شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور محمد بن عبد الرحمن الربيع))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
الأستاذ الكبير عبد المقصود خوجه، أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد:
أكرمني وطوق عنقي بجميل لا أنساه الأستاذ الكبير عبد المقصود خوجه بتكريمي هذه الليلة في منتداه العامر الذي تجاوزت شهرته وسمعته حدود الوطن وأصبح أشهر المنتديات الخاصة بتنظيمه الدقيق وضيوفه الأجلاء وبالحوارات الهادفة العميقة التي تطرح في جلساته، وبهذه الكتب الضخمة التي تصدر عنه، ويكفي أن أذكر السلسلة الذهبية المخصصة لخدمة الأدب السعودي.
أيها السادة والسيدات: وقعت في حيرة من أمري ماذا أقول في هذه الليلة وأمام هذه النخبة؟ هل أسهب في الحديث عن قضية معينة؟ إن فعلت ذلك فقد تحولت كلماتي إلى بحث وليس هذا بالمراد ولا المقصود.
إذاً اسمحوا لي بأن أشير إشارات مختصرة إلى بعض ما أعتقد أنه خلاصة التجربة وحصاد الخبرة.
بدأت حياتي العملية في مكة المكرمة عام 1388هـ، جئت إلى مكة المكرمة مدرساً في المعهد العلمي.
كنت شاباً في الثانية والعشرين من عمري ولما أتزوج بعد فكان كل وقتي للتدريس والقراءة والتأمل، في المعهد كان لي طلاب نجباء أصبحوا قادة رأي وفكر وعمل منهم الدكتور عبد العزيز السبيّل والدكتور أحمد الطامي، والدكتور علي العبيد، والدكتور عياض السلمي..، تعلمت أشياء كثيرة من المجتمع المكي، قضيت أوقاتاً طويلة في بيت الله الحرام كنت أصطحب دفتر تحضير الدروس وبعض المراجع، وأحياناً كراسات الطلاب، أجلس -غالباً- من منتصف العصر إلى ما بعد صلاة العشاء، حضرت دروساً في الحرم، ثم انفتحت على المكتبات ومنها مكتبة الحرم الشريف وحتى المكتبات التجارية مثل مكتبة الثقافة، حضرت النشاط الثقافي وبخاصة في نادي الوحدة، حيث كان يحاضر محمد أمين المصري، ومحمد فوزي البشبيشي.. وغيرهم، أنا مدين للمجتمع المكي المثقف بالكثير من مكونات تفكيري، كانت سنتي المكية سنة خصب وثراء معرفي وتهذيب اجتماعي ورقي في التعامل تعلمت فيها الكثير، رقت طباعي وتوسعت مداركي فلله أيام قضيتها في ظلال الحرم وعبق مكة ومشاهد وشواهد وذكريات لا تنسى ولا تمحى من الذاكرة.
في شوال 1417هـ تمّ تكليفي برئاسة لجنة "مؤتمر المملكة في مائة عام" ضمن احتفالات المملكة بالمناسبة المئوية، استمر العمل في التحضير لذلك المؤتمر سنتين كاملتين كانت رئاسة تلك اللجنة تجربة رائعة ومهمة في حياتي فقد شاركت قبل ذلك في تنظيم مؤتمرات كبيرة مثل "المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول"، و "مؤتمر تاريخ الملك عبد العزيز"، لكن مؤتمر المملكة في مائة عام حدث كبير، بل أجزم أنه أكبر مؤتمر علمي في تاريخ المملكة، فقد شارك فيه باحثون من جميع أنحاء العالم ولكم -أيها السادة والسيدات- أن تتصوروا: مؤتمر يؤرخ لمائة عام من تاريخ المملكة، مؤتمر يشارك فيه علماء من جميع أنحاء العالم، وقبل ذلك وبعد مؤتمر يشرف عليه ويتابع شؤونه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير المؤرخين السعوديين، ومضرب المثل في الدقة والتنظيم، تعلمت الكثير من هذا العمل، ومن المناسبة العظيمة، أتيح لي أن أعيد قراءة تاريخنا لمائة عام من خلال بحوث المؤتمر وأن أعيد ترسيخ معلومات واكتشاف أخرى وتصحيح أخطاء. وأقول ملخصاً ذلك الحدث: لقد أعدنا -نحن السعوديين- اكتشاف أنفسنا والتعرف العميق على تاريخنا من خلال ما تمّ في المناسبة المئوية وما تمَ بعدها، لقد كانت وقفة رائعة للتأمل في تاريخنا، لقد كانت وقفة تقدير وإعجاب بمن صنعوا ذلك التاريخ.
كلفت برئاسة النادي الأدبي بالرياض عام (1422هـ) لم أسع إلى ذلك -علم الله- ولم أكن عضواً في مجلس إدارة النادي، لكني -في الوقت نفسه- لم أكن غريباً ولا بعيداً عن النادي، ولا عن الوسط الأدبي والثقافي في الرياض بخاصة، وفي المملكة بعامة، استعنت بالله وباشرت العمل وقلت للزملاء أعضاء مجلس الإدارة في أول جلسة هي أربع سنوات لا تزيد يوماً واحداً وإن نقصت لأي سبب فلا بأس، وتركت رئاسة النادي في تمام الرابعة دونما زيادة يوم واحد مع إلحاح الوزارة على أن أبقى حتى يتم التشكيل الجديد، لكني قلت في خطابي لمعالي الوزير: أرجو أن تعينني على أن أكون صادقاً مع نفسي ومع الزملاء عندما قلت لهم لن أبقى يوماً واحداً بعد تمام المدة، كانت تجربتي في النادي تحمل في طياتها نجاحاً وفشلاً وإيجابيات وسلبيات أترك الحكم عليها للزملاء الذين عايشوها لكن الشيء الذي أسعدني وأذهب عني الهم والحزن أنني لم أدخل في نزاعات ولا مناوشات مع أحد، بل أزعم أن الكل رضي عن سلوكي وأخلاقي وتعاملي، وإن لم يرض على نشاطات النادي.
أود أن أشير باختصار وأنا أتحدث عن تجربتي في النادي إلى بعض ما تحقق في تلك الفترة، فقد وفقنا في إنشاء "ملتقى النقد الأدبي في المملكة"، وهو حدث مهم جداً إذ لم يسبق لنادٍ أدبي سعودي أن خصص للنقد والنقاد ملتقى منتظماً مستقلاً، وأحمد الله على استمراره ثلاث دورات ورابعة في الطريق، أيضاً وفقنا إلى إصدار أول دورية متخصصة في ثقافة الجزيرة العربية وهو دورية (حقول) التي يرأس تحريرها الزميل الأديب والناقد الكبير الدكتور سعد البازعي، وهناك أيضاً إنشاء جائزتين أدبيتين الأولى للإبداع الأدبي السعودي، والثانية للدراسات المتعلقة بالأدب السعودي، ذكرت لكم هذه التنظيمات الثلاث لأنها تؤسس لعمل يستمر ويتنامى مع الأيام، بعد أن تركت رئاسة النادي لم أنقطع عن متابعة نشاطاته والاشتراك فيها، فهو بيتنا جميعاً وملتقانا ولن ينجح أي نادٍ إلاّ إذا تضافرت جهود الجميع لدعمه والرقي به.
منذ بداية حياتي العملية عام 1388هـ إلى اليوم وأنا في خدمة اللغة العربية تدريساً وبحثاً واستشارة واشتراكاً في كثير من الندوات والمؤتمرات التي تعقد عن مشكلاتها ومستقبلها وتعليمها للعرب وغير العرب، حتى نلت شرف الانتماء إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة وأسهمت في التخطيط للمركز التربوي للغة العربية بالشارقة، وشاركت في الهيئة المشتركة للتراث بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة، وأخيراً كان لي شرف عضوية مجلس أمناء "مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي لخدمة اللغة العربية" ولعلي أوجز هنا أفكاراً ورؤى خرجت بها من هذه التجربة الطويلة ومن ذلك:
1- نظم المعنيون باللغة العربية مئات المؤتمرات والندوات وأصدروا آلاف التوصيات ولكن مردود ذلك العمل كان ضعيفاً فلا قيمة لتوصيات خيالية لا تستند إلى الواقع ولا تقوم على الرصد والتحليل للمشكلة ولا تضع حلولاً عملية وآليات منطقية لعلاج نقص أو تطوير أسلوب.
2- تقدمت الأبحاث والأساليب في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها أكثر من أساليب تدريسها لأبنائها فقد كان الميدان الأول -أعني تعليمها لغير أهلها- ميداناً بكراً ومنفتحاً على التطورات العالمية في ميادين تعليم اللغة الثانية أياً كانت، بينما يقف كثير من التقليديين حجر عثرة في طريق التطوير والتحديث.
3- العربية لغة القرآن الكريم ولغة الحضارة العالمية ولغة العلم والأدب، كل ذلك صحيح مسلم به ولكن من العيب أن نظل نردد تلك العبارات والأحكام -وهي صحيحة- دون عمل جاد لتأخذ العربية مكانتها في نفوس أبنائها ومكانها بين لغات العالم، ولتفجير طاقاتها الكامنة ولتطويع التقنيات الحديثة لخدمتها، إن الخطر الذي تواجهه لغتنا العربية من زحف العولمة اللغوية هو خطر حقيقي تسببنا فيه نحن، ويتحمل هذا الجيل تبعات الهزيمة اللغوية، مع أن (العربية) لغة عالمية ويمكن أن تعود لغة للعالم الإسلامي الفسيح وليس العالم العربي المحدود، لكن ذلك لا يكون بالتباكي عليها بل بالعمل الجاد والتخطيط السليم، وقبل ذلك بتجاوز الهزيمة النفسية حيناً والشعارات البراقة حيناً آخر، فكرت عندما كنت عميداً للبحث العلمي وبعد ذلك وكيلاً للدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة الإمام فكرت في ارتياد آفاق جديدة في ميادين الدراسات الأدبية والنقدية، فتبنيت فكرة سلسلة علمية بعنوان "آداب الشعوب الإسلامية"، وسلسلة رديفة لها هي "معاجم للكلمات العربية في لغات الشعوب الإسلامية"، فكان أن تمّ ذلك وأصدرت الجامعة ما يقرب من عشرين مجلداً لباحثين عرب ومسلمين في الأدب التركي والأوردي والإندونيسي والهوساوي والبشتوني والطاجيكي، كنت أتمنى أن يستمر هذا الاهتمام بآداب ولغات الشعوب الإسلامية ولكن يبدو أن الحماس لذلك المشروع قد خبا، ومن أراد التفاصيل يجدها في كتابي "التواصل بين آداب الشعوب الإسلامية" الذي نشرته جامعة عين شمس.
أيضاً اتجهت إلى البحث عن "مهاجر عربية" غير المهجر الشمالي والجنوبي، فكان أن درست الأدب الذي أبدعه العرب الحضارم والمهاجرون إلى إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا وأصدرت كتابي "أدب المهجر الشرقي" في طبعته الأولى عن مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة، والذي صنفه بعض الدارسين على أنه: فتح آفاقاً جديدة كانت مهملة لدراسات الأدب العربي في المهجر، وسعيت إلى أن يسجل بعض الطلاب رسائل ماجستير والدكتوراه في مناطق أخرى من المهاجر ولكن لم يتم ذلك، كذلك بدأت أفكر في الأدب العربي كتبه أدباء غير عرب في مناطق إسلامية مختلفة وكان لدينا طالب نيجيري متفوق فأشرفت على رسالته للماجستير عن "الأدب العربي في نيجيريا"، ثم كانت أمنيتي الكبرى وهي إصدار "موسوعة شاملة عن الأدب في الجزيرة العربية منذ أقدم العصور إلى اليوم"، فوافقت الجامعة، ولكن التنفيذ توقف، أردت أن أصل إلى أمر مهم وخطير ومؤلم وهو أننا في كثير من مشروعاتنا الثقافية والتربوية وغيرها نعتمد على اجتهادات الأفراد، فإذا تغيروا من مواقعهم انتقالاً إلى أعمال أخرى أو إلى القبور قبرت مشروعاتهم معهم وعدنا إلى البدء من نقطة الصفر، وما هكذا تبنى الأمم؟!!
وباختصار شديد أقول: الكل يبدأ من الصفر ويهدم ما بناه من قبله، متى نتجه إلى البناء التراكمي في كل أمورنا، ألا نخشى أن ينطبق علينا كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا (الأعراف: 38)، الكل يحارب الشللية والقبائلية والمناطقية قولاً، ويؤصلها ويلتزم بها فعلاً إذا قدر على ذلك وتمكن منه، ندعو إلى احترام الآخر عندما يكون صوتنا خافتاً وليس لنا سلطة ومكانة، فإذا تمكنا كنا أشد الناس اضطهاداً للرأي الآخر، كثير من خلافاتنا وجدلياتنا لفظية نحن ضحايا الألفاظ العائمة والمصطلحات الهائمة أكثر مما نتوقع، متى نتفق أولاً على تحرير المصطلح وتحديد نقاط الاتفاق لنبني عليها وننميها، ونقاط الخلاف لنصل إلى حلّ وسط لها؟!، متى نتجاوز تصنيف الناس إلى كذا وكذا وكذا؟ متى نترك محاكمة الناس بالنوايا التي لا يعلمها -حقيقة- إلاّ علاَّم الغيوب؟! متى نتجاوز نظرية المؤامرة إلى البحث في الأسباب الحقيقية لانتكاساتنا وما نعيشه من شتات وتشاحن وتخوين؟!.، الوطن في حاجة إلى الجميع، وكلٌ له دور ينبغي أن يقوم به.
في الختام أشكركم جميعاً، وأود أن أشير إلى أن ما تفضل به الإخوان في حديثهم عني هو من حسن الظن بي، وأرجو أن أكون عند حسن ظنهم بي، وشكراً لكم جميعاً، وشكراً لسعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه الذي أتاح لنا أن نلتقي بكم في هذه الليلة المباركة الطيبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :436  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 90 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.