شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التغيير نحو ثقافة الحوار والتعددية والتسامح من خلال مؤتمر الأدباء والمثقفين ..
 
طرح في صحافتنا الأدبية أخيرًا موضوع انعقاد مؤتمر للأدباء السعوديين وكنت قد أشرت في مقالة سابقة مرحبًا بمبادرة معالي الأخ الكريم الدكتور محمّد العقلا، في دعوته لاحتضان الجامعة الإسلامية لفعاليات هذا المؤتمر كما علمت أن معالي الأخ الدكتور سهيل قاضي بحكم رئاسته لنادي مكة الأدبي هو الآخر يرغب في أن يكون لنادي مكة الحظوة في هذه المبادرة الكريمة وكنت أشرت إلى أنه من ضمن الإنجازات التي تحسب لمعاليه أثناء توليه مهام إدارة جامعة أم القرى هو عودته للمؤتمر الثاني للأدباء السعوديين بعد فترة غياب دامت حوالي عقدين من الزمن، كما أنه سن سنة حسنة بتكريم الأدباء في حياتهم وذلك عندما قام بتكريم الأستاذ إبراهيم خفاجي وسارت الجامعة في عهد سلفه معالي الدكتور ناصر بن عبدالله بن عثمان الصالح على هذا الطريق فقامت بتكريم عدد من رموز الفكر والأدب والثقافة في بلادنا وخصوصًا بعض رموز الرعيل الأول من أدبائنا كما قام نادي جدة الأدبي والثقافي بقراءات نقدية لتراث الأديبين حمزة شحاتة ومحمّد حسن عواد وكان ذلك دافعًا إيجابيًا لنادي المدينة الأدبي للاحتفاء بجهود الشيخ المؤرخ والأديب عبدالقدوس الأنصاري -رحمه الله- ثم تبعه نادي الباحة الأدبي الذي قام بتكريم الراحل الروائي عبدالعزيز مشري والأستاذ علي السلوك على هامش الملتقى الذي خصص لموضوع الرواية في الأدب السعودي، ولعلنا نتذكر الأسماء التي ساهمت في الارتقاء بفكرنا وأدبنا من أمثال عبدالله عبدالجبار وحمد الجاسر ومحمّد العقيلي وعبيد وأمين مدني، وعبدالله بن خميس، وعبدالله سلامة الجهني، وحمد الحجي، ومحمّد الرميح وغيرهم فخصص جوائز بأسمائهم كما صنع المفكر السيد أحمد زكي يماني في الجائزة التي حملت اسم شاعر مكة السيد محمّد حسن فقي، والتي انطلقت منذ أكثر من عقد من الزمن وشارك في فعاليتها عدد كبير من أدباء ونقاد البلاد العربية إضافة إلى بعض الأسماء الفاعلة في بلادنا، إضافة إلى جوائز أخرى منها جائزة أمين مدني في الدراسات التاريخية وجائزة علي وعثمان حافظ الصحفية.
كما قام مهرجان الجنادرية في مهرجانه السنوي بتكريم شخصية أدبية معينة، وكانت شخصية الأستاذ الأديب الدكتور حسن الهويمل موضع الاحتفاء من المهرجان في دورته السابقة وسبقتها شخصيات أدبية عدة.
وفي الحقبة المتميزة ثقافيًا في بلادنا حيث قامت وزارة الثقافة والإعلام برعاية معالي الأخ والصديق السيد إياد بن أمين مدني بخطوات فعالة لتحريك الساحة الثقافية، من خلال الأندية الأدبية التي تجاوزت مرحلة الانكفاء على الذات أو الاكتفاء بتشجيع تيار أدبي معين، مما يعني إقصاء التيارات الأخرى أو تهميشها وحتى نكون موضوعيين في تقييمنا، فلم يكن الإقصاء في جهة واحدة بل كان في جميع الجهات ولم تسلم منه التوجهات الأدبية الحديثة التي دعت إلى التعددية في مرحلة ماضية ولكن ممارساتها الفعلية كانت على النقيض من ذلك مما أوقعها في أخطاء خصومها أو منتقديها.
تمر بلادنا بنهضة حضارية وثقافية وأدبية هامة ويفترض في أي مؤتمر جديد يعقد أن تتوسع دائرته فيكون مظلة للأدب والفكر والثقافة وحبذا لو انعكس هذا المضمون على مسمى هذا المؤتمر فيكون مؤتمر الأدباء والمثقفين السعوديين. وأن نتخلص في مؤتمر كهذا من جميع الأقنعة ونتخلص من المصطلحات الفضفاضة، ومنها ما نقلناه عن السياق الغربي المحض دون أن نعي مضامينها الحقيقية، ووقع بعض النقاد في هذا الوهم وخصوصًا لجهة الحديث عن المذاهب الأدبية الشكلانية، والتي يرى ناقد عربي متمكن من الثقافتين العربية والغربية ونعني به الدكتور محمّد مصطفى بدوي أستاذ كرسي الأدب العربي في الثمانينيات الميلادية وبداية التسعينيات بجامعة أكسفورد البريطانية، حيث يوضح هذه المسألة النقدية الهامة فيقول: فالشكلية والذاتية والإغراق في المصطلحات الفنية في الدراسات الأسلوبية ليست بالأمور الغريبة على تراثنا النقدي وعلى حين أن الذاتية لم تتطور وتتعقد بل ظلت تنحصر في أحكام شخصية على شيء من السذاجة فإن الشكلية والمصطلحات الفنية تطورت تطورًا بالغًا ونتج عنها تراث نقدي عظيم سرعان ما تحول إلى تراث بلاغي عقيم، ولا يزال بعضنا على الأقل يذكر تضخم المصطلحات البلاغية من بداية نشأتها كأنواع البديع في كتاب البديع لابن المعتز وتطورها عبر العسكري والسكاكي والسيوطي، إلى أن تصل إلينا كمحسنات لفظية صرفة تعلمناها في مدارسنا على نحو آلي، وطلب منا التعرف عليها في النصوص على نحو آلي أيضًا، ولذلك فالعودة بنا إلى هذا الموقف الشكلي التصنيفي المجرد، مهما كان مقنعًا في أحدث الأزياء ستكون وبالاً على نقدنا وأدبنا معًا، إنها دعوة يلزمنا مناوءتها لأننا نختلف عن الغرب في أننا ما تخطينا الشكلية الجامدة إلا حديثًا جدًا وفي القرن العشرين بالذات وبالتالي لم نعش الموقف النقدي الآخر الذي يؤكد التجربة والعنصر الإحيائي في الأدب مدة كافية، بحيث يمكننا أن نلائم بين الشكل والحياة كما يفعل بعض النقاد في الغرب على أحسن الافتراضات. [انظر: جورج واطسن الفكر الأدبي المعاصر، ترجمة د. محمّد مصطفى بدوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980م، ص 8-9].
إن الملاءمة بين الشكل والحياة أو بين الإبداع والواقع هو ما يفترض أن يتضمنه أو يدعو إليه مؤتمر أدبي وثقافي، فيجب أن نقر بأننا نمر بمنعطفات تاريخية وحضارية هامة وأننا جزء من هذا العالم الذي أضحى قرية كونية متواصلة ومتأثرة، وإذا كانت الحضارة العربية والإسلامية في ذاتها أحد العناصر الرئيسية في بناء النهضة الأوروبية كما كان تفاعلها مع العقل اليوناني القديم، من آيات انفتاحها الحضاري على الآخر في موجهة الانغلاق على الذات وتلك هي أولى خصائص العقل الإسلامي الحقيقية؛ أي الحوار. [انظر: مقالة حرية العقل في الإسلام، مجلة دراسات عربية، العدد 7 السنة السادسة عشرة، أيار مايو، 1980م، ص 105].
فإنه يجب أن نقر أنّ الحضارة الغربية الحديثة، هي ذات تأثير كبير على مجريات حياتنا ولا يمكننا التعامل معها بالرفض المطلق أو القبول المطلق بل من خلال معطيات الخصيصة الهامة في حضارتنا الإسلامية والعربية وهو "الحوار"، فتعميق مفهوم الحوار في مناهجنا الدراسية وفي حياتنا الفكرية والثقافية والأدبية هو الذي سوف يصل بنا إلى بر الأمان ويجب أن نقر كذلك أن تخلينا عن الحوار ومنطلقاته هو الذي أوقعنا في شرك الإقصائية وأحادية الرأي وكان من الثمرات المرة لهذه الإقصائية هي التخلي عن قيم الوسطية والاعتدال والتسامح التي جعلت أهل الديانات الأخرى في العصور الإسلامية الأولى يرحبون بالإسلام كمخلص ومنقذ لهم من معاناتهم مع التفكير اللاهوتي المتشدد الذي ساد أوروبا في العصور الوسطى، وإذا كان العلم كما يقول المفكر العربي الراحل عباس محمود العقاد يكاد يكون فريضة إسلامية والقرآن الكريم واضح الدلالة في هذا الشأن، حيث يقول عز وجل: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" فإن هذه الدعوة الملحة على العلم والتعلم، لا يمكن أن تقترن بغير الحرية فالمبدأ الأساسي في الإسلام إذن "لا إكراه في الدين" لذلك دخل الإسلام في محاورات بالغة الخصوبة مع أهل الأديان الأخرى. [انظر: مقالة حرية العقل في الإسلام، ص 111].
إن الحوار هو المنقذ الوحيد للفكر العربي في مرحلته الحساسة والصعبة وإذا كان بعضنا يسعى بما أوتي من قوة لإلغاء هذا المعطى الأساسي في حضارتنا، فإننا لن نستطيع أن نقنع الآخر بآرائنا وأفكارنا أو نتوهم بأننا نفتح الكُوَى والنوافذ للحوار معه، لذا فإنه قد آن الأوان لنمزج بين معطيات الثقافة والفكر والأدب في كل واحد، وبالمناسبة فإنّ جميع الحضارات العالمية كانت انطلاقتها علمية وفكرية، وإذا كانت الآيات الأولى التي نزلت على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم تحث على العلم والمعرفة وتدعو إليهما صراحة حيث يقول عز وجل في محكم كتابه الكريم: اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علَّم بالقلم (العلق: 1-4)، فإننا نكون من دون ادعاء ووهم الأمة التي كانت أولى تجلياتها الحضارية هي الارتقاء بالإنسان من خلال العلم والمعرفة الصحيحين، وهو ما يجب عليها العودة إليه وتصحيح مساراتها الفكرية والأدبية من خلاله.
 
 
طباعة
 القراءات :213  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 88 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج