شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هذا شعر؟؟ (1)
يعرف القرّاء -أو لا يعرفون- أني لا أقرض الشعر، فإذا امتحنت الشعر بقرضي له أحياناً، فلن أبدع منه المعجب المطرب إلاّ في رأي قلّة معدودة!
وهذه القلّة المعدودة مع شكري لها وانتظاري أن تغير رأيها، إلاّ أنها مع الأسف البالغ، قلّة يحسب لها حساب في عالم الأدب والشعر، ويعتد برأيها أي اعتداد.
على أني أستطيع أن أنصف نفسي ولا أبخسها حقها، فأقرر أني أنا أيضاً أحب الشعر الجيد، وأميزه، وأتذوقه بقدر ما عندي من معرفة بأدواته وخصائصه ومعانيه.
وليس تذوق الشعر بالشيء الهيّن، ولا هو بالأمر الذي يمكن أن يحكم فيه أطفال أو تلاميذ أو أغرار؛ ذلك لأن الشعر إذا كان ملكة خاصة، فإن تذوقه -هو الآخر- ملكة خاصة أيضاً، وقد يكثر الشعراء، ويقل المتذوقون، وهذا ما عناه المتنبي حين اعتقد أنه يبيع الشعر في سوق الكساد (2) !
وإني لأحس حينما أقرأ شعراً -يبعث على التفكير أو التأمل- أن ذهني يتفرق شعاعاً، وأني أرتفع عن هذه الأرض، لأعيش -حائراً ضليلاً- في أرض عذراء لم تطمثها قدم إنسان، وقد يكون ذلك خيالاً، ولكن أي حقيقة بلا خيال؟
وقد تحدثت عرضاً مع تلميذ نجيب عن شعر الأستاذ الصديق محمد حسن عواد، فقلت له: إنه لشاعر محسن، وقد يسف أحياناً، وأي شاعر لا يسف؟
فكأني صفعت العواد -في حالة غيابه- صفعاً مؤلماً؛ فقد ثار التلميذ، وأراد أن يجعل العواد مخلوقاً من غير طينة البشر، وهي حالة لا ترضي العواد نفسه، فضلاً عن أن ترضيني أو ترضي أي إنسان.
وقد نُشرت قصيدة للأستاذ الرصيف أحمد إبراهيم الغزاوي في عدد 617 من هذه الجريدة (3) ، تتناول قصة الإخوان الكرام آل عرب في حريق دارهم الجميلة بالطائف، وذهاب أنفس تسع من أطفال ورجال ونساء، ألقوا بأنفسهم من حالق لينجوا فأعياهم النجاء.
والله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل، وله حكمة خفية تتقاصر دونها الأفهام، وتنصب فيها العقول، وكيف يمكن أن يكون الله هو الله الخالق البارئ الفعّال لما يريد، لو أنَّا حكمنا عقولنا الصغيرة، ومداركنا الحقيرة في شؤونه جلت كلمته، وصدق وعده؟
ولقد كان من حسن حظي ألا أشهد هذا الحريق، إلاّ في أعقابه، ولو شهدته، وهم يلقون بأنفسهم من طبقات الدار العليا، لأغمي علي، أو لذهبت في عداد الضحايا محتسب الأجر.
وأنا من أوائل المعجبين بشعر الأستاذ الغزاوي، ذلك لأنه شعر فيه قوة أسر، وجزالة غير متكلفة، ومفردات لا تتقلقل في مواضعها، ولا ينبو بها مكانها، كما ينبو في شعر بعض الشعراء الصغار الذين يأتون بالمفردة الفصحى في غير مكانها المناسب، فلا تكاد تستقر، إلاّ لتتأرجح مع افتعال سخيف.
ولا يعنيني الموضوع الشعري الذي تنتظم فيه القصيدة، فقد تكون مديحاً وتكون -مع ذلك- من أجود الشعر.
لقد أحسن الأستاذ الوصف وأجاد في التصوير، وتنوق في التعبير، ولا يضيره -بعد ذلك- أن يشهد الحادثة أو لا يشهدها؛ فرب شاهد لها لا يستطيع تعبيراً عنها.
إنها حادثة فريدة من نوعها، في بلاد البرد والجفاف، وقد حدثت بالفعل، فإن لم يرها الأستاذ الغزاوي، فإنه لخير من كثيرين رأوها، وشاهدوا فظاعتها ولم يستطيعوا مع ذلك أن يصوروها أبرع التصوير، أو يعبّروا عنها أبلغ التعبير!
وقد لا يكون الذنب ذنبهم، وقد يجوز أنهم عبَّروا عنها -بلهجتهم- تعبيراً مناسباً، ولكنه كذلك ليس ذنبنا الذي يجب أن نعترف به.
ذلك هو الفرق بين التعبيرين: التعبير العام، والتعبير الخاص، ونحن نؤخذ بالتعبير الأخير، وما علينا بعد هذا أن يختلف التعبيران في موضوع واحد!
كنت لا أعتقد أن الغزاوي يجيد في موضوع غير الموضوع الذي تشرف بالانتماء إليه، وكرس نفسه له!
ولكنه خيَّب ظني -وله الشكر على خيبة هذا الظن- لأنا كسبنا فيه شاعراً اجتماعياً لا يكاد يشق له غبار!
إن الغزاوي لشاعر مجيد، ولا يمنعنا هذا من أن نعترف له ببعض الإِسفاف في بعض ما ينظم، وقد قلت: إن كل شاعر يسف بقدر ما يسف، وليس هذا بعيب في أكابر الشعراء، فإن الشاعر إنسان، فلا بد أن يهوي، وتهبط به قوادمه إلى الثرى الذي ينجذب إليه.
ولكنا نقيس هذا مع ذاك، وعلى هذا القياس تترتب مكانة الشاعر ويحفظ له مكانه الصحيح.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :518  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 86 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج