شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((الحوار مع المحتفى به))
الأستاذة نازك الإمام: شكراً أخ محسن، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أصحاب المعالي. أصحاب السعادة.
السيدات والسادة. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ضيفنا الليلة هو شاعر الوطن الحيّ، والكلمة الصادقة والهمّ الجماعي والإنسانية، فمرحباً بالشاعر والناقد والأديب الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين مكرماً بيننا هذه الليلة. ونبدأ بطرح الأسئلة بداية مع الأستاذة زينب الأحمدي، مشرفة تطوير المدارس في مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز، فلتتفضلي.
لا مناص من القول إن من يريد أن يعرف جهود عالِمنا وشاعرنا والناقد الفذ الدكتور إبراهيم السعافين في هذا الجو الاحتفالي يكون كمن يريد اقتناص الشمس بغربال، لأن كل ما بذله للأمة وللغتنا العربية الجميلة لا يمكن بتاتاً حصره ولا تحديده، فحريٌّ بنا كباحثين وأدباء ومتذوقين في “الاثنينية” أن نلمس الغيمة احتفاء به، أسأل نفسي أحياناً ماذا يريد الناقد؟ ربما يبدو السؤال هنا شديد السذاجة، لكني أشعر بأن الناقد لدينا يريد أن يصنع الكاتب، أو يملي عليه، أو يتحول تجاهه إلى الأخ الأكبر؛ ما يجعل الكثير من المبدعين يشكون في فائدة النقد لهم، نحتاج يا سيدي لتأهيل النقاد، تأهيلاً حقيقياً نظرياً وتطبيقياً، نحتاج لناقد ذي موهبة ذهنية متفتحة وحس معرفي مقرون بفئة الاطلاع وضمير وولاء حقيقي للفن والإبداع، ومزاج يمكن تصعيده إلى مستوى الذائقة، فلتخبرنا يا سيدي ولتخبرهم عن الأدوات التي تكون حاضرة بين يديك كناقد فذ لنقد أي نص؟
الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين:الشكر الجزيل على ما قدمتم، وأنا أتصور أن معظم الإجابة في السؤال، فالحديث عن مهمة الناقد وتأهيل الناقد ووظيفة الناقد قضية صعبة، لكن يفترض أن يكون الناقد مؤهلاً، ليس مؤهلاً بالقراءة فقط ولكن أن يكون لديه استعداد، ربما يخالفني بعضهم في أن هناك استعداداً، هناك صناعة كما يرى كثير من الناس أن كل شيء صناعة حتى الإبداع صناعة، لكن أنا في رأيي يجب أن يكون هناك استعداد لدى الناقد ثم بعد ذلك تأتي الثقافة، أي ثقافة الناقد، التي هي ليست قائمة على المعرفة فقط ولكن أيضاً هي سلوك، يعني ماذا يريد الناقد من المبدع؟ وماذا يريد المبدع من الناقد؟ أولاً لا يجوز أن يكون الناقد استعلائياً صاحب سلطة، وأن يتصور أنه صاحب سلطة مجانية وأن يصادر ما يكتب الناس بجرة قلم أو أن يرفع الناس أيضاً بجرة قلم، لا بد أن يبين حيثيات هذه القراءة، كيف حكم على هذا النص بأنه متفوق؟ كيف حكم على هذا النص بأنه يشكو من بعض الخلل؟ لا بد أن يكون أميناً وموضوعياً، أولاً: يجب أن يكون عارفاً معرفة أساسية، ثم من الناحية المسلكية يجب أن يكون أميناً وموضوعياً ومقنعاً في أحكامه، ثم لا بد من قراءة النص من داخله، لا أن تفرض عليه أحكام من الخارج.
يعني أنا مع الأسف ربما إخواني الذين سبقوني بالكلام يعرفون وجهة نظري في هذه النقطة، يعني ربما منذ أواخر سبعينات القرن الماضي بُلينا بحركة نقدية تأتي بالباراشوت، يعني ليست من الواقع الإبداعي ولكن مفروضة فرضاً؛ ولذلك دخلنا في إطار الشكليات، النص النقدي عبارة عن جداول وفهارس وما إلى ذلك، ثم إذا أردت أن تضع يدك على جوهر هذا العمل فلا تجده، يعني عانينا الشكلية المفرطة في معاينة النصوص، وهذا ما جعل الناقد في صورة الشخص المتألق، الذي يتصور أن له سلطة أو أن له سطوة وأنه يرفع من يشاء وينزل من يشاء، ولكن في النهاية إذا أردت أن تُمسك بخلاصة هذا العمل النقدي قد تتساوى النصوص كلّها، ليتساوى النص الجيد بالنص غير الجيد، ويبقى المبدع تحت رحمة هذا الناقد، الذي يرى في نفسه أنه فوق النصوص وفوق كل شيء.
قد ألخص ما قلته: إن الناقد يجب أن يكون لديه استعداد، لديه معرفة، لديه أيضاً قدرة على قراءة النص من داخله، أما هذه المعرفة التي نأتي بها من الخارج قد تتحدث عن نظريات كثيرة جداً، هذه النظريات نبتت في عالم آخر كنت أسميها عالماً متحاوراً متناسلاً، يعني هذه الحركات النقدية جاءت الواحدة تلو الأخرى من خلال نقاش وحوار، وأي حوار ونقاش كانا لدينا؟ لا أريد أن أقول نحن عالة على ما يُنتج في الطرف الآخر، لكن نحتاج إلى أن ننظر بهدوء وكثير من مأزق النقد في عالمنا الّذي هو قائم على هذا الأساس.
أختم كلامي بحادثة حدثت معي، في يوم من الأيام، قال لي أحد الطلاب: أنا أريد أن أقرأ هذه القصيدة قراءة بنيوية. فقلت له:اقرأ قراءة بنيوية، فكانت قراءته لقصيدة محمود سامي البارودي تساوي قراءته لقصيدة لمحمود درويش، لأن هذه القراءة البنيوية، التي تقف عند بعض المصطلحات لا تستطيع أن تحدد ملامح النص، بل تصبح النصوص كلها تقريباً واحدة. شكراً جزيلاً ربما أطلت كثيراً.
عريف الحفل: السؤال هنا من معالي الأستاذ الدكتور مدني عبد القادر علاقي، وزير الدولة سابقاً.
شكراً سعادة المحاضر، بسم الله الرحمن الرحيم، مشاركتكم في تحقيق كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، اختلفت الروايات في تقييم شخصية أبي فرج الأصفهاني، هل هو شعوبي؟ وأن كتابه الانتقاص كان انتقاصاً من العرب؟ وهناك اختلاسات واختلاقات في الأخبار والقصص التي أوردها في هذا الكتاب من دون إسنادها إلى مراجعها وأصحابها، وأيضاً هناك المبالغة في توصيل بعض الأحداث ووصفها، وخصوصاً تلك المتعلقة بمجالس الخلفاء، وعلى الأخص الخليفة العباسي هارون الرشيد، فضلاً عن إلقاء الضوء على شخصية الأصفهاني، (كما رأيت من تحقيق في كتابك المشترك كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني.شكراً.
الدكتور إبراهيم السعافين: شكراً معالي الأستاذ مدني، يعني هناك دراسات حول أبي الفرج الأصفهاني، هناك بعض الناس الذين كانوا يتصورون أنه أموي الهوى، ولكنه يخفي ذلك عن السلطة الحاكمة، فيما يتصل برواياته هل هي مسندة أو غير ذلك، فأظن أنه ربما لو قرأنا (الأغاني) على اعتبار أنه كتاب ليس في التاريخ، فإذا حكمنا على كتاب (الأغاني)، والروايات التي في كتاب (الأغاني) على أساس أنها تاريخية ويمكن أن نستند إليها تماماً، ومن الممكن أن نقع في الزلل.
في تصوري أن ما كان يهم أبو الفرج الأصفهاني الحكايات والأخبار، يعني حين يتحدث عن الخليفة هارون الرشيد على غير ما ترويه بعض الروايات الأخرى من أن الخليفة هارون الرشيد، لم يكن يجد وقتاً لهذه المسامرات، كان وقته كله جاداً، هو كان يريد أن يقدم أيضاً في كتابه بعض الأخبار التي تُمتع، وربما هذا من طرائق الكتابة الأدبية في العصور الماضية، الأديب دائماً يمزج ما يكتب حتى لو كانت كتابات جادة، ولكنه كان يمزجها بأخبار وقصص وفكاهات من أجل أن يُسلي القارئ، يعني يكتب كلاماً مفيداً أو جاداً أو إلى آخره، ثم بين السطور يضع روايات أقرب إلى القصة، يعني لا نستطيع أن نقول الخبر بمعنى أنه خبر تاريخي بقدر ما نستطيع أن نقول أنه قصة، والقصة لا يُطلب منها أن تكون حقيقية فهي “Fiction” تبقى بهذا الشكل، فأبو الفرج الأصفهاني تعددت حوله الروايات بين أنّه متعصب للأمويين وبين متشيع، وهناك بعض الناس بطبيعة الحال كتبوا كتباً ضد (الأغاني)، السيف اليماني في نحر الأصفهاني من هذه الزاوية، لكن أظن أن سمة التأليف في القديم كانت قائمة على هذا الأساس، أنهم يريدون أن يأتوا بالقصص والفكاهات من أجل أن ييسر للقارئ القراءة.
عريف الحفل: سؤال من قسم السيدات، تفضلي نازك.
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من الأستاذة سميرة سمرقندي، فلتتفضلي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ضيفنا الكريم سؤال يحيرني هل كل كاتب قصة أو رواية يسهل عليه كتابة الشعر والمسرحية أو النقد الأدبي أم أن هذا الجمع للنخبة فقط أمثالك؟
الدكتور إبراهيم السعافين: أولاً شكراً للسؤال، في الحقيقة، الجمع بين النقد وبين الفنون الأدبية ليس دائماً ميزة، يعني هذه ربما تكون صدفة أو ربما رغبة أحياناً في التعبير، وتجد صورة التعبير هذه في بعض الأشكال في المسرح، في القصة، في الشعر، ولكن الصحيح أنني مارست هذه الفنون ولكن ليست الممارسة المتوازية والمتوازنة ربما كتبت المسرح في فترة معينة ثم توقفت، الفن الوحيد الذي لم أتوقف فيه لحظة هو الشعر، أنا أصدقك القول إن هذه الفنون تجور بعضها على بعض، وبالذات الدراسات والنقد، الّتي تجور على الإبداع، وخصوصاً على سبيل المثال الرواية، الّتي تحتاج إلى تفرغ، وإلى وقت، يريد أن يخلق عالماً جديداً بشخوصه بأفكاره إلى آخره بأحداثه، ولذلك لا بد أن يجد وقتاً متسعاً ليتفرغ لهذا العمل ولذلك أتصور أن هذه الفنون أو أن بعض هذه الفنون يجور عليها النقد وتجور عليها الدراسات، ربما أفضل الأعمال أن يتفرغ الإنسان لفنٍ واحد أو للنقد، لكن ربما هذه (سوسة) سوسة الإبداع تلاحقنا فلا نهرب منها، شكراً.
عريف الحفل:سؤال للأستاذ مشعل الحارثي.
صاحب "الاثنينية" المبجل، ضيفنا الكريم لهذه الليلة، أيها الحضور الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد. يقول عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين: "علينا أن نقف دائماً إلى جانب الجديد الذي يلائم روح العصر ونشجعه وندافع عنه مع الاهتمام بالقديم من تراثنا القوي الذي يمكن أن تتبلور في إطاره شخصيتنا العصرية، تُرى ضيفنا الكريم من أي جانب يمكن قراءة التراث هل هو في الماضي الذي انتهى أم فيما يقابله من معاصرة وإنتاج جديد؟ وما هي الأدوات التي يجب أن يستعين بها كل من يريد الخوض والبحث في جانب التراث؟ شكراً لكم.
الدكتور إبراهيم السعافين: الشكر الجزيل، أنا حسب ما أرى أن هناك باحثين ونقاداً عاينوا الإبداع العربي في عصور مختلفة ومنهم الدكتور طه حسين، كان الدكتور طه حسين يعاين النصّ في البداية، وهو محمل بزاد معرفي كبير، والذين جاءوا من بعده أيضاً كان لهم هذا الإحساس بالواقع الإبداعي، مزودين بمعرفة نقدية كافية جداً ولكن عينهم على الإبداع، لا شك أننا حين نعاين الإبداع يجب أن نعاينه من لحظتنا التاريخية أي اللحظة المعاصرة، لا يجوز أن نتكئ على أراء أسلافنا وعلى معارفهم، لا شك أن آراءهم ومعارفهم هي ضمن زادنا المعرفي، يعني لا نستطيع أن نتخلى عن ذلك ولكن لا نرى بعيونهم، نرى بعيوننا نحن، لكن المشكلة هنا هل نرى بعيوننا نحن أم نرى بعيون الآخرين؟ هذه هي المشكلة، فأنا في رأيي الشخصي مثلاً طه حسين كان متشبعاً بالمنهج التاريخي الّذي ظهرت آثاره في كتابات طه حسين وربما في جيله، في الجيل نفسه الذي كان فيه طه حسين مثل محمد حسين هيكل، والعقاد، إلخ.. ولكن كانوا في الأصل يعاينون الإبداع، المشكلة التي أشرت إليها أننا ربما في أواخر السبعينات من القرن الماضي بدأنا نستورد نظريات من دون أن نختبرها ضمن الإبداع، ضمن إبداعنا، فالمعاصرة مهمة جداً وأن نمتلك المعرفة النقدية وننفتح على العالم، لذا أرى وفق رأيي الشخصي أن بعض الناس يقولون بوجود نظرية نقدية عربية أو نظرية نقدية غربية، هذا الكلام غير صحيح، لا يوجد نظرية نقدية عربية ولا غربية هنا في نقد عالمي، الكل شريك فيه، ربما مساهمتنا محدودة نحن ولكن ضمن الحركة النقدية العالمية منفتحين على المعرفة كلها سواء كانت معرفة عربية في التراث أو ما أنجزه اليونان أو ما أنجزه الأوروبيون. يجب أن يكون لدينا معرفة، هذا من ضمن خبرتنا ثم نعاين منجزنا الإبداعي من خلاله، شكراً أستاذ مشعل.
عريف الحفل:سؤال من قسم السيدات، تفضلن.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال من الأخت حنان وردي، وهي ناشطة اجتماعية فلتتفضلي.
السلام عليكم سعادة الأستاذ الدكتور إبراهيم كما نعلم بأن الشعر موهبة، فهل يورّث؟ وهل أورثته لأحد من أبنائك؟ وهل للبيئة أثر في ذلك؟ شكراً لك.
الدكتور إبراهيم السعافين: شكراً لك، مع الأسف لم يرث أحد من الأبناء الشعر، ومع الأسف أيضاً كل أبنائي ينحون تجاه العلوم التطبيقية، يعني مكتبتي لا أعرف كيف أورّثها؟ ولمن؟
عريف الحفل:إذاً، ننتقل للأستاذ غياث عبد الباقي.
بسم الله الرحمن الرحيم، شعرت بالفخر وأنا أستمع لكلمات الأساتذة عبد المقصود خوجه، عبد المحسن القحطاني، حسين بافقيه وهم يتحدثون عنك، واستمتعت بحديثكم عن الزمن الجميل الأدبي الثقافي الجامعي، وسؤالي لسعادتكم: قرأت قبل مدة في إحدى الصحف السعودية حديثاً لناقد سعودي قال فيه:إن عصر النقد الأدبي قد انتهى، وحالياً النقد هو النقد الثقافي فقط، ما رأيكم بهذا الحديث؟ وشكراً لكم.
الدكتور إبراهيم السعافين:شكراً جزيلاً على سؤالك، أظن أن هناك مقالة من المقالات التي كتبتها في صحيفة "الرأي الأردني" حول هذا الموضوع، النقد الأدبي والنقد الثقافي، كما أتصور أن الدراسات الثقافية ظهرت في الغرب وهناك دائرة أو قسم بإحدى الجامعات البريطانية، اسمه قسم الدراسات الثقافية على اعتبار ألا يكون هناك فاصل بين المعارف الإنسانية، أي الاجتماع، علم النفس، السياسة، علم الأفكار، الإعلام، الانثربولوجيا، والاقتصاد. فكان هذا هو المنطلق الأساسي لفكرة الدراسات الثقافية، لكن إذا تحدثنا عن الأدب أو تحدثنا عن الإبداع، كيف يمكن أن ننسى أن النصّ الإبداعي أو المُبْدَع هو نَصّ جمالي؟ فهل نستطيع أن نلغي الجمالية من الإبداع؟ هذا هو السؤال الحقيقي، ربما أتصور ما أشرت إليه يعني قصة النقد الأدبي والنقد الثقافي بدأ يتحدث فيه ناس كثيرون، لكن النقد الأدبي والنقد الثقافي والكلام هذا ليس من إنتاجنا، وليس من صنعنا، هو مصنوع في الخارج يعني بدأ الحديث عنه في المركز أو الدائرة في ثمانينات القرن الماضي.
أتصور أن لا نبحث عن الناحية الجمالية في النص ونبحث عن قيم أخرى في النص، لا بأس، يعني وفق رأيي الشخصي ليس الأمر مرفوضاً ولكن لا أحد يستطيع أن يفرض رأيه على الحركة الإبداعية أو الحركة الثقافية. يمكن أن أعاين النص وأن أبحث عن الأنساق كما تسمى، الأنساق الثقافية داخل النص، أو أن أُأَوله كما أشاء، لكن من يجبرني على أن ألغي الجانب الجمالي في النص؟ أو جانب الدراسات الجمالية في النص، يعني قد يكون النص يتحدث أو يمكنني من أن أتحدث عن أنساق ثقافية في داخله، يعني قصة النِسوية على سبيل المثال أو الطبقات قد يكون النص حمّالاً لمثل هذه الأنساق، لكن كيف أنسى أن النص موسيقى وصورة ولغة؟ وهذا عنصر أساسي في الإبداع، في تصوري الشخصي أنه لا يمكن أن يكون النقد الثقافي بديلاً عن النقد الأدبي، يظل النقد الأدبي هو الذي يعاين النصوص الإبداعية، وإذا كنا جادين في هذه العملية، فمن قال إن النقد الثقافي كان مغيباً عن عملية النقد الأدبي؟ كنا نرى الدراسة الثقافية والنقد الأدبي معاً، فأما محاولة الفصل فغير موجودة، ليست محاولة الفصل فقط ولكن الفصل والاستئثار، بمعنى يجب على النقاد أن ينسوا النقد الأدبي، أو النقد الجمالي، هذا هو فرض مواقف وقيم، وأقول مرة أخرى إن هذا ليس جديداً، يعني لم يأتِ من صنعنا، بل هو مصنوع في الخارج، شكراً.
عريف الحفل:سؤال قسم السيدات.
الأستاذة نازك الإمام:سؤال من الطالبة رشا فواز، وهي طالبة تصميم داخلي، فلتتفضلي.
السلام عليكم سعادة الأستاذ الدكتور إبراهيم، تكلمت في بداية الحديث أنك كنت الأول في المرحلة الثانوية، وهذا يعني أنه كان لديك إصرار قوي للوصول إلى هدفك، فما هي النصائح التي تقدّمها لأبناء هذا المجتمع للوصول إلى هدفهم؟ وهل كان هدفك الأساسي من البداية الشعر أم كان هناك هدف آخر؟ شكراً.
الدكتور إبراهيم السعافين:شكراً، في رأيي الشخصي لم أقل أنني كنت الأول، بل كنت من أوائل الثانوية العامة ربما كنت الخامس، يعني في الثانوية العامة، لكن غير مهم الأول أو الخامس أو العاشر، فحتى لو لم يكن الشخص الأول يستطيع أن ينجز إن كان لديه إصرار على العمل، يعني يمكن أن يكون الأول وليس لديه مشروع أو لا يريد أن يتابع وإلى آخره، المهم الإصرار والإرادة، وأنا في تصوري كان الدكتور شوقي ضيف يقول لنا: "لا يوجد شيء اسمه ذكاء"، لا أدري ربما هي مبالغة لا يوجد شيء اسمه ذكاء، ولكن يوجد هناك إصرار وعمل، والذي ينجزه الذكي ربما يحتاج إلى وقت أقل من الذي يكون أقل ذكاءً، ولكن بالإصرار يتجاوز الأقل ذكاءً من هو ذكي أكثر منه، إذاً الأمر يحتاج إلى عمل وإصرار، وبالإصرار وبالإرادة يستطيع الإنسان أن يصل إن شاء الله إلى ما يريده، شكراً.
عريف الحفل: سؤال للأستاذ محمد حبيب علوي.
سعادة شاعرنا الفلسطيني الأصيل الدكتور إبراهيم عبد الرحيم السعافين، نحن سعداء جميعاً باستضافتك في هذه الدوحة التي تليق بأمثالك من أصحاب القامات الباسقة الأدبية، ولا شك عندما تُذكر فلسطين، تُذكر بجانبها الفصاحة الخطابية والجزالة الشعرية والمواقف المشرفة الرجولية والأصالة العربية، والسؤال يا سيدي ما رأي سعادتكم في الشعر السعودي المعاصر؟ هل هو في مستوى ماضيه المشرِّف أم قلَّ توهجه عن سابق عهده الزاهر؟ وشكراً.
