شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عريف الحفل: الأسئلة التي توجه لمعاليكم، هذا السؤال الأول من الأخ محمد علي دولة يقول:
اقتربتم من طه حسين وعرفتم عنه الشيء الكثير وألممتم بكتبه ومشروعه الأدبي وسؤالي هو: بماذا استحق طه حسين أن يمنح لقب عميد الأدب العربي وما هي مؤهلاته لهذا المنصب الرفيع؟ لست من الناقمين على الرجل ولا من المفتونين به، ولكن أسأل وأريد الجواب.
الدكتور ناصر الدين الأسد: سيدي الأستاذ محمد علي أنت تعلم أن هذه الألقاب تُطلق أحياناً، دون أن يقصد معناها العميق الحقيقي، كأن يقال عميد الأدب العربي، وأمير الشعراء، وشاعر النيل، وشاعر القطرين، وما شاكل ذلك من ألقاب، هي المقصود منها تكريم الرجل وليس المقصود منها أن تحمل دَلالاتها وأنا أفتح الدال في دلالاتها، لكن أستاذي الدكتور طه حسين الذي نشأ بيني وبينه خلاف قصير ثم انتهى إلى مصالحة، أستاذي الدكتور طه حسين صاحب تميز خاص، شعره منظوم، له بحوره، قائم على البحر الشعري فأسلوبه أسلوب يرقص له متذوقو الفن الأدبي، هذه واحدة، الثانية: أنه تنوعت كتبه تنوعاً كبيراً، فقد كتب عن اليونان وكتب عن الرومان وكتب هو المسرحية وكتب القصة وترجم وكتب في الدراسات الإسلامية، وكان في عهده الأول يقول الشعر الحقيقي مباشرة، وكتب في الأدب العربي كثيراً وفي النقد أيضاً، ولكن لا تنسوا أن الدكتور طه حسين كان عميداً لكلية الآداب في الجامعة المصرية القديمة، ثم بعد ذلك كان على علاقة قوية بأحمد لطفي السيد الذي كان يسمى بأستاذ الجيل وكان صاحب نفوذ كبير، ورعى الدكتور طه حسين ودافع عنه، ثم أصبح الدكتور طه حسين وزيراً. كل هذه الأمور جعلت بعض الناس من حوله يحبون أن يتقربوا إليه وأن يطلقوا عليه هذا اللقب.
فالرجل إذاً في تقديري على خلاف في شيء من الرأي بيني وبينه لكنه في تقديري مستحق لهذا اللقب وإن كنت أعتقد أن هذه الألقاب لا تحمل مضمونها ولا دلالاتها الحقيقية.
عريف الحفل: السؤال الثاني من الأخ سامي خميس يقول:
يمر العالم وخصوصاً العالم العربي والإسلامي بظروف صعبة أقلها الإحساس بالهوان والإحباط والاكتئاب، وذلك بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 أود أن أسمع من معاليكم تصوراً وتقييماً ورؤية لما نحن فيه.
الدكتور ناصر الدين الأسد: العالم الآن كله منقلِب علينا، كله .. أوروبا كلها، والصين وروسيا، لأنها جميعها الآن تسير في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا قالت الولايات المتحدة الأمريكية شيئاً أمّنَ على قولها الناس كلهم، والتصوير الحقيقي لِما نحن فيه هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واعذروني إذا اختلطت عليّ بعض الألفاظ وأنتم أكملوا بقيته، توشك أن تَداعَى عليكم الأمم وقد تداعت الأمم كلها علينا، الآن المسلمون وحدهم تداعت عليهم الأمم، توشك أن تتداعى عليكم الأمم، كتداعي الأكلة على القصعة، إذا كان هذا هو النص أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فحينما سئل أمن قلة حينئذ يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه غثاء كغثاء السيل. ألسنا نحن كذلك الآن؟ أعداؤنا تآمروا علينا، وأضعفونا واخترقونا، نفذوا من خلالنا واستمالوا كثيراً منا علينا، لكن لا يجوز أيضاً أن نبرئ أنفسنا من كثير من التبعة والمسؤولية، فحالنا يصورها هذا الحديث الشريف وخاصة إذا أكملتم الحديث، وهذا موضوع طويل، نحن الآن حين نسأل صديقاً لنا كيف حالك؟ يقول: أنا بخير، وأما الباقي فنحن كلنا شركاء فيه، فأنا أعرف ما تعرفون وأنتم تعرفون ما يمكن أن أجيب به.
عريف الحفل: الأستاذ عبد الحميد الدرهلي يقول:
لماذا يتوافر نمط الحياة الديمقراطية الغربي في الهند ولا يتوافر فيالباكستان المسلمة؟ كيف نقوم ضعف وتخلف النظام العربي وعجزه في بناء اقتصاد عربي وإسلامي متكامل دون الاعتماد والتسول من الدول الغربية وهجرة العقول العربية المبدعة وكذلك الأموال العربية إليها؟ ولنأخذ إسرائيلمثلاً على تفوقها الصناعي البارع وشكراً.
الدكتور ناصر الدين الأسد: السؤال يعني هو أقسام ما يتصل بالمقابلة والمعارضة بين الهند والباكستان، لا أدري ماذا أقول يعني أنا حريص على عدم الدخول فيما بين الدول، لكن أنتم تعلمون أن الهند تسلم أمورها رجال أفذاذ من الشعب نفسه مدنيون وبعضهم مفكرون، وفلاسفة، ولا أحب أن أستثني غاندي وفلسفته وتأثير فلسفته في نهرو بعد ذلك، وفيمن تلا نهرو، هؤلاء مفكرون وفلاسفة وبعضهم علماء، الذين تولوا أمور باكستان وأنا آسف أن أقول هذا، تولوها من جند وبانقلابات عسكرية بإطاحات للحكم السابق ولكن جاء الخلف ليهدموا ما قاموا به السلف، ولا يمكن أن يتم بنيان لا سياسي ولا اقتصادي ولا اجتماعي ولا تربوي إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم، فكان كل من يأتي يهدم ما فعل سابقه، بل يحاكم سابقه، بل يعدم.. يقتل سابقه.. كما لا شك أنكم تعرفون، وهذا حكم لا يمكن أن تنشأ فيه لا شورى ولا ديمقراطية، أما الحديث عن إسرائيل فإسرائيلفي داخلها ليست شيئاً هي مجتمع هش.. هش تماماً والذين يعرفون الأوضاع في داخل إسرائيل يحكمون هذا الحكم، لكن الصهيونية العالمية هي التي تحكم العالم الآن وهي التي تقوي إسرائيل.
حينما أعلن هيرتزل تعرفون هذا بعد المؤتمر الصهيوني الأول سنة ثماني وتسعين وسبعمائة وألف قال بعد خمسين سنة ستقام لنا دولة، وقامت سنة سبع وأربعين وتسعمائة وألف، خمسين سنة بالضبط، ثم قال بطبيعة الحال صحب هذا الكلام عمل وتخطيط وتدبير واتصالات دولية، نعم ولم يكن محض كلام، وقال فيما يذكر أننا بعد مائة سنة سنحكم العالم، الآن اليهود الصهيونية العالمية تحكم العالم من خلال الولايات المتحدة، قد أقامت الصهيونية العالمية الحكومة اليهودية من خلال الولايات المتحدة، وأنا لا أريد أن تظنوا أني ألقي الكلام على عواهنه، لكن كل ما يجري يؤكد ذلك، استبطنوا الأمور تجدوا حقيقة ما أقول.
العقل اليهودي هو الذي نهض بأوروبا ثم نهض بالولايات المتحدة الأمريكية بما يسمى بالتكنولوجيا، وبما يسمى بالإعلام، وبما يسمى بالمال، هم مسيطرون على هذا كله، ولذلك استطاعوا أن ينقلوا بعضه إلى داخل أرضنا فلسطين المحتلة، لكن الحكم الحقيقي هناك عندهم هي المؤسسة العسكرية التي تحكم، ولا يجوز أن نُخْدَع بوجود أحزاب وقد تختلف في بعض برامجها وقد تجري انتخابات، كل هذا لا يخدعنا، لكن الذي يحكم حقيقة هي المؤسسة العسكرية هناك، ما أدري إذا كان في هذا الكلام إجابة عن السؤال أو لا؟.
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ حسين عاتق الغريبي، رئيس القسم الأدبي بجريدة الندوة يقول:
في نظرية "وولف" أن هومر صاحب الإلياذة كان شاعراً بدائياً نظم أغاني قصيرة غير مكتوبة ذات وحدة مترابطة، ولكنها لم تبلغ منزلة الملحمة الكاملة، حتى جاء بعده من أتمها وأوصلها إلى منزلة الملحمة، -إن صح هذا الشك- ما مدى مطابقة النظرية على الملاحم والقصائد العربية القديمة؟ وهل يمكن الاعتماد على النص الشعري الغارق في الخيال وتضخيم الذات ليكون مصدراً لفهم حياة أمة، (فهماً متصلاً متسقاً)؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: موضوع هومر أو هوميروس موضوع أُلِّفَت فيه كتب كثيرة بلغات متعددة، والذي تفضلت بذكره ذهب إليه بعضهم، بل إن بعضهم أنكر وجود شخص بهذا الاسم هومر أو هوميروس، وقالوا إن هذا من الأدب الشعبي الذي صيغ في حقب متلاحقة متفاوتة، ثم بعد ذلك جمع معاً وأصبحت الإلياذة، وأنا لا أستطيع -الحقيقة- أن أقطع هذا الأمر ولا أن أبته ولا أقول أقطع فيه أن أقطع هذا الأمر ولا أن أبته، ولكنني ذكرت بعض البيان عن هذا الأمر في كتابي (مصادر الشعر الجاهلي) من أجل أن أقول إن الشك في الشعر القديم موجود عند الأمم الأخرى أيضاً كما هو موجود عندنا، أما الوصف الذي تفضلت به عن شعرنا العربي القديم في الجاهلية، واعذروني إذا انزلق لساني وقلت القديم لأنه هو ليس قديماً هو لا يزال جديداً حديثاً، بل أكاد أقول وهذا موضوع طويل هو حداثي إذا أذنتم لي، هذه الأوصاف التي أُطلقت أو أطلقتموها على شعرنا الجاهلي، ربما كان تفسيرها في أن الحياة العربية حينئذ كانت حياة قبلية وكان التنازع بين تلك القبائل تنازعاً واضحاً، وأيام العرب أنتم جميعاً تعرفونها، فكان لا بد للشعر العربي في تلك الحقبة من أن يكون تصويراً صادقاً للأحوال التي كانت سائدة وللبيئة الاجتماعية أيضاً، وأنا لا أعتقد أن الأوصاف التي سمعتها الآن وأُطْلِقتْ على هذا الشعر مقبولة عندي، لأن غيري قد يقبلها بطبيعة الحال، لكن أرى أن الشعر الجاهلي صور حياة الجاهليين تصويراً بارعاً فنياً تصويرياً في لوحات فنية في القصائد الجاهلية وأنه كان صادقاً مخلصاً.
عريف الحفل: الأخ سعيد بن عطية بوعلي يقول:
بعد الحادي عشر من سبتمبر اختلطت المفاهيم وتضاربت الرؤى من هول الفاجعة التي حصلت، وأصبحت المقاومة إرهاباً، وأصبح الاحتلال دفاعاً عن النفس، مما أثر على مسيرة قضيتنا المركزية (قضية فلسطين وفي قلبها القدس) كما أن الإسلام دين التسامح والمساواة تمادى الأعداء في تصويره، ونحن نعيد صياغة الصورة الحقيقية للمسلم، بماذا تنصح الشباب المسلم في تقديمهم للإسلام والمسلمين إلى الآخر؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: أيضاً هذا موضوع واسع أرجو أن تعذروني إذا اقتصرت على أطراف منه. الإسلام حقيقة هو دين التسامح ودين الرحمة، ولكن الإسلام وهذا الذي نتجاهله وهذا الذي يريدون الآن أن يعيدوا صياغة الإسلام الجديد على أساسه، الإسلام أيضاً مع أنه دين التسامح أو السماحة إذا أحببتم هو دين القوة أيضاً، ونحن مطالبون بأن نعدّ لهم من قوة ومن رباط الخيل، ونحن مطالبون بأن نرهب بهذا الإعداد أعداءنا وأعداء الله دون أن نعتدي على أحد، ولكن إذا اُعتُدِي علينا لا يجوز أن نبقى متخاذلين كما نحن الآن، وإنما لا بد أن ندافع عن نفسنا، فإذاً الإسلام دين التوازن فيه السماحة وفيه الرحمة وفيه التعاون وفيه كل هذه المعاني، لكن هم يريدون أن يفرغوه من المعاني الأخرى وأن يجعلوه فقط بهذه المعاني التي قلتها لكم، وهذا هو ما يُفْعَل الآن في صياغة إسلامٍ جديد، دين جديد.
عريف الحفل تكملة السؤال: ونحن نعيد صياغة الصورة الحقيقية للمسلم ماذا تنصح الشباب المسلم؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: نعم، نصيحتي كانت موجودة قلتها قبل قليل وأكررها في كل مجلس في كل مجلس أكررها وأحس بأن واجبي أن أُعيدها وأن أُكررها، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، لا تقنطوا من رحمة الله، واجعلوا الأمل والتفاؤل شعاركم، ولكن مع الأمل والتفاؤل اعملوا، تزودوا بالعلم الحقيقي وفي الوقت نفسه كل واحد منكم في مجاله بحسب قدرته، الجهاد هو بحسب القدرة، قد يجاهد بنفسه، وقد يجاهد بماله، وقد يعين ولو بفرس ولو بناقة مجاهداً آخر، فالقدرة هي مناطُ العمل عند المسلم، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فعلى كل واحد منا ولو وضّحنا المفاهيم، ولو وضّحنا المصطلحات، ولو حاولنا أن نزيل الغَشاوة من عقول أبنائنا وناشئتنا هذه الغشاوة التي راكمها عليهم الغرب بمصطلحات جديدة، فعلى كل واحد منا في موقعه أن يعمل ليتلازم الأمل مع العمل، شكراً.
عريف الحفل: أحسنتم بارك الله فيكم، الدكتور بهاء حسين عزي يقول:
كيف يرى معاليكم أهمية حصول الدول العربية والإسلامية على القدرة الصناعية التقنية بالإضافة إلى توفر العوامل الأخرى اللازمة لاستقرار هذه الدول سياسة اقتصادية واستقرار سياسي؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: لا أدري والله، هذا محتاج إلى أن يجتمع عدد من المفكرين والعلماء من أجل أن يتداولوا الأمر فيما بينهم، لكن أحب أن أشير في هذه المناسبة أننا في الأردن اتخِذَ قرار بتعميم الحاسوب (الكمبيوتر) على جميع المدارس والمعاهد وكليات المجتمع والجامعات، فسارعنا إلى تنفيذ هذا القرار باستيراد آلاف أجهزة الحاسوب من الخارج، مع أن مثل هذا القرار كان فرصة مواتية من أجل أن ننشئ عندنا في الأردن أن نبدأ بإنشاء صناعة للحاسوب في داخل الأردن نلبي من خلالها هذه الحاجات، ونزود هذه المؤسسات التعليمية بهذه الآلاف بدل أن نستوردها، وليس من المهم أن نبدأ بكل شيء في أول الأمر، قد نستورد الأشياء الأساسية لهذا الحاسوب ثم بعد ذلك نكمل صناعة الحاسوب عندنا وبالتدريج ننتهي إلى ما نسميه بتوطين التكنولوجيا عندنا، توطين التكنولوجيا وليس استيراد التكنولوجيا، وننتقل من مرحلة الأمة المستهلكة إلى مرحلة الأمة المنتجة لكن بكل أسف بكل أسف اتُّخذ القرار ومع اتخاذ القرار من أجل تنفيذه قرار آخر باستيراده من أماكن محددة وشركات معينة، وبذلك كيف يمكن أن نوطن هذه التكنولوجيا في بلادنا، ثم أنتم تعلمون أن التكنولوجيا هي تطبيق العلم، ولا يمكن أن تقوم إلا بازدهار العلم الأساسي أو العلم البحت أو العلم الدقيق بحسب التسميات Basic Science، فلا يمكن أن نوطن عندنا تكنولوجيا أو أن تقوم عندنا تكنولوجيا إلا إذا ازدهرت عندنا الفيزياء والكيمياء وعلوم الأحياء والرياضيات، العلوم النظرية التي تنتهي -أنا متأسف أتكلم أمام علماء أنا أعرف أن بينكم الآن علماء في الجانبين في العلم النظري الأساسي وفي العلم التطبيقي- لكني أنا أقول ما أعلم وأنا أرجو منهم أن يصححوني، هذا كله يحتاج إلى أمرين: الأمر الأول: مراكز بحوث حقيقية وليست للمباهاة والمفاخرة فقط، حقيقية وليست مظهرية ووجود فِرق عمل من العلماء، العمل عن طريق فريق وليس عن طريق أفراد متفرقين لا ينتهون إلى شيء، ومع الأمرين نحتاج إلى التمويل الكافي وما أكثر التمويل الذي يصرف في أمور لا قيمة لها لو صرفت على مثل هذه الأمور لكان خيراً وأجدى، أما الفريق فأنا أقصد أننا نستطيع أن نستقدم من خارج البلاد العربية من العلماء العرب والمسلمين المشردين المنبثين في الجامعات الأخرى، في الجامعات الأمريكية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسترالية، عندنا علماء نوابغ هناك، نستطيع أن نأتي بهم ولو عن طريق ما يسمى بسنة التفرغ أن يأتوا إلينا هنا وأن نضع معهم مجموعة من رجالنا ليتدربوا أيضاً هم وإياهم على البحث العلمي، وهكذا نكوِّن أجيالاً من الباحثين العلماء، هذه يعني نظرة سريعة والأمر صعب وطويل.
عريف الحفل: الأخ أحمد الزين يقول:
نعرف علاقتكم العتيقة مع العلامة محمود شاكر فكيف تم التعارف بينكما؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: حينما أنهيت رسالة الماجستير واخترت موضوع الدكتوراه، قرأت كتاب ابن قتيبة "الشعر والشعراء" فوقع في وهمي أن أحد المحققين وهو في الحقيقة الشيخ أحمد محمد شاكر شقيق محمود محمد شاكر، وقع في وهمي أن المحقق هو محمود محمد شاكر، فذهبت إليه في بيته لأستفيد منه ولأسأله عن أمور معينة، وحينما انتهت جلستنا الأولى تمسك بي رحمة الله عليه أحسن الله إليه تمسك بي وقال: أحب أن تنشب المودة بيننا، فأثّرت هذه العبارة في نفسي ورجعت إليه ثانية، ثم بعد ذلك توالت الصلات بيننا، وكنت أحسبني وأسأل الله على أن أكون على حق، أنني من أقرب تلامذته إليه، هذا هو بدء نشأة المعرفة بيننا.
عريف الحفل: نعم، هذا سؤال من الأخ غياث عبد الباقي الشريفي يقول:
تمرّ أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي بل العالم أجمع بفتن عظمى ومآسٍ مخيفة فكيف ترون الخروج من هذه الأوضاع الرهيبة؟ وأين الدور المطلوب لعلماء هذه الأمة ومفكريها؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: )إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ(، هذه هي الوسيلة الحقيقية للخروج مما نحن فيه، كيف نغير ما في أنفسنا؟ هي الأسئلة التي تفضلتم بذكرها عن البحث العلمي وعن التكنولوجيا وعن التعاون بيننا، لكن أحب أن أشير إلى نقطة صغيرة، إذا تأخر حدوث هذه المصادر لقوتنا، عندنا مصادر أخرى ما أدري هل هي سذاجة أن أقول إنها ميسرة بين أيدينا، وهي وحدة الموقف بين الحكام العرب، لو أصبح الحكام العرب على موقف واحد ثقوا أن الأمور ستتغير ولو تغيراً ما، لكني أعلم حال الحكام وأعلم العقبات أمام هذا، لكن هذه وسيلة من الوسائل وهي أيسر الوسائل وأسرعها أن يتخذوا موقفاً واحداً، أن يتقوا الله في أمتهم وفي دينهم، وأن يتخذوا موقفاً واحداً، لكن أنتم ترون وهذا مثل يسير، ترون أن اجتماع مؤتمر القمة في لبنان الآن عليه ضجة كبرى، والأمة تعاني ما تعاني وهم يبحثون يجتمع في لبنان أو لا يجتمع في لبنان، يأتي القائد الفلاني أو الزعيم الفلاني، أو لا يأتي، تناصره جماعة آخرون من الحكام أو لا يناصرونه، فنحن مازلنا في فرقة وما زلنا في اختلاف حتى في هذا الأمر الذي نظنه يسيراً..
عريف الحفل: الأستاذ أحمد عايل فقيه يقول:
تنظر الأغلبية من الناس إلى الماضي نظرة مقدسة مجردة من النقد والتحليل الذهني، السؤال: ماذا يبقى من الماضي في سياقاته الفكرية والأدبية والشعرية؟ وهل علينا أن نقرأ المضيء والمعتم؟ ماذا يبقى من التراث؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: العلماء والمحققون والأساتذة الكبار يجب أن يقرأوا هذا التراث كله بجميع صفحاته، ولكن ما يقدم منه إلى الناشئة يختلف بطبيعة الحال، لا نعني أن نقول أنه لا يقدَّم إلا الجوانب المضيئة، ولكن حتى إذا قُدِّمت بعض الجوانب غير المضيئة يجب أن يصاحب تقديمها شرح واضح، وأن يقال إن هؤلاء العرب هم ناس من الناس هم أمة من الأمم ليسوا ملائكة منزلين من السماء، ولذلك لهم عيوبهم ومرّت عليهم حقب، هذه الحقب سُجِّلَتْ في صفحات سود، ولكن مقابل هذه الصفحات السود عندنا صفحات بيض كثيرة جداً، وتجميع الصفحات السود وحدها سيحدث مجلداً، لكن لا يجوز أن ننظر بعين واحدة، يعني هذا ما يجب أن يقال للناشئة، يجب أن يفهَّموا هذه الأمور على حقيقتها وألا نخدعهم، لا يجوز للمعلم أن يخدع تلميذه، ولذلك علينا أن نبصِّرهم بهذه الأمور لكي يفهموها، من أجل هذا أنا أعتقد أن هذه الأمة مرت عليها حِقب لا شك في ذلك. ولا يجوز أن نظن أن هذه الحضارة الموجودة في الوقت الحاضر نحن غرباء عنها، نحن كنا من أهلها، ولنا مساهمة ومشاركة فيها، هذه المشاركة ينساها الآن أو يتعمد أن ينساها غيرنا، ونحن بكل أسف لا تُعرَض علينا، إن فكرنا وثقافتنا كانا مفتوحين، أخذنا من غيرنا بغير تردد.. بغير تحرّج، بغير شعور بالنقص، أخذنا من الفكر القديم الذي سبقنا وأخذنا من الثقافات العالمية الأخرى، تمثلنا كل ذلك وهضمناه وصغناه صياغة جديدة ثم أعطيناه لغيرنا، أيضاً أعطيناه بسخاء. وأنا أحب أن أشير هنا إلى منارات مضيئة: علماؤنا أرسوا لنا أصول المنهج، ما أدري إن كان يحق لي أمام العلماء الأفذاذ الذين شرفوني بحضورهم هنا أن أستشهد بقول أبي حنيفة: قولنا هذا رأي، يعني حكمنا وفتوانا، قولنا هذا رأي، ولم يقل "الرأي"، هذا رأي قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن قدر على أحسن منه فهو أولى بالصواب منا، هل هناك حرية رأي؟ هل هناك قبول للرأي الآخر مثل هذا الشعار الذي يجب أن نرفعه!؟ وأيضاً من علمائنا وأظنه أيضاً الإمام أحمد -أظنه- وأرجو تصحيحي قال: لا تقلدوني والشافعي ومالكاً، وخذوا من حيث أخذوا، والأمثلة على ذلك كثيرة لا أريد أن أحصيها. كل هذا أسس من أسس المنهج العلمي، ولذلك قالوا خذوا العلم مع دليله، حتى لو سألت أبا حنيفة رضي الله عنه عن أمر وقال لك الحكم فيه كذا عليك أن تقول ما دليلك؟ فيقول لك قال الله تعالى وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، هذه أمثله من حضارتنا ومن ثقافتنا ومن منهجنا العلمي.
عريف الحفل: الأخ إبراهيم علي الوزير يقول:
كيف يرى أستاذنا وسائل الخروج من التشرذم والتمزق والابتعاد الكلي عن السنن الكونية والتشريعية؟ وما هي البدايات الأولية باختصار؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: التعليم ثم التعليم ثم التعليم، العناية بالناشئة، لا بد من أن نتجه إلى ذلك، لكن هل أمور التعليم الآن وفي الأيام المقبلة بأيدينا؟ أنتم تعلمون الآن أن المناهج التعليمية وأنتم تقرؤون الصحف بطبيعة الحال وتستمعون إلى التلفزة وإلى الإذاعات، الشيء الذي يقبلون عليه الآن إعادة صياغة العقل العربي، ووسيلتهم إلى ذلك المناهج التعليمية. التدخل في المناهج التعليمية، فأنا لا أرى وسيلة لا أرى جواباً لهذا السؤال إلا عن طريق نشر الوعي، والتثقيف والتعليم، نشر الوعي عن طريق التلفزة، هذه المحطات التي ابتُلينا بها القنوات سواء كانت محلية أو فضائية، وهي بدلاً من أن تكون عوناً لنا هي في حقيقتها عون علينا بما تقدمه وبما ترونه بطبيعة الحال وتسمعونه، والوسيلة الأخرى هي هذه وسيلة تثقيف، لأنها تدخل بيوتنا وتخاطب النساء والأطفال والرجال الصغار والكبار، ثم التعليم من أجل تنشئة جيل جديد يحمل الأمانة عنا، وإذا كان جيلنا الآن لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فالأمل بالله أن يمكن الجيل القادم أن يقوم بما عجزنا عنه.
عريف الحفل: الأخ ياسر سقعان يقول:
قامت مؤسسة آل البيت بمشروع ضخم في فهرسة المخطوطات المنتشرة في مكتبات العالم كله، فأين وصلت المؤسسة في مشروع (الفهرس الشامل للمخطوطات العربية والإسلامية)؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: هي أصدرت حتى سبتمبر2000م ما يزيد على عشرين مجلداً، لأنها جمعت في مقرها وهو مقر مؤقت صغير متواضع ما يزيد على ألف وسبعمائة مخطوطة، من مختلف أنحاء العالم بست عشرة لغة مخطوطة للتراث العربي الإسلامي، وأخذت تصنفها وتفهرسها فأخرجت في عدد من العلوم أو من الفنون أو من المعارف هذه الأجزاء التي ذكرتُها لكم، وأنا لا أعلم أنها بعد ذلك أصدرت شيئاً حتى الآن، ولكني أسأل الله لمن يتولى أمورها الهداية والتوفيق.
عريف الحفل: الأخ محمد الحسن يقول:
استزادة من علمكم، لماذا عقيدي وبديهي وسليقي، إذ وردت هذه المفردات في مناهجنا التعليمية وحذفت ياء فعيلة لأن عين الكلمة صحيح وغير مضعف؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: هذه الألفاظ وردت يعني سليقي وردت في الشعر العربي، وكذلك طبيعي ورد في النص في النصوص النثرية العربية، طبيعي وبديهي، فأنا لا آتي من شيء عندي وإنما أستعمل ما استعمله السلف، في نثرهم وفي شعرهم وإذا ما قرأتم ما كتبه القدماء تجدون هذه الألفاظ على أصولها وعلى حقيقتها، ومن أمثلة ذلك أنتم تعرفون أن المدينة مثلاً لا يقال مدني إلا في حالة واحدة، وإنما في الحالات الأخرى يقال مديني.. المديني ومن علمائنا من نسبوا ويقال لهم المديني، فكلمة السليقي وكلمة الطبيعي وقسنا عليهم كلمات أخرى هي موجودة شعراً ونثراً وقد جمعت بعضه أيضاً..
عريف الحفل: المحامي والمهندس استشاري الأخ هاني إبراهيم زهراني يقول:
الأمة الإسلامية أمة (اقرأ) والقرآن الكريم يأمرنا بقوله تعالى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، ومع ذلك وحتى ما يسمى 11 من سبتمبر 2001م كأن الأمة لم تعِ هذا الأمر، يبدأ البعض ينادي بالرأي الآخر، الحوار، مع أن الحوار وتداول الآراء من ديدن ديننا الإسلامي الحنيف، فما تعليق معاليكم على هذا؟ هل كانت الأمة في غيبوبة؟
الدكتور ناصر الدين الأسد: لا، الحوار بدأ عندنا من قديم، يعني تفضلت الآن أنت واستشهدت بكتاب الله عزّ وجلّ، الدين الإسلامي هو دين الحوار، ومما يقال -وأنتم تعلمون هذا- أن القرآن الكريم مليء بالحوار، حتى أن بعضهم لتأكيد الفكرة قال: إن الله حاور ملائكته والملائكة حاوروه وحتى حاور الشيطان، والشيطان حاوره أيضاً وردّ عليه، فهو دين الحوار، ونحن لم نستيقظ فجأة على الحوار ما دمتم قد ذكرتم (مؤسسة آل البيت) عقدت نحو عشرين ندوة للحوار مع أوروبا مع الكنيسة البروتستنتية الإنجليزية ومع الفاتيكان الكاثوليك بطبيعة الحال، ومع الأورثوذكس في سويسرا ومع الإنجيليين في ألمانيا اتحاد الكنائس الإنجيلية، عقدت معهم حواراً على مدى عشرين سنة، وندوات كثيرة كان لها أثرها، لكن الحوار كما تعلمون، استثمار طويل المدى لا تظهر نتائجه بسرعة، وآن الآوان أن ننظر إلى ما فعلنا وأن نجدد ونغير، لا يكفي أن يكون الحوار مع هذه الكنائس، لا بد أن ننتقل إلى الحوار مع الشباب الأوروبي والأمريكي، عندنا منظمات شباب كثيرة لا بد أن نعقد أيضاً ندوات حوار بين الشباب عندنا وبين الشباب الأوروبي والأمريكي، أيضاً لا بد أن نخاطب رجال الإعلام هنا، وأن ندعو بعضهم ممن هو متعصب علينا وممن هو معنا، أن ندعوهم وأن نعقد جلسات حوار معهم، كذلك أن ندعو بعض كتاب السياسة وكتاب الاجتماع، وأن نحاورهم، لماذا لم ندعُ فوكوياما مثلاً لنحاوره؟ لماذا لم ندعو هنتنجتون لنحاوره؟ قد زار المملكة هنا وأنا أعلم هذا، لكن كان ينبغي أن تُعقد له في البلاد العربية مجالس حوار مع أساتذة جامعات، من تخصصه ومع علماء، لكن الخوف من أن يكون الفريق منا غير مؤهل غير ممكّن من مادته ومن قدرته على الحوار، وفي هذه الحالة يسقط أمرنا أمامهم، على أي حال لا أدري ماذا يقال في هذا الموضوع، لكن الحوار عندنا قديم ولا بد من تجديده الآن لمثل هذه الفئات التي ذكرتها.
الشيخ عبد المقصود خوجه: أستميحكم عذراً لئلا نثقل على ضيفنا الكريم بأكثر من ذلك، الوقت قد مضى وقد أخذنا من طاقته وراحته الشيء الكثير، والحقيقة أن الأسئلة في هذه الأمسية كما ترون التي لم نستعرضها أكثر بكثير مما استعرضنا، أستميح عذراً من جهة أخرى أو بقول آخر الأخوة الكرام الذين لم نتمكن من استعراض أسئلتهم لما سبق وأوضحت، والشكر موصول لكل من تفضل وطرح سؤالاً وأستميحه العذر لما أوضحت، والشكر لله سبحانه وتعالى في البدء لما وفقنا به في هذه الأمسية، وما استمتعنا به من كريم القول بما تفضل به عالمنا الجليل وأفادنا بالمبدع والمفيد، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا وإياكم بلقاءاتنا على خير ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يمد ضيفنا بالقوة والصحة والسعادة الدائمة.
في ختام كلمتي أرحب ترحيباً حاراً بالزميل الأستاذ العلاّمة الكبير الشاعر الأديب الأستاذ راضي صدوق الذي تفضل بالحضور من الرياض خصيصاً عندما سمع بقدوم ضيفنا الكبير، وهذه الدلالة من دلائل كثيرة وإضاءة تعطي لما لهذا الرجل من مكانة وعلم عند أهل الفضل، إذ المثل كما تعرفون يقول: لا يعرف الفضل إلا ذووه، وهم جميعاً من أهل الفضل مثلكم، فشكراً له وحمداً لله على سلامته من العملية الجراحية الكبيرة التي أجريت له، والصحة والسعادة لكم جميعاً وإلى أمسياتنا القادمة وأنتم بخير، وأترك لزميلي ختام هذه الأمسية والسلام عليكم ورحمة الله.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :729  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.