شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة لسعادة الدكتور حمزة المزيني
رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود ))
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، أود في البداية أن أشكر الأستاذ عبد المقصود خوجه على تفضلّه بدعوتي، خاصة لأن لي علاقة بالمكرم خاصة، ففي الواقع دعوته لي اعتبرها بالنسبة لي شيئاً مهماً جداً لأنني لا بد أن أُبدي في هذه الليلة بعض الحق لأستاذي، كنت أتوقع من الأساتذة الأفاضل الذين هم على علاقة أوثق بالدكتور أحمد الضبيب، مثل الدكتور منصور الحازمي، والدكتور الشعفي، أن يبينوا ليس الجانب المضيء في سيرة الدكتور أحمد الضبيب وإنما الجانب السيء ولأنني أنا من طلابه وأعرفه لا أعرف منه إلا الجانب السيء، أما الجانب المضيء فيعرفه الإخوان ولذلك جرؤت على كشف المكرم بين أيديكم الليلة.. كتبت ما أريد أن أقوله عن حبي وتقديري لأستاذي، لكني غيرت رأيي عندما رأيت كل الكلام عن الحب والتقدير، وله مني كل الحب والتقدير.
أود في البداية أن اُطمئن أستاذي أحمد أنني لم أعد أتذكر كلمة واحدة مما تعلمته منه، وذلك على الرغم من الكم الهائل والمعلومات التي تلقيتها منه عن العصر الجاهلي، وعلى الرغم من ذلك الغوص العميق في الكشف عما تعنيه تلك القصائد الكثيرة الطويلة التي كان يدرسها لنا، وهو ما كان يستدعي الانغماس الكامل في مماحكات الزوزني وغيره من شارحي الشعر القديم وكذلك على الرغم من تلك المعلومات الثرية التي تلقيتها منه في مادة اللهجات العربية، والوضع اللغوي في العصر الجاهلي وصدر الإسلام وكانت تلك المعلومات بالنسبة لي في ذلك الوقت جديدة وطريفة، فقد نسيت ذلك كله، ونفهم من ذلك أنني اكتشفت فيما بعد الحقيقة في جوانب كثيرة على خلاف ما تعلمته منه، لكن نسياني للمعلومات التي درستها على يديه يمكن أن يفسره القول المشهور لأوسكار وايلد وهو إن التعليم ممتاز لكن أفضل ما نتعلمه لا يأتي من طريق التعليم، فصحيح أنني نسيت ما تعلمته من معلومات لكني لم أنس ما اكتسبته من تلمذتي على يد الأستاذ الدكتور الضبيب من أمور جوهرية أخرى تفوق تلك المعلومات أهمية، ولا بد من ملاحظة الفرق بين كلمتي التعلم والاكتشاف، التعلم نتيجة حتمية للتلقين أما الاكتشاف فهو جهد غير واع يقام به تلقائياً وينتقل بالعدوى وهو أبقى وأنفع.. ومما يفسر نسياني لتلك المعلومات أيضاً أن الأستاذ الدكتور الضبيب علمني وأقنعني بأن المعلومات متغيرة دائماً فكلما تقدم البحث توسع مجال الرؤية وجدت طرائق جديدة في الحصول على معلومات أوفى وأدق، بل أنه كان يعلمنا أن المعلومات التي تتعلم وسيلة لتربية الحس البحثي وتقتصر فائدتها على كونها وسيلة لاكتشاف الأنظمة المتخفية وراء ظاهر هذه المعلومات.. فإذا نسيت ما علمني الأستاذ من تلك المعلومات فإن عذري أنني كنت أنفذ ما كان يطالب طلابه به فهو الذي ينبغي أن يلام، كما اكتشفت أنني فقدت نتيجة لتتلمذي على أستاذي أحمد أنني فقدت موهبتين مهمتين هما قول الشعر وحس الدعابة، ولم يفلح تتلمذي على أستاذي الآخر الدكتور منصور الحازمي المعروف بحس الدعابة المتميز والشاعرية الرقيقة أن يعيد لي ما فقدته، وسبب فقدي لهاتين الموهبتين أن أستاذي أحمد كان وما يزال يتحلى بعدد من الخصائص التي لا بد أن تؤدي إلى مثل هذه النتيجة، ومن هذه الخصائص الدقة الفائقة في البحث والتحري والتنقيب، والتأني في النظر والاستقصاء، فأظن أن هذا هو الذي جعلني أفقد حس الدعابة والشعر، وذلك أن هاتين الموهبتين تتطلبان مخيلة ضبابية حالمة - وليس هناك علاقة بين كلمة ضبابية، واسم الدكتور - بعيدة عن الوضوح والصرامة والدقة التي تأتي نتيجة لتلك الخصائص، ولا يعني هذا أن الأستاذ الدكتور الضبيب لا يتحلى بهما في ذلك الوقت أو الآن - حس الدعابة وقول الشعر - والدكتور الحازمي أيد كلامي بأن له الكثير من الشعر، فقد كان وما يزال يتمتع بحس الدعابة وقول الشعر ولكن ذلك يعني فقط أنه كان ممثلاً بارعاً جعلني أصدقه وأقتنع بطريقته وأحاول تلبس تلك الخصائص على حساب ما كنت أظن أني أتمتع به من مواهب، أما هو فظل يجمع بين تلك الخصائص العلمية الصارمة وهاتين الموهبتين الجميلتين، فهو قد خدعني في واقع الأمر ويصدق عليه المثل القائل رمتني بدائها وانسلت.. ومن أهم الخصائص التي يتمتع بها وقل من يباريه فيها البراعة في استعمال اللغة وتتبين هذه الخصيصة في طلاوة الأسلوب وتفننه في التعبير عن أفكاره بلغة مشرقة مؤثرة وهي خصيصة عجزت عن تعلمها منه، وبخل هو بتعليمي إياها ولا بد من الإشارة هنا عن وجهة نظره الصحيحة عن اللغة، فوجهة نظره في دراسة اللغة وتعليمها قديمة جداً على كثير من المواقف التي يعتنقها من يهتمون بهذه الظاهرة الإنسانية الفريدة، فهو ينظر إلى العربية على أنها جزء من هويتنا وشخصيتنا نحن العرب المعاصرين فهي ليست ملكاً خاصاً للذين ماتوا قبل منتصف القرن الثاني الهجري، إذ هي لغتنا أيضاً كما كانت لغتهم، فيجب إذاً ألا يوحى إلينا بأن أقصى ما يمكن أن يطمح إليه العربي المعاصر هو أن يبرع في محاولة تقليد العرب الأوائل، بل أنه يوحى إلينا أيضاً في بعض الأحيان أنه لن يتمكن أحد حتى من تقليدهم، وعلى ذلك فإن هذه المواقف تقتضي منطقياً النظر إلى العربية على أنها لغة ميتة لا متكلمين أحياء لها، مثلها في ذلك مثل اللاتينية، وتجهل هذه المواقف أو تتجاهل حقيقة أن العصر الذهبي للغة العربية لم يكن العصر الجاهلي وإنما كان العصر العباسي هو عصر العربية المتميز عندما أصبحت العربية لغة عالمة وعالمية، وما يدل على أن العربية لغة حية متنامية وأنها لم تتوقف بعد النصف الأول من القرن الثاني، ويرى الأستاذ الدكتور الضبيب أن استئناف هذه اللغة عند المتكلم العربي المعاصر وأحياءها في وجدانه يتطلب وصفها وصفاً جديداً يقوم على النماذج الشائعة في الكلام العربي في مختلف عصوره وأن يميز بين النحو الذي يدرسه متخصصون بوصفه تفسيراً للنظام اللغوي العربي، والنحو الآخر الذي تنشأ عنه السليقة اللغوية الكفؤة عند المتكلم العربي المعاصر سواء أكان متخصصاً في اللغة أم في غيرها من التخصصات، وإذا لم يتحقق ذلك فإننا سنقع لا محالة فريسة للغات الأجنبية والعاميات الإقليمية الضيقة، واللغة العربية الميتة التي لا تخدم وظيفة حية، ولو أتيح المجال لتنفيذ نظراته الدقيقة هذه عن العربية لكنا في ظني في وضع أفضل مما نحن عليه وذلك أن اللغة هي الوسيلة الوحيدة لتوصيل العلوم، فكيف يمكن توصيل العلوم إلى عقول الناس وكيف يمكن أن تبنى معرفة متماسكة تثمر معرفة متماسكة ونحن نقول لغة لا يشعر الإنسان معها بالاطمئنان إلا إذا كان صامتاً!! لقد أثر الأستاذ الدكتور الضبيب في طلابه بمنهجه ودقته وحيويته وبعد نظره ومواقفه العقلانية من اللغة العربية، وذلك ما يبقى بعد أن تتقادم المعلومات أو تنسى فإذا ذكره طلابه فإنما يذكرون غرسه الروح النقدية المتفتحة فيهم وبناءه لشخصياتهم ليكون كل واحد منهم متفرداً في وجهات نظره.. إني أعدُّ نفسي محظوظاً بتتلمذي على نخبة من العلماء الذين كانوا وما يزالون يمثلون جيلاً متميزاً شق طريق التعليم الحديث المعتمد على الكفاءة الوطنية وأسس لنهضة فكرية تتلمذ عليها طلابهم وغير طلابهم في الوطن كله، وفي مقدمة هؤلاء العلماء أستاذي أحمد الضبيب. كما أنني محظوظ بانتمائي إلى قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود الذي ينتمي إليه الأستاذ الدكتور الضبيب وزملاؤه الرواد، وإنني ليملؤني الزهو كما يقول الأستاذ الزميل الدكتور عبد الله الغذامي عندما أجيب من يسألني بأنني من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود، وأجد أن رد فعل السائل دائماً هو إذن أنت من قسم الأستاذ الدكتور الضبيب والأستاذ الدكتور الحازمي وفلان وفلان.. أليس هذا مما يُفخر به ؟ خاصة إذا كان الذي يوجه إليه السؤال مثلي، ممن تتلمذ عليهم وإنني لسعيد أيضاً أن يتفضل أستاذنا الضبيب بالتدريس مرة أخرى في قسمه الذي رعاه منذ سني النشأة الأولى وقد شعر الزملاء جميعاً في القسم أن وجوده معنا يضفي على قسمنا ألقاً حاضراً زيادة على الألق التاريخي الذي أضفاه هو وزملاؤه عليه.. وأعود وأؤكد أنني سعيد جداً بحضور تكريم أستاذ من أساتذة الجيل، وواحد من أعمدة الثقافة والفكر.. وسيظل معالي الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب ملء السمع والبصر وسيظل طلابه أوفياء له لقاء ما بذره في نفوسهم من شغف بالعلم وحرصٍ على الأنفة من العادي والسطحي وفوق ذلك كله بذر الانتماء للغة العربية فيهم وبذل الجهد في الارتقاء بها وتخليصها من سيطرة المواقف التقليدية، وأكرر الشكر للأستاذ عبد المقصود خوجه على دعوته لهذا اللقاء البهيج.
والسلام عليكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :607  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 41 من 146
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.