شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رسالة إلى أبو دلش (1)
قِف بالطُّلولِ، وأرسِل دمعةَ الأسفِ
واطرَح همومَك من ياءٍ إلى ألِفِ
واشْكُ الزَّمانَ وأهلَيه وما جَلَبا
من وَقفةِ الحال، بعد العزِّ والتّرفِ
فربَّما خفَّ حَملٌ فوق صاحِبِه
إذا تَزَحزح عن ظَهر إلى كَتِفِ
والبَوحُ بالهَمِّ إن لم يَشفِ، خَفَّفَه
كالعَطس في زُكمَةٍ، والهَرْشِ من قَشَفٍ (2)
واْقَر السّلامَ على ماضيكَ فهْو هنا
ذِكرَى تعيش بها وَهماً على النَّشَفِ
والذّكرياتُ حِسابٌ لا يراجعه
إلاّ فتىً عَزَّزَ الأوهامَ بالخَرَفِ
وإن تكن لِلّذي راحَت عليه رُؤىً
من العزاءِ، تُشيعُ الدِّفءَ في اللُّحُفِ
فإنّها في ظلام العيش مَسرَجَةٌ
ضئيلةُ الضَّوْءِ، لا تُغنيك في السَّدَفِ
والآن، لا بدَّ من حَلٍّ نُدَبِّرُهُ
ولو سكنتَ به في أضيق الغرفِ
فانزِل على واقع الدّنيا ومنطِقها
واقبَله منتصِفاً أو غيرَ منتصِفِ
واخشَ الصَّلابةَ في حقِّ وكن مَرِناً
إن فاتكَ التَّمرُ، لا تُضرِبْ عن الحَشَفِ
ولا تَقِفْ في ثنايا الصَّف منتظراً
حسناءَ، لن تَتَخطَّى ألفَ مختَطِفِ
فادفع وزاحِم، وعَنْقِل كلَّ مَن سَبقَت
رجلاهُ رجلَيكَ، مِن شِقٍّ ومن طَرَفِ (3)
ولا تَرُدَّك عن أمر هَمَمتَ به
مقالةُ النَّاس: باعَ الحقَّ بالعَلَفِ (4)
أإنْ بُلِيتَ بِبِكرٍ لا أمانَ لها
أدرتَ ظهرَك كالقَرْفَانِ للنَّصَفِ؟ (5)
فرُبَّ ذي نِعمة مال الزّمانُ به
وضامَه، هَجَرَ السِّيجَانَ للكُنُفِ (6)
وكلُّهم أنت فيما أنتَ فاعِلُه
والفوزُ بالقَصد يُنسِي لعنةَ الجَدَفِ (7)
وإنَّما الحقّ في دنياكَ مهزَلَةٌ
ضاعَت بعُمْرك بين القَصد والسَّرَفِ
فاسمعْ كلامي، ونفِّذْ ما أشرتُ به
يابنَ الحلال، وشلِّحْ غيرَ منكَسِفِ
إن الحياءَ رصيدٌ لا اعتبارَ له
وعزَّةَ النّفس"شِيكٌ" غيرُ منصَرِف
وإن واقعَنا المنكودَ: أنّ غِنى الـ
أنذالِ سَوَّدَ منهم كلَّ منحرِفِ (8)
فإنْ أطَقْتَ فخُضْ في الوحل تَلقَ به
أرطالَ قومِكَ من جانٍ ومقتَرِفِ (9)
ولا تقل: كيف أرضى الوحلَ عاقبةً
فالجوعُ يرضِي أسود الغاب بالجِيَفِ
"مَنْتا اللِّي" ضيَّعْتَ أيام الشّبابِ سُدى
في الفَنّ والحبّ بين الغَيّ والشَّغَفِ؟ (10)
وخاب ظنُّك بالأصحابِ حين أتَوْا
على قروشِك في دوّامة السُّلَفِ (11)
ورُحتَ تُنفِق ما حَوَّشْتَ فَنْجرَةً
على النِّساءِ، وما أعقَبْنَ من خَلَفِ (12)
وأشبَعَتْكَ قضاياهُنَّ بَهْدَلَةً
بين المحاكم من مصرٍ إلى النَّجَفِ
حجزاً، ونقضاً، وإبراماً، وَطفْحَ دم
بَلَغتَ بالعمرِ فيها غايةَ القَرَفِ (13)
وعاد ماضيك أشباحاً تسامرها
على همومك في رِفق وفي عُنُفِ
وأنتَ في بحرِها أو فوق ساحلها
عُريانُ، تُشبِه صياداً بلا لَعَفِ (14)
فاليوم لو رُمتَ قِرشاً ما ظفرتَ به
من ناكرٍ دَيْنَكَ الماضي ومعتَرِف
ولو تَصَرمَحْتَ ساعاتٍ بلا كَلَلٍ
من الرَّغامَةِ حتى مسجِدِ الحَنَفِي (15)
لقد نصحتُك، فانهضْ غيرَ متَّئدٍ
فَطُولَةُ البال قد تُفضِي إلى التَّلَفِ
وذاك آخِرُ ما عندي، فإن صَعُبَتْ
عليك نفسُك، فالزَم عِيشة الشّظَفِ
واهربْ إلى الشِّعر مثلي، كلَّما غَثِيَتْ
بالحزن نفسُك، واملأْ أنهُرَ الصُّحفِ (16)
فالشّعر أصل البلاوي، وهْو كاشفُها
متى تخيَّرتَ أن تحيا بلا هدفِ
والشّعر كالفقر في إرضاء صاحبه
بقطعة الخبز، في كوخ، على خَصَفِ (17)
و إنما هو محرابٌ يلوذ به
مَن فاتَه حظُّه من سُنَّة السَّلَفِ
والكِذْب في الشّعر لا يُزري بقائله
وسارقُ الشعر لم يُقذّف إلى جُرُفِ (18)
وليس يَخلو مجالُ الشّعر من فُرَصٍ
عُلْيا تَدُرُّ عليك المالَ بالقُفَفِ (19)
فقد تصيبُ عِصاميّاً تؤرِّقه
أحلامُه في ادّعاءِ المجد، فازدَلِفِ (20)
وامدَحْه، واصنَعْ له تاريخَ أسرته
بما تيسَّر من دُرِّ ومن صَدفِ
وصُغْ له من فنون المدح مُفترياً
ما صاغه المتنبي في أبي دُلَفِ (21)
فرُبَّ مجدٍ بناه المالُ من ذهب
ورُبَّ مجدٍ بناه الشِّعر من شُقَفِ (22)
ولا يُهِمَّك علمُ العارفين به
هماً على الأرض، أو جهراً على الطُّنُفِ (23)
فما يَعيبُ غنيّاً سوءُ سيرته
كما تَعيبُ المغنّي غُنَّةُ الخَنَفِ (24)
وإنَّهم قِلَّة لا يُستساغ لها
قولٌ، وهل عيبَ حسنُ البدر بالكَلَف؟
والرِّكُّ عَ الحظّ إن أعطاك تَذكَرَةً
فقد وصلت إلى اليَنبوع، فاغتَرفِ (25)
* * *
يا رائدَ الجِيل في فنِّ وفلسفة
سَلْ عن مصيرِهما في أسوَءِ الخَلَفِ
فإنّ زهرَك لم يفرح بمقتَطِف
وإنّ كأسَك لم تَهتِف لمرتشِفِ
قد كنتَ للجيل ميزاناً يُحكّمُه
فرَدَّك الفقر مِيزاناً بلا كِفَفِ (26)
فاركب إلى العيش، واشدُدْ كلَّ راحلة
واصبُبْ على جانِبَيْها سوطَ معتَسِف
فما تَدينُ المنى إلا لِمقتَحِم
ماضي العزيمة في عدل، وفي جَنَفِ
وشرُّ عهدَيْكَ، عَبْرَ العيش، خيرُهما
متى حلَلْتَ به في دارة الشَّرفِ
عهدُ الهواية ولَّى يا أبا دُلَش
فاخلعْ ومزِّقْ رداءَ الفنِّ، واحتَرِف
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :553  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 161 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.