وَمُنْدَفِعٍ تِيَّارُهُ في سُهُولَةٍ |
كما انْسَابَ مَعْسُولُ اللَّمى في تَمَهُّلِ |
يَسيرُ بِبُطءٍ تَحْسِبُ العَيْنُ سَيْرَهُ |
قَرَاراً، وَيَمْضِي الدَّهْرَ لَمْ يَتَحَوَّلِ |
على جَانِبَيْهِ النَّبْتُ يَنْمُو كَأنَّهُ |
رُؤَى نَائِم قَدْ صُوِّرَتْ في التَّخَيُّلِ |
وَمَا مِنْ خَريرٍ غَيْرَ هَمْسٍ تَخَالُهُ |
كَنَجْوَى قَديمَيْ إلْفَةٍ وَتَغَزُّلِ |
صَدَى هَمْسِهِ يَذْوِي بِقَلْبِي وَلَمْ أكُنْ |
عَلَى مَسْمَعي في هَمْسِهِ بِمُعَوِّلِ |
فَأَوْحَى إليَّ الفِكْرَ يُمْلي خَوَاطِراً |
وألْهَمَنِي ما صُغْتُهُ مِنْ تأمُّلِ |
نَضَا عَنْهُ مَا فِيهِ مِنَ الطِّينِ والقَذَى |
فأصْبَحَ مَجْلُوّاً كَصَفْحَة صَيْقَلِ |
تَمَعَّجَ مِثْلَ الأُفْعُوَانِ، وَوَسَّعَتْ |
لَهُ الأرْضُ مِنْ أكْنَافِهَا كُلَّ مَنْزِلِ |
رَمَى النَّاسَ وَالدُّنْيَا بِنظْرَةِ سَاخِرٍ |
فَمَا زَالَ مِنْهَا في نَوًى وَتَنَقُّلِ |
فَدُنْيَاكَ دُنْيَا، وَهْوَ دُنْيَا بِنَفْسِهِ |
يَحُثُّ خُطَاهُ مُزْمِعاً لِلْترَحُّلِ |
إذَا قَرَعَتهُ الشَّمْسُ يَنْدَى جَبِينُهُ |
بإشْعَاعِ نُورٍ كالنُّضَارِ المُكَلَّلِ |
كأنَّ بِهِ الأرْوَاحَ تَهْفُو طَلِيقَةً |
سَوَابِحَ في جَوٍّ مِنَ النُّورِ مُعْتَلي |
* * * |
فَكَمْ كَاعِبٍ حَسْناءَ قَدْ جَرَّ فَوْقَهَا |
رِداءَ صَباً يُضْفِيهِ أوْ ذَيْلَ شَمْأَلِ |
وَكَمْ زَهْرَةٍ في جَانِبَيْهِ تَفتَّحَتْ |
بَرَاعِمُهَا عَنْ طَرْفِ هَيْفَاءَ أشْهَلِ |
وَكَمْ خَدّ عَذْرَاءٍ نَمَا مِنْ رَمِيمِهِ |
أرِيجُ شَذّى يُزْهَى بِهِ كُلُّ مَحْفَلِ |
نَزَلْتُ بِهِ كَيْ أسْتَحِمَّ مُبَادِراً |
لِنَزْعِ لِبَاسٍ فَوقَ جَنْبِي مُثْقَلِ |
أُصَفِّقُ فيهِ لاعِباً كُلَّ مَلْعَبٍ |
وأكْرَعُ مِنْهُ نَاهِلاً كُلَّ مَنْهَلِ |
وَقَدْ صِرْتُ مِنْهُ وَهُوَ مِنِّي، تَمَازُجاً |
أعُبُّ مِنَ الكَأْسِ الدِّهَاقِ وأجْتَلِي |
غَدَوْتُ بِهِ في لُجَّةٍ مِنْ خَوَاطِرٍ |
أجُوبُ بِهَا في مَجْهَلٍ بَعْدَ مَجْهَلِ |
تَجَمَّمَ قَلْبي فيهِ بَعْدَ عَنَائِهِ |
وَنِلْتُ بِهِ ما شِئْتُهُ مِنْ مُؤَمَّلِ |
تَذَوَّقْتُ فِيهِ لَذَّةَ الرَّاحَة التي |
عَدَتْني، وقِدْماً كُنْتُ مِنْهَا بمِعْزلِ |
فإنْ شِئْتَ أنْ تَلْقَى نَعِيماً ورَاحَةً |
فَكُنْ مُسْتَريحاً ناعِماً فَوْقَ جَدْوَلِ |