثتنا إلى أوروبا وأمريكا، وأراد الله لنا خيراً بذلك على يده -رحمه الله-.
كانت بعثتي وأخي الدكتور حسن إلى بريطانيا في وقت لم تكن فيه ملحقية ثقافية هناك، وهكذا بدأت مرحلة البعثة للدكتوراه عام 1384هـ واتسمت هذه المرحلة بالغربة والارتحال للبحث والتأليف والاتصال عن قرب بالمستشرقين الذين كنا نعرف عنهم القليل من أمثال بروكلمان، ونيكلسون، وماسينيون، ولكن هذه المرحلة على شدتها وصعوبتها أفادتنا بفضل الله كثيراً وإذا بنا للمرة الثالثة نلتقي بصحبنا وزملاء الطفولة على الرغم من سبقهم لنا بسنتين في الدراسة الدكتور عبد العزيز الفدّا، الدكتور أحمد الضبيب، الدكتور منصور الحازمي، الدكتور محمد الشامخ، الدكتور الشاذلي فرهود، وهم الذين كانوا نواة الهيئة التدريسية في كلية الآداب جامعة الملك سعود.
وابتعث بعدنا من المكيين من كلية الشريعة والتربية الأخوة الكرام الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، والدكتور محمود أسد الله، والدكتور محمد إبراهيم أحمد علي، والدكتور جميل ظفر، والدكتور راشد الراجح الشريف، وكل هؤلاء عادوا بعدي حاملين للدكتوراه وأصبحوا أعلاماً في هذا البلد الكريم.
فوائد مرحلة الابتعاث للدكتوراه لم تكن محصورة في بريطانيا فحسب بل امتدت مساحتها لتشمل أوروبا الغربية: فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا والجزائر، وكان الموضوع الذي اخترته في مشروعي الأول عن الاتجاهات الأدبية عند الشعراء الحجازيين المعاصرين وأمضيت سنتين أجمع وأتصل بالشعراء على أساس هذا المشروع ثم قُبِلتُ في جامعة لندن ولكني عدلت عن ذلك لشح المادة من الدواوين والقصائد، ثم لتقلب أولئك المبدعين بين القصة والرواية والمقالة، ولعزوف كثير منهم آنذاك أن يُكتب عنهم شيء في تاريخ أدبي، ولهذا اخترت موضوعاً آخر تقدمت به إلى الجامعة بعدما وصلت إليها، وتقابلت مع المشرف على رسالتي ومن حسن حظي أنه كان الأستاذ الدكتور محمود الغول، وهو الذي انتقل إلى بريطانيا بعد تقسيم فلسطين في عام النكبة فوجهني -رحمه الله- إلى أن أكتب تقريراً عن تغيير خطتي للدكتوراه فإذا بمشيئة الله تنقلني من عشق وتعلق بالأدب الحديث وتمكني فيه إلى عودة إلى التراث العربي والإسلامي وهو أغنى تراث في العالم، إذ خلَّف لنا السلف ثلاثة ملايين من المخطوطات هي الإرث الحضاري الإنساني الكبير واندفعت تجاه هذا التراث العظيم لا لتقديسه بل لإحياء الصالح منه والطيب، إذ في التراث نصوص لا تستحق إلا الوأد كـ (سفينة الأدب) لابن عربشاه في مجلداتها التي أربت على العشرين ولا فائدة فيها، بيد أن في تراث العربية والإسلام من الكنوز ما يمثل الحضارة الإسلامية العربية التي أغرت الغربيين على النهل منها والإفادة في تكوين الحضارة الغربية المادية المعاصرة، وقد تكونت لدي نظرة علمية إلى التراث وهي نظرة موضوعية تربط المعاصر بالتراث لتكوين رؤية مستقبلية علمية حضارية بحتة، وأغراني التراث النقدي عند العرب وأوائل المسلمين فيما تمثل في مصدر من أمهات مصادر التراث الشعري والنقدي عند العرب، بما يمثل نظرة نقدية متكاملة وهذا الكتاب قد قرأته في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وكنت طالباً في السنة الثانية، واشتريته من مكتبات الأزهر بقروش معدودة، وهو كتاب "جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام"، وآلمني أن لاحظت أن المقدمة النقدية المهمة فيه كانت مبتورة، فأثار ذلك في نفسي شيئاً، عدت لذاكرتي إليه وأنا في بريطانيا فقدمت مشروعاً تحقيقياً للنص ونقدياً للمضامين التي اشتمل عليها هذا الكتاب النقدي لنيل درجة الدكتوراه.
وأود لو أذنتم لي -ولو في دقائق- أن أوضح نقطة لبس بشأننا معشر المبتعثين إلى الغرب إذ ظن بعض إخواننا -غفر الله لنا ولهم- أن عدداً كبيراً منا ذهب ليدرس في الغرب وينبهر انبهاراً كاملاً ويتعلم على أيدي المستشرقين ويمتص قدراً كبيراً من السموم التي كانوا يبثونها ويرجع هؤلاء يطبقون كل ما تعلموه من المستشرقين هنا وهناك، ويقول هذا صاحب الرأي: فلهذا وجدت الحركات العلمانية ووجد الأدب العلماني، بيد أن الحقيقة أيها الأخوة أننا لم ندرس في الغرب بل كنا نُدَرّس ودَرَّسنا وعلَّمنا وبحثنا وحاورنا وألَّفنا وصححنا كثيراً من الأخطاء التي وقع فيها بعض الغربيين، وقد اختلف حالنا عن حال من ذهب إلى الغرب الأمريكي، إن الذي تعلمناه أضفناه إلى رصيدنا اللغوي وكان من متطلبات الدكتوراه أن يكون الباحث عارفاً بلغتين إلى جانب لغته الأم وإلى اللغة الإنجليزية التي لا مناقشة فيها، وهي لغة الرسالة المقدمة للمناقشة فأفدنا من تعلم الألمانية، وجهدت أن أخرج من مأزق اللغة الفرنسية وأقنعتهم بمعرفتي بلغة بديلة عنها هي الفارسية، فكان لي ما اجتهدتُ فيه وقد وجدنا أنفسنا أقل من الباحثين الغربيين في معرفتهم باللغات وأضرب لكم مثلاً: بكارل بروكلمان الذي ألَّف عن تاريخ أدبنا صحيح أنه فيما يخص بعض المواد التي تخص الإسلام كان يدس السم في الدسم، هذا أحد المستشرقين الألمان الذين خدموا تراث العربية والإسلام كان يجيد ثلاثين لغة، ما بين لغات شرقية وسامية وأوربية وغيره كثير مثل تودور نولدكة الألماني الذي ترجم المعلقات وعنده أن عددها خمس، وعرَّف الغربيين بروعة وأصالة التراث العربي.
وإن الذي أفدناه في بعثتنا هو الوقوف على كنوز تراثنا المفقود والمسروق المحفوظ لدى الغرب وقد وصفوه في مئات من الفهارس الوصفية في الفرنسية والألمانية والإنجليزية والإيطالية كما فعل ذلك فرانسيسكو جبرائيلي الإيطالي الذي وصف مخطوطات العرب والمسلمين في المدن الإيطالية في أكثر من خمسمائة فهرس، ومن قبله قدّم المستشرق وليام ألوارد محقق الأصمعيات فهرساً وصفياً للمكتبة الألمانية للمستشرقين الألمان في برلين وهي مخطوطات عربية إسلامية كثير منها نادر في مجلدات ضخمة في أكثر من عشر مجلدات.
تعرفنا هناك على المناهج البحثية وأخذنا الحذر من التعميم في الأحكام فيما قدمنا من أبحاث وجدنا الغربيين أخذوها منا من تراثنا والتزموا بها، وامتن الله علي بذلك المربي العالم المسلم المشرف على رسالتي الدكتور محمود الغول الذي أفادني في دراسة النقوش القتبائية والسبئية والحميرية والمعينية، وهي لغتنا العربية الجنوبية القديمة، ولكنها كانت لغة النصوص ولغة النقوش وعنده رصيد هائل منها، فجزاه الله خير الجزاء وأسكنه فسيح الجنات، تعلمت منه الصبر على البحث والسفر إلى بلدان عدة للبحث عن الحقيقة لإثباتها في الرسالة ولم أكن أعرف عن أصول مخطوطات بحثي جمهرة أشعار العرب سوى ما يعد على أصابع اليد الواحدة، فوصلت إلى حقيقة لم يعرفها إخواني في البلاد العربية أن أصول هذا الكتاب النقدي زادت على أربعين مخطوطة أقدمها ما اكتشفته في رحلتي إلى إيطاليا وإلى الفاتيكان فكانت النسخة الخاصة بالبابا المحفوظة في مكتبة الفاتيكان، فاتخذتها أماً للكتاب الذي أمضيت سنوات أحاول أن أنشره، والله أسأل أن يوفقني في يوم من الأيام أن أنشره في مجلداته الأربع التي تعبت فيها، وأسأل الله أن يمدني بعون من ذلك.
أذكر لكم هذا التاريخ في هذه المراحل والمحطات الحياتية سموها بما شئتم فهي فتح من الله وفضل عظيم مَنَّ به جلَّ شأنه وأسأله المزيد من فضله وإحسانه، وإني لمدين في هذه الخطوات إلى الله أولاً ثم لوالدتي -رحمها الله- ولوالدي ووالدتي التي صبرت على غربتي وأمطرتني بوابل من الدعاء وإنني مدين كذلك لوالدي ولزوجتي أم أولادي وبناتي الذين رزقت بأول واحد منهم في بريطانيا ابني المهندس رأفت محمود زيني، فكان والدي يتابعني من بُعد من مكة من مهبط الوحي ويشجعني ويحثني على مواصلة العطاء والاستمرار على رغم من ظروف الشتاء وقسوة الأمور في ذلك الوقت.
عدتُ في مطلع العقد الأخير من القرن الرابع عشر بعد نزول أول إنسان على ظهر القمر عدت بالدكتوراه فإذا بي أرى الخيال حقيقة رأيت جامعة اكتملت كلياتها، وجدت أخي الدكتور حسن باجودة معي نقف جنباً إلى جنب نوسع في دائرة هذه الجامعة مع كلية الشريعة وانتمينا إلى كلية الشريعة وإذا بها تمتد إليها كلية التربية والعلوم الاجتماعية والطب والهندسة والعلوم وشجرة طيبة أصلها ثابت بمكة المكرمة وفروعها في أرض الوطن في الطائف والباحة وغيرهما.
وأفخر وأعتز أن من أبنائي في ذلك اليوم، اليوم لهم مواقع منهم الدكتور خضر القرشي، وعبد الله الحسيني، ومحمد يعقوب تركستاني، محمد خضر عريف، وعاصم حمدان، والأستاذ سليمان الزايدي، والدكتور صالح بن حميد، وعدد كثير يفرح المرء لنجاحهم وهم شهادة عصر على من غرس وبنى، وشيَّدَ وتعب، وتكبد مشاق الغربة والسفر كل ذلك طمعاً في طاعة الله وحب الله، ولن أحدثكم عما تدرجت فيه من أعمال إدارية فلقد سمعتم بعضها أو أعمال علمية كتبتها أو لجانٍ ولكنني أفخر بأنني كنت في جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي وكنت أول عضو في لجنة الاختيار والترشيح لهذه الجائزة ممثلاً المنطقة الغربية بكاملها وكانت تسمى في ذلك الوقت بالمنطقة الغربية والحمد لله أولاً وأخيراً.
وأود قبل أن أودع هذا المنبر العالي في صالون الاثنينية الرائدة أن أسجل عنها أنها جسدّت لرواد الاثنينية المعنى الكبير من الوفاء الذي قلَّ في هذا الزمان إلا من الابن البار، الابن المكي البار الوالد -رحمه الله- وهي هدية دائمة ومنارة شامخة لعشاق الثقافة والفكر والعلم والأدب، يتفيأون في ظلها بما لم يسبقه إليها أحد من أفراد أو مؤسسات ثقافية أو جامعية، وإن تكريم الأخ الحبيب لشخصي هو تكريم لأساتذتي وشيوخي الذين ذكرتهم ولأبنائي وأخواني، وقد انطلق حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية في تكريمه لتحقيق هدف نبيل دعا إليه القرآن الكريم في تكريم العلم والعلماء في تسع وأربعين وستمائة آية كريمة توضح أن الإسلام لا يدعو إلا إلى خلق نبيل، وإلا إلى بناء مجتمعٍ آمن متجانس متحابٍ مسلم مسالم، متآلف يشد بعضه بعضاً كالبنيان المرصوص، فيه رحمة ومحبة وشفقة ووئام وسلام، فجزى الله هذا الابن المكي البار بمكة وبوطنه وقد رأى النور المبين في بطحائها وتربى على مشايخها وعلمائها وأدبائها منها بدأ ثم انطلق لا يكرم المكيين فحسب بل يكرم أبناء وطنه الكبير وبني جلدته وإخوانه في العالم أجمع فهو خير من أخيار وأحسبه كذلك، فجزيل شكري له على عطائه إذ يُكرِّم نفسه في تكريم إخوانه فجزى الله خير الجزاء ما ألبسنا من حلة في هذه الليلة، ألبسه الله الصحة والعافية الدائمة والسعادة والهناء، ولعلي أوفق في التعبير عن مكنون حبي له، ولكم جميعاً ولمعالي الدكتور محمد عبده يماني ولكل أخواني وأحبتي.
قال لي المحبوب لما زرته من ببابي؟
قلت: بالباب أنا.
قال لي: أخطأت تعريف الهوى.. حينما فرَّقت فيه بيننا.
ومضى عام فلما جئته أطرقُ الباب عليه موهنا.
قال من بالباب؟ قلتُ: انظر.. فما ثمَّ إلا أنت بالباب هنا..
قال لي: أحسنت تعريف الهوى.. وعرفت الحب فادخل يا أنا..
فأنتم أنا، فجزاكم الله خير الجزاء من أعماق قلبي، وجزى مؤسس الاثنينية ما غمرني به وغمرتموني به من فضل وحب ووفاء، وكما قيل لا يعرف الفضل إلا ذووه، زاده الله فضلاً وتوفيقاً وسداداً والله حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد ابن عبد الله وعلى آله الطيبين وعلى صحابته الغر الميامين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد المقصود خوجه: شكراً يا سيدي الكريم هناك استدراك بسيط أعتقد أنه مولانا الأستاذ أبو تراب الظاهري كان يدرس في باب الداودية بحصوة باب الداودية.
الدكتور محمود زيني: نعم وكنت أنا أجلس بباب العمرة قريبين من بعض.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أنا أعرف أنه باب الداودية.. بالنسبة لمكتبة الثقافة والمؤسسون على ما أعتقد خمسة أساتذة: الأستاذ طارق محمد جمال، عبد الرزاق بليلة، أحمد ملائكة، محمد حسين أصفهاني، الأستاذ محمد الصحاح.
الدكتور محمود زيني: نعم صحيح، وكانوا جزاهم الله خيراً لكن الشيخ صالح جمال كنا في كل يوم وبعد صلاة المغرب نعيش في مكتبته أمام الباب، باب السلام نتخطى العائق هذا المرمري وندخل إليه وهو جالس قابع في هذه المدرسة يأتي لنا بـ (المصوَّر) وبكل ما كانت تخرجه مصر من كتب وروايات وأدب، نعم أنتم على حق أنا لم أكن أدري.
الشيخ عبد المقصود خوجه: فقط للتاريخ.
الدكتور محمود زيني: نعم والتاريخ هذا يسجل فسجلوه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :616  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 107 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.