شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مناوشات ومناقشات (3) (1)
وهذا وجه آخر لحاطب الليل، ولكنه وجه يستحق التصوير "بالكاريكاتور" أو يؤخذ له رسم سلبي فقط، فهو لا يقنع كما يقنع الناس كلهم بوجه واحد؛ ولهذا تجد له وجوهاً متعددة تذكر بالمثل القائل: "لكل حالة لبوس"، فهذا أديب من الأدباء المنكودي الحظ يوقعه سوء حظه بين يدي حاطب الليل فيهوي على رأسه بالفأس يحسبه جذع شجرة أو قطعة كبيرة من الحطب لا تصلح للوقود إلاّ بعد انقسامها نصفين، وسرعان ما يتلاشى هذا الشبح الموهوم وتروح ضربة صاحبنا في الهواء..
قال الأديب في كلمة نشرت: "إننا نحب أن نتبع كل قديم صالح وأن ننبذ في سبيله كل جديد قبيح، على ألاّ يطلب منا أنصار القديم أن نقبل كل قديم على ما هو من نقص لا يتفق وحاجة الحياة في هذا العصر".
هذا كلام فصيح واضح ساطع البرهان يفهمه التلميذ المبتدئ والصبي الساذج، فكيف لا يفهمه حاطب الليل وهو قد كان طالب علم ثم أصبح على ما يقال أستاذاً من بعض الوجوه؟ كيف لا يفهم كلاماً سهلاً مثل هذا باللغة العربية الدارجة وهو قد حذق الكتابة بها وعرف أبجدها وهوزها، وساعفته الظروف على أن يصبح حاطب الليل الوحيد في هذا الزمان، وهي مرتبة تقصر عنها يد المتطاول كما يقول الشاعر (2) .
شاء أن يجرد قلمه المرضوض على حداثته ويتصدى لهذا الأديب فيتصرف في مقاله ويلبس المعاني ويحاول أن يبني من الحبة قبة ويقول عليه ما لم يقله عن نفسه ولم يدر في باله، فهل في العالم مسلم واحد لا يدخل القرآن والسنة وكلام الصحابة والأئمة كبارهم وصغارهم في "القديم الصالح" وإذا لم يكن هذا كله من القديم الصالح فإني أشهدكم على أن القديم كله لا خير فيه ولا غناء له، وإني لأظن أن حاطب الليل يشك في أن هذا كله من القديم الصالح، وإلاّ فلماذا يرد على ذلك الأديب في نظرية لم تخطر قط على باله، لا سيما وهو ينادي باتباع كل قديم صالح، وهل أصلح وأحسن وأحق بالخلود والاتباع والانتصار من القرآن والسنة وكلام الصحابة ومذاهب الأئمة الأربعة وآراء العلماء الكبار؟ ويبدو أن صاحبنا يرتاب في كون هذا كله من القديم الصالح، والدليل على هذا أن الأديب لم يعن في كلمته بالقديم الصالح إلاّ هذه الأشياء المباركة وما يتفرع منها من واجبات محمودة وعادات طيبة إلاّ إذا كان يتوهم حاطب الليل أنه يعني بها جاهلية العرب وخرافات اليونان وشعوذة الفرس وغيرها مما لا يفيد ولا يغني في أي عصر، فضلاً عن هذا العصر وما بعده "وحاجة الحياة في هذا العصر" الذي عناها الأديب هي أنَّا لا نقاتل بالسيف والرمح من يقاتلنا بالمدفع والغازات الخانقة، لا نركب الجمل والجواد إلى من يركب السيارة والطيارة والباخرة، ولا نكتب على الأكتاف وعسب النخل وهذه الأوراق الرخيصة الجيدة بين أيدينا هذه هي حاجة العصر اللازمة التي لا يرتاب فيها أحد جاهلاً كان أو عالماً ولا ينتطح -كما يقولون فيها- عنزان، وحاطب الليل الذي يختلق هذه الاختلاقات، ويسمح بمغالطة نفسه إلى هذا الحد العجيب، ويحاسب الناس على آثام لم يقترفوها، ويسيء بالناس الظنون زيادة على قصور إدراكه وسوء فهم لما يقال وما يكتب وينشر، إذا كان هذا دأبه على الدوام فهو يصلح أن يكون عضواً من أعضاء "محكمة التفتيش" التي كانت تعاقب "الموريسيكيين والعرب المسلمين" على ما لم يجل في خواطرهم ولم يخطر على نفوسهم، وما أظنه إلاّ معيداً لتلك السيرة لو كان في يده شيء من المر.
فهناك أديب من قبل هذا الأديب يبطل قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويذم الرجل المستمسك بدينه المحافظ عليه، ويرد على الحديث النبوي الشريف، ويعمل "طرباً" في زيارته للمدينة، ويصادم القرآن والقرآن يصادمه ويعمل ويفعل إلى آخر ما قاله عنه.
وهذا الأديب الثاني أيضاً (يستقصيه في السؤال) كأن صاحبنا يمثل (هيئة تحقيقات صارمة) ويصمه بقوارع لم تحدث منه ولا فكر فيها، وهكذا دواليك، فالرجل إما أن يكتب ردوده وهو نائم أو يكتبها بعد يقظته من منامه مباشرة حيث أحلام النوم ورؤاه وأشباحه ما تزال مرتسمة في ذهنه، أو أن الرجل يتمتع بخيال وثَّاب متسع المدى ولكنه مع مزيد الأسف لم يحسن الأخ الصالح استعماله فجاء بهذه الصورة سخيفاً مملاً ولو أنه استغله في نظم قصيدة يصف فيها منظراً أو يتغزل فيها بحبيب لما كان هناك شك في أن هذه القصيدة ستكون مثالاً رفيعاً في سموها وجودتها وفخامتها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :431  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.