شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حسين بافقيه نبوغٌ مُبكِّر وعطاءٌ فكريٌّ مُتواصِل
عندما عدت من سني الدراسة لأمارس مهنة التدريس من جديد في الجامعة بعد انقطاع عنها، حيث قضيت سنوات في هذه المهنة الشريفة بالقرب من بيت الله الحرام وفي مدرستي عرفات وأم القرى الإعداديتين، وجدت أمامي في قسم اللغة العربية مجموعة من الطلاب النابهين وكان في مقدمتهم الزميل الكريم الأستاذ حسين بافقيه، والذي كان كثير الاطلاع والقراءة فأنت تجده في ممرات قسم اللغة العربية يمسك بكتاب بين يديه وإذا دخلت مكتبة كلية الآداب، ألفيته بين رفوفها باحثًا وعلى مقاعدها جاثيًا كما كان يفعل طلاب العلم بين مشايخهم في حلقات العلم والتحصيل.
نعم.. لقد كان يصعب على البعض من بيننا التعامل آنذاك مع طالب مثل حسين بافقيه لكثرة ما يلقيه من الأسئلة، وخصوصًا أن حسين كان معتدًا بنفسه، واثقًا من تحصيله العلمي إضافة إلى اشتغاله بالكتابة في الصحافة وكانت فترة الثمانينيات الميلادية قد شهدت انبثاق تيار الحداثة وكما يحصل عند انبثاق أي تيار فكري فلقد كان هناك المشايعون وكان الرافضون، ولكل حجته وبراهينه وإنني أرى أن الساحة الأدبية قد تجاوزت هذه المرحلة بكل حمولاتها، وأن ما شهده العالم من أحداث خطيرة كانت سببًا في التلفت بحذر حولنا ومعالجة أسباب القصور في مسيرتنا، كما كان سببًا في دفع العقلاء من كل تيار إلى الانحياز إلى الوسط والتعامل مع الطرف الآخر باتساع صدر، وسعة أفق، وكريم نفس، وأزعم أن حسين بافقيه من أولئك العقلاء الذين تراهن الساحة على وسطيتهم واعتدالهم الفكري، وعند جميع الأمم وفي كل الحضارات يمثل الوسط الخيار الصحيح، والتوجه العاقل وإن الأمة لتراهن على العقلاء ولا يمكنها أن ترهن نفسها للتطرف والتشدد والتعصب من جهة اليمين أو اليسار، لأن التشدد يغطي على أهم ميزة أكرم الله بها الإنسان وهي ميزة العقل والتي عليها مدار التكليف وبها تناط قضايا الثواب والعقاب.
ما كان يكتبه (السيد حسين) في الأربعاء بصحيفة المدينة ثم الملحق الثقافي بصحيفة الرياض ونشاطه المنبري في نادي جدة الأدبي وسواه أهله، لأن يكون بين مجايليه صاحب الرؤية النقدية الثاقبة، وتكشف الدراسة الموسومة (إطلالة على المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية) والمنشورة في سلسلة كتاب المجلة العربية ربيع الآخر 1426/1427هـ، تكشف هذه الدراسة عن الخلفية الفكرية العميقة التي يتمتع بها هذا الشاب الطلعة إضافة إلى معرفته بالتحولات الفكرية والأدبية في بلادنا منذ جيل شحاتة والعواد والفقي والقنديل وحمد الجاسر، والسنوسي، والعقيلي، وعبدالله عبدالجبار، وإبراهيم فيلالي وعبدالله بن إدريس، إلى جيل الدكاترة والأساتذة منصور الحازمي، وعبدالرحمن الشامخ، وحسن فرهود وعزت خطاب، وحسن باجودة، ومحمود زيني، ومحمد عبدالله مليباري ومحمد خضر عريف، وخالد البدلي، ومرزوق تنباك، وعبدالله المعيقل، وسعد الحميدين، وعبدالله الغذامي، وسعد البازعي، وسعيد السريحي، ومحمد مريسي الحارثي وعبدالله المعطاني وغيرهم.
أسندت إلى الأستاذ بافقيه رئاسة تحرير إحدى المجلات العريقة في بلادنا، وهي (مجلة الحج)، وأزعم أن المجلة التي كنت لصيقاً بها لفترة طويلة، شهدت قفزة نوعية بقسميها العربي والإنجليزي، وأضحت نافذة هامة يطلع من خلالها المهتمون بقضايا الحج والزيارة وتاريخ وتراث المدينتين الطاهرتين مكة المكرمة والمدينة المنورة على كل ما يمكن أن يكون موضوع فخر واعتزاز لهذه الأمة، التي أكرمها الله بهذا الدين الخاتم وبعث فيها نبيًا وصفته آيات الكتاب الحكيم بالخلق العظيم والرحمة الإنسانية الشاملة، ويكفي أن الناس كانت وما زالت تشدّ الرحال إلى هذه الديار المقدسة لأداء ما افترضه الله عليها من حج وعمرة ولأخذ العلم عن الرجال الموثوق بعلمهم ودينهم سواء كان ذلك في علوم الشريعة أو اللغة العربية، إضافة إلى علوم كانت تدرس بين أروقة بيت الله، ومسجد نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم ومنها المنطق، والفلك وعلوم الآلة وفي هذا دلالة على سعة أفق من تصدوا للعلم في جامعات الإسلام الأولى، ولعل أخطر ما تعرضت له ثقافتنا في العصر الحديث هو الفصل بين ما أطلق عليه نظرية وأخرى تطبيقية.
قدم الزميل (بافقيه) كل ما يملك من خبرة وتراكم ثقافي وفكري ليجعل من (الحج) مجلة تنافس المجلات الفكرية والأدبية والأخرى في داخل بلادنا وخارجها ، وكنت أدركت مبكرًا ضرورة إخراج المجلة من الدائرة المحدودة التي كانت مناسبة لحقبة ماضية إلى دائرة أكثر شمولاً واتساعًا وأن الأبعاد الثقافية والفكرية المعاصرة بإمكانها تشكيل رافد قوي لهذه المجلة الهامة في تاريخنا الصحافي والأدبي، وقد استطاع الزميل بافقيه أن يأخذ المجلة إلى هذه الأبعاد وسواها مستغلاً صلاته المتميزة برجال الفكر والأدب في داخل البلاد وخارجها حيث استطاع جلب نخبة مباركة من الكتّاب والمفكرين للإسهام في الملفات التي عنيت بها المجلة، وخصوصًا لجهة التركيز على دور الحرمين الشريفين وحلقات العلم فيهما منذ أمد طويل في إثراء الحركة العلمية والإصلاحية الدعوية في جميع الأقطار العربية والإسلامية؛ فرجال من أمثال "شكيب أرسلان"، و"عبدالحميد بن باديس" وأحمد علي باكثير، وأحمد رضا حوحو، ومن قبلهم في عصور ماضية مصلحون من أمثال الشيخين ولي الله الدهلوي ومحمد بن عبدالوهاب هم وسواهم من رجال الدعوة والإصلاح يعدون من ثمرات حلقات علماء ربانيين في مكة والمدينة: من أمثال الشيخ إبراهيم الكوراني المدني وابنه أبي الطاهر محمد بن إبراهيم الكوراني، وسليمان كردي المدني وعبدالله بن سيف، ومحمد عابد السندي، وعبدالله بن سالم البصري، والسيد حسين الحبشي العلوي، وفالح الظاهري، وحسين أحمد الآبادي وعمر بن حمدان المحرسي وحمدان بن الويس، وأبو الطيب الأنصاري، وحسن المشّاط، وحبيب الله الشنقيطي، ومحمد الأمين الجكني الشنقيطي ومحمد المختار الشنقيطي، ومحمد ياسين الفاداني.
كما ركزت المجلة على إبراز جوانب عديدة أخرى تتصل بدور علم الإسناد في توثيق الصلات العلمية بين علماء الحرمين الشريفين وعلماء المؤسسات الدينية والفكرية في العالمين العربي والإسلامي، وكذلك إبراز المجلة للدور الذي أدته الرحلات العلمية التي قام بها رحالة عرب وأجانب من أمثال العياشي، والنابلسي والورثيلاني والكتاني، وشكيب أرسلان صاحب "الارتسامات اللطاف"، و"سنوك"، و"سير ريتشارد بيرتون" وسواهم، فدوّنوا فيها أي في هذه الرحلات، النشاط العلمي والفكري لبلاد الحرمين الشريفين وألقوا الضوء على الجوانب الحضارية والاجتماعية لهذه البلاد.
اليوم .. يترجّل الابن والزميل الأستاذ حسين بافقيه من رئاسة تحرير المجلة بعد أن استقامت مسيرة المجلة، واشتدّ عودها وقوي بنيانها بتوفيق الله ثم بجهود رجال من أمثال أصحاب المعالي: الأساتذة محمد عمر توفيق والسيد حسن كتبي، والأستاذ عبدالوهاب عبدالواسع، والدكتور محمود بن محمد سفر، والسيد إياد بن أمين مدني، والدكتور فؤاد فارسي، ولن ينسى التاريخ كذلك دور رؤساء التحرير السابقين منذ أول رئيس تحرير لها السيد هاشم زواوي ومرورًا بالأستاذ الأديب محمد العامودي، وأستاذنا الفاضل أحمد محمد جمال، ومصطفى عبدالواحد والأستاذ عبدالله بوقس، ولرجال آخرين آزروهم من أمثال: أستاذنا محمد صلاح الدين الدندراوي، والكاتب المعروف حامد عباس، والأستاذ الكريم محمد عبده الألمعي، والسيد خالد علوي، وخالد آل زيد والأستاذ الأديب عبدالمحسن حلِّيت وعبدالله الطياري والزميل الباحث الدكتور بكر باقادر، الأستاذ حاتم بن حسن قاضي صاحب السلوكيات الرفيعة خلقًا ودينًا؛ مما يسر النفس ويبعث على كثير من الأمل والطموح هو تسلم الراية من قبل الزميل الأستاذ والكاتب والصحافي المعروف الأستاذ "محمد صادق دياب" والذي عاش حقبة مباركة من حياته في أرض مكة المشرّفة، كما عرف كثيرًا من رجال وأبناء المدينتين المقدستين إضافة إلى إسهاماته المتعددة سواء في ملحق الأربعاء الأغر بصحيفة المدينة حيث تسلّم مسؤوليته بعد أخوين كريمين أضاف إليه الكثير وهما الرائد السيد عبدالله جفري ورديفه الأستاذ علي محمد حسون، ثم لدور آخر صحافي قام به عزيزنا الدياب في مجلة سيدتي، ولأدوار أخرى تسلّم فيها رئاسة تحرير مجلتي اقرأ، والجديدة، وهو لم يكتف بتسلم هذه المناصب القيادية الهامة في الصحافة المحلية والدولية، بل أصدر عددًا من الكتب التي تؤرخ للنواحي الاجتماعية في بلادنا ولمعرفته الواسعة بالتراث الشعبي ومكوناته، فلقد أصدر عددًا من الكتب الإبداعية التي تحكي بأسلوب قصصي ومشوق كثيرًا من المواقف الإنسانية التي حفل بها تاريخنا الاجتماعي، مما يجعل الأجيال الحاضرة تستعيد ذلك الماضي الجميل لتبني عليه حاضرًا قويًا ومشرقًا ويأتي هذا في صميم دور المربي والموجه الصحافي أبو غنوة، وإنني لأكتب اليوم يحدوني أمل كبير في أن يسود الساحة الأدبية الصحافية في بلادنا الكثير من المعطيات التي عرفها أسلافنا من الوفاء والاعتراف بالجميل للرموز المضيئة في حياتنا، ولكثير من حسن الظن الذي بدونه لن تستطيع أي أمة من الأمم التقدم في مضمار الحضارة والفكر، سائلاً من الله أن يجعل ما تبقّى من العمر خيرًا وإحسانًا وصلاحًا والله ولي التوفيق.
 
طباعة
 القراءات :259  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 41 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج