شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ الشاعر الكبير أحمد سالم باعطب ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلامُ على سيدِنا وحبيبِنا محمدٍ خاتَمِ الأنبياءِ والمرسلين، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
أيها السادةُ الأفاضل :
السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد، فحديثي عن ضيف هذه الليلة أو عروسِ هذه الاثنينية ربما تثير بعضُ مقاطعهِ دهشتكم، لكنني أستسمحكم عذراً قبل أن أطرق باب الحديث عن الضيف أن أدغدغ آذانكم بشيء من الشعر الوجداني وليس بالضرورة أن يكون من شعري.
قال الشاعر العربي :
للشِّعرِ رائحةُ الهوى
ولدى الحسانِ حديثُهُ أبداً عجيبُ
يسري كما تهوى القلوبُ
وفي العظامِ لهُ دبيبُ
يا شاعِري
ما كان ظَنُّ الشِّعرِ في ليلِ الهَوى
أبداً يخيبُ
 
يا شاعري غرِّدْ بأعذبِهِ وحاشا
أن يكون الشعرُ أعذَبُه الكَذُوبُ
 
هذه الأبيات الشعرية صاغَتْ كلماتِها موهبةٌ شعرية متفتحة، ورسمتها ريشةُ فنانٍ مبدع، واستخرج مدادها من زهور فاتنة ندية زكية خبيرٌ زراعيٌ بمشاتل الزهور، ومواطن العطور.
هذا الشخص الذي اجتمعت فيه كلُّ هذه الصفات هو ضيف هذه الاثنينية الشاعرُ أحمد صالح الصالح، وقد زيَّن بها صدر رسالةٍ أدبية راقيةٍ حروفها مشاعل من نور. تأتلق بها السطور، وبعث بها إلى شخصي الضعيف رداً على رسالة بعثتها إليه ألتمس فيها منه أن يزودني ببعض دواوينه وقد فعل مشكوراً، على أنني ما زلت حتى الآن لا أعلم ماذا يقصد من هذه الأبيات الأربعة، هل يتغزل بي فيها وهو أجمل مني؟ أم يا ترى يريد أن يغريَني ولن أقولَ يغويني - بالكلماتِ الرقيقةِ المتدفقةِ عذوبة تمشي الهويني وهي تنساب عَبر الشرايين إلى القلوب فتحركها، فإذا هي تعزف أجمل ألحانها مرحبة مستقبلة تستعجلني لأركض مع الراكضين للمزاحمة على احتلال مكان ولو كانَ صغيراً في دائرة الضوء.
وعلى أية حال فأنا سعيدٌ في كلتا الحالتين أو كلا الحالين شاكراً له فضلَه، على هذه الأبيات والكلمات التي تلتها وزين بها رسالته، والتي لا تقل روعة عن الأبيات.
إن علاقتي بالضيف بدأت قبل اثني عشر عاماً تقريباً برسالتين ولم تثمر رغم طول مدتها إلا عن لقاءين وهذا ثالثهما، وأول هذه اللقاءات تم صدفة في غرفة مدير مدرسة متوسطة جئت لمناقشته في موضوع له صلة بانتقال أحد أبنائه إلى المرحلة الثانوية، وقد لمحت عند دخولي الغرفة رجلاً عليه سيماء الوقار، وقد يكون للخجل في هذا الوقار نصيب فهو يوزع نظره إلى مدير المدرسة تارة وأخرى إلى الأرض ولم يلق بالاً للداخلين إلى الغرفة والخارجين منها، كان ذلك الرجل يجلس على أريكة وثيرة بالقرب من مكتب مدير المدرسة، كان ذلك أيام "الطفرة"، سلمت على الجميع عند دخولي بتحية الإسلام واتجهت إلى المدير لمصافحته فهش وبش وقام لمصافحتي ثم التفت إلى ذلك الرجل الذي يجلس بالقرب منه وقال لي: هل تعرف هذا الرجل مشيراً إليه فأجبتُهُ بالنفي. فقال لي: هذا الشاعر أحمد صالح الصالح فأسرعت إليه وصافحتُه وأثنيت على شعره ثم وجه المدير سؤاله إلى الضيف وقال له: هل تعرف هذا الرجل فقال: لم تجمعني به قبل هذا اليوم مناسبة فقال له المدير: هذا الشاعر أحمد سالم باعطب فقام لمصافحتي ثانية لكنني شعرت عند معانقة يدي لِيَدِهِ ببرودة شديدة تنبئ عن خلخلة في التيار النفسي عنده ولعله تذكر الأبيات التي توَّج بها رسالته وأرسلها إلي بل كرّمني بها فنظر إلي وقال في نفسه نادماً "أن تسمعَ بالمعيدي خيرٌ من أن تراه" لم يـدم هذا اللقاء أكثر من ربع ساعة، ثم فرقت بيننا ظروف الحياة ولم نجتمع إلا قبل شهرين إذ ضمتنا أمسية شعرية دعانا نادي الطائف الأدبي لإحيائها جزى الله إدارته خيراً حيث هيأت أسبابَ هذا اللقاء وكان لقاء حاراً جداً كدنا نذوب من حرارته الشديدة وننشر من هذا الذوبان في الفندق الذي جمع بيننا رائحة ذكية عطرية شذية ندية، منه البخورُ ومنيِّ جذوة النار أو العكس.
وقـد يجمع الله الشتيتين بعدما
يـظنان كـلَّ الظنِّ ألاَّ تـلاقيا
 
واستمر لقاؤنا الثاني ليلتين بيوميهما تناولنا فيها مناقشة مواضيع جمة وقلنا فيها مما لذْ وطاب من فاكهة الآداب ما تتراقص له القلوب، وتهتف به الألباب، ومن اللآلئ والجواهر ما تستضيء به البصائر. وسكبنا في ليلتينا ويومينا من نفائس الكلام ما سددنا به ديون السنوات السابقة، وأبقينا بخزائنها رصيداً ضخماً يمكننا الرجوع إليه في مقتبل الأيام إن شاء الله إذا مَدَّ الله عمرينا وأدام الله لباس الصحة والعافية.
وفي هذا اللقاء أقول مطمئناً إنني عرفت الشاعر أحمد الصالح معرفة تامة، قرأته سيرة ذاتية، وسلوكاً، ومعاملة، فأبصرته ديمة تفيض بالخير، ونجماً وضاء يسبح في عالم الإبداع، وأتوقعه هذه الليلة سينهمر غيثاً على ساحة الأدب شعراً سمحاً يسيل رقة يحمل في طياته معاني لا يصل إليها إلا من وهبه الله قدرة وتوفيقاً يستطيع من خلالهما أن يختار منها الجياد. ولقد تبينت أنني أشترك معه في أكثر من صفة ولعل أهمها عند كل منا هي عدم السعي الحثيث للوصول إلى منصة الشهرة عبر مسارح الأضواء.
إن الأخ أحمد الصالح جدير بالتكريم، لأنه يمثل شريحة طيبة من الشعراء القلائل الذين يولون أعمالهم الشعرية عناية خاصة، فلا يغوصون في الغموض، ولا يعمدون إلى التكلف، ولا يميلون إلى استخدام سقط القول مما يأباه الذوق السليم.
وقبل أن أختتم كلمتي، هذه أبياتٌ من الشعر الإخواني جاءت بعد معاناةٍ شديدة أشد ألماً من معاناة امرأةٍ حُبلى ساعة مخاضها إذا تعسَّر وضع حملها.
يا ربيبَ النُّهى ونبضَ المشاعِرْ
مـبدعٌ في النثير أنتَ وشاعر
بـلبلٌ يـأسِرُ العقولَ بـشدو
تـتغنى به الـرؤَى والخواطر
روضُـك الأفقُ بالفتونِ غـنيّاً
أنت من أجلِ حيِّه العمرَ سَاهر
في بحـور الخـليل أنـتَ خبيرٌ
تحسنُ الغوصَ لاصطياد الجواهر
ولـكَ الأرضُ جـنَّةً مصطفاةً
فـتنقل كـما تـشاءُ وسافر
وأنطلق في خيالِكَ الرَّحْبِ نجماً
ضوؤه الشعر مشرق الوجه سافر
إن سألتُ الجميعَ عـنك أجابوا
اسـم مـن تـبتغيه فينا مسافر
قـلت أدرى به فـما قط يخفى
إنَّـما حـاله فـقالوا : مسافر
قـلت أدركـتُ شأنَهُ يتـجلَّى
في مـدار المجـراتِ بالنور زاهر
* *
يا صـديقي إذا أطـلتَ التنائي
وتجـاوزتَ مـا تكنُّ الضمائر
وتـبرأت من رضـابِ التلاقي
وتـساميتَ عـن بريد الحناجر
أتـرانا نـطيقُ عـنك اصطباراً
إن تـكن قـادراً فلستُ بقـادر
 
وفي الختام أهنئ الشاعر أحمد الصالح في ليلة عُرسِه فهو عروس هذه الاثنينية وأشكر المحتفي سعادة الشيخ الفاضل عبد المقصود خوجة الذي يقدم لنا كلَّ إثنين روضة من رياض العلم والأدب مثقلة بينعها نجني من ثمارها ما ينفعنا في دنيانا وأخرانا إن شاء الله، وشكراً نديَّاً بالحب والاعتذار للسادة الحضور على تحملهم مشقة الاستماع لهذه الثرثرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :602  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 139
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.