شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين))
بسم الله الرحمن الرحيم، سعادة الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه الأكرم، أصحاب المعالي والسعادة، النخبة الجليلة البهية العالِمة، الحضور الكريم.
يسعدني في هذه الأمسية الجميلة أن أتوجه بخالص الشكر والتقدير لسعادة الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه على تكرمه بدعوتي لتكريمي في مؤسسة “الاثنينية” الزاهرة وهو شرف أعتز به ما حييت، فقد طوق عنقي بهذه المأثرة الجليلة، وأشكر هذه النخبة المتميزة التي تزين صدر هذه القاعة من أصحاب الفكر والرأي والكلمة والمكانة، فلكم الشكر جميعاً على تكريمي هذا اليوم وعلى ما أسديتم إليَّ من رعاية وتكريم في سالف الأيام، وإذا كان لا بد من كلمة بين أيديكم فسأحاول في عجالة أن أعرج على بعض المفاصل التي أراها مهمة في حياتي العلمية والتعليمية، وأقول سلفاً إن ما ستسمعونه لا يساوي شيئاً بالقياس إلى ما استمعتم إليه من كلمات، فحين استمعت إلى هذه الكلمات وجدت أنه من نافذة القول التحدث في شيء جديد، ولكن على أي حال اسمحوا لي إن كان للكلام الذي سأقوله فائضاً أو زائداً عن الحاجة.
أقول:نشأت في أسرة في بلدة (الفالوجة) في فلسطين، لعلها كانت ميسورة بمقاييس ذلك الزمان، قذفت بها الأحداث فجأة في الشتات، فكان عليها أن تعاني ضمن جموع اللاجئين الذين هُجروا من مدنهم وقراهم وهي التجربة المرة، التي لا تنقضي آثارها مع الأيام، وعلى الرغم من قسوة الحياة مادياً ومعنوياً إلا أن كفاح الوالد واستئناف عمله في التجارة خفف من آلام التشرد، ومكّننا من العيش بعيداً عن الفاقة والحرمان وذل العيش الذي كان يعانيه الكثيرون.
التحقت بالدراسة عام 1950م وحصلت على الشهادة الثانوية عام 1962م، وكنت من أوائل الثانوية العامة في ذلك العام، وقد حصلت على منحة لدراسة اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وفي القاهرة شهدت جواً ثقافياً وحضارياً فاتناً جعلني في البداية أقف عاجزاً أمام الكم الهائل من ألوان الثقافة ومجالات الفنون، فسألت نفسي كم من السنين أحتاج لإرواء الظمأ من الكتب والدراسات وفنون الإبداع والدراسات المصاحبة في علم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة والتاريخ وعلم السياسة وتاريخ الأفكار.
تعرفت إلى المسرح وشهدت في دار الأوبرا المسرحيات الكلاسيكية العالمية، وكانت الفرق القومية المسرحية وغيرها تقدم المسرحيات الجادة، كانت كلية الآداب خلية نحل نشطة تقدم الندوات واللقاءات الثقافية المختلفة، وكانت الأنشطة الأدبية والثقافية تمتد في كليات أخرى مثل التجارة والاقتصاد والقانون والعلوم. وكانت الجمعية الأدبية المصرية من المنابر المهمة، التي كان يجتمع فيها الشعراء وكُتّاب القصة والرواية والمسرحية، وتضم وجوهاً بارزة في النقد والإبداع مثل:عبد القادر القط وشكري عياد وعز الدين إسماعيل وفاروق خورشيد وأحمد كمال زكي وصلاح عبد الصبور وسعد أردش، توسعت مداركي في هذه المرحلة، كونت صداقات مع طلاب عرب وأجانب، إذ كان قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة في ذلك الوقت يستقطب الطلاب من أنحاء العالم، وكان يضم نخبة من أبرز الأساتذة في الوطن العربي تعلمنا على أيديهم الجدية وحب البحث، أذكر أنني كتبت بحثاً لأستاذي الدكتور شوقي ضيف عنوانه: "أثر فقد البصر على التصوير الفني عند بشار"، كان تحدياً لي فقرأته على الطلاب في ثلاث جلسات متعاقبة نالت تشجيع الأستاذ وثناءه، وأذكر أن الدكتور حسين نصار طلب مني في مادة النحو أن أكتب بحثاً في مادته عن اللغوي الأندلسي ابن التيامي، وقد عدت إلى اثني عشر مصدراً ومرجعاً منها ست مخطوطات، ولم يزد البحث على صفحة (فلوسكاب) واحدة وبضعة سطور، لأن المعلومات كادت تكون مكررة، لقد كان هدف الأستاذ أن يعلمنا كيف نبحث، ولا أنسى أنه كفلني في دار الكتب المصرية بباب الخلق لاستصدار بطاقة والدخول إلى قاعة المخطوطات. كان الأساتذة يقرؤون لنا ما نكتب من بحوث وإبداع، أذكر أنني كتبت ثلاث روايات في المرحلة الجامعية الأولى لم أنشر أياً منها، ولكن الروايات الثلاث اطّلع عليها أساتذة كبار هم على التوالي: يوسف خُليف، وعبد الحميد يونس وعبد المحسن طه بدر، وكانوا يطّلعون على ما نكتب من شعر ويعلقون عليه، نشرت القصة القصيرة والشعر، نشرت قصيدتي الأولى عام 1963 ولكن القصيدة التي فرحت بها كانت قصيدة "البرتقالة الحزينة" عام 65 في مجلة الشعر القاهرية، التي كانت يرأس تحريرها الدكتور عبد القادر السقط، ويشاركه محمود حسن إسماعيل، كانت قصيدتي الثانية بعد قصيدة لعز الدين إسماعيل وقبل قصيدة لشاعر مشهور اسمه صالح جودت، وأذكر أن صلاح عبد الصبور من ضمن اثني عشر شاعراً من الشعراء الشباب قَدَّمَنا لأقرأ قصيدة بعنوان "فارس والساعة"، وقد عقّب على القصائد شكري عيّاد ولاحظ على قصيدتي سمة الغموض، كنت أتصور أنها ليست غامضة وربما كان الأستاذ يكتب وقتها بحثاً عن الغموض.
كنا نقرأ بنَهَم، وكان التقويم جاداً، وكان المنهج متوازناً ومتماسكاً، فيه التاريخ والجغرافيا والفلسفة والمنطق والحضارة والعلوم السياسية وأمشاج من الفكر والاقتصاد، ولم يكن المنهج الضيق يرضي طموحنا بل كان التعطش إلى المعرفة هو دأبنا، وتكوين مكتبة متاحة بأسعار زهيدة ولكنها في ذلك الوقت يحسب لها حساب، على الرغم من انشغالي بالقضايا الفكرية والثقافية والأدبية والفنية والحرص على حضور الندوات والملتقيات والمؤتمرات والمنتديات ومشاركتي في بعض البرامج الإذاعية فقد حصلت على درجة (الليسانس) أي مركز متقدم في القسم والكلية، ولا أشك أن هذه النتيجة زادتني إصراراً على متابعة دراساتي العليا في القسم، الذي كنت أعتقد أنّه من أهم الأقسام التي كنت أعرفها.
قُبلت في برنامج الماجستير وكان المنهج المقرر ولا سيما في النقد والأدب الحديث وفي الأدب الأندلسي والمغربي لافتاً وثقيلاً، وكان هناك عدد من الكتب المؤلفة والمترجمة تُسهم في تكوين المعرفة النقدية ومقدمة ابن خلدون كلها، وبعض ما كُتِب حولها من كتابات مثل كتابات ساطع الحصري ورستورن بوتون وكلها كانت مقررة علينا، وكان اختيار موضوع رسالة الماجستير من أهم المراحل في حياتي العلمية، اخترت عدداً من الموضوعات كان بعضها براقاً ولكنها جميعاً لم تحظَ بموافقة أستاذي الدكتور شكري عيّاد.
كانت نبرة التحدي الثانية التي أُجابهها بعد نبرة التحدي لدى الدكتور شوقي ضيف في مرحلة الليسانس، لِمَ لا تكتب في موضوع أثر الأعمال الشعرية المطبوعة في القرن التاسع عشر على مدرسة الإحياء في مصر؟ قبلت التحدي فوراً ولم أتأمل العاقبة، كانت فورة الشباب تسعف في قبول أي تحدي وسُجل الموضوع خلال فترة قصيرة، وبدأت بعدها أحاول التعرف إلى جوانب الموضوع، كان الموضوع متسعاً وشائكاً، إلى جانب الحصيلة النقدية والمعرفية التي تمكنني من خوض غمار هذا الموضوع، حاول بعض أساتذة القسم أن يثنوني عن السير قُدُماً في مجال هذا الموضوع، ولكنني مع اعترافي لجسامة متابعة السير في هذا الطريق لم أشأ أن أتنازل عن التحدي ولا عن الوعد الذي قطعته لأستاذي بالنكوص والقبول بالسهل المريح.
قطعت سنوات طويلة في البحث أقرأ بالتفصيل الدواوين المطبوعة في القرن التاسع عشر بطبعاتها الأولى ثم أعود لقراءة الشعراء الذين تجاوزوا العشرين، لقد كان عملاً شاقاً، أُضيف إليه في مرحلة لاحقة المخطوطات الشعرية أيضاً، لقد كان جهداً شاقاً وممتعاً في آن معاً، جعلني فيما بعد أقف على أرض صلبة، ولم يكن موضوع الدكتوراه أيسر بكثير فقد تناولت فيه النتاج الروائي في بلاد الشام في مدة قاربت المئة عام، لم تكن النصوص متوافرة وكان عليّ أن أَلُمّ شتاتها من مكتبات الجامعة والمعاهد والمتاحف والمدارس الأهلية والتبشيرية، كنت أقضي وقتاً للبحث عن الروايات في المكتبات التجارية، وكان عليّ أن أُلِمّ بفن الرواية واتجاهاتها وتياراتها حتى أستطيع بناء الدراسة على هدىً وبصيرة، كان عملاً ضخماً نهض بعض فصوله برسائل دكتوراه فيما بعد، لم تتجاوز وانتهجت سبيله حذو النعل بالنعل. هذان العملان كان لهما تأثير كبير في حياتي العلمية مكّنَاني من بناء أعمال قابلة على أرضية صلبة كما قلت، امتدت إلى فنون أخرى في القصة القصيرة والمسرحية والمقامة.
حين رُشحت لجائزة الملك فيصل العالمية كان ثَمة سؤال حول إنجازي العلمي حتى ذلك الوقت، وربما كان ذلك في العام 99 - 2000م، فاجتهدت في الإجابة ودُهشتُ حين وجدت أن العمود الفقري لما فعلت هو الإجابة عن سؤال التأصيل في الفنون الإبداعية في الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والمقامة، بالتأكيد لم يكن ذلك محض صدفة ولكنه نابع من انشغال حقيقي بقضية تأصيل الفنون الإبداعية المسماة فنون حديثة في تراثنا العربي القديم، وقد تفهمت أكثر ما ذهب إليه الدكتور علي شلش في كتابه النقدي الروائي الحديث حين أشار إلى أنني أثبتُ تطبيقياً ارتباط فن الرواية بالفن السردي القديم، وتبعه في ذلك الروائي مجيد طوبيا، وقد كتبت بحثين في أوائل التسعينات يدلان بوضوح على هذا المنحى وهما: قضية الشكل في الرواية العربية، وقضية الشكل في القصة العربية القصيرة، ولعل كتاب أصول المقامات وكتاب المسرحية العربية الحديثة والتراث الذي صدر عام 1990م وصدرت منه الطبعة الثالثة حديثاً تسير في هذا الاتجاه.
أصدرت ما يزيد على الثلاثين كتاباً منفرداً وبالاشتراك وترجمت رواية "في ظلال الرمان" وحققت مع العلامة إحسان عباس وأخيه كتاب "الأغاني"، وأصدرت ديواني شعر هما: "وفق الخيول" و"حوار الحكايات"، ونشرت مسرحيتين هما: "الطريق إلى بيت المقدس" و"ليالي شمس النهار" ونشرت عشرات البحوث والدراسات والمقالات، وشاركت في عشرات المؤتمرات العربية والعالمية، وأشرفت على عشرات الطلاب في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وناقشت كماً هائلاً من رسائل الماجستير والدكتوراه، وحكّمت لعدد من الجوائز المرموقة ونلتُ جائزتين هما:جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1993م من الأردن، وجائزة الملك فيصل العالمية لعام 2001م، درَّستُ في عدد من الجامعات هي "الجامعة الأردنية" وجامعة "اليرموك" وجامعة "تنيسي" في الولايات المتحدة، وجامعة "الملك سعود" بالرياض، وجامعة "الإمارات العربية المتحدة"، وجامعة "الشارقة"، وألقيت محاضرات في عدد من الجامعات والمراكز والمؤسسات والمنتديات ومؤسسات الجوائز، وشاركت في عضوية مجالس أمناء بعض الجماعات والجوائز والمؤسسات والمراكز، وأسهمت في هيئة التحرير رئيساً وعضواً في أكثر من دورية، وكتبت الموسوعات ونلت التكريم من عدد من الجامعات والمؤسسات والمراكز.
هذه عُجالة عن أهم محطات حياتي العلمية والأكاديمية والإبداعية، وأستعد الآن لإصدار عدد من الكتب كنت أعمل عليها منذ زمن متطاول، ولَدَيَّ رواية أوشك أن أفرغ منها قريباً ولا يسعفني الوقت في الإفاضة فيكفي من القلادة بما أحاط بالعنق، ولا يسعني في ختام هذه الكلمة من إجزاء جزيل الشكر والامتنان مرة أخرى إلى مؤسسة "الاثنينية" ممثلة برئيسها وراعيها الأستاذ عبد المقصود خوجه على دعوته لتكريمي، وأشكر مجلس الإدارة ومجلس الأمناء على جهودهم الكبيرة في سبيل الفكر والعلم والأدب والثقافة، والشكر موصول لهذه النخبة من الحضور الكرام من جِلّة القوم ومن طليعة المثقفين راجياً للجميع التوفيق في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله-، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: شكراً لسعادة ضيفنا الكريم على هذه الوقفات الموفقة وهذا الحديث عن شؤون مراحله العلمية والعملية وشجونها، ونرجو له إن شاء الله مزيداً من التفوق والإبداع إن شاء الله.
نبدأ الآن حصة الحوار والأسئلة، ونبدأها من قسم السيدات ليرحبن بضيفنا الكريم بداية وليكن السؤال الأول من قسم السيدات، وأنقل الميكروفون الآن إلى الزميلة نازك الإمام في قسم السيدات.
 
طباعة
 القراءات :203  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 123 من 216
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.