شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة فارس الاثنينية معالي الدكتور ناصر الدين الأسد ))
بسم الله الرحمن الرحيم خير ما تُستَهل به الأقوال والأعمال والحمد له رب العالمين المستحق وحده للحمد، على كل أمر وفي كل حال، ثم الحمد لله رب العالمين الذي رزقني العودة إلى هذه البلاد المقدسة لألتقي بنفر كريم من أهلي من أخوتي عشت بين بعضهم ردحاً من الزمن فأكرموني إكراماً ما بعده من إكرام، ولطالما تشوقت أن أعود إليهم على الأقل لأشكرهم على ما أحاطوني به من رعاية وتكريم، ثم الحمد لله رب العالمين الذي أعادني إلى مهبط الوحي، إلى منبع النور والهداية، ورزقني العمرة صباح هذا اليوم، وأنا بين أيديكم الآن راجع من الحرم الشريف من مكة المكرمة.
ثم الحمد لله رب العالمين الذي منّ عليّ وعليكم جميعاً، الذي منّ على الفضل والخُلق والنبل بعودة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه سالماً غانماً معافى، متّعه الله بتمام الصحة وبالسعادة السابغة إن شاء الله سبحانه وتعالى.
وصلَّى الله على سيدنا محمد نبي الرحمة والهداية للعالمين، وعلى آله الكرام الطيبين والسلام عليكم جميعاً فرداً فرداً ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمن أين لي أن أجد الكلام الذي يليق بهذه المناسبة المتميزة الكريمة بعد الذي سمعته من أخوة كرام أغدقوا عليّ من فضلهم، وشملوني بشمائلهم ورأوني من خلال خلالهم، وطوقوا عنقي بما أسأل الله تعالى أن يجعلني جديراً ببعضه.
لقد أثيرت في كلماتهم أمور متعددة تستحق الوقوف عندها، وأنا لا أدري حقيقة حينما كرمني أخي سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ودعاني لم أكن أدري ما حقيقة الأمر ولذلك لم أُعِد لهذا الموقف عدته، فإن رأيتم في حديثي دون ما كنتم تتطلعون إليه فإن طمعي وأملي دائماً في عفوكم ومغفرتكم بسبب ما كان يجب أن أقوم به من تكريم هذا الحفل من إعداد كلمة مناسبة.
مما أثير في هذا الحفل الكريم من الإخوة الذين أعتز بهم، موضوع خروجي على التخصص العلمي الأدبي ومحاولتي أن أسهم في هذه الحياة العامة، الحياة العربية الإسلامية التي نتخبط في دياجيرها وذلك بإصداري كتابين، وأسأل الله أن يعينني على إصدار الكتاب الثالث. وهما كتابا: (نحن والآخر) (حوار وصراع)، وجمعت بين الحوار والصراع بالواو، مع أن العادة أن يقال: حوار أو صراع للتقابل بينهما، وذلك لأنني أرى أن كل صراع يسبقه ويتخلله ويعقبه حوار، وأنتم ترون هذه الأنواع من المفاوضات التي تجري من حين إلى حين بين المتصارعين، ثم إنني أرى أن كل حوار هو صراع فكري وصراع أيضاً عقيدي، وأرجو أن تأذنوا لي في أن أستعمل الكلمة الصحيحة وأن أقول: طبيعي وبديهي وعقيدي وسليقي، لا كما يقول بعضهم هذه الأيام طبعي وسلقي وعقدي على غير معرفة بأصول لغتنا، هذا يقودني إلى أن أربط بين هذين الكتابين، وقد أشرت إلى الكتاب الأول، أما الكتاب الثاني فهو (نحن والعصر) وجعلت له عنواناً فرعيا: (مفاهيم ومصطلحات إسلامية) وأنا أُعْنَى بالمصطلح عناية بالغة، وأعتقد أن من أهم وسائل تغريب فكرنا وغزونا الثقافي هو المصطلح، والأمثلة عندي كثيرة ربما كان أقربها هو استعمالنا عن غفلة وعن حسن نية أن نقول: ونحن عائدون من فلسطين حينما نُسأل: أين كنتم؟ نقول: كنا في إسرائيل، ثم جرى هذا على لساننا باستمرار وأصبحت فلسطين الأرض، فلسطين التراب، فلسطين الوطن، هي إسرائيل، وهذا لا ينفي اعترافنا بالواقع الكئيب أن إسرائيل هي قوات مسلحة محتلة لأرضنا، ولكن الأرض هي فلسطين، فعلينا دائماً أن نستعمل هذا المصطلح وأن نكرره.
ثم إن هذا يقودني إلى أن أربط بين هذا الجمع الكريم مستبشراً كل الاستبشار وأقول: إن ما نعيش فيه مُر، ومن حقنا جميعاً أن نحس بالمرارة العميقة من هذا الواقع الأليم، ولكن لا يجوز لنا أن نسمح لأنفسنا ولناشئتنا أن تمتد هذه المرارة إلى المستقبل فتصبح يأساً من المستقبل، ولا يجوز أيضاً أن نسمح لهذه المرارة بأن تنسحب على الماضي فتصبح كفراً بماضينا وحضارتنا وتراثنا، علينا أن نحصر حجم هذه المرارة بهذا الواقع المر، ثم إن هذا أيضاً يقودني إلى أن أقول إن من واجب كتابنا وشعرائنا وصحافيينا ومعلمينا في المدارس وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات أن يحملوا رسالة هي رسالة لا بد من حملها في الوقت الحاضر أقصد أن أقول: إن حملها في الوقت الحاضر هو ألزم وأوجب مما كنا نحمله قبل سنوات، هذه الرسالة هي أن نشيع الأمل وأن نبث الاستبشار في نفوس أبنائنا وبناتنا وناشئتنا والأجيال القادمة، لأن ما هو مقبل علينا سيحطم نفوسنا من الداخل إذا استسلمنا له، والهزيمة الحقيقية ستكون لهذه الأمة، للعرب وللمسلمين حينما يستسلمون لليأس وحينما ينهزمون من الداخل، فعلينا إذاً أن نبث الوعي الحقيقي وأن نقوي المعلومات -كما يقولون هذه الأيام- ولكن أيضاً لا بد لنا أن نقوم بعمل في حدود طاقتنا، والله عز وجل يقول: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا، والرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا حين نرى منكراً أن نغيره بأيدينا، فإذا لم نستطع فبألستنا، فإذا لم نستطع فبقلوبنا، وأنتم خيرة هذه الأمة وأنتم مفكروها أمامنا وبأيديكم أنتم لكن أمامنا سلاحاً لا بد أن نستعمله وهو أن نقوي عزائم شبابنا بعد أن كادت أن تفتك بهم الخيبة، الخيبة من كل شيء، الخيبة من الزعماء.. والخيبة من التنظيمات.. والخيبة من الأحزاب.. والخيبة من الجماعات، هذه رسالة أكثرت من الكلام الآن أمامكم في الحديث عنها، ولكني لن أمَلَّ من أن أكررها وأن أعيدها في كل مناسبة من المناسبات.
أنا لا أدري ما هو الوقت المخصص لي للحديث لأني سمعت أنه لا بد من أن تتفضلوا عليّ بأسئلتكم، وأنا أشهد الله وأنا صادق أنني جئتكم مستمعاً مستفيداً مستأنساً بكم، لا لأحدثكم إلا بما يقتضيه سؤالكم من جواب إذا قدرني الله عليه سبحانه وتعالى، وقد نستوفي بعض جوانب هذا الموضوع من خلال أسئلتكم.
أحب أيضاً أن أشير إلى أنني لم أُوفِّ موضوع علاقتي بالشعر الجاهلي حقه في مقدمة كتبي سواء أكانت هذه الكتب في البحث أو في التحقيق (القيان والغناء في العصر الجاهلي)، و (مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية)، وديوان قيس بن الخطيم، وديوان الحاجرة الذبياني، والكتاب الذي أصدرته قبل سنتين عن نشأة الشعر العربي في الجاهلية بطبيعة الحال هذا أمر معروف، وعن تطوره في ذلك العصر، لم أُوفِّ موضوع صلتي بهذا الشعر، ولكننا الآن في معرض المباوحة والمصارحة.
أنا نشأت في بيئة هي بيئة البادية وشرقي الأردن كما كانت تسمى قبل أن تصبح مملكة كانت إمارة شرقي الأردن كانت -في عهد طفولتي- كانت كلها بادية حتى عمان كانت قرية بدوية، وأنا لم أعرف المدينة إلا حينما أوفدتني وزارة المعارف الأردنية -كما كانت تسمى حينئذ- إلى القدس فكانت القدس هي أول مدينة أراها، كانت العقبة وهي حيث ولدت ثم الكرك، والشوبك، ووادي موسى، ومعان، وأخيراً عمان، كلها بوادي، أرقاها هي قرية حضرية، وأحب أيضاً أن أشير في هذا المجال إلى أن البادية قد تختلط أحياناً بالحضر أي بالاستقرار بالمعنى اللغوي لكلمة الحضر، وأنا أستأذنكم في أن أشير إلى ذلك بعد قليل إذا أسعفتني الذاكرة، هذه البيئة البادية بما كانت تضمه، ولا يغرنّكم ما ألبس هذه الأيام كانت تضم بيوت الشعر، وكانت تضم الثوب البدوي العادي، وكانت أيضاً من معالمها الخيول، وقد نشأت بينها، وأرجو أن تعذروني إذا قلت إنه كانت لنا فرس، دخلت فيها وعمري ثماني سنوات في سباق ووقعت من ظهرها وأصبت في ظهري حينما وقعت في ذلك الوقت، وكان لها فِلْو (مهر) طبعته وروضته بنفسي كما نقول طبعته في بلادنا روضته بنفسي ولم يكن يسمح لأحد بأن يركبه سواي، هذه البيئة البدوية لازمتني إلى أن بلغت نهاية المرحلة الابتدائية وبداية ما يسمى بالمرحلة الإعدادية، وكانت المناهج حينئذ الدراسية مختلفة عن هذه المناهج اليوم، فكنا نُعَلَّم مختارات من المعلقات ومن الشعر الجاهلي في الصف الخامس الابتدائي حينئذ، وحين كان المعلم يقرؤها وكنت أعود إلى البيت فأستعيدها كنت أحس بأنها قريبة من نفسي وأنها -أقول مختارات وليست كل المعلقات، لأنها في تلك السن المعلقة كاملة كانت عسيرة علينا بطبيعة الحال- فكنت أحس بأنها تصور بيئتي، وتصور نشأتي، وتصور ما في نفسي فارتبطت بهذا الشعر الجاهلي من خلال ما دُرِّستُه حينئذ من المعلقات، وحين أنهيت المرحلة الإعدادية وبدأت في المرحلة الثانوية وتلك أيام تختلف عن هذه الأيام، قرأت كتاب الدكتور طه حسين فأصابني بالفجيعة بشيء أعتز به، بهذا الشعر الذي يصور نفسي ويصور بيئتي، ويصور قيمي، أيضاً بما فيها من نخوة ومروءة وما فيها من فروسية، فعزمت على أن أغوص في أعماق هذا الشعر لأستبين حقيقته، ثم كان ما كان فهذه هي المرحلة الأولى التي ربطت ما بيني وبين الشعر الجاهلي، ولم أذكر تفصيلاتها ولا بعض تفصيلاتها في الكتب التي ذكرتها لكم، ثم بعد ذلك تبين لي ما في هذا الشعر الجاهلي من روائع ظلمها أكثر النقاد، وأنا آت إليكم أمس من دروس الدكتوراه في الجامعة الأردنية (أنا أستاذ شرف في الجامعة الأردنية، أدرّس ثلاث ساعات في الأسبوع لطلبة الدكتوراه) وكنت أدرّسهم (وحدة الجو النفسي في القصيدة الجاهلية)، وليست الوحدة الموضوعية، ولا الوحدة اللغوية، وإنما وحدة الجو النفسي عند الشاعر الجاهلي.
وأذنوا لي ولا أريد أن أثقل عليكم بأن أضرب مثلاً موجزاً في هذا: عرضت عليهم قصيدة الأعشى: (ودّعْ هريرة إن الركب مرتحل) وبينت لهم ما فيها من لوحات فنية ومن صور شعرية، ثم حاولت معهم، أخذت منهم وأعطيت مع طلبتي، وعددهم عشرة طلبة من الذكور والإناث من بلاد عربية مختلفة، حاولنا أن نستبين أن هذا الغزل ليس غزلاً حقيقياً، وأن هريرة هذه لا وجود لها، وأنها رمز شعري وهذا الذي يقولونه يقولون عنه هذه الأيام من استعمال الرمز والصور الشعرية وأنه رمز لحياة اللهو والمتعة، لأنه بعد ذلك في الأبيات التالية أسهب إسهاباً كثيراً في وصف متعها، وصف مفاتنها ووصف لذته معها، وإنما أراد وصف متعته في اللهو، لأن الهدف الأخير من القصيدة هو الحديث مع ابن عمه الذي تدخّل بين عشيرتين أو قبيلتين وفتن ما بينهما فأنذره صاحبنا، وبدأ يعدّ نفسه للحرب، فكان لا بد إذاً من أن يهجر الغزل ومن أن يهجر المتع، ومن أن يهجر الخمر، والأبيات في ذلك كثيرة وليس فقط المطلع حينما قال: ودع هريرة (ودع اللهو) إن الركب مرتحل (نحن قادمون على أمر آخر) ثم قال لشدة تعلقه باللهو: (وهل تطيق وداعاً أيها الرجل؟)، ولكني لا أريد الآن أن أثقل عليكم ببقية الأبيات والقصيدة، وإنما أنتقل إلى قصيدة أخرى ربما كانت أخف من هذه هي قصيدة (المثقِّب العبدي) يقول في هدفه النهائي، يخاطب عمروا، ويقال أنه (عمرو بن هند) يذكر ناقته ويقول أنها تذهب به إلى عمرو:
 
إلى عمرو ومن عمرو أتتني
أخي النجدات والحلم الرزين
(أو في رواية الرصين)
 
فإما أن تكون أخي بحق
فأعرف منك غَثّي من سميني
وإلا فاطَّرِحْني واتخذني
عدواً أتقيك وتتقيني
 
هذا هو الهدف الأساسي أو الغاية أو الغرض من قصيدة المثقب العبدي، فكيف بدأها؟ بدأها بما يُظَنّ أنه غزل وأنه نسيب، قال:
 
أفاطمَ قبل بينك متّعيني
ومنعُك ما سألت كأن تبيني
ولا تَعدي مواعد كاذباتٍ
تمر بها رياحُ الصيف دوني
فإني لو تخالفُني شمالي
خلافَك ما وصلتُ بها يميني
إذاً لقطعتُها ولقلتُ بِيني
كذلك أجتوي مَنْ يجتويني
 
إلى آخره، فهذا المطلع هو (دندنة) اللحن الشعري ليدخل في الجو الشعري الحقيقي، تجدون أنه يطلب من هذه التي سماها فاطمة (إن شئتم أن تقولوا من حبيبته) أن تكون صريحة واضحة وأن لا تعده مواعد كاذبات، ولأنه رجل لا يقبل هذا حتى أنه ضرب مثلاً، بأن شماله لو خالفته مثلما تخالفه فاطمة لقطعها ولم يصل بها يمينه.
هذا هو الجو النفسي الذي أدخله وأوصله إلى الهدف النهائي، وخاطب عمروا بمثل هذا الجو النفسي فقال له:
 
فإما أن تكونَ أخي بحقٍ
فأعرف منك غثي من سميني
وإلا فاطَّرِحْني واتخذني
عدواً أتقيك وتتقيني
 
ولكنه كان أيضاً حائراً بين فاطم أو فاطمة وبين عمرو، هل سيُخلِصَان له؟ هل سيستمعان إلى قوله؟ فختم القصيدة ببيتين من أجمل أبيات الشعر ربما العالمي قال:
 
وما أدري إذا يممت أرضاً
أريد الخير أيهما يليني
أألخيرُ الذي أنا أبتغيه
أم الشرُّ الذي هو يبتغيني
 
فرجل حائر النفس فيما يتصل بعلاقته بعمرو، فإذاً الشعر الجاهلي ليس صحيحاً من أنه مفكك الأوصال، وغير صحيح أن وحدة البيت هي التي تحكم الشعر الجاهلي، الشعر الجاهلي هو وحدة متكاملة ذات جو نفسي وإن تعددت الموضوعات، هو بعد ذلك يدخل في موضوع الهوادج ورحلة الضغائن، ثم يتحدث عن فرسه، واسمحوا لي أن أقول بيتين أو ثلاثة في حديثه عن نفسه لتروا علاقة الشاعر بناقته أو مطيته عامة وكيف يشخصّها يقول:
 
إذا ما قمت أرحلُها بليل
تأوهُ آهةَ الرجلِ الحزين
 
هو يخاطب الناقة وليس الفرس، (إذا ما قمت أرحلها) أضع عليها الرحل استعداداً للسفر.
 
إذا ما قمت أرحلها بليل
تأوه آهة الرجل الحزين
 
تقول وقد درأتُ لها وضيني
وأعذروني إذا قلت إن الوضين هو هذا الحزام الذي يوضع تحت بطن الناقة وطرفاه يربطان الرحل..
 
تقول وقد درأتُ لها وضيني
أهذا دينه أبداً وديني
أكلَّ الدهرِ حَلّ وارتحالٌ
أما يبقى عليّ ولا يقيني؟
 
في كل هذا الشعر الذي قلته لكم، في الدندنة اللحنية النغمية في الأول الذي يمكن أن يقال عنه غزل، ثم في الهدف الرئيسي، ثم في هذا الحديث عن ناقته، لا تجدون كلمة واحدة غريبة، كل هذه الألفاظ مأنوسة لنا، لكنه إذا تحدث عن أعضاء ناقته وتحدث عن الصحراء، وتحدث عن صيد الحيوان في الصحراء، حينئذ تصبح الألفاظ صعبة علينا، لا لأن الألفاظ غريبة ولكن لأن الموضوعات أصبحت غريبة عنا، فلغربة الموضوعات عَسُرتْ علينا الألفاظ، وهذه الألفاظ التي نقرؤها في الشعر الجاهلي لا يزال يستعملها بعض شعراء الشعر النبطي، كما قالها الشعراء الجاهليون لأنهم يعرفون الصحراء والرمال ويعرفون النياق ويعرفون صيد الحيوان فيها، فيستعملون هذه الألفاظ فهي مأنوسة لهم لأن الموضوعات مأنوسة.
أحببت أن أفسر ما يقال عن صعوبة الألفاظ في الشعر الجاهلي، أيضاً إذا أذنتم لي أن أوضح جزئية بسيطة في موضوع يسير في موضوع (تاريخ نجد لابن غنام)، وهو قسمان، القسم الأول: ذكر للحوادث التي وقعت، وكانت لغته وأسلوبه مما يصعب على الناس الآن أن يتقبلوه، وفيه تهجم شديد جداً استدعت هذا التهجم تلك المرحلة في ذلك الزمان، وطُلِبَ مني -أنا لم أندب نفسي تبرعاً مني- لكن طلب مني أن يُعَدَّ الكتاب لطلبة المدارس الثانوية النهائية وطلبة المعاهد لهذا المستوى، فإذاً هذا القسم الأول كان لا بد من تحريره، وهذّبته مع المحافظة على روح المؤلف في أسلوبه بقدر الإمكان، ثم بعد ذلك القسم الثاني: وهو المسائل والرسائل والفتاوى هذه حققتها تحقيقاً علمياً، من أجل هذا وضعتُ في مطلع الكتاب تحرير فلان وتحقيقه، وجمعت بين الأمرين، فالكتاب إذاً قسمان وهذا تفسير معنى تحرير وتحقيق معاً.
أيها الأخوة الكرام إنني متطلع إلى تعليقكم ومتطلع إلى أسئلتكم وثقوا أنني سأستفيد منكم أضعاف ما قلت لكم، لا أقول ما أفدتكم لأني لم أفدكم شيئاً وإنما أضعاف أضعاف ما قلت لكم، وأنا لا أقول هذا تواضعاً فالتواضع في غير محله ضعة، وهو أحياناً أحد طرفي الكِبرِ، وأنا أعيذ نفسي وأعيذكم من الأمرين من الضعة ومن الكبر، أكرر ما بدأت به كلامي من الشكر والتحية للرجل الفاضل، للرجل الكريم الذي شرفني وكرمني ودعاني من أجل أن ألتقي بهذه النخبة من العلماء والشعراء والأساتذة الكرام، وعسى أن يتيح الله لنا لقاء آخر إن شاء الله أسعد فيه بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد المقصود خوجه: والله إنه تواضع العلماء. يا سيدي أمتعتنا بما حدثتنا، وأفدتنا وزدتنا علماً على علم وفضلاً على فضل، فلك التجلة ولك الشكر ولك من كل منا كل التقدير، بلسان هذا الجمع أستطيع أن أنقل وأنا أرى على وجوه أخوتي وعشيرتي وهم عشيرتك وأخوتك وأبناؤك وتلامذتك ما تراه كما أرى من تقدير وإعجاب وإكبار، فهنيئاً لنا بك، وتمنيات طيبة بأن يجمعنا الله بك ليس في لقاء وإنما لقاءات أخرى كثيرة، وأن يمتع الله بك وبأمثالك وبما كرمتنا به وأن يجعل لك في كل خطوة خطوتها إلينا جزاءً حسناً، وأنتهز هذه الفرصة لأرحب بسماحة العلامة الدكتور مختار السلامي مفتي تونس السابق الذي أفضل لنا بحضوره هذه الأمسية، وأرحب أيضاً بمعالي الأخ الكريم والمفكر الشيخ إبراهيم علي الوزير وبما منّ الله عليه من صحة وعافية وعودته سالماً غانماً إلينا.
كما أرحب بالشيخ محمد ناصر العجمي الباحث الكويتي المعروف، وأرحب بضيفنا الكريم مرة أخرى وبكم وإلى الحوار الذي عادة يدور بينكم وبين ضيفكم الكريم فتفضل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :604  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج