شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دعوهم يصنعون ما يروق لجيلهم ..!
لعله من الحيف والظلم أن نتطلع بأن تكون الأجيال الحاضرة تتذوق ما كنا نتذوقه من الآداب والمعارف في العلوم والفنون، ولعلي أتذكر في هذا السياق مقولة أمير الشعراء (أحمد شوقي) للموسيقار محمّد عبدالوهاب، وكان الأخير ملازمًا لشوقي، قال شوقي في لهجة واضحة لمريده (اصنع ما يروق لجيلك). شوقي لم يُرِد لعبدالوهاب أن يكون نسخة من سيد درويش، وعبده الحامولي. وأثرت مقولة شوقي في عبدالوهاب الذي عشق ذائقة عصرين، وارتبط بسياق عصره وزمنه، وكان الصحافي والأديب السياسي البريطاني مايكل فووت يكرر في كل مناسبة عبارات المفكر اليساري (بيفان)، فهمس في أذنه أحد رفاقه ليقول له في شيء من الصراحة والوضوح، لماذا تريد أن تكون نسخة مكررة أو ثانية من (بيفان)؟!.
وهناك شهادات أو أمثلة عدة في فكرنا وثقافتنا القديمة والمعاصرة، فرغم إعجاب أبي العلاء المعري بالمتنبي؛ إلا أن إبداعات أبي العلاء -وخصوصًا الفلسفية منها شعرًا ونثرًا- تختلف عن إبداعات المتنبي، ولكن هذا الاختلاف لم يقلل من قيمة المتنبي عند أديب المحبسين.
ولقد أعجب طه حسين بأستاذه سيد المرصفي، كما أعجب بأفكار الشيخ محمّد عبده في مطلع حياته، ولكنه في إبداعاته الفكرية والأدبية مثل "الأيام"، و"حديث الأربعاء"، و"على هامش السيرة"، و"جنة الشوك"، وسواها كان شخصية متفردة ومستقلة، وهذا لا يمنع بطبيعة الحال الأثر الذي تركه مشايخ وأساتذة طه حسين في مسيرته الثقافية والأدبية، فهم الذين سعوا بأن يفتحوا كوى الثقافة والمعاصرة والتحديث والتي كانت مغلقة من قبل لعوامل تتصل بالتقهقر الذي عانت منه الثقافة العربية والإسلامية لعدة قرون.
ومع أن جيل جمال الغيطاني كان معجبًا بشخصية نجيب محفوظ والتي رسخت الفن القصصي والروائي في أرضية الثقافة العربية، وجعلت له سحنة عربية تختلف عن السحنة الموجودة عند رائد الرواية الواقعية الغربية (أرنولد بينيت) الذي عاش في القرن الثامن عشر الميلادي، واعتبر أبًا للرواية الحديثة في الغرب، والتي أضحت فيما بعد الصيغة الإبداعية المعبّرة عن التحولات الكبرى في المجتمعات الغربية وخصوصًا بعد قيام الثورة الصناعية، أعود للقول بأن جيل الغيطاني أبدع أدبًا روائيًا مختلفًا، فإذا كان محفوظ عبّر في ثلاثيته عن المرحلة التي كانت ترزح فيها مصر تحت الاستعمار البريطاني، وانعكاسات ذلك على المجتمع المصري بطبقاته المختلفة، إلا أن الغيطاني عاد إلى العصر المملوكي ليخرج لنا من بين ثناياه شخصية (الزيني بركات)، ويحاول أن يربط بين أحداث تلك الحقبة المملوكية، وما يمكن أن يعتبر شبيهًا لها في العصر الحديث؛ وخصوصًا في قضايا القهر السياسي، ولجم الحريات، والانتصار للرأي الواحد الذي كان –ومازال- سببًا من أسباب تعثّر مسيرة المجتمع العربي المتطلّع لأجواء أكثر حريّة وإشراقًا، وأملاً وإنجازًا.
وفي أدبنا السعودي الحديث نجد الأديب الكبير حمزة شحاتة مختلفًا إلى حد كبير في إبداعاته بالنسبة لمن سبقوه مثل محمّد حسن عوّاد، ومحمّد عمر عرب، رغم أسبقية العوّاد في الإنجاز الفكري والنقدي من خلال كتابه الذائع الصيت العظيم الأثر "خواطر مصرّحة"، كما أن العوّاد كان مختلفًا في رؤاه الفكرية بالنسبة لجيل عبدالواحد الأشرم الذي كان ينتمي لمدرسة عبدالجليل برّادة المدني، والتي كان من ثمراتها الأسكوبي، وأنور عشقي، ومحمّد العمري الواسطي، ومع أن العمري كان أستاذًا للشاعر عبيد مدني؛ إلا أن المدني عاش عصره، وعبّر في كثير من قصائده عن أحاسيس جيله المتمثل في رموز عدّة من أمثال عبدالقدوس الأنصاري، وعمر بري، وعبدالحق نقشبندي، وضياء الدين رجب، وأحمد العربي وسواهم.
وهناك أسماء عديدة من الجنسين تلت جيل الروّاد وما بعده، وشكّلت خارطة الأدب الحديث في بلادنا، وأعلم أن هذه الأسماء تمثّل أجيالاً مختلفة، ولكن ما يجمعها هو قدرتها على الإبداع المتميز عمن سبقها، إضافة إلى أن النقلة بين هذه الأجيال المتداخلة، والجيل الذي سبقها كانت نقلة سريعة، تؤذن بقدرة الجيل الحديث على الإبداع، بعيدًا عن الأنماط والأشكال الأدبية السابقة، ولكن لا يمكن أيضًا في نفس الوقت تهميش دور جيل الروّاد، ومن بعدهم على فتح أبواب المصاريع المقفلة أمام هذا الجيل، والذي تأثّر أيضًا بما يجري حوله في الساحة العربية من ثقافة وفكر وأدب.
 
طباعة
 القراءات :197  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 27 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج