شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة لسعادة الأستاذ أمين عبد الله القرقوري مدير عام مؤسسة
البلاد الصحفية ))
- بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، الله لك الحمد أن وهبتنا القرآن وشريعته الخالدة لتكـون نبراسـاً للحـق وأساساً للعدل ومظلة لسعادة الإنسان الكاملة في هذه الحياة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته ومن آمن برسالته و أهتدى بهدية، فقد كان وما زال صلى الله عليه وسلم القدوة والمثل الكامل ليس في نظر المسلمين فحسب بل وفي رؤى غير المسلمين من العلماء والمفكرين والمؤرخين المنصفين، وقد سبق أن قدمه صاحب كتاب الأبطال في كتابه بعنوان "البطل في صورة نبي"، وتحدث عنه الكثيرون وفي الكتاب الذي أصدره مؤرخ أمريكي عن أعظم مائة رجل في التاريخ كان محمد بن عبد الله هو الرجل الأول في هذا الكتاب رغم أن المؤلف ليس مسلماً، ولكنه نظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، نظرة المؤرخ المنصف المتجرد للحقيقة، وقد أدى الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته كاملة، وهي ميزة تتفق مع كون الإسلام هو الرسالة الكاملة، وهي الرسالة التي أنتهى بها وحي السماء إلى الأرض، صلى الله عليه وسلم وصحابته.
والحديث في هذه الأمسية عن رجل أشعر بأسف بالغ لأنني ما عرفت شيئاً عنه قبل هذه الأمسية، ربما لأنني لا أبحث كثيراً عما ينشر ويكتب رغم أنني من عشاق الكلمة التي تدعو إلى الحق والخير والجمال، ولكني أضع في نفسي مقياساً لا أتخلى عنه وهو أنني أنظر دائماً بصدق إلى رجال العلم الديني، وأقدر دورهم في تاريخ الإسلام العظيم، يكفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"العلماء ورثة الأنبياء".
وحين نستعرض تاريخنا نتوقف أمام هجمات شرسة قادها الكفار والمشركون وساهم فيها بعض الذين أضلهم الله من المسلمين بالوراثة، أو بالولادة نجد أن الإسلام، عصر القوة والازدهار والانطلاق وكان العلماء هم الذين يدافعون عن الإسلام ويحفظون بيضته، وينشرون رسالته ويضمنون للأجيال التي تحظى بوجودهم والأجيال التي تأتي من بعدهم أن تصل إليهم رسالة الإسلام كما تركها الرسول صلى الله عليه وسلم، في كل مناسبة يكرم فيها عالم أشعر بالغبطة واحتفل في نفسي بهذا التكريم، لأننا في عصر يجب فيه علينا أن نكرم العلماء، وأن نشرف بهذا التكريم، وأن نسهم في هذا التكريم، إننـا في هذا العصر نواجه الكثير والكثير من أساليب التضليل التي يقودها نفر من أبناء المسلمين بالوراثة، ولقد كتب الدكتور محمد حسين رحمه الله كتاباً بعنوان (حصوننا مهددة من الداخل)، وقد مضى الزمن سريعاً وإذا بالحصون تحتل من الداخل، إذا بأبناء المسلمين الذين يحملون الشهادات ويؤلفون الكتب يتعصبون للأفكار الوافدة بشكل يفوق تعصب أصحاب هذه الأفكار، ولعلكم جميعاً تذكرون الشهادة القيمة التي أدلى بها الشيخ الإمام محمد الغزالي أمام المحكمة العسكرية التي حاكمت قتلة المهندس الفودة، وكان كمن يحرث في البحر، أو كمن يصرخ في واد، قد تحدث رحمه الله وهو العالم الجليل حديثاً طويلاً ولكن أحداً لم يأبه بما قال لقد قال الأستاذ الإمام رحمه الله إن فرج فودة كان يستنفز الإسلاميين وكان يعتبر نفسه في معركة مع الإسلام، رغم أنه ولد مسلماً.
في هذا الظرف وفي هذا العصر وأمام هذه الهجمات، من يوقف هذا الزحف غير العلماء؟ العلماء العاملين الذين يعرفون الإسلام ويعرفون حقائق العصر الذي ينطلق فيه الإسلام برسالته، إن واجبهم عظيم، ولولا العلماء لاجتاحت الأفكار الوافدة حصوننا حصناً حصناً، ولقد أثبت الإسلام ممثلاً في العلماء قدرته على مجابهة الأحداث في كل زمان وفي كل مكان، وحين ارتفعت أصوات الماركسيين يزعمون وهم ضالون ومضلون ومنخدعون، يزعمون أن الماركسية تحمل الحل المثالي لمشكلات العالم، وقف العلماء المسلمون وألَّفوا الكتب والمحاضرات يقدمون تراث الإسلام العظيم ولكن الذين أضلّهم الله ظلوا تحت راية الصليب وراية الماركسية يدافعون عن أفكارهم كأنما هم من المسيحيين، أو من الصليبيين، ومرت الأيام وأثبت العالم أن رسالة الماركسية أقل و أحقر من أن تواجه رسالة الإسلام، في خلال سبعين سنة انتهت الماركسية، واعترف الماركسيون في قلعتهم بأن الماركسية غير قابلة للتحقيق، وغير مفيدة للبشرية. ومن العجيب أن الماركسيين وأمثالهم ذهبوا يقولون إن الماركسية لم تفشل ولكنها لم تطبـق التطبيق الصحيح مع أن الماركسية فشلت في التطبيق، وفشلت كفلسفة، ولقد انطلق علماء أوروبا أنفسهم ينتقدون الماركسية ويؤلفون الكتب.
أذكر أن العلامة صاحب كتاب (حضارة العرب) غوستوف لوبون ذكر في كتابه عن الاشتراكية أن الاشتراكية لم تبدأ، ولكنها انتهت، أقول إن الماركسية حاولت في مسيرتها المتعثرة والظالمة أن تصحح أخطاءها، وعدلت الدستور الروسي أكثر من مرة و ثبت في الواقع أن الأرض التي منحت للقطاع الخاص لزارعتها حققت إنتاجاً يفوق الإنتاج الاشتراكي الحكومي بخمسين مرة في بعض الأحيان، هذا الواقع تنبه إليه العلماء المسلمون، وكتبوا وألّفوا فيه الكتب. والحمد لله أنَّ وقفتهم أدت إلى إنحسار هذه الهجمة الشرسة، ولعلي أحمد الله عز وجل أنني كنت ممن انتقدوا الماركسية، وقدمت في الإذاعة السعودية، أكثر من سبعين حلقة عن الاشتراكية، وقلت في هذه الحلقات إن الاشتراكية ستنتهي وإنها لا تتفق ومنطق العلم ولا مع أصول العلم، ولا مع الحياة، أقول إنني أكبر العالم المسلم في موقعة كأستاذ في الجامعة، أو كمدرس في المسجد أو كصاحب قرار وحُكم في المحكمة الشرعية، ولذلك فإنني أشعر مخلصاً أنني أقوم بواجب يجب أن يقوم به الجميع.
وقد تحدث صاحب الاثنينية وهو يمثل ريادة أدبية تاريخية لم يسبقه إليها سابق، تحدث في كلمته الجامعة عن رسالة القضاء للخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وهي رسالة خليقة بالدراسة، وخليقة بالتأمل وقمينة بالإكبار، وأذكر هنا أن صاحب كتاب (الحضارة الإسلامية) و هو مستشرق نمساوي، وأعتقد أن اسمه "جروبان هاو"، ذكر في كتابه أن أستاذاً قانونياً في النمسا قرأ هذه الرسالة مترجمة وقال إنها صالحة لهذا العصر، وأنه كقانوني لا يستطيع أن يضيف إليها شيئاً، لأنها رسالة كاملة، القضاء في هذا العصر مهمة جليلة ولكنها في الوقت نفسه مهمة دقيقة وصعبة، لأنها تمثل الإسلام، وتمثل عدالة الإسلام، وحين يحكم القاضي باسم الإسلام فإنما يقدم الصـورة التي يجب أن تقدم كاملة وزاهية وصادقة عن الشريعة الإسلامية، ولعلي أذكر هنا أيضاً أننا حين نتحدث عن الشريعة الإسلامية لا نتحدث بعاطفة الإسلام وحدها، ولكننا نتحدث أيضاً بالدراسة والمنطق والتطبيق، وتعلمون جميعاً أن مؤتمر الفقه الإسلامي الذي عقد في جامعة السوربون في عام 1936م درس الفقه الإسلامي ومبادئه وأصوله، وأصدر قراراً ذكر فيه أن الشريعة الاسلامية تحتوي على الإحكام التي تجعلها صالحة لهذا العصر، ولعلي أضيف هنا أن المسلمين امتازوا عن جميع الأمم في تاريخ البشرية بأنهم قدروا لها علم أصول الفقه وهو العلم الوحيد الذي لم تقدم مثله أمة من الأمم، فقد كانت القوانين ولا تزال توضع في مجالس الشعوب، وتؤخذ من أحكام بعض المحاكم، ولكن لا توجد في غير الأمة الإسلامية قواعد أصولية للفقه.
الحديث عن الشريعة في هذا العصر، وعن الأباطيل التي يوجهها الضالون من عملاء الصليبية والصهيونية للشريعة الإسلامية وعدم صلاحيتها للتطبيق حديث طويل طويل.. ولكن الزمن يثبت لنا في كل وقت أن شريعة الله الخالدة صالحة لهذا الزمان ولكل زمان، ومع أني لم أعرف شيخنا الذي نحتفي هذه الأمسية به، و لكن السيرة التي قدمت عنه، والحديث الذي قدمه عنه الأديب الأستاذ محمد عبد الله الحميد يعطي صورة عن رجل يمثل جيلاً كاملاً، هو جيل الكفاح والعصامية والتفوق، إني لأعجب لما صنع هذا الجيل في كل مجال، أعجب لهذا الجيل الذي كوّن نفسه بنفسه، وأعجب لهذا الجيل الذي خرج منه من أسسَ الصحافة في زمن كان صعباً وكان في منتهى الشظف والقساوة، هذا الجيل الذي قدم رجالاً أسسوا المدارس وطبعوا الكتب، إنه حقاً جيل جدير بالإكبار والتقدير، وهذا الرجل الشيخ الجليل الذي نحتفي هذا المساء بتكريمه هو من جيل جاهد وكافح ليؤدي واجبه نحو عقيدته ونحو أمته في زمن يجب على المسلم أن يؤدي هذا الواجب ليكون كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، أنت على ثغرة من ثغور الاسلام فلا يؤتين من قبلك.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :644  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 132 من 146
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج