في صيف عام 1376 كنت في بيروت أعالج نفسي وجسمي من أمراض شتى ألمت بي وأوبقتني.
وقد اخترت طبيباً يسمى (إبراهيم كنفاني) بإيعاز أحد الأصدقاء اللبنانيين، وبعد التحاليل من كل نوع طفق يطبني بعدة أدوية وعقاقير لا حصر لها، وكانت أسناني الأمامية تالفة إلى حد أني كنت أتصور أني لا أحمل في فمي أسناناً طبيعية كسائر الناس، وإنما أحمل في فمي ما يشبه الديدان القذرة، وهذا أهون ما توصف به تلك الأسنان التي عوضني الله برحمته خيراً منها!
استشرت الدكتور إبراهيم كنفاني في أمري، فأشار علي بدكتور في الأسنان والجراحة أرمني الأصل ينتهي اسمه الأول بـ (كيك)، وينتهي اسمه الثاني بـ (يان) كأغلب أسماء الأرمن الشرقيين، وكلَّمه تليفونياً ثم بعث معي بممرضته الخاصة إليه.
وقد نسيت اسمه الكامل على الرغم من أنه عالجني فأحسن علاجي، وكان -والحق يقال- بارعاً في مهنته ممتازاً في أخلاقه، وعلى جانب لطيف من التهذيب وحسن العشرة.
كانت عائلته تصطاف في الجبل كما يقولون هناك، وكان يصعد إليهم حيناً، ويهبطون إليه في بيروت حيناً آخر.. كانت عائلته مكوّنة من زوج في أواخر الشباب وبنات ثلاث على قسم وافر من الحسن والنضارة.. كانت صغراهن في الخامسة عشر، وكبراهن تلملم أطراف العشرين، وكان يحدثني عن عائلته باللهجة اللبنانية حديثاً كله حب وحنان.
وقد اختلطت به اختلاطاً وثيقاً، وصرت أقضي في عيادته أكثر وقتي.
وفي منتصف يوم من الأيام كنت عنده، وكان يعالج أحدهم، وكنا جميعاً نكابد حراً شديداً، وفجأة هبت نسمة باردة عذبة منعشة، فالتفت تلقائياً باحثاً عن مصدرها، فإذا بي أرى تلك الزوج لأول مرة ووراءها ثلاث أمثال الظباء حواسر يرفلن في غلائل من الحرير الناعم الثمين: