شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(8) ابنتي الحبيبة شيرين
ربما كنت لا تستطيعين فهم حالتك.. وتعجزين عن وصفها.. أو تخافين تصوير شعورك بالضيق من بعض الظروف..
إن اللحظة التي يزول فيها أثر انفعالنا الخيالي بالأشياء تعتبر لحظة قاسية ومريرة..
كنت أحب أن تعتادي الاسترسال في تفهم شعورك وتسجيل تأثراتك والتفكير بها والتعبير عنها..
ولكن انصرافك إلى التعلق ببعض الصور الشديدة التوهج تحول بينك وبين الالتفات إلى جوانب الحساسية.. التي هي مصدر للتأثرات الخفية فيحدث أن تنفجر بلا تمهيد أو تظل ساكنة تعبِّر بالملل والمرض وانقباض النفس عن الحاجة القصوى إلى الإنقاذ..
إن شقاء الإنسان وعذاباته ليست نتيجة لأخطائه.. هناك أناس يخطئون دائماً. لا يفعلون إلا الخطأ. ولكنهم لا يدفعون ثمن أخطائهم ويعيشون في انفصال عنها وعن تأثيراتها.. وأناس لا يخطئون على الأقل لأنهم لا يجدون الوقت ولا الإمكان للخطأ ومع ذلك فهم في عذاب بأخطاء غيرهم..
إن العاطفة البشرية أقل الأشياء أماناً وثباتاً.. ولا سيما عندما تتوهج انفعالاتنا بها..
ما يعزينا أن الناس لا يموتون عندما يفقدون حبهم وأن العلاقات لا تنتهي إذا حدث إشكال..
إن الإنسان يعيش طويلاً وهو يحمل مرض موته ويصارعه.. والعلاقة تعيش بين قلبين متنافرين وربما يجيء ظرف يتغير فيه التنافر إلى حب..
اعتقدت صديقتك أن الرجال لا يحبون ما يشعرون بامتلاكه. وقلت لها: إذا كان هذا صحيحاً.. فالنساء هكذا.. ولم تنكر، كانت عاقلة وقالت إن احتياج المرأة للرجل.. حتى إلى حبه.. هو الذي يفقدها تأثيرها لأنه لا يشعر بأن هناك ما يهدده ويزاحمه عليها.. وقالت وهي منفعلة: قصة زواجي كانت أملاً تحطَّم فلم أكن إلا خادمة أمام سيد يتفضل عليَّ بالمجاملة إذا لم يجد شيئاً يشتغل به.. إنها حقيقة مروعة يا أستاذ، إن شعورها هو المروع!!
وكنت مندهشاً لطريقة تفكيرها.. لماذا كانت تفكر بهذه الطريقة.. إنها لعنة الذكاء وربما لعنة الإحساس أو لعنة الظروف؟ كيف نعرف؟.. دعينا الآن من صديقتك..
قرأت خطابيك مرة أخرى وشعرت بشيء من الثقة بنفسي.. إذا كنت هادئة مستقرة فهذا سيضع حداً لقلقي.. وإذا كان شعورك طيباً فإن كل شيء سيكون واضحاً ومفهوماً..
أين الأخبار الكثيرة عن حياتك التي وعدتني بها.. أخبار تتصل بك مهما كانت عادية.. تعتبر شيئاً هاماً عندي، وأين بقية الصور؟
إن مجموعتك عندي تكبر وتزيد بالتدريج.. وأضفت إليها المنديل الهدية الذي كان وحده رسالة حنان منك..
أليس غريباً أن تجدي أنك مضطرة لتقومي بكل هذه التضحية لأجلي؟.. ربما لا تجدين الوقت.. واستعداد الشعور لمتابعة الكتابة وسرد التفاصيل والذكريات..
سيهدأ كل شيء بمرور الوقت.. ماذا يبقى لدينا بعد أن نقول كل شيء.. ربما خطر لك هذا.. إن لكل شيء تقولينه مهما كان محدوداً أثره العظيم في نفسي.. كل شيء عنك ومنك أيتها الحبيبة..
لن يكون لكلامي عندك هذه المكانة الآن.. فأنت الآن ما زلت صغيرة ولا تعرفين الحياة ولكن سيحدث هذا في المستقبل عندما يتاح لك أن تفهمي الحياة فهماً أوسع وأدق.. وعندما يصبح لك أبناء وبنات؟!
إنك الآن في بدء حياتك الجديدة، وأمامك شهور وسنوات عسل لا تطاق حلاوته أحياناً.. ولا بد أنك تذكرين قصة دولاب العطور.. إن النفس أحياناً تشعر بالاختناق من استمرار السعادة.. ولذلك كان من الضروري دائماً للسعداء مقدار من المتاعب.. مقدار بسيط..
البعض يشعرون بالاختناق مبكراً.. فهل حدث لك حتى الآن اختناق بسيط أو شبه دوار؟
دعيني أرقب الظاهرة لأشاطرك الشعور بها.. يجب أن نرصد معاً لحظة ظهورها واختفائها وأسبابها.. أرجو لك حياة كلها سعادة في ظل زوجك..
وقبلاتي أيتها الحبيبة.
والدك
 
طباعة

تعليق

 القراءات :600  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 10 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.