شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ فؤاد عنقاوي ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، السادة الكرام حضور هذا الحفل الكريم، أحييكم بأحسن تحية، وأعترف بادئ ذي بدء بأن الحديث عن المحتفى به عابد خزندار هو حديث الذات والأنا، يتناول الجوانب الشخصية، فأنا وهو صنوان، هو أخي الذي لم تلده أمي، وأنا خاله بالنسب، عشنا وربينا بالبيت الكبير، تلازمنا منذ الصغر، ومضينا معاً في سنوات الدراسة في مكة المكرمة، وإن كان قد سبقني إلى الجامعة بمصر، فلأنه أكبر مني بسنة وقيل سنتان، ولكن لم يكن فارق السن هذا يمنع من أن نلتقي دوماً فكرياً وعقلياً، كان هناك شيء مشترك بيننا صلة تربط الاثنين معاً خلاف الروابط الأسرية والعائلية.
 
كان عابد ومنذ طفولته يميل إلى العزلة لا يخالط الكثير من الناس، كان يمضي وقته في القراءة، القراءة المتنوعة وكانت روايات الجيب تنتشر في تلك الفترة وتنتشر عن أرسيل لوبين، وما أن ينتهي من إحداهن حتى يبدأ الثانية، ونتناوب على قراءتها، هو زبون دائم لمكتبة الثقافة، وصديق للأستاذ عبد الرزاق بليلة، وهذا يعني التصاقه بالكتب والمكتبات، كثيراً ما كنا نتناقش حول بعض الكتب الأدبية (شجرة اللبلاب) (غادة الكاميليا) (زينب هكذا خلقت) وغيرها، أما المجلات فكانت هناك (الرسالة) و (الأديب) الذي كان يصدرها من لبنان أديب إدريس، ومن المجلات (آخر ساعة) و (المصور) و (الكواكب) (الجيل الجديد) (البعكوكة) كانت هذه المجلات تملأ أرجاء البيت.
 
عابد خزندار شخصية غريبة الأطوار، هذا ليس رأيي ولكنه رأي أقرب الناس وأهمهم إليه (أبوه وأمه وإخوانه وأخواته)، أنا هنا ما زلت أتحدث عن مرحلة الصبا والشباب، المرحلة التي قد لا يعرفها الكثيرون وهي في رأيي من أهم وأدق مراحل حياة الفنان أو العبقري، ففي هذه المرحلة تتحدد معالم الشخصية وتكوينها الاجتماعي، واتجاهاتها الفكرية، أستطيع أن أعود بالذاكرة إلى الوراء لنتعرف كيف كان عابد لا يهتم بالعلاقات الاجتماعية أو الصلات العائلية، لا يحضر مناسبات الأفراح ولا يشارك في مراسيم العزاء، ولا يكترث بالسؤال عن الأهل والأصحاب، ليس معنى ذلك ترفع أو كِبر ولكن هي طبيعته وتكوينه الفسيولوجي، ورغم أنه حاضر البديهة، حاد الذكاء إلا أنه مع الآخرين يبدو وكأنه خجول شارد الذهن.
 
أذكر مرة كنا في بيته بالرياض، والمجلس يضم عدداً كبيراً من الأصدقاء وزوجاتهم بعد انقضاء السهرة وقف عابد يودع أحدهم وزوجته، صافح صديقه في حرارة وحيَّاه بحرارة أشد وبدلاً من كلمات التوديع أخذ يُبدِّل كلمات الترحيب وكأنه قادم لتوه، بمناسبة الأصدقاء هناك عدد قليل جداً أثروا حياة عابد، وتركوا بصمات واضحة على مسيرة الصداقة لَعَلِّي أذكر بعضاً منهم الآن حسب التسلسل الزمني: المرحوم جميل ششة، ومحمد علي الموصلي، والشيخ حسن آل الشيخ رحمهم الله، ومنهم صالح أنْبه.. وعبد الرحمن طيبة.. محمد عبد القادر علاقي.. وعبد الله المنيعي، ثم هناك الأستاذ الكبير عبد الله عبد الجبار.
عابد خزندار شخصية لها جوانب متعددة، فهو قارئ نهم، وانكبابه على القراءة أعطاه مجالاً كبيراً في تنوع الثقافة مما يضفي عليه صفة الموسوعة، ولعلَّ من أوائل اهتماماته ما يندرج تحت مظلة السياسة العالمية والاقتصاد، ويأتي في مقدمته كل ما يتعلق بشؤون البترول، وهو في مجال الرياضة موسوعة أخرى، تضم مختلف أنواعها، يحلق دائماً في أجواء الموسيقى العالمية والفنون، كان عابد خزندار فارس المطارحات الشعرية في المسامرات الأدبية، بمدرسة (تحضير البعثات)، أصدر هو وزميله عباس فائق غزاوي وهما يقضيان الصيف بالطائف مجلة تصدر بخط اليد أسماها (اليقظة)، شارك في إصدار مجلة الحائط تحت عنوان (صحيفتي) بدار البعثات السعودية بالقاهرة.
 
ورغم أنه كان يدرس بكلية الزراعة أثناء النهار إلا أنه يقضي الليالي والعطلات والإجازات في صولات وجولات وغزوات مع الأدباء والشعراء والنقاد، كان يسعى إليهم ويلتقي بهم في كازينو (سامسوسيه) بالجيزة، حيث كان يجتمع مع الأستاذ عبد الله عبد الجبار وحمزة شحاته وسعيد بابصيل، وفي قهوة عبد الله المشهورة بميدان الجيزة يلتقي بالأدباء المصريين عمر المعداوي.. أحمد رشدي صالح.. الدكتور عبد القادر القط.. محمود السعدني.. عبد الحميد قطامش.. الدكتور محمد يونس، أما كازينو (جروبي) الأرستقراطي فكان هناك توفيق الحكيم والموسيقار محمد عبد الوهاب، وكان يقضي جُلَّ وقته مع كبار المفكرين والروّاد من عالم النقد والشعر، وهي الفترة التي عاصر فيها عباس محمود العقاد.. الدكتور طه حسين.. سلامة موسى.. الدكتور لطفي الخولي ومحمد عودة.
 
عندما رست سفينة الإبحار في عالم المعرفة والعلم والتحصيل لم يدع عابد الفرصة تفوته فهو يدرس في جامعة (ميريلاند) بأمريكا، الماجستير في الكيمياء ولكنه لا يستطيع الابتعاد عن الأدب والنقد، فقام بدراسة أو أخذ كورسات في الأدب الأمريكي وبالتحديد (جيمس جويس)، في فترة التوقيف التي استمرت زهاء خمس سنوات استغلها عابد في دراسة اللغة الفرنسية وآدابها، وقراءة الكتب القديمة (الأغاني) و (المعلقات) و (الكتاب) لسيبويه وغيرها كثير، وعندما استقر به المقام في باريس وأصبح من مُلاَّك العقار لأول مرة في حياته انخرط في الجامعة الأمريكية بباريس ليدرس الأدب الفرنسي والإنجليزي لمدة ثلاث سنوات متتالية، كان قد سجل في الجامعة الأمريكية في القاهرة للحصول على درجة الدكتوراه عام خمسة وثمانين، بعد مرحلة القراءة والاستيعاب انتقل إلى مرحلة أو إلى عالم الكتابة والتأليف، فمارس الكتابة في الصحف المحلية عن الأدب والنقد والحداثة وما بعد الحداثة والقضايا الاجتماعية، وله الآن سبعة إصدارات مطبوعة وكتاب تحت الطبع.
باختصار شديد حياته العملية مليئة بالأحداث، شخص عاصر وتعامل مع أربعة وزراء للزراعة يختلفون باختلاف الشخصية والهوية والمنحى هم: إبراهيم السويل وعبد الرحمن آل الشيخ وخالد السديري وعبد الله الدباغ، أقول شخص كهذا لا بد أن يكتسب خبرة وتجارب عديدة، متى؟ وكيف؟ وأين توقفت الصلات بيننا؟ لا أذكر تماماً، ولكن تمر على الإنسان فترة من حياته ينقطع فيها عن الأصحاب، يختلي بنفسه، يحاول أن يستنشق هواءً نقياً يجدد فيها صلاته بالآخرين في عالم واسع فسيح، ولكن تظل هناك العلاقة الروحية التي تربط بين المتحابين، هذا هو عابد كما عرفته شخصية لا تكرر، طراز فريد من نوعه والذين يعرفونه لا يملكون إلا أن يحبونه وشكراً للمحتفِي والمحتفى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :753  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 62 من 85
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

وحي الصحراء

[صفحة من الأدب العصري في الحجاز: 1983]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج