شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الزمان (1)
شكوى الزمان باب معروف من أبواب الشعر العربي منذ القدم، وما نزال نسمع صرخات شعراء العرب تدوّي في آذاننا إلى اليوم، وتكاد تصتك لها المسامع.. وهذه صرخة تضاف إلى تلك الصرخات إن وجدت لها مكاناً.
شَكَوْنا زماناً لا يُمِرُّ ولا يُحْلي
مَسيخَ مذاقٍ مثلَ مُسْتَكْرَه البَقْلِ (2)
نُرَاوِحُ منه فاسدَ الرَّأْيِ والهوى
أذىً، ونُغادي أعْوَجَ الفرعِ والأصلِ
ولسْنا نُبالي المالَ، فالمالُ هَيّنٌ
ولا المَجْدُ.. إنّ المَجْدَ في نَفْثَةِ الصِّلِّ
رغائُبنا شتَّى، وتجمعُ بينها
إذا ما تعادتْ فطرةُ النفسِ والعقلِ
فللنّفس أوطارٌ، وللعقلِ مثلُها
لو احْتَكما يوماً إلى حَكَمٍ فَصْلِ
وجدتُ زمانَ السَّوْء يخدعُ أهلَهُ
وَهُم خادِعُوهُ حَذْوَكَ المِثْل بالمِثْلِ
فمن يستطيبُ الجاهَ، أسْنَى حِباءهُ
ومن يَتَصَبَّى المال أغراهُ بالجَزْلِ (3)
ومن يَشْتهي اللّذّاتِ أولاهُ بَحْرَها
يُخَوِّضُ منه في المَرِيءِ وفي الرَّذْلِ (4)
وظنّوا بأنّ العيشَ -لا عيشَ مِثْلُهُ
كذاكَ، فَلَجُّوا فيه بالخَيْلِ والرِّجْلِ
فما خيبةَ الدنيا، إذا ظُنَّ أنها
مطاعمُ تَسْتَهْوي البطونَ إلى الأكْلِ
فَما قيمةُ العِرفانِ، ما قيمةُ الحِجَى
وما لَذَّةُ المَعْنَى، وما رَوْنَقُ الفَضْلِ؟
* * *
وقومٍ من الشُّربِ المُصَرَّدِ خُيِّبُوا
فباتوا على عيشٍ أشدَّ من القَتْلِ
على حين ألوانُ الجنانِ تَرَادَفَتْ
وجادَ على أفْيائها صَيِّبُ الوَبْلِ
تراهُمْ إذا ما اسْتَعْذَبَ الورْدُ حُلّئوا
وصُكُّوا صَكَاكَ الجُرْبِ في عَطَنِ الإبلِ (5)
ولا ضحلَ في ماءٍ، ولا جَدْبَ في ثَرَى
ولكنّه حُكْمُ الخَصيبِ على المَحْلِ
* * *
فيا زمناً ألْفَيْتُهُ لا يريدُنا
بِحَزْنٍ، ولسْنا بالمريديهِ في السَّهْلِ
تَناءَتْ بنا أمْدَاؤنا، وتعَذَّرَتْ
مسالِكُهُ عنّا على مُلْتقَى السُّبْلِ
أرَانا نُرَجِّي منك ما ليس يُرْتَجَى
ونَبْلي فَنَلْقَى في الكنى شرَّ ما نُبْلي
ويُرْهِقُنا ليلٌ طويلٌ ظلامُهُ
فلا نجمَ في أفْقٍ، ولا نَوْرَ في حَقْلِ
وإنّ أغانينا لَفِي حُرْقَةِ الأسَى
وإنّ أمانينا لفِي حَسْرَةِ الثَّكْلِ
* * *
رَجَا نَيْلَكَ الرّاجونَ من كلِّ طُغْمَةٍ
فأعطيتَهُمْ في سرعةٍ منك أو رسْلِ
وكنتَ حديدَ النَّاب مُسْتَوْعِرَ الذُّرَى
على كلِّ زاكي المُجْتَنَى وافرِ النُّبْلِ
كريمٍ تزيدُ الحادثاتُ جبينَهُ
جلاءً، كما زينَ المُهَنَّدُ بالصَّقْلِ
تَعّبْدَتَ أحْرارَ النّفوسِ فأفْلَتُوا
من الغِلِّ، إنَّ الشرَّ أجْمَعَ في الغِلِّ (6)
وصفَّدْتَ عِبْداناً بفضلكَ غرَّدُوا
ليَهْنِكَ منهم كلُّ مُسْتَحْمَقٍ فَسْلِ (7)
 
طباعة

تعليق

 القراءات :458  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 215 من 288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.