شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تاريخ قبَّة الصَّخرة
والمسجد الأقصى المبارك ولمحة عن تاريخ القدس
الأستاذ عارف العارف
مؤلف هذا الكتاب القيم، باحث ومؤرخ مشهور، هو الأستاذ عارف العارف رئيس بلدية القدس، قبل عهد الاحتلال الإسرائيلي.
وقد تناول فيه هذه الموضوعات الثلاثة، بأسلوب علمي رصين، وتفصيل وافٍ، قلما يعثر عليه الباحث في كتاب آخر معاصر أو قديم.
والكتاب في خمسة أبواب، عنوان الباب الأول "لمحة عن تاريخ القدس على مر السنين".. قال في بدايته: "القدس.. مدينة تاريخية قديمة، لا بل إنها من أقدم المدن التي عرفها التاريخ، إنها ليست بنت قرن من القرون، أو وليدة عصر من العصور، وإنما هي بنت الأجيال المنصرمة كلها.. ورفيقة العصور الفائتة كلها، من اليوم الذي سطر التاريخ فيه صحائفه الأولى إلى يومنا هذا"..
وإنه لتاريخ مجيد تاريخها ذلك لأنها صمدت لنوائب الزمان وطوارئ الحدثان حتى أنه لم يبق فاتح من الفاتحين، أو غاز من الغزاة المتقدمين والمتأخرين الذين كانت لهم صلة بهذا الجزء من الشرق، إلاّ ونازلته: فإما أن يكون قد صرعها، أو تكون هي قد صرعته.
ثم يقول: "ولقد حوصرت مراراً، ودمرت تكراراً، وأعيد بناؤها ثماني عشرة مرة في التاريخ. وذاق أبناؤها العذاب خلال الأحقاب التي مرت بها أشكالاً وألواناً.. بيد أنها على الرغم مما أصابها ظلت قائمة في هذا الوجود، وظل اسمها مذكوراً في طليعة المدن والبلدان. ذلك لأنها مقدسة في نظر الأديان السماوية كلها. وقد لا نعدو الحق إذا قلنا إن قدسيتها هذه كانت في بعض الأحايين، السبب في شقائها، وفيما أصابها من رزايا ومحن".
ثم يستعرض المؤلف تاريخ القدس في مختلف العهود.. وكان أول اسم سميت به: "يبوس" نسبة إلى اليبوسيين بناة القدس الأولين والذين هم بطن من بطون العرب الأوائل نشأوا في صميم الجزيرة العربية، وترعرعوا في أرجائها ثم نزحوا عنها مع من نزح من القبائل الكنعانية فاستوطنوا هذه الديار وكان ذلك حوالى 3000 قبل الميلاد.
ويمضي في حديثه عن بقية العهود إلى أن جاء الفتح الإسلامي في عهد الفاروق عمر بن الخطاب.
وفي هذا يقول المؤلف: "بعد أن تم لأبي عبيدة بن الجراح فتح الشام أتاه أمر من الخليفة عمر بن الخطاب، كي يزحف صوب القدس. فلبى أبو عبيدة أمره، واستدعى سبعة من مقاديم جيشه. فعقد لكل واحد منهم راية. ضاماً إليه خمسة آلاف مقاتل بين فارس وراجل، وأمرهم بالزحف حسب الترتيب التالي:
في اليوم الأول دعا "خالد بن الوليد" فعقد له راية، وضم إليه خمسة آلاف فارس، وسرحه إلى بيت المقدس، بعد أن أمره أن يأتيها من ناحية حددها له.
وفي اليوم الثاني دعا "يزيد بن أبي سفيان" فعقد له هو أيضاً راية، وضم إليه خمسة آلاف فارس، وأمره أن يلحق بخالد، على أن يأتي المدينة من الناحية الأخرى.
وفي اليوم الثالث دعا "شرحبيل بن حسنة" فأعطاه ما أعطى زميليه اللذين تقدماه، وأوصاه أن يأتيها من ناحية غير الناحيتين السابقتين.
وهكذا فعل في كل يوم من الأيام الأربعة التي تلت عندما دعا إليه كلاً من المقاديم الأربعة الآخرين، وهم المرقال بن هاشم. ومسبب الغزاري، وقيس المرادي، وعروة بن مهلهل بن زيد الخيل، وقد أمر هذا بالسير وراء الجميع.
وكان جملة من سيرهم إلى بيت المقدس سبع فرق، مجموع رجالها خمسة وثلاثون ألف مقاتل ما عرف التاريخ أصبر منهم على المشي والعطش والجوع.. وكان مبدأهم في الحرب:
وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَا (المنافقون: 11) لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (الأعراف: 34).
وبعد حصار دام أربعة أشهر، قنط سكانها وطلبوا تسليم المدينة إلى الخليفة نفسه، فحضر إليها واستقبل فيها أمام أسوار المدينة (15هـ-636م) وأعطى أهلها وثيقة الأمان، المعروفة بالعهدة العمرية".
* * *
خضعت القدس لحكم الأمويين سنة 641م في عهد معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية وبقيت في حكمهم زهاء قرن كامل ومن أهم الأحداث التي جرت فيها على عهدهم بناء المسجدين: الصخرة، والأقصى.. وقد بناهما الخليفة عبد الملك بن مروان.
* * *
وفي زمن الخليفة أبي العباس عبد الله بن محمد المعروف بالسفاح، دخلت القدس في حكم العباسيين، (750م) وظلت تابعة لحكمهم قرناً وربع القرن. ومن أهم الأحداث التي حدثت فيها على عهدهم استتباب الأمن وتحسن العلاقات بين المسلمين والنصارى، وسماح الخليفة هارون الرشيد (786م) للإمبراطور شارلمان بترميم الكنائس وتعهده بحماية المسيحيين الذين يفدون إلى القدس بقصد الزيارة، وإعمار قبة الصخرة من قبل ولده المأمون (813م).
ثم يتحدث المؤلف عن القدس في عهد الدولتين الطولونية والإخشيدية، ويقول لم تذكر القدس كثيراً في دولة بني طولون (878-905م) ولا في زمن الدولة الإخشيدية (938م-965م) وكذلك قل عن "كافور" آخر الأمراء الإخشيديين الذي كان يخطب باسمه من على منابر مصر والشام والحجاز وفلسطين فقد توفي هذا سنة 966م ودفن في القدس.
وفي سنة 966 دخلت القدس في حكم الفاطميين وظلت تحت سيطرتهم حتى سنة 1072م عندما استولى عليها الأتراك السلجوقيون.
وفي سنة 1099م احتل الصليبيون القدس أخذوها من "افتخار الدولة" وكان يديرها باسم الأتراك السلجوقيين وذلك بعد معركة دامية دامت أربعين يوماً، وبعد أن نفذ ما كان لدى المسلمين من مؤونة وعتاد، وقد دخلوها بعد ظهر الجمعة 15 تموز وقتلوا يومئذ تسعين ألفاً من سكانها، ولم يختلف اثنان من المؤرخين عرب وإفرنجة في استنكار الفظائع والمنكرات التي اقترفها الصليبيون مع السكان العرب.
وجاء استرجاع القدس على يد "صلاح الدين" فما كاد ينتهي من معركة حطين تلك المعركة التي انتصر فيها على الصليبيين (في 25 ربيع الثاني 583هـ-1187م) حتى راح يفكر في إنقاذ بيت القدس وما هي إلاّ عشية أو ضحاها حتى قام يزحف صوبها. وقد دخلها يوم الجمعة الموافق 27 رجب سنة 583هـ-1187م.
لم يعامل صلاح الدين أعداءه الصليبيين بمثل ما فعلوا.. فلم يقتل منهم أحداً بعد أن تم له فتح المدينة بل أتاح لهم مغادرة المدينة لقاء الجزية، وعفا هو عن كثيرين فدفع الجزية عنهم.
وكان أول عمل عمله أن عمر السور. وأزال عن قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك معالم النصرانية. وأعادهما إلى ما كانتا عليهما.
دخلت القدس في حوزة المماليك سنة 1250م وظلت تحت حكمهم حتى جاء الأتراك العثمانيون سنة 1517م.
احتل السلطان سليم الملقب بياوز القدس سنة 1517م وبقيت في حوزة العثمانيين أربعمائة عام بالتمام.
احتل الجيش البريطاني القدس في 9 كانون أول 1917م ومكث البريطانيون في فلسطين حتى 15 أيار 1948م.
قبة الصخرة المشرفة
وننتقل مع المؤلف إلى الباب الثاني من الكتاب في حديثه عن "قبة الصخرة المشرفة".
من الذي بنى مسجد الصخرة؟
بناه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ورصد لبنائه خراج مصر لسبع سنين.. وعهد بإدارة العمل إلى اثنين من رجاله هما: رجاء بن حيوة الكندي أحد العلماء في صدر الإسلام. ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان، وفي قول إن الموكل بالصرف رجاء وأن هذا ضم إليه يزيداً وولديه.
شرع البناؤون في البناء سنة 66هـ-685م وفرغوا منه سنة 72هـ وفي رواية عن سبط بن الجوزي يوردها المؤلف في الهامش أن ابتداء البنيان كان سنة 69هـ-688م كما ينقل عن كتاب "مثير الغرام بفضائل القدس والشام" لمؤلفه أحمد المقدسي أنه بنى سنة 70هـ-689م.
يقول المؤلف:
بلغت عناية المسلمين بهذا المسجد في صدر الإسلام حداً يفوق الوصف. ثم يذكر أن هذا هو المعروف عند معظم المؤرخين أي أن الذي بنى مسجد الصخرة هو عبد الملك بن مروان وهو الذي أعتمده في كتابي هذا.
ومع ذلك فهناك روايات تقول إن الذي بناه هو الوليد بن عبد الملك، وليس عبد الملك وهنا يشير المؤلف إلى تفاصيل وأقوال متعددة، يعقب عليها بقوله: والرأي عندي أن القرار أعطي من لدن عبد الملك، لأن فتنة ابن الزبير قامت في زمنه وقتل ابن الزبير على يده، وشرع في البناء في زمنه، وتم على يده وفي عهده، ولكن هذا لا يعني أن ولده الوليد لم يكن له دخل في ذلك فإنه كولد وكولي للعهد لا بد وأن يكون قد أشرف على بناء المسجد أو على ناحية من نواحيه ليس هذا فحسب فإنه "أي الوليد" أضاف إلى ما بناه أبوه بعض النقوش والتزيينات ومنها القبة التي قال ابن البطريق إن الوليد قلعها من كنيسة بعلبك. وكانت من نحاس مطلي بالذهب.
جمال مسجد الصخرة من الناحية الهندسية
مما لا ريب فيه أن مسجد الصخرة بقبته الجميلة وبنائه المتين وتكوينه الرائع جاء آية في فن الهندسة لا في العصر الذي بني فيه فحسب، وإنما على مر العصور والأيام، فقد بهرت قبته ببهائها ورونقها وفخامتها وتناسقها كل من أمعن النظر فيها، وحاول دراستها من العلماء والباحثين وكذلك قل عن جدرانه وسقوفه وأعمدته ونقوشه وفسيفسائه وكل شيء فيه.
وإنك لترى فيه جمال الهندسة العربية والذوق العربي ممتزجاً بشيء من الطراز الفارسي والأسلوب البيزنطي. ولا غرابة في ذلك. فقد اشترك في بنائه عمّال وصناع من العرب والفرس والروم والبيزنطيين.
قال الأستاذ "هايترلويس": "إن مسجد الصخرة بلا شك من أجمل الأبنية فوق البسيطة، لا بل إنه أجمل الآثار التي خلدها التاريخ".
وقال الدكتور "ريتشارد هارتمان": "إن مسجد الصخرة نموذج من التناسق والانسجام". وقد أيده في وصفه هذا، البحاثة الهولندي "فان برشام".
وقال المستر "فرغوسن": "إن مسجد الصخرة من الجمال على جانب عظيم. لقد زرت كثيراً من القصور الفخمة والمباني الجميلة في الهند وفي أوروبا وفي أكثر أنحاء العالم، ولكني على ما أذكر لم أر ما هو أجمل. ولا أبدع. ولا أفخم من قبة الصخرة.. وإن التناسب البديع في الأحجار والألوان لم أجده في أي بناء آخر".
وقال الدكتور "غوستاف لوبون": "لم تكن قيمة هذا المسجد بما يثيره من ذكريات فقط بل إنه من أهم المباني العجيبة التي شادها الإنسان.. إنه أعظم بناء يستوقف النظر.. إن جماله وروعته مما لا يصل إليه خيال الإنسان"..
* * *
وخصص مسيو "دوفوغيه".. مجلداً كاملاً لوصف مسجد الصخرة، وكذا فعل الكثيرون من المؤرخين، اكتفينا بما تقدم من أقوال بعضهم من مؤرخي الفرنجة ولم نذكر ما قاله المؤرخون المسلمون في وصف هذا المسجد ومحاسنه لئلا يقال: إن عين الرضا هي التي أملت عليهم ما قالوا.
مسجد الصخرة في زمن العباسيين
ذكر ابن الأثير أن المنصور سار إلى بيت المقدس سنة 154هـ-770م وسقطت في أرض الحرم يومئذ صاعقة قتلت خمسة أنفار، ولم يقل لنا ابن الأثير فيما إذا كان المنصور قد رمم الصخرة.
وأصاب البناء شيء من الخراب في عهد الخليفة العباسي المأمون، فأمر بترميمه عندما زار بيت المقدس، ولما انتهى العمال من الترميم (216هـ-831م) أرادوا أن يتزلفوا إليه، فاستبدلوا اسمه باسم الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. ولكنهم أغفلوا تغيير السنة التي حدث فيها هذا الترميم.. فكيف عرفنا ذلك؟
إن فوق الأعمدة التي يقوم عليها سقف المسجد في الرواق القريب من المحراب من الناحية الجنوبية إلى الشرق، خطاً ضيقاً من البلاط الأزرق نقشت عليه بالفسيفساء وبالأحرف الكوفية المذهبة الكلمات التالية:
"بنى هذه القبة عبد الله، عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين. تقبل الله منه ورضي عنه آمين". لم يفطن الصانع إلى تغيير التاريخ فقد أبقى سنة 72هـ وهي السنة التي أتم فيها عبد الملك بن مروان البناء ولم يذكر السنة التي تم ترميم البناء فيها على يد المأمون (216هـ-831م).
وأمرت أم المقتدر بالله الخليفة العباسي (301هـ-913م) بصنع أبواب قبة الصخرة، فصنعت من خشب التنوب وكانت كلها يومئذ مذهبة وأصلح يومئذ جانب من السقف وتم ذلك على يد لبيد مولاها.
في زمن الفاطميين
في خلافة الحاكم بأمر الله الفاطمي (407هـ-1016م) زلزلت الأرض فسقطت على أثرها بعض أجزاء القبة الكبيرة وقسم كبير من السور فرممت في خلافة ولده الظاهر لإعزاز دين الله (413هـ-1022م) وكان الفن العربي يومئذ مزدهراً وكانت القبة مغطاة بالرصاص من الخارج وبالفسيفساء من الداخل والنقوش والرسوم العربية الجميلة وقد تم تعميرها على يد "علي بن أحمد" المنقوش اسمه على الأخشاب الملصقة في صدغ الدهليز الذي في رقبة القبة.. وقيل إن الحاكم بأمر الله نفسه هو الذي قام بتعميرها، فأصلح القبة القديمة، وضرب عليها قبة أخرى من الخشب لتقيها من عبث الأمطار، وتأثير الأجواء.
* * *
وفي سنة (460هـ-1067م) كثرت الزلازل في مصر والشام، فانثلم سور بيت المقدس وانشقت الصخرة، وهدمت أكثر المنازل وهلك تحت الردم خلق كثير..
وهناك بين المؤرخين كثيرون يقولون إن مسجد الصخرة في يومنا هذا هو كما كان في بدء عهده، رغم أن القبة تأثرت مراراً بالزلازل والعواصف الجوية، وكذلك الجدران وقد عمرت هذه وتلك مراراً. إلاّ أن تلك التعميرات لم تؤثر على شكل المسجد المثمن وهيكل البناء الأصلي أبداً. وكذلك قل عن الأعمدة والنوافذ.
في زمن الصليبيين
عندما احتل الصليبيون بيت المقدس (1099م) حولوا مسجد الصخرة إلى كنيسة، وبنوا على الصخرة مذبحاً كانوا يسمونه هيكل السيد، وجعلوا به الصور والتماثيل، قال مستر ج. فن: إنهم اقتطعوا من الصخرة جانباً بنوا فيه مذبحهم وقال آخرون إنهم اقتطعوا من الصخرة قطعاً كثيرة حملوا بعضها إلى القسطنطينية والبعض الآخر إلى صقلية.
في زمن صلاح الدين
عندما فتح صلاح الدين القدس (583هـ-1187م) أعاد البناء إلى حاله القديم فأزال معالم الكنيسة ورفع المذبح ومحا الصور والتماثيل وأزال عن الصخرة الرخام الذي كان الصليبيون قد كسوها به وقد زين القبة من الداخل بالنقوش الجميلة وجدد بعض الرخام بالجدران.
ومن ملوك بني أيوب الذين لهم أثر في مسجد الصخرة الملك العادل سيف الدين أبو بكر أخو السلطان صلاح الدين والملك الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين والملك العزيز عثمان ابنه الآخر فإن الحاجز الخشبي الذي يحيط بالصخرة هو من صنع الملك العزيز عثمان.. وذكر مجير الدين أن هؤلاء كلهم كانوا يكنسون الصخرة بأيديهم ثم يغسلونها بماء الورد كما كانوا في مثل هذه المناسبة يوزعون الصدقات على الفقراء.
في عهد المماليك
كان أول من عنى بالمسجد من المماليك الملك الظاهر بيبرس فقد حدثنا المقريزي أنه "أي الظاهر بيبرس" جهز الأموال والأصناكي صحبة الأمير علم الدين اليغموري لعمارة قبة الصخرة بالقدس (659هـ-1260م) وكانت وقد وهت.
وحدثنا مجير الدين "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل" إن الظاهر بيبرس عنى بعمارة المسجد وجدد فصوص الصخرة المشرفة التي على الرخام من الظاهر. واختلف المؤرخان في تعيين التاريخ الذي تمت فيه العمارة الثانية. فقال مجير الدين إنها جرت سنة 669هـ-1270م وقال المقريزي إنها تمت سنة 671هـ-1272م).
وفي زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون تم تعمير القبة من الداخل والخارج فجدد تذهيبها من الداخل وعمر خشبها ورصاصها من الخارج وقد تم ذلك سنة 718هـ-1318م.
في عهد الأتراك العثمانيين
في زمن السلطان سليمان الثاني الملقب بالقانوني تمت تعميرات كثيرة.. منها أنه عمر من جديد قبة الصخرة والباب الشمالي. وإنك لواجد على القوس الذي فوق الباب المذكور كتابة خطها عبد الله التبريزي على عهده ومنها يفهم أن عمارة هذا الباب قد تمت في 959هـ-1552م.
ولقد عمرت الصخرة والأقصى وبعض الأملاك الموقوفة عليهما في العهد التركي وعلى يد السلطان محمود الأول (1148هـ-1735م).
وهناك تعميرات عديدة أخرى منها ما حدث في زمن السلطان عبد المجيد بن محمود الثاني (1270هـ-1853م) حين تولت الحكومة العثمانية ترميم مسجد الصخرة وقد دام هذا العمل بضع سنين.
وفي زمن السلطان عبد الحميد الثاني فرش مسجد الصخرة بعدد وافر من السجاد الثمين. ونصبت الثريا التي كنت تراها في الصخرة والتي نقلت بعدئذ (1951م) إلى المسجد الأقصى.
وبانتهاء العهد العثماني سنة 1918م واحتلال بريطانيا لفلسطين أصبح الإشراف على شؤون مسجد الصخرة والمسجد الأقصى من مهام المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان يرأسه المرحوم الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، وأثناء ذلك طرأ على قبة الصخرة مع تقادم العهد ومرور الزمن خلل من جراء تسرب مياه الأمطار في الجدران فقام المجلس ببذل مساعيه للعمل من أجل إنقاذ المسجد، وكان أن استنجد بوزارة الأوقاف المصرية التي انتدبت عام 1936م محمود أحمد باشا مدير الآثار العربية وجاء هذا، وبعد أن كشف على القبة والجدران وعلى جميع أطراف المسجد وضع تقريراً تقدم به إلى المجلس يتضمن بعض الحلول مما كانت نتيجته الحيلولة دون وقوع خطر عاجل.
ثم حالت حرب فلسطين (1947) دون اتخاذ أية خطوة في سبيل تعمير قبة الصخرة ولقد زاد في الطين بلة أن هذه القبة والقباب الأخرى الكائنة في أرض الحرم لم تسلم من أذى اليهود وتعديهم. فراحوا يصوبون إلى هذا المسجد عن قصد مدافعهم وكثيراً ما سقطت قنابل المورتر من عيار بوصتين وست بوصات وقنابل الهاون أيضاً في سطح المسجد وفي جنباته وفنائه.
وفي العهد الأردني قامت الحكومة الأردنية ما أمكنها من إصلاحيات في هذا الصدد ساهم فيها ملوك ورؤساء بعض الأقطار الإسلامية بتبرعاتهم.
المسجد الأقصى المبارك
في الباب الثالث يتحدث المؤلف عن "المسجد الأقصى المبارك" فيقول: "كان هذا الاسم "المسجد الأقصى" يطلق فيما مضى على الحرم القدسي كله". وقد اقتبسه المسلمون من حادث الإسراء يوم أسرى بالنبي العربي الكريم إلى هذه الديار. وفي ذلك نزلت الآية الكريمة: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ (الإسراء: 1).
كان هذا في أول عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقبل أن يفتح بيت المقدس على أيدي المسلمين. وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى بعد الهجرة يولي وجهه وهو يصلي في المدينة شطر القدس: معتبراً إياها بيت الله في أرضه ولما رأى من غدر اليهود ومكرهم ما رأى غير قبلته واستبدلها بالكعبة وقد تم ذلك في السنة الثانية للهجرة وفي ذلك نزلت الآيات الكريمة التالية:
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (البقرة: 115).
وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ، قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (البقرة: 143-144).
هذا عن المسجد الأقصى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما في يومنا هذا فإن اسم "المسجد الأقصى" يطلق على المسجد القائم في الناحية القبلية في الحرم.. وعلى بعد خمسمائة متر بوجه التقريب من مسجد الصخرة إلى الجنوب. إن الذي بناه هو عبد الملك بن مروان سنة (74هـ-693م).
هذا ما قاله أكثر المؤرخين، وأما المقدسي والسيوطي فيقولان إنه بناه سنة 72هـ-691م.
ويتابع المؤلف الفاضل حديثه المفصل في هذا الصدد، وهو حديث شامل ومفيد كان بودنا أن نعرض له هنا لولا ضيق المجال.
الحرم القدسي أمس واليوم
يتحدث المؤلف في الباب الرابع عن الحرم القدسي قائلاً:
إن جميع الأماكن المتقدم ذكرها: مسجد الصخرة والمسجد الأقصى وما بينهما من مبانٍ ومنشآت حتى الأسوار هي التي نسميها في يومنا هذا "الحرم القدسي".
إن موضع الحرم الحالي بوجه الإجمال مقدس في نظر المسلمين.
إنه أولى القبلتين فقد صلى المسلمون عليه في بادئ الأمر نحو سبعة عشر شهراً، قبل أن يتخذوا الكعبة قبلتهم.
وهو ثالث الحرمين اللذين خصهما الله بالشرف والتعظيم.
ويستطرد المؤلف إلى الحديث عن القباب والمساطب والمآذن. ومياه الحرم وأبوابه وعن سدنته على مر العصور.
وعن زيارة الحرم يقول: كانت زيارة الحرم في العهود الغابرة مباحة للناس أجمعين، لا فرق بين مسلم ومسيحي، وطني وأجنبي، ولما أخذت رياح الاستعمار السياسي تهب على هذا الجزء من الشرق، وكانت رياح الاستعمار الديني قد سبقتها باسم التبشير. وراحت البلاد تغص بالإرساليات الأجنبية المختلفة، خشي أولو الأمر العاقبة فحرموا الزيارة على الأجانب كائناً من كانوا، وأباحوا لمن والاهم من المسيحيين العرب المواطنين، وكان "القتل" عقوبة من يغشاه غيرهم من المسيحيين الأغيار.. وأما اليهود فقد حرموا زيارة المسجد من تلقاه أنفسهم لاعتقادهم بأن التوراة مدفونة تحت باب (؟) من أبواب الحرم من اليوم الذي كان يقوم في هذا الموضع هيكلهم.
معتقدات وأساطير
وفي الباب الخامس والأخير يتحدث المؤلف عن معتقدات نشأت حول هذا المكان الإسلامي الجليل بلغت -في بعض الأحيان- حد الأساطير.
وفي ذلك يقول: إن جل هذه المعتقدات إن لم نقل كلها بعيدة عن العقل والمنطق والتي عطفها الجهلاء إلى الدين، إلاّ أنها في الحقيقة ليست من الدين في شيء لقد استنكرها رجال العلم وأساطين الدين واعتبروها خرافات ما أنزل الله بها من سلطان.
إلى أن يقول: "وإنه ليسرنا أن نلاحظ أن هذه الخرافات آخذة -في يومنا هذا- طريقها إلى الزوال والفضل في ذلك راجع إلى العلم الذي انتشر بين جميع طبقات الشعب. فاستنارت العقول وما عادت تهضم سوى المعقول!".
ولئن غفرنا للقائلين المتمسكين بتلك الأساطير أقوالهم.. إلا أننا لن نغفر للقائل قوله: "إن هذا المكان بناه الجان!!" فقد سمعت بأذني -يقول المؤلف- دليلاً كان يرافق عدداً من السائحين الفرنجة قبل بضع سنين، ليدلهم على الأماكن المقدسة في المدينة، ولما انتهى بهم المسير عند الحرم، أشار الدليل إلى مسجد الصخرة فقال: إن هذا المكان بناه الجان! فدنوت منه وسألته عن السبب الذي حدا به لهذا الاعتقاد الفاسد.. قال "ليس من المعقول أن يقوم بين العرب والمسلمين شخص ذو فكر ثاقب إلى هذا الحد! فيبني مثل هذا البناء الفخم العجيب!!".
فقلت له: رويدك يا أخي! إن الذي بنى هذا المكان هو عبد الملك بن مروان.. الخليفة الأموي ذو المكانة المرموقة بالتاريخ.. إنه أنسي وليس بجني.. إنه عربي مثلنا ابن وطننا وأمتنا وديننا، وإنه ليجدر بنا جميعاً أن نمجده، وأن نخلد ذكراه، وأن نذكر ما فعله بكل فخر واعتزاز، فلو لم يكن له فضل سوى هذا المسجد العظيم، لكفاه ذلك فخراً أنه هو الذي بناه، وبعمله هذا وطد كيان العرب والمسلمين في هذه البلاد.
* * *
وينتهي كتاب المؤرخ الباحث الأستاذ عارف العارف البالغ صفحاته (248) عند هذا الحد.. حاولنا في هذه الصفحات أن نعرض لأهم ما فيه أو للخطوط العريضة فيه.. في حدود ما يسمح به المجال عنا، وبالله التوفيق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1887  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 22 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.