شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النّزاعات الإثنيّة والعصبيّات المذهبيّة في وثيقة عبريّة ..
يمكن القول بأنه منذ حرب حزيران 1967م والتي هُزمت فيها الأمّة العربية على يد العدوان الصّهيوني، وأدّت إلى احتلال إسرائيل لبقيّة الأراضي الفلسطينيّة، واقتطاع سيناء من مصر والجولان من سوريا، نعم إنّ هذه الأمة تعاني بشدة منذ حوالي أربعين عامًا من الأدواء والعلل، ولم يتمكّن مثقفو الأمّة ومفكّروها من انتشالها من هذا الوضع المزري الذي جعل أجيالاً متلاحقة تلعق مرارة الهزيمة، وإن لم تكن شاهدة عليها، وتعاني من انكساراتها النّفسية والتي ساهمت إلى حدّ كبير في هذا التخلّف الحضاري والفكري، الذي لم يمّر على الأمّة شبيهه حتّى في أسوأ حقبها عندما غزاها التّتار وعملوا على حرق تراثها وتمزيقه أشلاء تتطاير مع تطاير الأعناق التي استكانت للترف والفساد والانحلال.
والغريب أن يتنبه البعض من غير أبناء الأمة للعلل التي ساهمت في وصول الأمّة إلى هذا المأزق الحضاري الخطير، فبعد غزو لبنان عام 1982م نشر ناشط السلام الراحل اليهودي، وغير الصهيوني المعروف إسرائيل شاحاك Israel Shahak، الوثيقة المعروفة باسم كيفيونيم: Kivunim Document والتي اعتمدت على آراء بعض الشخصيّات اليهوديّة المتخصّصة في الشأن العربي، وهي شخصيّات عملت على خدمة الأيدلوجيّة الصّهيونيّة، وفي مقدّمة هؤلاء المحلّل العسكري بصحيفة هآرتس Haaretz الإسرائيلية، والخبير في شؤون العالم العربي Zeev Shiff، وتقوم هذه الوثيقة على العمل على تقسيم البلاد العربية إلى أجزاء صغيرة ومتناثرة. وترى الوثيقة على أن أقصى أمنيات الإسرائيليين هي تقسيم العراق إلى دولتين إحداهما سنّية والأخرى شيعيّة، إضافة إلى انفصال الإقليم الكردي- بالمناسبة كانت هذه الأمنية في قطاع الثمانينيات الميلادية، وبالتحديد في شهر فبراير 1982م، إلا أنّ شاحاك Shahak يؤكّد في مقدّمة الوثيقة التي ترجمها الكاتب أمين نخلة إلى الإنجليزية ونشرها ضمن مطبوعات الرابطة العربية الأمريكية لخريجي الجامعات تحت عنوان: The Zionist Plan For The Middle East أي الخطة الصهيونية لدول الشرق الأوسط.
نعم يؤكّد شاحاك أنّ هذه الخطّة قديمة، ولكنّ الشّخص الذي سوف يعمل على تحقيقها هو أرييل شارون، ومعلوم أنّ هذا المفهوم الوثائقي الهام والخطير كان قد ظهر إلى الوجود في بداية الثمانينيات الميلادية أي عندما كان شارون وزيرًا للدفاع، وقاد عمليّة غزو لبنان، وارتكب أعظم المجازر في تاريخ البشرية بالتعاون مع البعض، والمعروفة باسم مجزرة صبرا وشاتيلا.
وتتعرّض الوثيقة بشيء من الإلماحة الهامّة؛ وهي أنّ شارون سوف يعمل بداية على خداع العالم ليجعل إسرائيل قوة استعمارية ضاربة، وإذا تمكّن من هذه الخطوة الأوّلية فسوف يبحث عن الفرصة المواتية لخداع الأمريكيين، وهذا ما حدث فعلاً عندما سعت أيد منّا بحماقة ونزق وتطرّف لارتكاب حوادث 11 سبتمبر، وهذا على عكس الأسلوب الصّهيوني القائم والمعتمد على الخطط والدراسات الإستراتيجيّة المتخصّصة.
نعم؛ لقد وجد شارون فرصته الذهبيّة ليخدع الأمريكيين بأنّ العدوّ مشترك، فكان التحالف الوثيق والذي لن ينتهي بغياب شارون وصعود أوليمرت، إنّه التحالف الذي وجد أرضيته الرّاسخة بين مفهوم مسيحي متشدّد وحركة صهيونيّة استعماريّة، وكان جورج بوش الابن هو الشّخص المهيّأ سلفًا لحمل الرسالة المسيحية- اليهودية- في صراع طويل مع ما أسموه بالأصوليّة الجهاديّة في العالمين العربي والإسلامي، وكانت نقطة الضّعف في شخصيّة بوش أنّه جاء من خلفيّة جاهلة بالشأنين السّياسي والأيدلوجي.
تتعرّض الوثيقة بكثير من التفصيل للتركيبات السكّانية للعالم العربي، والتي تنظر إليه الأيدلوجية الصهيونيّة المتطرّفة إلى أنّه قام أساسًا منذ الحقبة الاستعمارية البريطانية والفرنسية والإيطالية على قواعد ضعيفة ومتهالكة؛ بل ذهبت إلى القول بأنّ دعائمه المؤقّتة هي من الورق وليس كما يعتقد أهله.
في شمال أفريقيا بؤر الصّراع هي النّزعات القوميّة بين العرب والبربر، وفي السودان بين الأصول ذات العرق العربي والأخرى ذات الجذور الأفريقيّة، وفي مناطق أخرى مثل "مصر" العمل على تأجيج الصّراع بين المسلمين والأقباط، وفي دول الخليج استغلال الحساسيّات الموجودة بين الشّيعة والسنّة.
ولم تترك وثيقة Kivunim بلدًا عربيًّا إلا وعرضت بالإحصائيات لسكّانه وإثنياتهم العرقيّة وتوجّهاتهم الدينيّة، وأنّها -أي إسرائيل- تراهن على هذه العوامل، والتي استخدمتها دول عدّة لقيام بنيانها السّياسي وهياكلها الحضاريّة، أيّ كانت عوامل قوّة إيجابيّة وركيزة حضاريّة بينما هي في عالمنا، ينظر إليها المستعمر الجديد على أنّها عوامل ضعف.
لقد جاء الإسلام ليقضي على عوامل الضّعف والتّناحر والتّفاخر بالقبليّة الممقوتة، وجاء قوم فبعثوها من أجداثها جذعة، وأضافوا إليها إقصائيّة فكريّة تحصر نجاة الدّنيا والآخرة في فئة واحدة بعينها، أمّا الآخرون فهم العدو الذي يجب على الأمة في نظرهم التخلّص منه قبل أعداء الأمّة الحقيقيين المتمثلة في "هذا التّحالف المقدّس بين الأصوليتين المسيحيّة واليهوديّة".
 
 
طباعة
 القراءات :242  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.