شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المهندس رأفت محمود زيني ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
وأخيراً.. أصبح الحلم حقيقة.. صدقوني إذا قلت بأنني عشت أحلم بهذا الموقف طيلة تسع سنوات مضت هي عمر علاقتي مع أستاذي الفاضل إبراهيم البليهي لماذا حلمت؟ ذلك الجواب هو: هي قصة تجربتي معه والتي أحب أن تشاركوني فيها:
بدأت قصتي بكتاب أعطاني إياه أبي.. شدني منذ اللحظة الأولى بعنوانه "النبع الذي لا ينضب".. يمكن التقدم بمستطيل على صفحته الأولى جاء فيه: "الجهد البشري المنظم المنبثق عن معرفة واسعة وعميقة وحماس متجدد وانتماء حميم وولع صادق بالخير العام.. هذا الجهد الناضج المتفتح.. هو النبع الذي لا ينضب وهو الثروة المتجددة التي لا تجف.. فمع كل مولود جديد احتمال بميلاد طاقة إبداعية منتجة.. أو إضافة عبء ثقيل إلى أعباء التنمية".. الله أكبر.. ما هذا الكلام؟.. وتلكم كانت البداية.. استمريت في قراءة الكتاب ليلياً.. حتى أتيت عليه بالكامل..
كنت ولا أزال أشعر أن هذا الكتاب مهم إلى درجة أنه يجب أن يقرأه الجميع.. بحثت في المكتبات ولكن دون جدوى حتى اتصلت بنادي القصيم الأدبي واشتريت ما لا يقل عن أربعين نسخة قمت بإهدائها إلى من هم حولي.. بل ذهبت أبعد من هذا وحاولت تسويقها عند دور النشر وضممت نشرة دعائية له.. على العموم هذا الكتاب وهذا المؤلف وهذا الملصق لم يبق إلاّ الناشر ونرجو أن نجد من الحضور من لديه القدرة على نشره.
كنت أفضي لأحد زملائي بإعجابي بما أقرؤه وتطورات الأحداث فقالي لي: لم لا تراسل الكاتب؟.. لم تخطر على بالي حقيقة فلم يكن اسم المؤلف يعني لي شيئاً في بداية الأمر.. ولكن لم لا فلي أيضاً بعض الملحوظات ولكن كيف أصل إليه؟ فليست هناك سيرة ذاتية خلف الكتاب تدل عليه.. اتصلت بالنادي الذي دلني على عنوانه في مديرية الشؤون البلدية والقروية بالقصيم.. دبجت الرسالة التي لا أعلم كم أسبوعاً استغرقت قبل أن تأخذ شكلها النهائي.. ثم أرسلتها وليس عندي أدنى تصور لما يمكن أن يحدث بعد ذلك.. حتى كان ذلك اليوم الذي عدت إليه من العمل لأجد أم محمود وهي مبتسمة -كعادتها- وهي تقول وصلك فاكس.. فاكس؟ ممن؟ قالت من القصيم وناولتني الخطاب.. أخذته بحذر وكأني أخشى أن تسقط منه أية كلمة أو حرف.. الرسالة متدفقة ودافئة.. تحمل في نهايتها دعوة للتواصل عبر جريدة الرياض مذيلة بجميع الأرقام التي يمكنني الاتصال بها.. واتصلت تلك الليلة.. وكان أول حوار.. لسببت أو لآخر لم أسأله ماذا يعمل بالضبط.. لكنني نجحت أن آخذ موعداً معه يوم الخميس كل أسبوعين متابعاً
لمقالاته التي بدأتها بمقالة "أولوية تأسيس علم الجهل" واستمر التواصل المكتوب والمسموع..
استمرت سلسلة الاتصالات وإرساليات المقالات والكتب السابقة والنقاشات والحديث عن موعد اللقاء.. وكان أن وجدت أن أحد أيام الجمع مناسب لي وعزمت على السفر فاتصلت بأبي عبد الرحمن ورغبتي في القدوم إليه فرحب بي ثم أردف.. ألا يمكن تأجيل الزيارة قليلاً لأن عندي أعمال ترميم في المكتبة.. وكان جوابي بكل بساطة.. لا.. فربما لا أتمكن في المستقبل.. فقال حياك الله ورجوته بأن لا يكلف نفسه مشقة استقبالي فوعدني بذلك.. وصلت مطار القصيم في صبيحة ذلك اليوم.. وإذا بي أجد من يتقدم إلي قائلاً الأخ رأفت؟.. أجبت نعم.. قال تفضل معي أخوك أحمد البكري.. ومنذ تلك اللحظة - نشأت بيني وبينه علاقة يصعب علي وصفها.. في الطريق.. أخذت أتأمل الشوارع ولفت انتباهي -إلى حد ما- كثرة الأشجار والحدائق والنظافة.. عندما أخبرت الأخ أحمد بموعد عودتي وأنه سيكون مساء اليوم نفسه أبدى أسفه لذلك وأضاف بأن أبا عبد الرحمن مضطر أيضاً للسفر الليلة لأن لديه اجتماع الأمناء مع الوزير غداً.. وزير؟.. وما دخل أبي عبد الرحمن؟.. كررت السؤال وبدا على وجه أحمد علامات استغراب.. وأردف قائلاً.. أبو عبد الرحمن هو مدير الشؤون البلدية والقروية في منطقة القصيم باختصار هو مدير بلديات مدن وقرى منطقة القصيم مجتمعة.. أخذت أسأله عن تبعات مثل هذا المسمى الذي لم تكن تعني لي الشيء الكثير وبعد أن فرغ من شرحه الذي كان مصحوباً بإمارات تعجب لم يستطع إخفاءها ولسان حاله يقول من أين أتى هذا المخلوق؟
المهم أنني وبعد أن فرغ.. أحسست ببرودة تسري في أطرافي وأنا أتذكر حدتي في نقاشاتنا الهاتفية وأسلوبي في تحديد موعد الزيارة وغير ذلك كثير.. يا الله.. الرجل مسافر الليلة أيضاً ولديه ترميمات.. عموماً كان الوقت متأخراً لأن أجد مخرجاً مما وضعت نفسي فيه.. عندما توقفنا بجوار منزل أبيض بسيط محاط بالأشجار.. تساءلت هل وصلنا؟ قال نعم.. قلت في نفسي هذا يوم تصحيح الموازين.. وكان اللقاء.. دخلت إلى حجرة الاستقبال لأجد بالكاد مكاناً يكفي لجلوس ستة أشخاص وباقي الحجرة مكتظ بالكتب المتراصة هنا وهناك.. ازددت خجلاً وارتباكاً.. وكانت فترة صمت طويلة.. تساءلت.. أين ذلك الرجل المترسل في الكتابة.. صاحب الجمل الطويلة ذات النفس الطويل المثقلة بالعطف ببراعة واقتدار؟.. فقد كان صامتاً وكنت كذلك. شيئاً فشيئاً بدأ الجليد في الذوبان، وبنهاية اليوم كنا لا نكاد نتوقف عن الحوار الذي كان في معظمه وابلاً من الأسئلة والأجوبة التي لم تنته إلا بدخول كل منا إلى طائرته..
كان محور اهتمامي.. بداية نجاحه الإداري وكتاباته في مجالي العمل والمهارة لأنني كنت في مقتبل حياتي العملية كما أن معرفتي له بدأت من هذه الزاوية.. وشيئاً فشيئاً بدأت أبحر في عالمه الثري الشديد التنوع..
قرأت له معظم مقالاته السابقة عن العمل والمهارة.. وبعدها إصداراته في ما يتعلق بشؤون البلديات. وهناك نقطة مهمة جداً وهي أن هناك جزءاً لا يتجزأ من إنتاجه الفكري.. قد لا يعلم عنه كثيرون من المتابعين إلا ممن يعملون معه ألا وهو.. جانب الأدب الإداري.. لسنا نتحدث هنا عن طروحاته ورؤاه وممارساته في عالم القيادة والإدارة فهي كثيرة وقد صدر عنه بحث كنموذج ناجح في الإدارة العربية.. ولكننا هنا نقصد مجموعة التقارير والشروحات والملحوظات والتعاميم وخطابات الشكر والنقد التي يتخاطب البليهي بها ومن خلالها مع من هم ذوو صلة عملية به.. فهو يفضل المقروء على المسموع.. فالخطاب أو الملحوظة أو التقرير.. يعد توثيقاً.. والتوثيق جهد ملموس يمكن أن تبنى عليه إنجازات تتجاوز مرحلة المشافهة وثقافة الارتجال.. واللفظ هنا لأبي عبد الرحمن.
ولكن ما الذي يمكن أن يعد فكراً أو أدباً في مواضيع ذات طبيعة جافة مثل التي ذكرنا؟
إصدار بعنوان "منطقة حائل والخدمات البلدية" بجزأيه الأول والثاني.. هل ممكن أن نتوقع أن نجد فيه اقتباساً عن الليدي آن بلنت التي قطعت النفوذ كله من الجوف شمالاً حتى نهايته من الجنوب في القرن الثامن عشر وذلك في معرض الحديث عن جغرافية حائل؟
وعن التعديات.. وما أدراك ما التعديات.. يقول في معرض تعريفه للتعدي: ".. وهو سلوك شاذ وعمل شائن وتصرف مرفوض شكلاً وموضوعاً.. وسوف يبقى موصوفاً بهذه النعوت مهما طال عليه الزمن أو حصل له من توثيق.. فالطلاء لا يقلب حقائق الأمور.. وامتداد الزمن لا يضفي الشرعية على أمور غير مشروعة".
"أما في بحثه المعنون ببرنامج تشجير وتجميل مدن القصيم.. فيفتتحه بعنوان "العشق الممض".. ما هذا؟ تشجير وعشق ممض.. فيقول: عشت أحلم بمدن أنيقة تكتسي بالاخضرار.. وأراقني هذا الحلم.. ورحت أبحث عن الوسائل الممكنة لتحقيقه.. فإذا كانت المدن التي عرفت باخضرارها.. نزلت هي على الخضرة.. ولم يكن التشجير شيئاً طارئاً استحدثه الإنسان.. فهل يستطيع الإنسان أن يجلب الخضرة للمدن الصحراوية؟".
كم كان بودي أن أعرض لبقية نماذج أدبه الإداري.. ولكن نكتفي بهذا القدر..
يبقى أن الناظر في فكره الإداري يرى في البليهي رجلاً عملياً وثاباً لا يرضى بغير الإنجاز غاية والإتقان بديلاً ولا يملك القارئ إلا أن يتأجج فورة وحماساً ورغبة في العطاء.. ولا عجب فكتابة الرجل سبقتها ممارسة ومعاناة تجعلها قريبة من أحاسيس الممارسين.. بيد أن المتابع لفكره الاجتماعي يكاد يرى النقيض فهو في هذا الجانب ينظر إلى الجزء الفارغ من الكأس فيبرز عيوبه ويوضح نقائصه.. ولكنه لا يكاد
يلمح بصيص أمل.. وتبقى هذه أكبر نقاط اختلافنا..
إن ما يؤيد نقطة اختلافي معك بأنه يمكن أن تكون هناك ثغرة في الطريق المسدود (والعنوان للدكتور سفر) هو في قصتي معك.. فأنت ترى بأن الناس إذا قرأوا لا يستوعبون وإذا استوعبوا لا يهتمون.. ومن هنا يضيع الجهد ويتبدد الأمل.. وأقول.. يكفي أن توقد شرارة.. في نفس تواقة.. لتحرر طاقة.. فربما حركت أمة متى وكيف نرى النتيجة؟ هذا الذي يجيبنا عنه العلي القدير بخطابه لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقال: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ.
أستاذي.. إن معرفتي بك تعد نقطة تحول في حياتي والفضل بعد الله لوالديّ حفظهما الله فهما من غرس في نفسي روح المبادرة ومحبة الناس بعد محبة الله.. والفضل موصول لك.. فلقد أصلت في نفسي رغبة ملحة في البحث عن الحقيقة وتلمس الموضوعية.. ولقد أشعرتني بذبول ملذات الحياة أمام سمو الأهداف ونبل المقاصد.. ولقد تعلمت منك مواجهة التيار والصمود أمام المعوقات وقبل هذا وذاك.. أن يسبق الفعل القول.. مرشدنا جميعاً قول الحق تبارك وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ.. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ.
إن باستعراضي لقصتي معك أخاطب كل ذي عقل وقلم فأقول.. على لسان الدكتور محمود سفر في كتابه "ثقب في جدار التخلف" وهو يصف علاقة بين الكاتب والقارئ... "بإمكان الكاتب الصادق مع نفسه.. المخلص لأمته أن يكون صفحات مشرقة لقارئه.. فيكون مصدر إلهامه.. ومركز تعليمه.. ونموذج مسيرته.. ومسؤولية الكاتب في ذلك كبيرة.. وأمانته عظيمة.. ولا طريق لأداء الأمانة تلك وتحمل المسؤولية هذه إلا بالصدق مع النفس في الفكر والإخلاص معها في التعبير عن هذا الفكر..".
وأخيراً أنت تقول إن الرثاء إنصاف فات أوانه ويقول الشيخ عبد المقصود خوجه ونحن معه.. التكريم إنصاف لم يفت بعد أوانه..
ومعذرة على الإطالة.. وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
عريف الحفل: كما يقول الشيخ عبد المقصود (الحلا في الآخر)....
عبد المقصود خوجه: (الحلا) بين شخصين سنقسمه بين أخينا الدكتور عبد الله مناع والقسم الثاني لأخينا محمد سعيد طيب.
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1221  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 140 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.