شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نفسيات الأمم من أسمائها (1)
إذا كان يستدل على الأمم باتجاهاتها وطموحها، وزراعاتها وصناعاتها.. أو تخلفها عن كل ذلك، فإن هناك شيئاً غريباً يوجه فكر الباحث إلى أمثال هذه الاتجاهات.. هذا الشيء هو أسماؤها.. أسماء الأمم على مختلف أجناسها.. فعندما نتجه -مثلاً- إلى العبيد أو الزنوج، أو ما يتصل بهم من قريب أو بعيد، نجد أن أسماءهم توحي بهذه الأمثلة:
فيروز.. جوهر.. مرجان.. ياقوت.. عنبر.. أو ما يشبه هذه العناصر الفاخرة.. وهذا يؤكد "مركب النقص" في أمثال هذه الشعوب.
و "السيد" في اللغة العربية.. من ناحية اللغة.. لا من ناحية النسب، يقابلها -مثلاً- في اللغة الألمانية "الهر" وفي اللغة الفرنسية "المسيو" وفي اللغة الإنجليزية "المستر" وفي اللغة الإيطالية "السنيور".. وهكذا!
وإذا رجعنا إلى الأسماء من جديد.. نجد مثلاً في أسماء أهل الهند، أسماء تشبه الصفات، وهي على غاية من الفخامة، فنجد مثلاً: مولانا أبو الكلام.. وزبدة الحكماء.. وخلاصة العلماء.. وخليق الزمان.
ونرجع إلى أمة الترك فنجد: أفندم.. أفندمن.. وبيك.. وباشا.. ونرى بعدئذ.. بادشاه، ومعناها ملك الملوك.
ثم نلتفت إلى الفرس فنجد: الشاه وهو الملك الفرد، وكسرى، وشاهنشاه -ومعناها ملك الملوك.
ولو رجعنا إلى الروم في ماضي الأزمان لوجدنا أن "قيصر" كان ملكهم.. وقيصر اسم روماني، هذا عدا عن ملوكهم الأصغرين.
وفي الحبشة، وهي مهما كانت سلالة زنجية اختلطت دماؤها بدماء آخرين.. نجد أنهم يسمون ملوكهم "سبط يهوذا".. "الجالس على عرش سليمان".. وننتقل إلى بني إسرائيل، ومن ملوكهم المشهورين: داوود.. وسليمان.. وهي في لغة أخرى "دافيد" و "سلامون".. ورحبعام.. وهوشع.
وكل هذه الأسماء تشير إلى صفات أو معانٍ.. ومنها أسماء مثل أسماء بعض الأعلام لا تعلَّل.
وعند الإنجليز -مثلاً- أسماء كثيرة من هذا النوع.. وفي كل اللغات اللاتينية.. فمنهم -مثلاً- في اسمهم "درنك ووتر" ومعناها شارب الماء.
والآن نرجع إلى العرب -ولو أنا لم نسهب في الموضوع!
لقد كانت أسماء العرب في الجاهلية في غاية الشناعة والفضاحة؛ فمنهم: كليب.. كلب.. وبر.. وبره.. وعلقمة.. وحنش.. هذا فيما عدا الأسماء المركبة مثل: معدي كرب، وذي يزن، وذو زعبل.. ولم يكن في أسمائهم ما يحمد إلاّ ما هو أندر من النادر..
ثم أتى الإِسلام فهذب من أسمائهم، ولطف من شمائلهم، فأصبحنا نسمع منذ أن انبثق فجر الإسلام أمثال هذه الأسماء:
فمن المفرد: أحمد، محمد، حسن، حسين، عمر، عمرو، بكر، هشام، الوليد، الحكم، يزيد.
ومن المركب، أمثال: عبد الله، عبد الرحمن، عبد العزيز، عبد ربه، وهكذا!
ثم أصبح بعد ذلك كله على أي إنسان أن يختار الاسم اختياراً.. ولا يتعلق فيه باسم أب، أو جد، أو قبيلة.. وحتى لو عنَّ له سانح، أو بارح، فإنه لا يحفل به، ولا يعنيه، أتاه الغراب عن أيامنه، أو أياسره.
وفي هذا العصر الحديث أصبحت الأسماء العربية في غاية الرشاقة، واللطافة، والظرف، ودخل فيها مع الاختلاط بالأمم الأخرى من فارسية، أو تركية، أسماء قد تكون غريبة الوضع على اللغة العربية، من حيث المصدر والصفة، واللغة، يضارع ذلك مثل: حكمت، بهجت، رفعت، وأصلها بالعربية بالتاء المربوطة.
ومثل ذلك أيضاً: شوقي، صدقي، رفقي، وأصلها باللغة العربية بدون الياء الأخيرة، وهي مشتقة من الشوق، والصدق، والرفق.. والياء قد تكون نسبة، أو تكون صلة.
ويقول بعض الناس: إن الاسم سعادة، وهذا لا يقع على أي حال، وقد لا ينطبق الاسم على المسمى؛ فقد يسمى الإنسان رباحاً فيكون خساراً، وقد يسمى سعداً فيكون شؤماً، وقد يحدث عكس هذا كله؛ لأن مسألة الأسماء حالة اجتماعية، اختيارية، وليس لها دخل في حسن حظ الإنسان، أو بؤسه.. ولا في شقائه، ولا في سعادته.
وليس من همي اليوم أن أتفلسف من ناحية الأسماء، ولكنها فكرة عنَّت في بالي، فأحببت أن أبسطها للقرّاء عسى منهم من يستفيد منها.. ومن يضيف إليها، ومن يتخذ منها بحثاً عميقاً جديراً بالقراءة والاقتناء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :478  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 46 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.