شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صورة تتضاءل على القرب (1) (1)
كانت "أبحاث" -أي الخادمة- ما تزال تنتظر أن أغيّر منزلنا في أبها، ولكنها لم تعلم شيئاً مما جرى علي..
وكنت وصفتها من قبل، ولكن في تمام صفتها أن أقول: إنها كانت في الثانية عشرة من عمرها، وكانت خفيفة الحركة رشيقتها، وكان روحها يزن في الخفة ريشة طائر لطيف من أطيار الفردوس.
ونسيت أن أقول إنها من "البلاحطة"، وهم في عسير مثل "هتيم" في شمال الجزيرة من حيث صفة الأصل، ومثل "عريبدار" في الشمال الشرقي منها.. ومع ذلك ففي هؤلاء الناس أقوام لهم مروءة ونجدة وأخلاق فاضلة..
ما علينا..
وكان اسمها "ظبية"..
وهو اسم مختار.. ولنعد للجد إلى حين..
كانوا يسموننا أهل الشام؛ لأننا نقع عنهم شمالاً بشرق أو بغرب.. وقد لبثنا مدة مديدة لا نستطيع التفاهم معهم إلاّ بصعوبة..
"أم فيش أقضي"، تعني ماذا أصنع؟ إلى عشرات الأمثلة..
مثل أمي.. هذه تدور في ألسنتهم على أصدق الإيمان، وعلى أكذبها.. والعرب يقولونها منذ زمن بعيد في ما يشبه الطلاق، أي أن زوجته عليه مثل أمه في التحريم..
ويبدلون الجيم ياء.. وهذه لغة معروفة.. حتى في قلب نجد..
هذه ملامح خاطفة تكفي لبعض ما أعنيه..
قالت "ظبية"، في غنة يشترك فيها حلقها مع أنفها:
عم -ألم تجد لنا مكاناً غير هذا؟
- بلى -بمثل [بغامها] (2) - لقد وجدت مكاناً، ولكن!؟
قالت: فلننتقل إليه..
فقلت لها: إن فيه غولاً يحرسه ويقوم على خدماته.. ويمنعك من إتيانه..
وكانت قد وضعت سيور قربتها على رأسها لتأتينا بشيء من الماء..
فوضعت قربتها بسيورها، وارتفع أحد حجاجيها وأرسلت نصف ابتسامة، وقالت:
يا الله.. غول؟ ماذا تقول يا عمي؟
لقد كانت ذكية جداً.. ومع ذكائها كان فيها شيء من الفتوة.
كان "سند" صديقاً لي هناك، فقلت له:
ويحك.. ألا تجد لنا مكاناً غير هذا المكان الذي اختلطنا نحن وبهائمنا فيه على السواء..
البهائم من غنم وبقر تسمى عندهم "القراش".. فقال لي سند: بلى عندي بيت، ولكني لا أخاله يعجبك.. وقالت "ظبية": أجل أره عمي..
وذهبنا لنرى البيت..
كان بيتاً مرتفعاً يطل على وادي أبها الجنوبي الشرقي مما يلي "عقبة ضلاع"، وفي حي يسمى "المفتاحة".
وأخذت ظبية معي حتى إذا لم يرق لها البيت.. فإنه لا يروق لي..
دروس في الحياة أو تجارب تجعل الإنسان أحياناً يرى أن ما كان ينفعه قد كان يضره، أو يحدث العكس..
قالت ظبية: والله يا عمي إن البيت لزين.. وهو قريب من الماء.. ومن السوق.. عمي لماذا لا تأخذه؟
وأومأت برأسي.. وأعطتني ظبية نصف ابتسامة..
وجدنا البيت لا يصلح فرجعنا إلى قواعدنا سالمين، وقالت لي ظبية:
عمي.. فلنكن هنا.. ألسنا مستريحين..؟
فقلت لظبية: بلى.. ولكن اجعلي من غيرك من يأتي لنا بالماء.. وتعالي هنا..
وبغمت.. ولم أستطع أن أبغم...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :471  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 118 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.