شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتورة أروى بنت علي السيد))
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه الكرام.
والدي الكريم الشيخ الفاضل عبد المقصود خوجه، أصحاب السعادة، السيدات والسادة، أيها الحفل الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدلله الذي أكرمني بأن أكون من مواطنات هذا البلد الذي أضاء ظلام الإنسانية ببزوغ رسالة الإسلام الخالدة على هذه الأرض الطاهرة، وعلى يد خير خلق، الله محمد بن عبدالله سيد الأولين والآخرين والمبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه و سلم.
نعم... لقد أكرمني الله بهذا الوطن الذي لم يبخل على أبنائه بالغالي والنفيس.
هذا الوطن الذي فتح لنا طريق العلم في شتى المراحل، وأغدق علينا العطاء بلا مِنّة، ولا يزال يُغدق علينا بخيراته، ويحتضننا بصدر يفيض حناناً وكرماً.
والحمد لله الذي وهب لنا ولاة أمرٍ كرّسوا حياتهم لخدمة هذا الوطن وأهله.
إخواني.. أخواتي الكريمات.. لقد منّ الله علي بوالدين يقدّران العلم والمعرفة، ويؤمنان بأهمية هذه الرسالة في حياة الفرد، ورفعة شأنه، فقدّما إلي كل عون، وكل محبة وتشجيع على مدى مراحل مسيرتي العلمية والعملية. كما كانا -أدامهما الله- يؤازرانني ويأخذان بيدي خطوة بخطوة، فكم سهرا من ليلة كنت أقضيها بالدراسة لمساندتي ودعمي.. وكم ذلّلا لي الصعاب والعقبات.. وكم غمراني بدعائهما الصادق ورضائهما الدائم.. وكم.. وكم.. وكم... وكان والدي منذ صغري يردد على مسمعي هذه الجملة، "ارفعي راسي يا بنتي".
وكانت أمي تقول "كوني دائماً قدوة حسنة، ولا تكوني غير ذلك".
وقد منّ الله علي أيضاً بإخوة وأخوات كانوا دوماً عاملاً مشجعاً ومساعداً لي.. وجميعهم -بفضل الله- حاصلين على درجات علمية متقدمة في تخصصاتهم.
فكان نتاج هذه الأسرة بتوفيق من الله إنني لا أذكر أنني حصلت في أية سنة من مراحل الدراسة على أقل من الترتيب الأول، وعلى درجة التفوق أو الامتياز في المرحلة الجامعية، ومراحل الدراسات العليا. وامتد فضل الله عليّ بأن رزقني أبناء جميعهم متفوقون في تحصيلهم العلمي، كما أنهم من الطلاب المثاليين في مراحلهم الدراسية.
أيها الحضور الكريم.
لا يخفى على أحد صعوبة مهنة الطب ومتطلباتها على جميع الأصعدة.. ولا أُخفي عليكم أنها لم تكن في يوم من الأيام من الاختيارات التي كنت أفكر أو أحلم بها.. فقد كان انطباعي أن الطبيبات ليس لديهن وقت لرعاية أسرهن أو الاستمتاع بحياتهن، وأن وقتهن هو ملك غيرهن، وليس ملكهن هنَّ.. باختصار كنت أظنّ أن حياة الطبيبات حياة شقاء ومعاناة.. وكنت أرى ذلك مثلاً حياً في إحدى قريباتنا التي كانت تعمل طبيبة نساء وولادة، وكانت تشتكي دوماً بأن تفتقر إلى وقت لرعاية أبنائها على الوجه الأكمل. وقد كنت بطبعي، كحال أية فتاة، أقدس الحياة الزوجية وأحلم بأسرة مثالية وأطفال سعداء وناجحين.
وتخرجت في الثانوية العامة بمعدل 100٪، وجاء دور الجامعة والتخصص، وكنت أرغب في تخصص محاسبة أو إدارة أعمال. ورفضت أسرتي ذلك بشدة، وبالذات إخوتي الذين حاولوا إقناعي بدخول معترك الطب، ولكن لم أقتنع البتة، ولكن شاءت الأقدار أن يكون إقناعي عن طريق مديرة القبول والتسجيل التي رفضت تسجيل تخصصي إدارة أعمال كاختيار أول، وقالت لي: "اكتبي طب بشري"، فقلت لها: "لا أحب المناوبات". فقالت لي: "اكتبي طب أسنان، وبعدها طب بشري، واكتبي في الأخير إدارة أعمال، وانظري أن الله سيختار لك الأصلح". وكان اختيارها لي - بحمدالله - هو مفتاح نجاحي وسعادتي، فجزاها الله عني ألف خير.
بدأت هذا الطريق الشاق، وعشقت كل مرحلة به. واجتهدت، فأنجزت، فتفوقت، فأبدعت. وكانت مهارتي خلال الدراسة واضحة في مادة علاج وجراحة الأنسجة المحيطة بالأسنان. وقد قالها لي أستاذي البروفسور السويدي الجنسية "أروى لديك يدين سحريتين بارعتين في الجراحة.. وسوف يكون لك مستقبل باهر في هذا المجال".
تخرجت في الجامعة بمرتبة الشرف، وكانت فرحة الأهل لا توصف، واكتملت الفرحة عندما حصلت على الوظيفة، وعلى الابتعاث فوراً لدراسة تخصص علاج وجراحة الأنسجة المحيطة بالأسنان، وجاء القبول في إحدى جامعات كندا المشهود لها عالمياً بالسبق والتقدم في هذا التخصص، فكنت كمن ركب بحراً من الأحلام، لا يعرف كنه أمواجه ولا يدرك منتهاه.
وبعد المقابلة الشخصية علمت من رئيس هذا البرنامج بأنني سأكون أول عربية يتم قبولها في هذه الجامعة، فلم يسبق لأحد من العالم العربي أن التحق بها. ومن خلال مجريات المقابلة شعرت بأن قبولي في هذا البرنامج كان بسبب رغبة رئيسه للتعرف إلى طبيعة العرب، وبالأخص الشعب السعودي: حياتهم، أفكارهم، جديتهم، تعاملهم.. فقد كنا عالماً مجهولاً بالنسبة إليه. وبدأت أتخبط في الحيرة.. هل أبدأ أم انسحب.. وفي كل لحظة كنت أتذكر كلام والدي لي بأن الدراسة بالخارج محفوفة بالمتاعب، وأن عليّ بالصبر والثبات إلى أن أحقق هدفي.. وكانت أمي تقول لي: "لا ترجعي إلا بالشهادة".
فقررت الاستمرار في هذا البرنامج، أولاً لتعلم هذا التخصص، وثانياً لإثبات وتوضيح كفاءة وقدرات وبراعة الطلبة السعوديين، وهي مسألة كانت بمثابة تحدٍّ بالنسبة إليّ.
وبدأت المعاناة.. ولا أخفيكم أيام العذاب التي مرت علي، ليس فقط من رئيس البرنامج، بل من زملائي في الدراسة الذين جاءوا من أوروبا وأمريكا، فكانوا ينظرون إلي نظرة دونية، وكنت طيلة المدة أعمل بصمت وبجدية مطلقة، حتى أنهم أطلقوا علي لقب "جهاز"، وجاءت النتيجة فقد حصلت في الاختبار الكتابي الأول على 99 من 100، وفي الاختبار الإكلينيكي على الدرجة "أ"، فكنت الأعلى بينهم.
ودخل العام الثاني، فأصبحت -بفضل الله ودعاء الوالدين المستمر- المرجع لزملائي في هذا التخصص، وكسبت تقدير واحترام وثقة وإعجاب الجميع... وتخرجت بتفوق وحصلت على قبول مباشر لتخصص زراعة الأسنان في جامعة تورنتو عن طريق رئيس القسم الذي دعمني وشجعني، وكان يثني علي، ويشيد بمهارتي وذكائي، وقال لي قبل مغادرتي "لو فيه سعوديون مثلك أرسليهم إلينا".
انتقلت إلى تورنتو وبدأت في دراسة التخصص الثاني، ولم يكن اجتهادي أقل من سابقه، بل أنني قمت، من خلال دراستي وتعمقي وبحثي المتواصل، بتطوير نظام زراعة كندي كان معمولاً به في الجامعة ومنتشراً استخدامه في كندا وأمريكا وأوروبا، وقمنا بتجريبه وعرض نتائجه التي كانت بفضل الله مبهرة ومشرفة، ليحل بذلك بدلاً عن النظام السابق المعروف عندهم. وحصلت به على جائزة أفضل بحث في الجامعة لذلك العام، وقدمت الجامعة لي عرضاً للعمل كأستاذ مشارك في قسم زراعة الأسنان. وحصلت أيضاً على شكر واعتراف من الشركة المصنّعة، فقد أصبح النظام الذي طورته هو النظام المعتمد في الشركة الأم.
بعد ست سنوات من الدراسة المتواصلة عدت إلى وطني، إلى أهلي وأسرتي، وأنا أحمل شهادتيْ تخصص.. عدت لأرد الجميل للوطن ولأبنائه، وبدأت بالعمل الدءوب. بدأت أعمل بكل تفانٍ وإخلاص في علاج المرضى، وأشارك في تعليم الأطباء وتدريبهم وإلقاء المحاضرات والمشاركة في المؤتمرات المحلية والدولية. فكتب الله لي أن أكون طبيبة ناجحة وأستاذة مميزة في جراحة اللثة وزراعة الأسنان... وكانت السعادة تغمرني في كل لحظة أسمع دعاء المرضى لي واعتراف وتقدير المتدربين الأطباء.
وازداد الحمل علي عندما كلفني رئيس القسم بالعناية بمرضى زراعة الكلى الذين يعانون من انتفاخات لثوية حادة جراء الأدوية الموصوفة لهم، وهنا بدأت قصة الاكتشاف.
باختصار شديد لاحظت من خلال علاج هؤلاء المرضى أن جزءاً منهم تحدث له انتفاخات لثوية، أما الجزء الآخر فلا يحدث له أي شيء مع تساوي جرعات الأدوية، ومدة إعطائها لكلا الطرفين.
إذاً فلا بد من وجود دور وراثي وخلل جيني في هذه المشكلة، فبدأت في البحث والقراءة، ووجدت أن الموضوع يحتاج إلى الانخراط في برنامج متخصص لدراسة هذا العلم ومعرفة حيثياته، إذ إن القراءة وحدها لا تكفي.
بحثت في الجامعات التي توفر هذا التخصص، وقدمت طلباً لدراسته، وحصلت على قبول في جامعة لندن، وتمكنت من إقناع رؤسائي في العمل لابتعاثي مرة أخرى للدراسة. وبعد جهد حصلت على الموافقة، وسافرت إلى بريطانيا، وعدت مرة أخرى إلى مقاعد الدراسة بكامل رغبتي وتحمسي للحصول على العلم الدقيق في هذا التخصص.
وطوال سنوات الدراسة الثلاث اكتسبت إعجاب المشرفين على التدريب وتقديرهم واحترامهم، وجاء وقت التخرج ومناقشة البحث، فطلب مني رئيس البرنامج قبل يوم واحد من تاريخ المناقشة أن أريه المحاضرة التي سألقيها على الممتحنين، خاصة أني لا أعرفهم جميعاً، إذ تم اختيارهم من جامعات أخرى، ففعلت وعرضت عليه جميع الشرائح لنتائج البحث، فسُرّ كثيراً، وابتسم، وقال لي: "عمل رائع، ونتائج أروع". وهمس بصوت منخفض: "أنت سوف تبهرين الممتحنين، وأعتقد أنك سوف تحصلين على امتياز ليلة باردة ماطرة".
خرجت من الجامعة وذهبت إلى البيت والفرحة تملأني، فلم أكن أحس بقدمي وهما تحملانني.
في طريق عودتي، مررت على محل الحلويات كي اشتري كعكة لأطفالي لأدخل السرور عليهم. ولكن قبل أن أدخل المنزل اعترضني متسول ملثم يحمل سكيناً، وهو يصرخ في وجهي: "اعطني كل ما في محفظتك، أو فصلت رأسك عن جسدك" وكان يضع السكين على رقبتي لا أخيفكم لم أتذكر شيئاً سوى الشرائح التي كانت في حقيبتي فإذا ذهبت لا أعلم ماذا أفعل طلبت منه أخذ كل شيء واعكني الشرائح، دفعني بقوة وأخذ الشنطة بما فيها بكيتُ واتصلت بوالدتي فقالت لي اقرئي وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (الضحى: 5). بلّغت المشرق وقال لي سوف اعطيك اسبوعياً لتحضير نفسك وبعد يومين اقسم بالله وجدت الشنطة أما البيت.
وجدتها أمام المنزل وشرقت الأوراق ولكن الشرائح بقيت كما هي مبللة بالمطر..
وأجريت المناقشة، وتخرجت بتفوق، فكنت أول عربية تحصل على امتياز في هذا التخصص من هذه الجامعة. وقد كرمني سفير خادم الحرمين والملحق الثقافي في بريطانيا على هذا التفوق، وعدت لأطبق ما تعلمته على هؤلاء المرضى، فعملت مع قسم زراعة الكلى وبدأنا ندرس حالات هؤلاء المرضى. وبعدما يقرب من الثلاث سنوات توصلت إلى مسبب هذه المشكلة المتمثل في وجود خلل في جينى مستقبل هرمون الأندروجين عند مرضى الانتفاخات اللثوية، مقارنة بالمرضى الآخرين الذين لم يصابوا بهذه التورمات، وبذلك أصبح بالإمكان لدينا تحديد مرضى زراعة الكلى المعرضين للإصابة بالانتفاخات اللثوية، وإعطائهم علاجاً آخر لا يتأثر بالخلل الجيني، وبذلك نكون قد أنهينا هذه المشكلة بإجراء فحص بسيط للمريض قبل عملية زراعة الكلية، وتحديد الدواء المناسب له.
لم أكن أدرك قيمة ما توصلت له، إذ إن الأمر انتهى بإبلاغي لرئاسة القسم بطلب إنشاء عيادة مخصصة للتحليل الجيني لهؤلاء المرضى، غير أن زوجي، الدكتور كتاب بن عيد العتيبي، المستشار الطبي لسيدي صاحب السمو الملكي، الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد ووزير الدفاع... لفت نظري إلى قيمة هذا الاكتشاف ومردوده الإيجابي على هؤلاء المرضى، وشجّعني -جزاه الله خير الجزاء- على نشر هذا الاكتشاف في المجلات العلمية، والرفع به إلى الجهات العليا لتقييمه وتوثيقه، وجاء الجواب من ولاة الأمر باستحقاقي وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى وتشريفي بتقليد هذا الوسام لي من قبل صاحب السمو الملكي، الأمير خالد بن سلطان، نائب وزير الدفاع، وبحضور والدي وزوجي.
فتذكرت في تلك اللحظة طلب والدي "ارفعي راسي يا بنتي".
إخوتي الكرام...
إن هذا التكريم شرف يُضاف إلى تكريمي من قِبَلِ ولاة الأمر، وهو تكليف، والتكليف يعني الاجتهاد، والاجتهاد يعني العطاء.
أسأل الله أن يعينني على تحمل هذا الواجب ويوفقني إلى مزيد من العطاء، لخدمة هذا البلد المعطاء.
وقبل الختام أحب أن أنقل إليكم، بأنني قمت بإنشاء مركز أبحاث متخصص لطب الأسنان -المركز الأول والفريد في مملكتنا الحبيبة، ولدي في الوقت الحاضر ثلاثة أبحاث في تخصص زراعة الأسنان والمواد الحيوية، تبشر نتائجها-بحمد الله- بالخير، وأدعو الله أن تكون الرائدة في هذا المجال، وسأنشرها بإذن الله، وعندها سأذكر بالفخر والامتنان كل من كرّمني واحتفى بي، فالتكريم رمز لمن اجتهد، ورفعة شأن لمن اعترف، فأنتم الفضل وأنتم أهله.
أكرر شكري الجزيل، وأدعو لكم من قلب صادق بأن يجزيكم الله خير الجزاء، ويثيبكم على هذا العمل الرائد.
والسلام عليكم ورحمة الله.
عريف الحفل: شكراً لسعادة ضيفتنا الكريمة الدكتورة أروى بنت علي السيد على هذه الوقفات الموفقة وهذه اللمسات الجميلة، وأيضاً الحضور الطاغي.. والآن نبدأ بطرح الأسئلة، والفرصة الآن لزميلتي نازك الإمام، في القسم النسوي، وللأسئلة هناك.
 
طباعة
 القراءات :582  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 108 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج