شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة السفير الأستاذ محمد صالح باخطمة))
الحضور الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في حياة كل واحد منّا شخصيات نعجب بها ونتخذها مثلاً وقدوة ونبراساً في حياتنا. قد نكون قرأنا عنها أو سمعنا عنها؛ أو عايشناها عن قرب. وقد أسعدني الله بأن أعايش معايشة يومية طوال سبع سنين شخصية فذة في كل شيء، وهذه الشخصية هي فارس هذه الاحتفالية. وقد ظلت هذه الشخصية وستظل حديث ليس النخبة فحسب بل والمتلهفين لمعرفة أغوار هذه الشخصية التي لم تنل حظها من العناية بها؛ ولم يكن ذلك ذنبه ولكن ذنب زمانه وأهل زمانه.
لقد سعدت بصحبته سبع سنين صحبة لصيقة وكانت سنوات ما قبل المغيب من عمره. وكانت لنا جلسات ومكاشفات أجزم بأن أحداً غيري لم يسعد بها. إن في حياة فارسنا أحداثاً لو جرت واحدة منها لأحد لأعلن الانسحاب من الحياة الطبيعية والانطواء. لكن فارسنا تجاوزها بشجاعة الفرسان من الرجال.
وأول الأحداث حين انهزم "هتلر". وقد يسأل سائل وما دخل هتلر من حياته فأقول: لقد كان فارسنا في شبابه ومجموعة من أقرانه معجبين بهتلر، فهم من انشغالهم بوطنهم وإرهاصات ذلك الزمن فإنهم كانوا منحازين لألمانيا وزعيمها هتلر. وكانوا يرون في انتصار ألمانيا بروز قطب جديد في العالم يبشر بإشراقة فجر جديد لمستقبل العالم.. لذلك حين انهزم هتلر اعتراهم إحباط شديد إلى الحد الذي فكر فيه فارسنا في الهجرة إلى أمريكا وتقدم لذلك وأتم إجراءات الهجرة لكنه لم يوفَّق في كشف الهيئة، أتدرون لماذا؟ الجواب لأنه كان أصلع..
أما الحدث الثاني فهو ضعف بصره. فقد أجرى عملية في عينيه قام بها أستاذ أساتذة جراحة العيون في زمانه، وقد أخطأ فيها خطأً فادحاً. وحين سافر فارسنا إلى إسبانيا وراجع الدكتور باراكير صارحه بأن خطأ حدث في العملية لا يكون حتى من طبيب مبتدئ ولا يمكن إصلاحه، ولكن يمكن تدارك بعض توابعه. لقد كلف ذلك فارسنا الكثير، فقد صار في حاجة لمن يقرأ ويكتب له ومن يسير معه. وكان كلما تذكر ذلك في جلساتنا يقول في إيمان صادق: خطأ الطبيب إصابة الأقدار.
أما الحدث الثالث فهو أكثر الأحداث إنسانية في حياته، وهو أنه رزق بالبنات ولم يكن في البيت أم تقوم بدورها الأمومي، فقد ألقى ذلك عليه أن يقوم بدور الأب والأم في جميع أدوارها. وقد فرض ذلك عليه بأن ألقى سياجاً على داره، لا يزوره إلاّ أخلص الخلصاء وبموعد مسبق يكون خلاله قد رتّب كل شيء في البيت لهذه الزيارة. ولولا ذلك لكانت داره منتدى يسعى إليه المريدون المحبون للانتهال ليس في الشعر ولكن في كل مجالات المعرفة.
أما الحدث الرابع فقد كان يجب أن يكون الأول في السياق، لأنه حدث مفصلي ومحوري عاشت ظلاله وتوابعه تلامس أشياء كثيرة من حياته ولكنها لم تنل من شممه وشموخه، الأمر الذي جعل كثيرين يتساءلون كيف مالت كفة الميزان للطرف الآخر. فقد كانت في الحجاز قمتان الأولى قمة المال والسلطة الوظيفية ونفوذهما والأخرى الفكر الناضج، ومن المنطق ألاّ تتسع قمة الحياة للاثنين معاً. فرجحت قمة المال وصاحبها واندرج تحت عباءته رجال الوجاهة في المجتمع والوظائف العالية ورغد العيش. أما صاحب الفكر المستنير فقد تجاذبته وظائف لا تليق بمكانته وقامته ولعلّ أغربها هو عمله في نقابة السيارات. وهكذا قرر الرحيل عن زمن تجاهله وأهل أنكروه.
تلك الأحداث ومراراتها عبّر عنها في أسطر بليغة حيث قال:
"أتعرف قصة القائد الذي خسر المعركة لعشرة أسباب أعفاه من تسعة منها حين ذكر أولها وهو نفاد الذخيرة؟ إنها قصتي وليس نفاذ الذخيرة أولها ولا ألفها".
هذا هو حمزة شحاته وهو إنسان تسري عليه كل قوانين الحياة: القوة والضعف، المد والجزر، النصر والهزيمة، الأمل ومراجعة النفس. وقد كان يردد دائماً حين نجلس ونستعرض الأيام الخوالي:
سهرت أعين ونامت عيون
في أمور تكون أو لا تكون
إن رباً كفاك بالأمس ما كان
سيكفيك في غد ما يكون
وقد أجملت كل ما عرفته منه وعنه في قصيدتي التي رثيته فيها فقلت منها:
يا من علّمني أن الكلمات
رغم الصمت ورغم النسيان
رغم الخوف ورغم الكتمان
تحيا وتعيش لكل زمان
* * *
يا من علّمني أن الغربة في النفس
وليست في بعد الأوطان
يا من علمني أن العالم سجن
والسجان هو الإنسان
هو صنع الكذب ونمقه أعطاه
دواعي أعطاه معان
* * *
يا من علمني ألا يبني مجد الإنسان
سوى الإيمان
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح..
عريفة الحفل: شكراً لسعادة السفير الأستاذ محمد صالح باخطمة وقد حدثنا عن الأيام الجميلة التي عاشها مع الأديب حمزة شحاتة في قاهرة المعز وقبيل وفاته. الآن نستمع لسعادة الدكتور عبد الله سليمان مناع ليحدثنا عن الأزمة بين سعادة الشيخ محمد سرور الصبان وأديبنا الكبير حمزة شحاتة رحمهما الله، فليتفضل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :734  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 201 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.