وظلت رئاسة الفتوى في هذا العهد تتداولها بيوت العلماء في مكة في هذا العهد كما كان شأنها في العهد العثماني الأول وقد تولاها الشيخ عمر بن عبد الكريم بن عبد الرسول في عام 1228 ثم الشيخ عبد الحفيظ العجيمي ثم الشيخ عبد الله الميرغني في سنة 1247 ثم السيد محمد الكتبي.
ولما كانت ولاية الشريف عبد المطلب في عام 1267 أعاد الميرغني إلى الفتوى مرة أخرى لأن المراغنة من المقربين إلى ذوي زيد وعندما عزل عبد المطلب وتولى محمد بن عون أمر مكة في عام 1272 أقر الميرغني إلى أن توفي ثم أعادها إلى السيد الكتبي فظل فيها إلى أن توفي عام 1280.
وبوفاته تقلدها الشيخ جمال عمر ثم تقلدها في عام 1284 الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله سراج بتخفيف الراء -ثم عزله عنها عبد المطلب لما أعيد إلى الإمارة في عام 1297 وولى السيد أحمد بن عبد الله الميرغني ثم ما لبث أن أعيد عبد الرحمن سراج فبقي فيها إلى أن استاء منه الشريف عون الرفيق فعزله وولى الشيخ صالح بن صديق كمال فظل إلى أن استقال فولى عبد الله بن الشيخ عباس بن جعفر بن صديق ثم أعيد الشيخ عبد الرحمن سراج مرة ثالثة ثم عزل وأعيد الشيخ عبد الله إلى الفتوى وظل بها إلى أن توفي في عهد الشريف علي باشا في رحلته إلى اليمن في عام 1225(1) وبوفاته تولى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن سراج بتخفيف الراء وقد قيل إن الشريف علي باشا طلبه من الآستانة وكان يقيم بها في قصر الحسين (ملك الحجاز فيما بعد) فلما حضر ولاّه الفتوى(2) وظل على ذلك إلى أن تولى الحسين إمارة مكة فأقرّه عليها لما كان يربطه به من صلة وثيقة ولما استقل الحسين بأمر الحجاز جعله رئيساً للقضاة وأضاف إليه الوكلاء(3) وقد ظل في منصبه إلى أن أجلى الحسين عن مكة فغادرها في رفقته ثم استقر في ((شرق الأردن)) وتولى فيه منصب رئاسة الوزارة إلى أن توفي من سنوات وخلف ابنه حسين سراج وكان يعمل وزيراً مفوضاً لحكومة الأردن في مصر. ومن الجلي أن رجال الفتوى الذين سردنا أسماءهم فيمن سردنا كانوا يشغلون المناصب الرئيسية في أمور الفتوى وكانوا يقلدون المذهب الحنفي وهو مذهب الدولة العثمانية أما المذاهب الأخرى فقد كان يتقلد فتواها غيرهم من بيوت العلم في مكة وكانت وظائفهم تأتي في الدرجة الثانية بعد المركز الرئيسي لأصحاب الفتوى الذين ذكرناهم.
القضاة: أما القضاء فكان يتولى منصبه في مكة علماء الأتراك الذين تندبهم الدولة التركية وكانت أحكامهم مرتبطة بمشيخة الإسلام في الآستانة فكان القاضي يمثل سلطة الأتراك الدينية ويرأس الحفلات التي ينتصب فيها أمراء مكة ويعقد المراسيم الخاصة بذلك ويتولى تقديم الخلع السلطانية إلى الأمير.
ولسنا في صدد ذكر أسمائهم لأننا نؤرخ هنا لبيوت العلم في مكة(4).
صورة ممثل أحد قضاة الأتراك في لباسه التقليدي الذي كانوا يلبسونه في هذا العهد الذي ندرسه
كان قد ندب إلى اليمن على رأس وفد من العلماء والأعيان هم الشيخ محمد سعيد بابصيل والشيخ صالح كمال والشيخ محمد خياط والشيخ عبد الله المفتي وأحد تجار مكة والشيخ عبد القادر قطب في مهمة رسمية لنصح إمام اليمن عن الخروج على الدولة العثمانية كما ذكرنا ذلك.
كان أهل مكة يتولون القضاء فيها قبل هذا العهد وظل الأمر كذلك بعض الوقت في العهد العثماني ولكن الأتراك ما لبثوا أن شعروا أنهم العنصر الحاكم فشرعوا يندبون القضاة منهم ابتداء من عام 943 وظل الأمر على ذلك حتى استقل الحسين بأمر الحجاز.