الدكتور إبراهيم السعافين:شكراً جزيلاً، لا أستطيع أن أحكم على الشعر السعودي فأظن أن الزملاء في السعودية أقدر مني على ذلك، لكن هناك في الشعر السعودي الحديث شعراء مهمين وهم على قدم المساواة مع زملائهم ومجياليهم من الشعراء العرب، يعني أستطيع أن أؤرخ للشعر السعودي بمراحل، وهذه المرحلة أعتقد أن فيها شعراء مهمين، فبعض طلابي كتبوا عن شعراء سعوديين، شكراً.
عريف الحفل:سؤال من قسم السيدات.
الأستاذة نازك الإمام:سؤال من الأخت حُسْن جرايحي، فلتتفضلي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سعادة الدكتور إبراهيم السعافين نلاحظ أن الاهتمام بالأدب والشعر الحديث والقديم في حالة تأخر، أرجو أن تذكر لنا أهم العوامل التي تساعد على تقدم هذا الأدب العربي والنهوض به في هذا العصر، مع العلم أن اللغة العربية هي اللغة الأساسية لأمتنا، وشكراً لك.
الدكتور إبراهيم السعافين: شكراً، لا أعتقد أن الأدب العربي في حالة تأخر الآن، يعني لو أخذنا على سبيل المثال الرواية والمسرحية والقصة نجد أن هناك كُتّاباً كثيرين يكتبون ولا نستطيع دائماً أن نقيس الأمور بالكم، صحيح أن هناك كماً كبيراً من الكتابات والكثير منها متطفل على الأدب والإبداع، لكن نحن نأخذ ما يمكن أن يسمى سن الرمح (الطليعة)، فلو تابعنا هذه الفنون فناً فناً، لوجدنا أن هناك شعراً أو أدباً أو رواية أو قصة أو مسرحية تعبر عن المرحلة، وتليق بأن تكون ممثلة لتطور هذا الفن أو ذاك، أما علاقة اللغة العربية بالفن فهي طبعاً الأداة الأساسية الحاملة الرافعة للإبداع، يعني بعض الملاحظات ربما على بعض كُتّاب الرواية أو المسرح أنهم يخطئون كثيراً في المهارات الأساسية، وحتى تُنشر على هذا الأساس، وهذا أمر سهل يمكن أن يُدفع إلى محرر معين لكي يحاول أن يقدم العمل في أفضل صورة، لكن في المجمل هناك مبدعين في كل فن يمكن أن يُشار إليهم بالبنان، شكراً.
عريف الحفل: سؤال للمهندس عبد الغني حاووط.
السلام عليكم، سعادة الدكتور إذا تكلم موظف عند مديره يقول له اختصر، إذا تقدم شخص لوظيفة قدم سيرته مختصرة، إذا طلبنا سؤالاً في منتدى "الاثنينية" يطلب منا الشيخ عبد المقصود الاختصار، فهل إطالة الموضوع في الكتب سبب للثقافة العربية أن تعاني كساداً في سوق الكتاب وما يتبعها من قلة القراءة والقراء؟ إذ أن القارئ في عصر السرعة يحب الوصول إلى المعلومة بطرق مختصرة وسريعة، إذ نلاحظ أن القارئ أحياناً يتجاوز فقرات بل وصفحات كي يصل كما يقال إلى الزبدة، ما تعقيبكم على ذلك؟ وشكراً
الدكتور إبراهيم السعافين:شكراً، الاختصار مهم والوصول إلى الهدف من أقصر الطرق شيء مهم أيضاً ولكن ليس على حساب النص نفسه، يعني أي تطويل زائد عن الحاجة يعتبر خطأً وحشواً، فحتى نقادنا القدماء كانوا يعدون الكلام الذي يأتي بلا داعٍ (حشواً)، لذا أتصور أن الحشو غير مقبول، لكن لكل نص شروطه، ولا نريد أن نستبدل الحشو بالإخلال، وأن نقول هذا مخل، لأنه إذا نحن أردنا أن نخفف عن الناس بمعنى أن نقدم نصاً مخلاً فهو يقف أمامه عاجزاً لا يستطيع أن يفهم، ما دام الهدف الأساسي هو التوصيل، أي مبدع بغض النظر عن بعض الآراء الأخرى يريد أن يصل، ويريد التوصيل، فإذا كان الكلام فيه زائداً عن الحاجة فهو حشو، وإذا كان مقصراً عن الوفاء بالحاجة عن أن يوصل لك شيء فهو مخل أيضاً، فلا بد من التوازن، شكراً.
عريف الحفل:نظراً إلى مشارفة وقت الأمسية على الانتهاء سنكتفي بسؤال واحد من قسم السيدات، وسؤال أخير من قسم الرجال هنا، ثم نختم الأمسية، السؤال الأخير من عند نازك، تفضلي.
الأستاذة نازك الإمام:سؤال من الأخت رندا فتحي، وهي مدرّسة، فلتتفضلي.
السلام عليكم ورحمة الله، سعادة الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين، الشعراء يقولون دائماً قصائدنا كأبنائنا، هل نطمح أن نعرف أي مِن قصائدك لها ذكرى في داخلك؟ ولماذا؟
الدكتور إبراهيم السعافين:شكراً، القصائد مثل الأبناء وكل القصائد لها ذكرى، أنا أحببت القدس حباً خاصاً ليس لأنها مدينة مقدسة فقط وليس لأنها عاصمة فلسطين فقط، ولكن لأنني أعرفها حجراً حجراً، فهذه مدينة غالية جداً وجميلة جداً وتعيش في الذاكرة، كتبت قصيدة عنوانها "على شرفة القدس"، أظن أنها من القصائد التي تحمل جواً من الذكريات، وهي محمّلة بالعواطف والمشاعر والخبرات والتجارب، ولكنها قصيدة طويلة ولا أستطيع ربما أن أقرأها، وفي جزء منها أقول:
 
كان يطفو السحاب على برزخ الوقت
كنا نجوس سكون المدينة
أي هذا الجلال تشع من الصخر
يفتح عشب البراري يديه على حجر متربٍ
عاش كل السنين محباً
يذوب حنيناً لقنطرة تستريح
على مدخل الفجر
باب العمود يُسَبّحَ متشحاً بالمحبين.. بالمصلين من كل لون
يطوفون بالسور يمضون نحو المساجد.. نحو الكنائس
صوب قبور الأحبة من عهد كنعان
والرذاذ الأليف يداعب أجفانهم
هل تُرى يحلمون؟
لماذا هو الحلم؟
حين تصير لدى الباب كل العطايا
ويزدحم الوقت بالأمنيات
لماذا هو الغد؟
حين تنام الحبيبة في ساعديك
وتعطيك ما عز من غاليات الهبات
حين تهوي الصبايا هوي الحمائم في باحة الضوء
لا شيء غير امتثال الحكايا لسر الزمان
وترنيمة الخان.. خان الزبيبي وزيت الحبيب
من عقدة من قرون الأساطير
هل يذكر الليل زاوية العشق
طعم الأزقة بالطيب والبن
صوت المؤذن يتسَّلَّقَ المئذنة يحلق فوق السحاب
لتطرب أسوارها والقباب
صديقي وليس صديقي
تذوب على شفتيه المثاني
يسافر في رحلة الحرف
نشوان باللحن يعزف شجواً
ويمتح من حانيات الليالي
سلاسل من فضة أو ذهب
صديقي وليس صديقي
له بُحّة حين يجلس للناس
يروي ليروي.. فيلمع حين يشف الهُيام
ويهمي غمام الكلام سنا جبة من مضار القصب
في فضاء المدينة يندى سحاب له سحر حالمة
تذرع الدرب ترخي جدائلها كدوالي العنب
أين تمضي يحاورك الناس من حقب لا تزال
مشينا على الشوك ما همنا الصهد
ما دام في الأفق رف العصافير
يسرح في البحر يرتاد كل الزوايا
كأن شظايا الزمان مرايا
بكى اللوز.. قلت لا تبكي..
لا وقت يا صاحبي للبكاء
أترفع عينيك تبكي!
وهل تقبل الدمع منك السماء؟
قال أبكي انتشاء..
 
 
ليالٍ على البال ليست تغيبُ
وليس على البال إلا الحبيبُ
طرقنا على الباب دهراً فدهراً
ونعلم أن الحبيب قريبُ
 
 
 
 
طباعة
 القراءات :192  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 124 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.