شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رحيل رائد ورمز أدبي.. عبدالرحمن رفّة ..!
تفقد المدينة المنورة بموت عبدالرحمن رفّة رجلاً من رجالاتها ظلّ محورًا في حياتها الاجتماعية لمدّة تزيد على نصف قرن من الزمن، ومع أن الرّفة تسلّم مسؤولية فرع وزارة الإعلام فيها لمدة من الزمن، ورأس أحد أنديتها العريقة (العقيق) سابقًا، و(الأنصار) حاليًا؛ وهو النادي الذي ارتبط اسمه في طيبة الطيبة بأسرة (آل عزي) رحمهم الله، وهم الأخوة الأربعة الذين قضوا في حادثة السيل المشهورة حوالي 1380هـ بين المدينة وجدّة، إلا أن دور (الرفّة) كان أكبر من المناصب التي تقلّدها؛ فلقد كان حاضرًا في كلّ مناسبة وطنية، وكان صوتًا جهيرًا تميّز بالوضوح والشفافيّة حتّى وإن اختلف الآخرون معه، فلقد كان (الرفّة) في السبعينيات الهجريّة وما بعدها يحمل كرائد اجتماعي هموم المدينة وتطلّعات أهلها، ولا يترك مناسبة خاصّة ولا عامّة إلا ويتحدّث فيها عن مطالب أهل البلدة الطّاهرة، وكان مثاله في ذلك الرجل الجريء المرحوم سعود دشيشة.
وكان بيت آل الرفّة في المناخة مقصدًا لكثير من الرّجال، وكانت بيوت سراة القوم في المدينة آنذاك لا توصد أبوابها أمام من تضطرهم ظروف الحياة لطرق تلك الأبواب، ولابد للمرء أن يتذكّر في هذا السّياق بعضًا من الشخصيّات الاجتماعيّة التي كانت لا تبخل بجاهها على أحدٍ، محتسبة الأجر والثّواب من الله عزّ وجلّ. وعندما فكّر أدباء المدينة في السبعينيات الهجريّة في رابطة الوادي المبارك؛ والتي كانت امتدادًا لمنتديات أدبيّة عرفتها المدينة منذ زمن طويل مثل (الإبارية) والتي ارتبط اسمها بالأديب المدني والعالم والفقيه الشيخ عبدالجليل برادة ومريديه من أمثال إبراهيم الأسكوبي، ومحمّد العمري، و(الأنورية) التي حملت اسم الأديب والشاعر السيد أنور عشقي، والد المربي المعروف السيد ماجد عشقي. وبستان أم الشجرة والذي أقامه السيد عبدالله مدني، والد السيدين عبيد وأمين مدني - رحمهما الله-. ثم نادي المحاضرات والذي كان من روّاده الشيخ ضياء الدين رجب، والأساتذة عبدالقدّوس الأنصاري، ومحمّد حسين زيدان، وعبدالحميد عنبر، وعبدالحق نقشبندي وسواهم، وظلّت أسرة الوادي المبارك تؤدي دورها الفكري والأدبي حتى إنشاء الأندية الأدبية في منتصف التسعينيات الهجرية.
ولعلّ في جعبة الأساتذة الكرام محمّد حميدة وحسن الصيرفي ومحمّد كامل خُجا ومحمّد العيد الخطراوي وناجي حسن الأنصاري وصالح البليهشي الكثير عن الأسرة أو الرابطة الأدبية في المدينة وما تلاها، والذي ربّما يغيب عن ذهن كاتب هذه السطور.
وكانت للأستاذ الرفّة مبادرة تقديم مبنى داره كمقر للنادي الأدبي بسعر التكلفة الأساسية، أي دون تحقيق مكسب إضافي، ولقد أخبرني بهذا الأمر شخصيًّا، وقد نقل إليَّ الابن الأديب الأستاذ محمّد المنقري بأن الدكتور الخطراوي يعدّ كتابًا عن الأسرة وروّادها ونشاطاتها امتدادًا لجهوده في إخراج تراث المدينة الفكري والأدبي بداية من تحقيقه لدواوين الشّعراء محمّد أمين الزللي، وإبراهيم الأسكوبي، وعمر برّي، ثمّ لكتبه ودراساته القيمة عن الأساتذة محمّد عالم أفغاني، وعبدالرحمن عثمان، ومحمّد سعيد دفتردار رحمهم الله.
على امتداد العقد الأخير من الزمن توارى الأستاذ الرفّة عن الأنظار، واكتفى بالجلوس في داره، وكنت أحسّ عند زياراتي له بين الحين والآخر بالوحشة التي تسكن داخله لفراق أحبابه سواء كانوا من رجال السّوق حيث حوانيت آل الرفّة في سويقة، أو في الساحة الفكريّة والأدبيّة حيث عاصر عددًا من رموز الشّعر والأدب، والأثر الشّعري الوحيد الذي تركه الرفّة كان ديوانه الذي صدر عن نادي المدينة سنة 1401هـ والذي حمل اسم (جداول وينابيع)، وكتب مقدمته الأستاذ الناقد المرحوم عبدالعزيز الربيع، والتي ضمّنها شيئًا من التاريخ الأدبي العريق لمدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ولقد تحدّث بعض من زار هذه الرّحاب الطّيبة قبل بضعة قرون فقال: إنّه لم يكن يخلو بيت من بيوتها من قيثارة شعريّة تغرّد أجمل الألحان، ولعلّها لم تكن بعيدة عن هذا الواقع حين تفتّحت أعيننا –نحن- أبناء جيل الخمسينيات (الهجريّة) على آفاقها المتألقة، ولكن المذياع والأسطوانات الصوتية، والتسجيل ثمّ التلفزة، هي التي عملت على فتح قنوات جديدة لتصريف الطاقات الفنّية في كثير من الأحيان ولإشباعها وإروائها في أحيان أخرى.
أما الجيل الذي نشأ فيه "الرفّة" فلقد كانت الوسيلة فيه للتسلية والترفيه، هي مذاكرة العلم ومساجلة الشّعر، وتطارح الأفكار والآراء فكانت بالنسبة له ولزملائه زادًا لا ينفد، ومعينًا لا ينضب للعلم والمعرفة وصقالاً ممتازًا لموهبته الشعرية المتفتحة.
لقد كتب الرائد الربيع -رحمه الله- هذه المقدّمة قبل وقت قصير من غفوته الأخيرة لعالم الروح، وكان يحدّق بعينيه في الحرف الذي عشق، والطرس الذي قضى حياته له مطالعًا ومحاورًا وناقدًا ومدوّنًا، ترى بعد حوالي ربع قرن من كتابة هذه المقدمة النقدية لديوان أحد رموز الأدب في طيبة الطيبة، وبعد أن رجع المُقدِّم والمُقدَّم له عن دارنا الفانية: ثم نقول لأبناء جيل لا يعرفون إلا القليل عن شحاتة، والعوّاد، وعبيد وأمين مدني، وماجد الحسيني، ومحمّد العامر الرميح، وإبراهيم الفيلالي، وحمد الجاسر، ومحمّد العقيلي، وحسين سرحان، ومحمّد علي السنوسي، وعبدالله سلامة الجهني، وعبدالرحيم أبوبكر، وعبدالسلام حافظ، ومحمّد هاشم رشيد وسواهم ممن أضاؤوا دروب الحياة بالكلمة الطيبة وعزفوا أرقّ الألحان وأعذبها بين الحجون إلى الصفا أو بين روابي قباء ووديان العقيق وعلى هدير المياه من سواني: الزهرة والأخوين، وسوالة والطيبية، والزاهدية.
رحم الله الأديب والشاعر الوطني عبدالرحمن الرفّة، والعزاء لأهله ولأسرة الأدب في المدينة وللبقية من أرباب الكلمة الأصيلة في طيبة الطيبة.
آخر الكلام: من شعر المبدع: عبدالمحسن بن حليت بن مسلم:
أنَا المدينةُ مَن في الكونِ يَجْهلُنِي
ومَن تَراهُ دَرى عنِّي وما شَغَلا؟
تَتَلمذَ المجدُ طِفلاً عِند مَدْرستِي
حتّى تَخرّجَ مِنها عالمًا رَجُلا
فتحتُ قَلْبي لخيرِ الخَلْقِ قَاطِبةً
فلمْ يفارِقْهُ يومًا مُنْذُ أنْ دَخَلا
وصرتُ سيّدةَ الدُّنيا بِه شَرَفًا
واسْمِي لِكلِّ حُدودِ الأرضِ قدْ وَصَلا
ومَسْجدِي كانَ.. بلْ ما زالَ أُمنيةً
تَحْبُو إليها قلوبٌ ضلّتِ السُّبَلا
فَكُلُّ مُغتربٍ داويتُ غُرْبَتَهُ
مسحتُ دَمْعتهُ حَوّلْتُها جَذِلا
وفي هَوايَ ملايينٌ تنامُ عَلَى ذِكْرِي
وتَصحُو على طَيْفِي إذا ارْتحَلا
تنافسُوا في غَرامِي.. أرْسلُوا كُتُبًا
وأنْفقُوا عِندها الرُّكبانَ والرُّسُلا
أنا (المنوَّرةُ) الفَيحاءُ ذَا نَسَبي
إذا البُدُورُ رأَتْنِي أطْرَقتْ خَجَلا
 
 
طباعة
 القراءات :208  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.