شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور محمد علي البار الكاتب الإسلامي المعروف ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي كرم العلم والعلماء، فقال عز من قائل: إنما يخشى الله من عباده العلماء، والصلاة والسلام على أفضل خلقه الذي دعا إلى العلم وطلبه ولو في الصين، وعلى آله العلماء النجباء وأصحابه الغر الفقهاء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 
صاحب الاثنينية المشارك في مائدة العلم والعلماء والأدب والأدباء الأستاذ عبد المقصود خوجه، والذي سن سنة حسنة في تكريم العلماء والأدباء، المحتفى به الأديب والمفكر والعالم والفيلسوف الداعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة الدكتور مصطفى محمود، أصحاب السعادة والفضل والعلم والأدب، أيها الحفل الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
اسمحوا لي أيها السادة الكرام أن أُلقي بعض الضوء على جانب واحد فقط من هذه الشخصية الفذَّة، التي أُعجبت بها منذ فترة طويلة منذ فترة الثانوية، وخاصة بعد رحلته الطويلة الشائقة من الشك إلى الإيمان، وبعد حواراته المتعددة مع صديقه الملحد وبعد فضحه للماركسية والعلمانية وهدمه لأسسها في حوارات هادئة عميقة الغور بعيدة الأثر، وخاصة أن الدكتور مصطفى محمود لم يكن بعيداً عن هؤلاء القوم بل كان له منهم أصدقاء كثيرون، وهم الذين احتفوا بكتابه الأول (الله والإنسان) وكتب له المقدمات محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنيس، ونشروه آنذاك على نطاق واسع، مع أن مصطفى محمود لم يكن ملحداً في أي يوم من أيام حياته، وإن كانت نوبات من الشك والقلق والحيرة قد ساورته فترة شبابه وعنفوانه.
 
والدكتور مصطفى شخصية فريدة حقاً، وهو يجمع الأديب والفنان ذا الحس المرهف المتطلع إلى أشواق الروح إلى جانب العالم الواسع الاطلاع في العلوم الحديثة وخاصة علوم البيولوجيا، مع عمق في علوم الفيزياء والكيمياء والفلك، وهو طبيب مارس الطب فترة في حياته، وعرف آلام الناس وحقائق معادنهم، في فترات ضعفهم، كما أن علوم الطب أمدته بهذه الطاقة الواسعة للاتصال بالعلوم الحديثة، ولا أعرف أحداً مثله قد آتاه الله القدرة على تبسيط المعلومات المعقدة والصعبة، وتيسيرها حتى تصبح في متناول المثقف العادي، بل استطاع في برنامجه التلفزيوني الفذ (العلم والإيمان) أن يخاطب العامة وأن ييسر لهم تلك المعلومات المعقدة الصعبة وأن يحولها كما تفعل النحلة برحيق الأزهار إلى عسل فيه شفاء للناس، وفيه متعة ولذة وفيه غذاء ودواء، وحديثه غذاء للعقول والأرواح، فيرتفع بالنفوس القلقة إلى ألق الإيمان ونوره ليصلها بنور الله الذي مثله كمثل مشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب درِّي.
 
يتحدث الدكتور مصطفى محمود كمثالٍ عن الماء الذي يكوِّن ثلاثة أرباع سطح الأرض وقرابة سبعين بالمائة من معظم الكائنات الحية بما فيها الإنسان، فيحدثنا عن خصائصه البديعة، التي جعلها الله فيه، فهو مكوّن من ذرتي هيدروجين وهو غاز مشتعل وذرة أوكسجين وهو غاز يساعد على الاشتعال، فإذا اجتمع الاشتعال ومساعد الاشتعال تحول بإذن الله إلى مادة تطفئ النار وتطفئ الاشتعال، وجميع السوائل تنكمش بالبرودة وتزداد في الوزن إلا الماء، فهو يتجمد بالبرودة ويخف في الوزن فيطفو وتحتها الماء السائل يموج بالحياة، والماء هو السائل الوحيد الذي يملك القدرة الفذة على إذابة الأشياء والتفاعل معها، وجزيء الماء مدهش عجيب، فالأوكسجين ملتحم بالهيدروجين على طريقة العاشق والمعشوق، هكذا يبسطها الدكتور مصطفى محمود، والذرتان داخل بعضها في بعض، والألكترون الوحيد في ذرة الهيدروجين داخل في ذرة الأوكسجين وله وظيفة في مدارها مما أدى إلى استقطاب الجزيء استقطاباً كهربائياً، فأحد طرفي الجزيء موجب وهو الهيدروجين، والطرف الآخر سالب وهو الأوكسجين، هذه الصفة العجيبة جعلت الماء أشبه بالمغناطيس، وجعلت الجزيئات تتماسك بشدة وتتجاذب، مما أدى إلى ظاهرة التماسك السطحي التي نسميها التوتر السطحي للماء فيمكنك أن تضع شفرة حلاقة برفق فوق سطح الماء فتطفو بسبب هذا التماسك، وتكهرب الجزيئات المائية هو الذي يفسر الخاصية الشعرية، وهي الخاصة التي يتسلق بها الماء إلى أعلى ضد الجاذبية، وهي السر في قدرة الماء الخرافية على إذابة المواد وقدرته على تسلق قمم الأشجار من الجذور في أغوار الأرض، وقدرة الماء على خزن وتصريف الحرارة أمر مدهش..
ويستمر الدكتور مصطفى محمود في هذا المنوال العجيب فيقول: ونقطة ماء تحت المجهر فيها عدة آلاف من أصناف الأحياء، وعدة ملايين من الكائنات الدقيقة من الفيروسات والبكتريا والفطور والطحالب، شعوب وأمم وممالك من الكائنات تتعايش وتتعامل وتتنافس وتموت وتحيا، وكل ذلك في نقطة ماء من مستنقع على كوكب هو ذاته أصغر من هباءة في هذا الكون الواسع، فإذا امتلأ القارئ رهبة وخشوعاً انتقل الدكتور مصطفى محمود ببراعة الفنان الموهوب الداعية إلى أنوار القرآن وما جاء فيه من آيات عن الماء وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءَ بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمـَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ، وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً إلى آخر الآيات الموجودة في الكتاب الكريم عن الماء، ويقول مصطفى محمود: "وكان عرشه على الماء"، يعقب الدكتور مصطفى محمود على ذلك قائلاً: وإذا اعتبرنا الآية تعبيراً بالمجاز عن عظمة الماء وخطره فالمعنى واضح، فقد رأينا الحياة كلها عبارة عن محلول مائي، وأن الماء هو وسيط الفعل الإلهي في المخلوقات جميعها فعرش الله وسلطانه وقبضته تتم كلها من خلال الماء، أما إذا وقفنا عند الحروف واعتبرنا المعنى لغزاً مما لا يعلمه إلا الله، فإنه منتهى التشريف أن يجيء ذكر الماء مقترناً بالعرش الإلهي وهو تشريف قد رأينا أسبابه.
 
ألم نجد في نقطة الماء الواحدة أمماً وشعوباً وقبائل وملايين الخلائق مما لا تراه العين؟ ألم نجد في جزئ الماء البسيط معجزة تركع أمامها علوم الكيمياء والطبيعة والجيولوجيا وتحار فيها عقول العارفين؟ هذا الجزيء الذي يخزن الطاقة ويفجر الحياة ويذيب الصخر وينحت القارات وينظم الطقس، هذا اللؤلؤ المذاب، والماس السائل إلى آخر ذلك. نرى هذا العقل الجبار وهو يحيل نظرية (أينشتاين) المعقدة والتي لا يكاد يفهمها غير المختصين، نرى الدكتور مصطفى محمود يبسطها حتى يستطيع المثقف العادي أن يفهم مغزاها، ثم يتحدث عن الضوء وهذه النظرية التي من الصعب أن يفهمها أي مثقف ما عدا المختصين استطاع مصطفى محمود أن يجعلها سهلة جداً.. جداً وأن يستشف منها الفلسفات العميقة التي تؤدي إلى الإيمان. ثم يقول مصطفى محمود وأول صفة للمؤمنين إيمانهم بالغيب، ثم تأتي بعد ذلك الصلاة.. والجهاد.. إلى آخر التكاليف، وقد توصل (أينشتاين) إلى إيمان عميق بخالق هذا الكون في وقت كان لدى العلماء في الغرب حساسيةً شديدةً من الإيمان بالله بسبب معارك الكنيسة مع العلم ووقوفها ضده وخرافاتها وجعلها الله ينزل إلى بطن امرأة ثم يخرج من فرجها ويتعرض للضرب والإهانة والشتم، ثم يصلب مع لص وقاطع طريق، وقد قال (أينشتاين) إن الله لا يلعب بالنرد وهو تصديق قوله تعالى: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً.
 
التطواف مع الدكتور مصطفى محمود ممتع ومثير، وقدرته الفذة على تبسيط وتيسير الأمور نابع من شخصيته الفذة البسيطة كل البساطة.. الصافية كل الصفاء.. المحبة للخير للبشر جميعاً، تتجلى في حياته الخاصة والعامة، وفي ما يبذله للناس من علمه ووقته وماله، مؤسساً مسجد محمود وما يتبعه من عيادات ومستشفيات وخدمات مجانية أو شبه مجانية لما يقرب من سبعمائة ألف شخص كل عام، بارك الله جهود هذا العالِم الإصلاحي بهذه المواهب المتعددة الذي رزقه الله هذه الشفافية وهذه النورانية، ورزقه الله المزيد منها ليشع بها على إخوانه من بني البشر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
عريف الحفل: والكلمة التالية لسعادة الدكتور حسان شمسي باشا استشاري أمراض القلب مستشفى الملك فهد العسكري والمتخصص في الكتابة الطبية والاجتماعية.
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :651  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 71 من 85
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[حياته وآثاره: 2007]

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج