شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ذكريات وحوارات في منتدى
المربي محسن باروم -رحمه الله-
فقدت الساحة الفكرية والأدبية واحدًا من الشخصيات المتميزة التي جمعت بين مواهب متعددة وهو السيد محسن باروم، فلقد شارك في تأسيس البناء الإعلامي في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات الهجرية مع رجال من أمثال الأساتذة محمّد سرور الصبان، وإبراهيم فودة، وحمزة بصنوي، ثم انتقل إلى وزارة المعارف ليكون واحدًا ممن ساهموا في وضع المناهج التعليمية وخصوصًا في ما يتصل باللغة العربية التي كان يحرص رحمه الله على التحدث بها سليقة وفطرة كما كان السيد الباروم يشارك كوصفائه في الكتابة الأدبية وكانت هذه الصحيفة الغراء تنشر بعض مقالاته الرصينة في صفحتها الأولى وكان ذلك في بداية التسعينيات الهجرية، وهو يتابع ما ينشر في صحافتنا وسواها وتنوعت اهتماماته وشملت موضوع الاستشراق والتنصير، وأتذكر أنه قبل حوالى عقدين من الزمن قام بزيارة إلى جنوب شرق آسيا بجهد ذاتي ورصد جهود الجمعيات التبشيرية في تلك البلاد ولكن بأسلوب علمي وموضوعي موثق، وأتذكر أن زميلنا الأستاذ الدكتور عصام بن يحيى فيلالي دعاه لداره في السكن الجامعي لإلقاء محاضرة عن هذا الموضوع فاستجاب لطلب الزميل الكريم ولعل جملة من الأساتذة والدكاترة الكرام يتذكرون هذه المناسبة ومنهم معالي الدكتور عبدالإله نصيف، وسعادة الأستاذ محمّد صلاح الدين والزملاء الكرام الدكاترة محمّد خضر عريف وعمر زهير حافظ وجميل محمود مغربي، وراكان حبيب وسواهم.
كان السيد باروم شعلة مضيئة ومتوقدة فأنت تلمحه في حلقات المشائخ في الحرم المكي الشريف من أمثال أصحاب الفضيلة حسن المشّاط، محمّد نور سيف، السيد محمّد بن علوي المالكي، كما كان على صلة وثيقة بالشخصيات الدعوية ذات التوجه المعتدل من أمثال السيد أحمد مشهور الحداد رحمه الله والسيد عبدالقادر السقاف، وجميعهم أبلوا بلاء حسنًا في نشر الدعوة الإسلامية في بلاد جنوب شرق آسيا.
ولعله من واجب بعض الدعاة اليوم أن يتذكروا صنيع هؤلاء الدعاة الذين انطلقت جهودهم من حلقات الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والذين أرسوا أسسًا قوية للعمل الدعوي بعيدًا عن الضجيج وكان أسلوبهم يميل إلى الرفق والاعتدال والتسامح ونشر المحبة بين جميع طوائف المسلمين على تنوع مشاربهم واختلاف مذاهبهم.
ومن مآثر الفقيد المربي الباروم أن داره في مدائن الفهد بطريق مكة القديم كانت ملتقى للمفكرين والأدباء من داخل البلاد وخارجها، فلقد كان مع الأساتذة الكرام صالح وأحمد جمال، وعبدالله بغدادي، والسيد علي زين العابدين، والأستاذ إبراهيم فودة، والأستاذ عبدالمجيد شبكشي، والسيد محمّد حسن فقي، والأستاذ محمّد نور جمجوم، والأستاذ محمّد صلاح الدين الدندراوي، والأستاذ مصطفى عطار، والدكتور جميل مغربي، والأستاذ أحمد محمود، والأستاذ محمّد علوي الجفري، والأستاذ محمّد المختار الفال وسواهم يعقدون اجتماعات دورية في دورهم المباركة.
ولازلت أتذكر بعضًا من ذكريات تلك الجلسات العلمية المباركة والتي رغبت في الإشارة إليها في هذا المقال الذي أكتبه، ولازلت أعيش وحشة فراق الوالدة الحبيبة -رحمها الله- التي ضمها ثرى البقيع في طيبة الطيبة، ومما تحتفظ به الذاكرة ذلك اللقاء الذي كان ضيف الشرف فيه معالي الأستاذ الأديب عبدالعزيز الرفاعي، وكان كما يقولون أو يعبرون (سيد مجلس)، فلقد قاده الحديث عن شخصية الأفندي محمّد نصيف، جد معالي الدكتور عبدالله نصيف وأخواته، فذكر أنه كان يزوره عند قدومه من الرياض حيث كان يعمل رئيسًا للدائرة السياسية في مجلس الوزراء وفي إحدى المرات سأله الأفندي نصيف عن أسرته، فأجابه الأستاذ الرفاعي أن والدته من جدة وأن جده لأمه هو عبدالفتاح الرشيدي، فلم يدعه الأفندي يكمل حديثه، فلقد ذكر له أن هذه الشخصية كان لها دور تنويري في مدينة جدة حيث كان أول من جلب الصحف والمجلات العربية وأنه عندما أراد الإقدام على هذا العمل التنويري قصد إحدى شخصيات جدة المعروفة، وهو (فرج يسر) وذكر له ما سوف يقوم من مبادرة ذاتية في هذا الجانب الثقافي الهام، فعرض عليه (فرج يسر) أن يقرضه أي -للشيخ الرشيدي – مبلغ مائة جنيه ذهب وهذا يذكرني بدور السيد أحمد ياسين خياري في الوقوف بماله إلى جانب الشيخ عبدالقدوس الأنصاري عند عزمه على إنشاء مجلة المنهل في المدينة المنورة سنة 1355هـ ودور محمود شويل في مؤازرة السيدين الكريمين علي وعثمان حافظ عند عزمهما على إنشاء صحيفة المدينة سنة 1356هـ، وأدوار حضارية متميزة أقدم عليها الشيخ محمّد سرور الصبان في مؤازرة الأدباء والكتاب السعوديين من مختلف مناطق المملكة وكذلك دور الشيخ العلاّمة حمد الجاسر والأستاذ عبدالكريم الجهيمان وعندما احتاج الشيخ مصطفى قباني -من كبار أهل المدينة- للمال نقده صديقه الشيخ محمّد بن هويمل العربي الحازمي ألف جنيه من الذهب حتى يصلح أمره، وهناك مواقف أخرى يضيق المقام عن ذكرها في هذه العجالة.
ومن الذكريات الأدبية أن الشاعر الكبير السيد محمّد حسن فقي كتب قصيدة جديدة آنذاك بخط يده، فلما حضر إلى مجلس السيد الباروم طلب من الشاعر السيد علي زين العابدين أن يقرأها على الحاضرين وهو في هذا يشبه، إلى حد ما، الشاعر أحمد شوقي في الإحجام عن قراءة شعره أو إلقائه.
وكان المربي الأستاذ عبدالله بغدادي -رحمه الله- صاحب دعابة جميلة، فذكر أنه صحب صديقه المؤرخ الشيخ محمّد طاهر كردي في رحلته من القاهرة إلى جدة، وكان الشيخ الكردي أحضر معه نسخًا من كتابه الموسوم (أدبيات الشاي والقهوة والدخان)، القاهرة - الطبعة المنيرية، 1369هـ/ 1965م، فلما لمح الرقيب عنوان الكتاب اعترض على كلمة "الدخان"، فقام الأستاذ البغدادي بأخذ بعض النسخ إلى دار الأصفهاني التي كانت قريبة من المطار ومحا كلمة الدخان وأتى بالنسخ للرقيب فأجازه، ولكن الشيخ الكردي غضب على صديقه البغدادي فلم يكن راضيًا عن تغيير العنوان، وأخال عقلية الرقيب في بعض الأحوال لم تتغير منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، فلقد ذكرت صحيفة الوطن أثناء انعقاد معرض الكتاب في الرياض أخيرًا أنه كان يتم الحكم على الكتاب من خلال عنوانه، وتلك مأساة العقول التي سيطرت عليها نزعة الشك مع أن فضيلة ومنقبة حسن الظن مما دعت إليه وحثت عليه مقاصد الشريعة وفي سلوكيات الرسول صلّى الله عليه وسلّم وصحابته رضوان الله عليهم ما يدعونا إلى تقديم حسن الظن على سواه والنهي عن اتخاذ الشك وسيلة للحكم على عقائد الناس وسلوكياتهم.
من أواخر الجلسات التي أتذكر وقائعها ما جرى من الأستاذين الكريمين أحمد جمال وإبراهيم فودة من نقاش علمي، فلقد كان الأستاذ الفودة يرى أن هناك سلوكيات تدخل في باب الورع والتقوى وليس في باب الواجب ولما اشتد النقاش حول موضوع "الحجاب" ذكر الأستاذ الفودة للأستاذ جمال بأنه شخصيًا لا يترك عائلته تنزل مع السائق إلى جدة دون وجوده معهم، ولكن كانت له (أي للأستاذ الفودة) آراء مختلفة حول الحجاب وماهيته، وكان حوارًا موضوعيًا وعلميًا يجدر بطلبة العلم أن يفيدوا منه وخصوصًا لجهة سعة الصدر التي كانت سمة بارزة في أخلاقيات ذلك الجيل، وأستشهد هنا بواقعة أخرى فلقد اختلف المرحوم السيد محمّد علوي المالكي مع شيخه فضيلة الشيخ محمّد نور سيف حول بعض مستجدات العصر وكيفية التعامل معها فلم أجد شيخنا محمّد نور إلا مبتسمًا وفرحًا بالمستوى العلمي الذي وصل إليه تلميذه ومريده.
فالاختلاف في وجهات النظر- حول القضايا فقهية كانت أو فكرية مما يثري المعرفة ويوسع المدارك، ويزيح شبح الجمود الذي أضر بالأمة لعقود طويلة.
تلك حوارات ومناقشات كانت تشهدها دار السيد محسن باروم ودور رفاقه من أساتذتنا الكرام الذين تعلمنا على أيديهم وتلقينا عنهم شيئا من المعرفة الواعية.
فرحم الله المربي والإعلامي والمثقف السيد محسن باروم ومن رحل من رفاقه.
 
 
طباعة
 القراءات :233  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 53 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج