شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
علي محمود طه (1) ...
كان أغرودة الترفيه والترف في فم الجيل العربي الحديث، هذا الجيل الحائر الثائر المعذب الذي اصطلحت عليه الغوائب، وانساقت إليه الخطوب، وأصبح التقلقل ظاهرة من ظواهر كيانه المحطم لا يتحرك إلا فيه ولا يستجيب إلا لأقصى دواعيه.
جيل عربي جديد قد يكون صالحاً في زمان غير صالح وعلى وضع غير صالح أيضاً كلما أرسل طرفه يتلمس النور.. ضربت عليه الغياهب حجباً صفاقاً، وكلما ذهب ينشد مستقيم الطريق، اختلطت عليه السبل، وحيثما أراد التأنيس والتطريب انثالت عليه ألوان البلبال النفسي تعذبه أيما تعذيب.
يتصبى الكواكب، وهو ملتبط بالرغام ويستاف روائح الصبا فتهب عليه الدبور وينزع نزعة الخير والحق، فتغلبه على أمره عواصف الشر والباطل.
في مثل هذه الفترة المضنية أرسل علي محمود طه أولى أغاريده فانجاب شيء من الشجى وطاردت بعض الهموم، ثم انطلق يحدو القافلة بالطلق السمح من أغانيه، والسماء متلبدة بالجون الأدهم من السحب فما لبثت حتى استحال إلى قطع رقيقة من الغيوم.
وأصبحت الأنفاس باردة حلوة بعد تسعر واستعصاء.
وعادت الأرواح بعد التلدد والارتكاس توفض إلى دنيا رحيبة تكتظ بالنفيس الممتع من الأصداء.
كان شعره لحناً طيباً عذباً، وكانت ديباجته رقراقة الاطراد، وكانت معانيه ابتسامة صافية على ثغر الجيل العربي الحديث بعد تجهم وعبوس مرير.
لقد كان -يغفر الله له- الصورة الوحيدة المشرقة الضاحكة في القافلة الحزينة المستفردة، وكلما أعيا الركب ابتعث له من حلاوة نفسه وطلاوة جرسه وطلاقة ترنيمه ما يشعرهم حيناً بعد حين بالكثير من العزاء والقليل من الحنين.
وملأ اسمه كل جو، وسرى بنشيده كل ليل، وطفقت الشمس تلونه بأشعتها الذهبية الرقيقة حتى عاد يتدفع به كل لسان.
كان شعره يبرئ [المكلم] (2) من النفوس الموجعة في الجيل العربي الحديث.
وكان يأسو ما ثقل من جروح الأفئدة اللاغبة، وكان يسري بالتسلية والإيناس حتى يعود الجو وهجاً جميلاً بعد أن كان ظلاماً دميماً.
نضر الله وجهه بالرحمة، وبل جدثه بالمغفرة؛ ورحمة الله وسعت كل شيء، وعلي محمود طه شيء صغير جداً في ملكوت رحمة الله الرحيم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :209  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 47 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.