شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تقديم الأغاريد
صيحات من هنا وهناك، تتنادى بين حين وآخر بأن دولة الشعر. لم يعد لها في عصرنا هذا مكان..
صيحات.. تردد لفظة "العلم" وفي وهمها وخيالها أن العلم وهو ثمرة من ثمار العقل، ومن ثمار التجريب يرفض كل ما عداهما من ثمار الآداب والفنون.
ويبدو أن هؤلاء العلميين، أو التجريبيين، يتصورون أنه ليس في الإمكان أن يتلاقى الفن والعلم في صعيد واحد.
وفي رأينا أنهم مخطئون بلا شك..
مخطئون.. لأن الواقع العلمي في الحضارة الغربية الحاضرة.. يشجب -في إصرار- كل ما يقولون.
إن الحضارة الغربية، حضارة العلم، لم تتنكر للفنون!
بل لعلّ الحضارة الغربية -كما نشهد- تفوق كل ما سبقها من حضارات، في إعطائها المزيد من عنايتها بالأدب، وعنايتها بالشعر، وبسائر الفنون!
والواقع أن هذه الحضارة قد أظهرت من حفاوتها بالفنون عامة، والأدب منها بصورة خاصة، والشعر بصورة أخص.. ما لم يتوفر نظيره في أي عصر من العصور.
وبحسبنا في هذا المقام أن نذكر "جائزة نوبل للأدب" إلى جانب غيرها من عشرات الجوائز التقديرية أو التشجيعية للأدب والشعر في العالم الحديث.
إن الشعر -وهو في مكان الطليعة بين فنون الأدب- لا يمكن أن يخلو منه عصر.. مهما أوغلت فيه المادة.. أو طغى فيه التقدم العلمي.
ذلك لأن الشعر تعبير -بل هو أصدق تعبير- عن خوالج النفس البشرية.
الشعر هو أصدق تعبير عن المشاعر والأحاسيس.
إنه لغة العاطفة. يخاطب بها الشاعر عواطف الناس قبل أن يخاطب عقولهم.
إنه لغة القلب.. يترنم بها الشاعر في أعذب لحن وأشجى نغم، وفي أسلوب يهز النفس، ويؤثر في الوجدان.
أسلوب يتميز بذاتية الشاعر، وصدقه في الشعور والتعبير!
والصدق في الشعور، والصدق في التعبير هما أول سمات الشاعر الموهوب!
كذلك فإن الشعر فن ورسالة معاً، فليس شعراً، ولا يمكن أن يسمى شعراً، أي كلام مهما أبدع فيه القائل، إذا خلا من رسالة، أو تجرد من هدف أو مضمون.
ولقد مرت بشعرنا العربي -بعد عصوره الذهبية المجيدة- عصور من التخلف، كانوا يسمونها -بحق- عصور الظلام.
كانت عصور ظلام بصدق.. في العالم العربي كله، لا بالنسبة لمجال الشعر والأدب فحسب، وإنما بالنسبة لكل مجال من مجالاته الفكرية.
كانت عصوراً عاش فيها العالم العربي، أسوأ حالات التخلف الفكري.
بل في كل ناحية من نواحي الحياة، وفي كل جانب من جوانب النشاط سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع، كانت الشعوب الناطقة بالعربية خلال تلك الفترة الطويلة تغط في نوم عميق!
بينما كانت شعوب الغرب تمعن في نشاطها، وتواصل تقدمها!
ولقد كان من الطبيعي جداً أن يشمل هذا الركود الحياة الأدبية.
كان من الطبيعي ألاّ ينبغ طوال تلك الفترة المظلمة شعراء مبدعون من طراز أبي تمام -مثلاً- أو المتنبي أو البحتري.
وجاء العصر الحديث، في أعقاب غزوة نابليون للشرق العربي.
وابتدأ اللقاء بين أوروبا والشرق على أصوات المدافع منذ أن فكرت أوروبا في غزوها الاستعماري.
في غمرة هذا اللقاء المرير بين الغرب والشرق لم يكن بد من أن يتبدل كل شيء. وأن يصحو النائمون!
لقد بدأ اللقاء -إذن- وبدأت معه نقطة التحول في حياة الشعوب العربية.
بدأ هذا اللقاء، وبأسبابه كانت اليقظة، وبأسبابه أخذ ما نسميه اليوم "الوعي" ينمو بالتدريج.
وقد كان أول ما تجلى هذا الوعي -بما يشبه الطفرة تقريباً- في الحياة الأدبية والشعرية.
كانت كل العوامل، بما فيها حركة إحياء التراث القديم -تدعو إلى أن يكون الشعر هو السابق في ميدان النهوض.
واستمع الناس أول ما استمعوا إلى نغم جديد لم يألفوه في الشعر العربي.
استمعوا إلى البارودي رائد شعراء العصر الحديث! استمعوا إليه شاعراً من نمط جديد!
شاعراً عملاقاً. عملاقاً في أسلوبه. وأغراضه ومعانيه!
وتوالت الأنغام، وأخذ يظهر على التتابع شعراء البعث الجديد!
ظهر في مصر "شوقي" و "حافظ" و "مطران" وظهر "الرصافي" وزملاؤه في العراق.
وفي لبنان وسورية استمعنا إلى "إبراهيم اليازجي" و "الأخطل الصغير" و "بدوي الجبل" و "فؤاد الخطيب" وغيرهم.
ولست أنسى المهجر في إشارتي هذه إلى الشعراء الروّاد في العالم العربي.
وهل يمكن أن ننسى "فوزي المعلوف" و "إيليا أبو ماضي" و "الياس فرحات" و "ميخائيل نعيمة" و "نسيب عريضة" وعميدهم "جبران".
هؤلاء -إلى نوابغ من الشعراء عديدين- كانوا -في الحق- طليعة البعث الشعري في العصر الحديث.
هؤلاء هم روّاد النهضة الأوائل إلى جانب روّادها الآخرين في الميادين الأخرى.
هؤلاء هم الذين هزّوا النفوس، وغنوا على أوتار القلوب!
هؤلاء هم الذين كانوا في طليعة نضال شعوبهم، ضد كل رواسب التخلف، وضد كل رواسب الجهل وضد الاستعمار!
ونسأل -ولا بد من أن نسأل هنا:- ما هو نصيب بلادنا في هذا المجال؟
ما هو نصيبها في ميادين الإنتاج والإبداع، منذ أن شرعت بدورها تحاول اللحاق بالركب الحضاري؟
إنه من الحق أن نقول -تسجيلاً للواقع- إن الحركة الأدبية الجادة في بلادنا -لأكثر من سبب- بدأت متأخرة عن سواها.
ومن الحق ثانياً أن نقول دون أن نغالي أو نبالغ إن المحاولات الأدبية الأولى ثم ما تلاها من محاولات -وخاصة في الشعر- لم يكن ينقصها النضج سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون.
وليس من الادعاء أن نقول إنه في كل موضوع من موضوعات الشعر الجديدة قد شارك شعراؤنا شيوخاً وشباباً بأوفى نصيب!
لقد شارك شعراؤنا سواء في الحجاز أو نجد أو الخليج أو الجنوب في كل موضوعات الشعر بما فيها الشعر السياسي والاجتماعي والتأملي والعاطفي، ولم يكن النضج ينقص هذا الشعر -كما قلت- شكلاً أو مضموناً.
وما أظننا ننسى أنه في شتى المواقف النضالية.. سواء ما كان منها بالنسبة للاستعمار وتحدياته للحركات الوطنية في الشرق عامة.. أو ما كان منها في مجالات النقد الذاتي، وغيره من المجالات. ما أظننا ننسى أن الكثيرين من شعرائنا قد أسهموا إسهاماً متميزاً في هذا المضمار، منذ أتيح لهم، أو أتيح لبلادهم أن تظفر باستقلالها السياسي في إطاره الكامل، وبالتالي منذ أتيح لبلادهم أن تنهض لتعود تمارس لغتها الفصحى من جديد -بعد فترة من الزمن طويلة- لتصبح هذه اللغة مرة أخرى: لغة "الدولة" أي "الإدارة" و "السياسة" و "التعليم"!
وحسبي أن أنوّه هنا بشهادات قيمة للشعر المعاصر في هذه البلاد أعلنها صراحة كثيرون من شيوخ الأدب في العالم العربي.
حسبي أن أنوّه هنا بما كتبه مثلاً كل من مارون عبود وطه حسين ومحمد مندور وزكي أبو شادي والخفاجي ومحمود تيمور وزكي المحاسني وغيرهم من أفاضل الكاتبين.
وإن كنت أرى أنه لا ينبغي أن ينسينا ذلك أن بلادنا ما زالت في المراحل الأولى من حياتها الأدبية.
* * *
ولا أحب أن أطيل، فحسبي هذه الإشارة لأنتقل إلى الحديث -في كلمة مجملة- عن شاعر من شعرائنا النابهين، شاعر طليعي بحق -أعني به- الأستاذ السنوسي صاحب هذا الديوان.
ولست أحاول في هذه الكلمة أن أعرف بالسنوسي شاعراً. فالسنوسي بشهرته غني عن أي تعريف!
إن للسنوسي مكانته بين شعرائنا البارزين.
فهو صاحب "القلائد" وقد كان لديوانه "القلائد" وما يزال صداه الطيب الجميل في أوساطنا الأدبية.
وأحسب أني لا آتي بجديد عندما أقول عن صديقي محمد السنوسي إنه أول شاعر من شعرائنا يترجم بعض من شعره إلى لغة أوروبية!
وتلك شهادة لا أظن السنوسي وحده يختص بها بل هي أحرى أن تكون شهادة لها مغزاها ولها مدلولها بالنسبة للشعر السعودي عامة.
والحق أن في شعر شاعرنا من سمات الشاعر الأصيلة ما هو خليق بأن يجعل من هذا الشعر شعراً يستأهل الإعجاب.
إن من أهم سمات شاعرنا السنوسي -في اعتقادي- أنه لا يحاول أن يتكلف، أو يظهر بغير حقيقته، أو يقول ما لا يعتقد، أو يمدح -مثلاً- من لا يرى أنه أهل لثناء ومدح.. وإنما هو في كل ما طالعته من شعره، لا أراه إلاّ حريصاً كل الحرص على التزامه لهذه السمة، سمة الصدق في التعبير!
ولعلّ من ميزات السنوسي، وهي ميزة أعتقد أن القليلين من شعرائنا يشاركونه فيها، لعلّ من ميزات السنوسي إكثاره من القراءة والاطلاع.
وللقراءة وللاطلاع أثرهما في شعر الشاعر، وأدب الأديب.
وليس من شاعر مشهور، سواء في أدبنا العربي قديمه وحديثه، أو في سائر الآداب العالمية في الشرق والغرب، إلاّ وعرف عنه إدمانه على القراءة وإكثاره من الاطلاع.
ويكفي أن أذكر هنا أبا الطيب المتنبي وأبا تمام وأبا العلاء المعري وأمثال هذه الطبقة من شعرائنا القدامى.
ومن شعراء العصر الحاضر: عباس العقاد وزميلاه شكري والمازني وغيرهم من أقطاب الشعر الحديث!
وأذكر أن الشاعر الكبير "الشيخ فؤاد الخطيب" كثيراً ما كان يتحدث في هذا المجال، منوّهاً بوجوب أن يكون الأديب أو الشاعر مثقفاً واسع الثقافة ومشاركاً في كل الفنون.
وأعتقد أن لثقافة السنوسي المتعددة الجوانب أثرها في شعره بصورة عامة إلى جانب موهبته الفنية المعطاء.. ولعلّه من هنا يبدو لنا ما نلمسه في شعره غالباً من نبض في الأسلوب، وحيوية في الألفاظ، وعمق في المعاني، وسمو في الأغراض.
* * *
وبعد فما أظن قارئ شعر السنوسي في ديوانه هذا الماتع الجديد في حاجة إلى مزيد من حديث عن الشاعر السنوسي وعن شعر السنوسي.. فحسب الشاعر أن شعره قد ظفر بإعجاب قارئيه جميعاً منذ صدر له أول ديوان. بل حسبه أن شعره قد ترجم إلى لغة أوروبية، كما سبق أن أشرت، وفي كل ذلك ما يغنيه ويغني شعره عن أي مزيد في الإشادة والتنويه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :475  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.