شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به ضيف الحفل ))
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، بعد كلمة الأخ زاهد وامتناعه عن المدح، أحياناً أحاول أن أمدح بعض الناس وأتردد بسبب سخريتي، لأنهم ربما يتصورون أنني أسخر منهم ولا أمدحهم، ولهذا في كثير من الأحيان أتحاشى ذلك خوفاً من إساءة التفسير، ولكن اسمحوا لي أريد أن أقول شيئاً من كل قلبي، فمن واجب المرء أن يبدأ بالفضل وأهل الفضل ويشكر أهل الفضل ومن أجدر به من عزيزنا الشيخ عبد المقصود خوجة، ولا أقول هذا من باب المجاملة أو رد الجميل، فقد قلتها في مناسبات سابقة على صفحات الجرائد، فضله على الأدب والأدباء والعلماء فضل كبير، واسمحوا لي أن أكرر ما قلته منذ سنوات: ما أحوجنا في بلادنا العربية لأمثال سعادة الشيخ، ما أن التقيته قبل سنتين حتى امتلكني بصراحة وقاره، ولطف كلامه وجهد عواطفه، أطال الله عمره وأعطاه الصحة في نفسه وأهله وذويه.
اسمحوا لي ثانياً أن أشكر الإخوان على كل هذا المديح والتقدير باستثناء زاهد وسأثمن هذا المديح والتقدير تثميناً عالياً لأنني في الواقع غير معتاد على مدح الناس لي، جل ما أتلقاه منهم هو القدح والشتائم، ولهذا فعندما أحتاج إلى مدح لنفسي أقوم أنا بمدح نفسي -بعد قليل تسمعون- وإذا كان الدكتور زاهد مدحني بشيء في كلمته هذه فقد شتمني من قبل في لندن، تأخرت عليه نصف ساعة، وعندما وصلت إليه وجدته نظم قصيدة طويلة هجاء على تأخري قال: أنت يا خالد العمر كله في لندن وإلى الآن ما تعلمت أخلاق الإنجليز.. قلت: لهذا تأخرت عليك يا أبو عمار.. أريد أثبت لك أن دماء العروبة ما زالت تجري في عروقي.
وبعد.. فهناك صفة ورثتها من والدي رحمه الله تفرع عنها كل ما في حياتي، هذه الصفة هي الإفراط في الحساسية كلفتني كثيراً من الناحية الصحية والناحية الفكرية، أترك الناحية الصحية جانباً، هذا موضوع للدكتور، وأركز على الجانب الفكري جعلتني هذه الحساسية أتحسس بصورة عميقة الأعمال الفنية من موسيقى وأدب ومسرح، وأوبرا وفنون، تشكيلية لهذا درست الرسم والمسرح وكتبت كثيراً في شؤون الفن والأدب، بالإضافة لدراسة القانون والقضاء، لاحظت أيضاً في صباي أنني كنت أتأثر كثيراً من الأفلام والروايات والأغاني الحزينة، أتذكر أنني بعد مشاهدتي لفيلم قيس وليلى بقيت لعدة أيام أعاني من حزن وكآبة مستمرة، قررت إثر ذلك تحاشي كل شيء حزين أفلاماً أو أغانياً أو روايات، لم أفهم لماذا يقرأ الإنسان رواية تجعله يبكي، هكذا كرهت بصورة خاصة أغاني فريد الأطرش وأم كلثوم، بدلاً من ذلك توجهت نحو كل ما هو مضحك، شارلي شابلن، ولوريل وهاردي وتوفيق الحكيم وأمثالهم، من الطريف أن أكتشف مؤخراً أنني قد اتخذت قراراً استراتيجياً من الناحية الصحية، إنني أعاني الآن من ضغط الدم، وقرأت مؤخراً أن الضحك والفكاهة يخفضان الضغط، كأني بذلك قد احتطت للأمر منذ صباي، وهذا شيء أقوله لفائدة الإخوان الذين قد يعانون من ضغط الدم، أكثروا من الضحك والفكاهة، بعبارة أخرى اقرأوا مقالاتي واشتروا كتبي.
 
في مرحلة الدراسة الثانوية درّسني الأدب العربي معلم نصحنا بأن نركز على تعلم اللغة الإنجليزية كان يقول: كتاب واحد تقرأونه بالإنجليزية يساوي مائة كتاب بالعربية، وهي نصيحة غريبة من مدرّس أدب عربي، ولكنني اعتمدت نصيحته فقرأت بالإنجليزية مسرحية بجماليون للكاتب الساخر برنارد شو، ومن غيره، تركت هذه المسرحية أثراً كبيراً عليَّ، فبرنارد شو كما تعلمون فيلسوف اجتماعي جاد، ولكنه كان يعبر عن آرائه بأسلوب فكه ظريف وساخر، قلت لنفسي: هذا ما أريد، أسلوب ملتزم وأفكار جادة ولكن بطريقة هزلية مؤنسة لا ترفع ضغط الدم، هذا هو أسلوبي الذي سماه البعض بالضاحك الباكي.
 
كثيراً ما قالوا عني: أمن الناصرة يأتي نبي؟ أمن العراق بلد العنف يأتي الظرف؟ قلت لهم: قط ورب الكعبة. قالوا: ماذا؟ قلت: قط ورب الكعبة لم أخدم في جيوش صدام، ولا أنا من فدائيي صدام، ولا من أشبال صدام.. إذا كان صدام قد خرج من العراق فقد خرج من العراق أيضاً إمام الظرف العربي أبو عثمان الجاحظ، وإمام الدعابة الشعرية أبو نواس.. هؤلاء أجدادي فأتوني بمثلهم. إذا كنت قد تعلمت على برنارد شو فقد تأدبت أيضاً على الجاحظ وهكذا إذا تسمحوا لي، قد جمعت المجد من أطرافه هزل الغرب وظرف العرب، ولكن تسألونني الآن ما هي أفكارك يا خالد؟ إذا كان البعض وصفني بالضاحك الباكي فهناك آخرون وصفوني بالمتقلب والمتلون وعديم المبدأ.. وكله صحيح، إذا كانت الروايات التراجيدية قد سببت لي كل تلك المعاناة فإنني شعرت بمعاناة أكبر من مناظر الفقر والمرض والشقاء التي وجدت شعبنا العراقي يعيش فيها، كان بإمكاني أن أتحاشى الأفلام والروايات الحزينة فلا أقرؤها ولكن كيف أتحاشى مناظر الشقاء الذي عاشه الناس من حولي يوماً بعد يوم، هناك مناظر ووقائع مررت بها على هذا الصعيد وخلدت في ذهني إلى اليوم منها حكاية زميلي في كلية الحقوق حنون عبد، رحمه الله، انقطع عن الدراسة لعدة أيام ولم نسأل عن غيابه حتى اكتشفنا أنه قبع في بيته من الحاجة، ثم مات من الجوع، فجمعنا تبرعات لأمه المفجوعة، كنت أشقى بهذه الوقائع، وكلها مربوطة بالحساسية التي ولدت بها، وكانت وقائع لا أستطيع معالجتها بالضحك، يا ليتنا نستطيع إطعام الجائع بالدغدغة، وكساء العريان بالسخرية، من حينها جعلت هدفي الوحيد هو أن أرى هؤلاء التعساء يجدون ما يقيم أودهم، هكذا انضممت للحركة الاشتراكية الثورية ثم انقلبت عليها عندما اكتشفت ما فعلته في أوروبا الشرقية، تحمست لثورة عبد الكريم قاسم ثم رحت أندد بها بعد أن وجدتها تغرق العراق بالدماء والمآسي، وقفت ضد البعثيين في العراق وهاجمت نظامهم في الصحف البريطانية ولكني انقلبت وأيدته عندما وجدت صدام حسين في السبعينات يحقق للعراقيين الرخاء وكل تلك التشريعات الاجتماعية لصالح الضعفاء، ثم عدت فانقلبت عليه بعد أن زج شعبنا في مغامراته الدموية وجره إلى ما هو عليه الآن.. كلا ليس لي مبدأ، ولكن لي هم واحد في الحياة، هو أن أرى الفقير يجد لقمة العيش، والمريض جرعة الدواء، والأم لا تفقد ابنها في حروب وثورات رعناء، كل ما يساعد على ذلك أنا معه، وكل ما يسيء إليه أنا ضده، أنا الديمقراطي الذي أيد الدكتاتور صدام حسين، والاشتراكي الذي دعا لفك التأميم وإنهائه، والوطني الذي دعا لوضع العراق والصومال تحت الوصاية الدولية، والتقدمي الذي أيد الأنظمة المحافظة، والتحرري الذي عارض إعطاء الاستقلال لكثير من الدول الإفريقية، الحرية والاستقلال، العزة والكرامة، الديمقراطية وحقوق الإنسان، كلها بالنسبة لي أمور ثانوية وهي كذلك بمقاييس الفقير بالنسبة لرغيف الخبز وحبة الأسبرين وأمنه على حياته وحياة أولاده، وهذه هي النقطة الأخيرة التي أقف عندها وهي: أمن الإنسان على حياته وماله وعرضه، تجرني هذه النقطة إلى ركن آخر من تفكيري وهو الإيمان باللاعنف وهو أيضاً يقوم على حساسيتي ضد الشقاء والمعاناة وسفك الدماء، لا أريد أحداً يموت من أجل أي أحد، يكفيهم ما هم عليه من شقاء وعذاب، وقد تأثرت في هذا بأفكار غاندي وأسلوبه، وتظهر آثاره في كثير من كتاباتي، الإرهاب والعنف لعنة حلت على مجتمعنا مع الأسف مؤخراً وعلينا جميعاً أيها السادة واجب الوقوف ضد هذه اللعنة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :597  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 60 من 139
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.