شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طرائف (1)
لا يصح في الذهن أبداً أن يكون الطريف عندك طريفاً عند غيرك، وقد تستمر الطرافة أجيالاً عديدة على الرغم من قدمها، وقد يستطرف الشيء لأنه جديد، ثم [لا] (2) يلبث أن تخبو جذوة طرافته.
ومع ذلك فما هو الطريف أو الطريفة أو الأطروفة، وما يتبع ذلك من مشتقات كما تحددها اللغة؟
كل شيء مستغرب نادر، فهو طريف فماذا في حياتنا العامة أو الخاصة من طريف؟
وللطرائف دواعٍ، مواكث أو سواع.. فما هي تلك الدواعي، وما مواكثها وما السواعي؟
وأخشى ما أخشاه أن أذهب في التفلسف والاستفهام إلى مدى غير محدود! إن الطرائف عندنا لا تنقضي، ولا ينبغي لها أن تنقضي؛ لأنه ما من طريف إلاّ وهو مقرون بمفارقة أو سخرية أو مهزلة أو أبطولة، وقلما تعترف الطريفة بالحق أو بالصواب، إلاّ إذا كان هذا الحق أو ذلك الصواب على شيء واضح من الشذوذ!
فمن طرائفنا -مثلاً- أن يحاسب الأب أبناءه على السفاهة والبذاءة، وهو إذا اهتاج أو انفعل أشد منهم سفاهة وبذاءة!!
ومن الطرائف المعجبة أن نلعن الظالم وإذا استطعنا ردعناه أشد الردع، ونحن أظلم منه أضعافاً مضاعفة!
وهناك طريفة أخرى، فإنا نزدري المرتشي ونمقته، ومع ذلك فلو ضوعفت لنا الرشوة إلى حد مُغْرٍ لقبلناها!
وقد رأيت -مرة- رئيساً مسؤولاً يتهدد ويتوعد من يحضر متأخراً ويخرج مبكراً.. ثم رأيته لا يستقر في موضعه كما قال المتنبي:
كريشة في مهب الريح طائرة
لا تستقر على حال من القلقِ (3)
ولم أعجب على أي حال لأنها طريفة من الطرائف يجب أن تسجل ولو بعد أمد بعيد!
قال لي أحد أبنائي مرة: هل أنت كبير أم صغير؟
فقلت له وأنا أحاوره: لست بالكبير ولا الصغير!
فاستضحك وقال: إذاً أنت لا شيء!
وتستطرف أن ترى مقالاً في صدر الصحيفة، فتقرؤه باهتمام، فإذا هو يتبخر في يدك مثل الدخان، على استكراه سخيف ليس له طعم، وستجد بعد هذا مقالات قيمات في إعجاز الصحيفة، فهل من أطروفة بعد هذه الأطروفة؟
كل شيء طريف في هذه الحياة حتى الكذب والنفاق والنذالة؛ وبالرغم من فشوها وانتشارها، فهي لا تزال طريفة بآثارها وبما تنتج هذه الآثار من داء وبيل على المجتمع المظلوم..!
على أن استطرافك للشيء لا ينبغي مقتك له أو مبلغ اضطرارك إليه، وأنت مرغم، وعلى ذكر ذلك أستطيع أن أشير إلى تلك الحكاية الطريفة، وموجزها أن أحدهم عثر على نعل حصان، فالتقطه وهو جذلان؛ وقال:
الحمد لله، لقد أصبح عندي حصان..! فقيل له: وكيف ذلك؟ فقال ببساطة: هذه نعل واحدة، فإذا اجتمعت لي أربع نعال؛ فقد أصبح عندي حصان!
وعلامات الاستفهام والدهشة والتساؤل والتعجب لا تكفي هنا، ذلك لأنا جميعاً لا يملك أحدنا أكثر من نعل واحدة؛ والسعيد المجدود فينا قد يملك نعلين أو ثلاثاً.. ولكن الأربع لم تجتمع قط لإنسان.
وهبها اجتمعت كلها فأين الحصان؟
أطروفة مثل هذه من الأطاريف ليس باللازم اللازب أن تكون قد حدثت فعلاً.. ولكنا نستطيع بلا جهد أن ندرك منها ومن أمثالها ذلك المدى العظيم الذي يفعله الوهم بالإنسان.. هذا الإنسان الذي ارتفع عن طبقة الحيوان.. ثم ساواه أو عاد أحقر منه في كثير من الأطوار والأحيان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :457  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج